سجال بين الإمارات والسعودية.. هل ينتهي عصر الوقود الأحفوري في 2050؟

بعد تمديده لوقت ضائع، أعلن رئيس مؤتمر الأطراف للمناخ "كوب 28"، الإماراتي سلطان الجابر، في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2023 التوصل إلى اتفاق وصفه بـ"التاريخي".
وقال إنه جرى التوصل لاتفاق بين الدول المشاركة، يمثل "حزمة تاريخية" من التدابير التي تقدم "خطة قوية" للتمكن من تحقيق هدف وصول درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية.
وكان ملفتا أمران، الأول أن الاتفاق تضمن الإشارة إلى التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل بحلول عام 2050، وهو أول قرار يصدر عن مؤتمر المناخ يتطرق لمصير جميع أنواع الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم).
لكن الاتفاق لم يتضمن عبارة "الاستغناء" عن هذا الوقود والتي رفضتها الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها السعودية، كما أشار إلى "الابتعاد" لا "التخلي" عن الوقود الأحفوري.
الأمر الثاني، أن السعودية كانت متحفظة للغاية على القرار والتوجه الذي وقفت خلفه رئاسة الإمارات للمؤتمر، حتى تحقق مكسبا إعلاميا، بشأن التخلي عن الوقود الأحفوري وجاء رد فعلها على نتائج المؤتمر معبرا عن ذلك.
وهو ما يتوقع أن يزيد من فجوة الخلافات بينها وبين الإمارات التي تحاول حصار مصادر القوة السعودية المنافسة لها اقتصاديا في المنطقة، خاصة النفط الذي تعتمد عليه 60 بالمئة من الموازنة السعودية، وفق تقارير سعودية.
مبالغة في النتائج
منذ استضافة الإمارات مؤتمر المناخ وهناك ترتيبات تجري للاستفادة منه في تلميع صورة النظام كجزء من سياساتها الاقتصادية التي تعتمد على التسويق.
ظهر هذا في تضخيم أهمية المؤتمر، واستخدام عبارات قوية لوصف ما نتج عنه مثل "تاريخية" و"لحظة استثنائية" و"غير مسبوقة" وتباري قادة الدولة في إبراز أهمية ما أسموه "اتفاق الإمارات" ونجاحها "في قيادة العالم" للوصول لهذه النتائج.
ما انتهى إليه المؤتمر كان متوقعا، لكن جرت المبالغة في تقدير نتائجه، فضلا عن أنه مجرد "توصيات" ليست ملزمة سواء للأطراف التي تسهم في تدمير المناخ وأغلبها دول كبرى، أو دول النفط التي تعد نفطها ثروة قومية لا يمكن التخلي عنها.
وتضمن الاتفاق، 8 أنواع من الإجراءات، تشمل مصير جميع أنواع الوقود الأحفوري من النفط والغاز والفحم، من دون إدراج عبارة "الاستغناء" عن هذا الوقود، التي رفضتها السعودية.
والتحول من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة من خلال تسريع العمل من أجل تحقيق الحياد الكربوني عام 2050.
كما نادى الاتفاق بضرورة زيادة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم إلى ثلاثة أمثال بحلول عام 2030، وتسريع الجهود المبذولة للحد من استهلاك الفحم، وتسريع استخدام تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه.
لكن رئيس مؤتمر "كوب 28" سلطان الجابر خرج ليصف الاتفاق بـ "التاريخي"، كونه يشمل حزمة من التدابير "القوية" للتمكن من تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وفق قوله، رغم أنه جرى النص على أن يكون ذلك "بطريقة عادلة"، أي وفق مصالح الدول.
وقالت وزيرة الطاقة الفرنسية "أنييس بانييه روناشيه"، إن النص الذي استغرق التفاوض بشأنه ليالي طويلة، يدعو للمرة الأولى إلى "التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري".
كما أن تمويل البنود التي جرى الاتفاق عليها، أمر صعب لأن "صندوق الأضرار والخسائر" الذي أنشأته الإمارات لذلك ليس به سوى 700 مليون دولار، وهو مبلغ لا يتعدى الواحد بالمئة من حاجات الدول المتضررة من تغير المناخ.
والأهم من كل ذلك أن العبرة بالتنفيذ لا بالقرارات والنوايا، وهو ما أشار له واعترف به رئيس دورة المناخ الإماراتي سلطان الجابر في كلمته الختامية.
ويقول خبراء البيئة إن هناك عقبات أخرى تتعلق بتنفيذ هذه التعهدات، مثل لجوء العديد من الدول للفحم في الآونة الأخيرة في صناعاتها لرخصه عن النفط، وبسبب تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وتوقف إمدادات الغاز الروسي.
بجانب أن ما يقال عن إحلال "الطاقات المتجددة" محل الوقود الأحفوري، هو كلام للاستهلاك الإعلامي يصعب تطبيقه على الواقع في العديد من البلدان، لأن هذه الطاقات المتجددة سلعة، وسعرها مرتفع ويصعب الحصول عليها.
مكايدة إماراتية
رغم أن ناشطي البيئة استغربوا أن تستضيف الإمارات مؤتمر المناخ، في حين أن رائحة النفط تملأ هواءها، كما أن المشرف عليه هو رئيس شركة النفط الإماراتية "أدنوك"، فقد كان لافتا إلقاء أبو ظبي بثقلها لخروج المؤتمر بتوصية تُنهي عصر الوقود الأحفوري نظريا.
هذا التوجه الإماراتي له صلة بنضوب نفطها "في وقت ليس ببعيد"، وسعيها للتركيز على "اقتصاد ما بعد نضوب النفط"، بنسبة 70 بالمئة، مقابل 30 بالمئة فقط للقطاع النفطي، وفق دراسة لموقع "الجرنال العلمي الجزائري" في 11 يوليو/تموز 2023.
حيث رفضت السعودية والكويت والعراق أي صيغة في الاتفاق تمس بالنفط والغاز، لكنها لم تعمل على تعطيل إقرار الاتفاق النهائي، بعد إلغاء عبارة "الاستغناء عن الوقود الأحفوري"، واستبدال عبارة "التخلي" عن الوقود الأحفوري بـ "الابتعاد" عنه.
وشدد رئيس الوفد السعودي توفيق البراء، على أن مخرجات المؤتمر "تؤكد تعدد المسارات والنهج، بما يتماشى مع ظروف وأولويات كل دولة، في سبيل تحقيق التنمية المستدامة"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية 13 ديسمبر 2023.
وهو ما يشير ضمنا لرفض السعودية الالتزام بما قد يضر اقتصادها الذي يعتمد على النفط، وما حاولت الإمارات الوصول إليه ضمن قرارات المؤتمر.
وأظهر خلافا سعوديا إماراتيا جديدا حول النفط، بعدما استهدفت أبوظبي الضغط للخروج بتوصية تُقرب نهاية عصر النفط، ربما كنوع من حصار مصادر القوة السعودية.
عبر عن هذا الخلاف، ونوايا الإمارات التي لا ترضى عنها المملكة، سليمان العقيلي رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السعودية بقوله إن ما عجزت عنه فرنسا في مؤتمر باريس 2015 لتجريم النفط في اتفاقية المناخ "لا يستطيع أحد تمريره في قمة دبي".
اعتقد ان ماعجزت عنه محاولات فرنسا في مؤتمر باريس 20015 لتجريم النفط في اتفاقية المناخ حينذاك ، لا يستطيع احد تمريره في قمة المناخ كوب 28 في دبي !
اوبك بلس اقوى مما يتصورون ..— سليمان العقيلي (@aloqeliy) December 12, 2023
ربما لهذا شدد "البراء" في تصريحاته داخل المؤتمر على قضية نزع "الكربون" من النفط بوصفه سبب المشكلة، مشيرا إلى ضرورة استخدام تكنولوجيا "تقنيات حجز وادارة الكربون"، لكنه طالب الدول المتقدمة بتوفير هذه التقنية.
وتُعرف شركة "أرامكو" السعودية، احتجاز الكربون على أنها "استخلاص مخلفات غاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر كبرى، مثل محطات الطاقة الكهربائية، ثم احتجازه في باطن الأرض للحيلولة دون انبعاثه في الغلاف الجوي".
وقد كشف وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن فريقا سعوديا متكاملا شارك في مفاوضات مؤتمر المناخ "وتمت مراجعة نص البيان الختامي كلمة بكلمة قبل الموافقة عليه"، بحسب صحف سعودية في 13 ديسمبر 2023.
وأكد الوزير في نفس اليوم، في مقابلة مع قناة "العربية بزنس"، أن نصوص اتفاق دبي "لا تؤثر على صادراتنا ولا على مقدرتنا في البيع"، مشيرا إلى أنها جاءت "تأكيدا لفهمنا لمفهوم اتفاقية التغير المناخي".
وشدد على أن الاتفاق ينص على أنه "يجب الاهتمام بالمصالح الوطنية وأن كل دولة تمارس هذا النشاط وفق ظروفها الوطنية، ولكل دولة حقها في أن تختار من هذه المناشط".
ربما لهذا حذر رئيس المؤتمر الإماراتي سلطان الجابر ضمنا من احتمال عدم التزام دول به بقوله: "يجب أن نكون حذرين، فالاتفاقية جيدة حينما يتم تطبيقها نحن ما نفعل وليس ما نقول يجب علينا اتخاذ الخطوات لتحويل الاتفاقية إلى أفعال واقعية".
وقد أكدت وكالة رويترز البريطانية في تقرير لها 12 ديسمبر 2023، هذا الخلاف السعودي الإماراتي مؤكدة أن أكثر من 100 دولة (من 200 مشاركة في المؤتمر) ضغطت من أجل استخدام صيغة قوية "للتخلص التدريجي" من استخدام النفط والغاز والفحم.
لكنها واجهت معارضة قوية من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية.
وقال وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، إن المادة 28 من بنود الاتفاق تمنح الدول وفق "طريقة محددة وطنيا" تقرير مسألة التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري.
وتطرقت المادة 28 من اتفاق "كوب 28" إلى الوقود الأحفوري وحددت المدد الزمنية للابتعاد عن استهلاك أنواع معينة، لكنها تركت مسألة "التخلي" عن الوقود الأحفوري تدريجيا.
وأكدت على الاعتراف بالحاجة إلى تخفيض عميق وسريع ومستدام في انبعاثات غازات الدفيئة بما يتماشى مع المسارات المحددة لإبقاء الاحترار العالمي عن حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.
ودعا الاتفاق في تلك المادة الدول المشاركة إلى المساهمة في عدة جهود "وفق الطريقة المحددة وطنيا، مع الوضع في الحسبان اتفاق باريس واختلاف الظروف والمسارات والتوجهات الوطنية".
خلافات واضحة
هذه الخلافات التي جرى الحديث عنها ضمنا أشارت لها صحف ووكالات أنباء عالمية مؤكدة أنها ظهرت بوضوح بين وجهتي نظر المملكة والإمارات داخل المؤتمر.
وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 10 ديسمبر 2023، نقلا عن مسؤول خليجي، إن "السعودية غير راضية على طريقة عن إدارة الإمارات لمحادثات المناخ في دبي".
وكالة "رويترز" تحدثت في 10 ديسمبر 2023 عن "انقسامات كبيرة في المرحلة النهائية لمحادثات المناخ في الإمارات"، مشيرة لتأكيد وفد السعودية موقفه، بأن اتفاقية "كوب 28" لا ينبغي أن تنتقي وتختار مصادر الطاقة، بل يجب أن تركز بدلا من ذلك على خفض الانبعاثات.
وقالت "فايننشال تايمز" إن "السعودية تعرقل مفاوضات المناخ الرئيسة التي تجريها الأمم المتحدة وتضغط على الرئاسة الإماراتية، في محاولة لتحويل التركيز بعيدا عن الدول المنتجة للنفط والغاز، وفقا لعدد من الأشخاص المشاركين في المحادثات".
ونقلت عن مفاوضين ومسؤولين أوروبيين أن سلطان الجابر، رئيس مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) ورئيس شركة بترول أبو ظبي الوطنية، "يتعرض لضغوط كبيرة" من السعودية.
ونقلت الصحيفة البريطانية في تقرير آخر 12 ديسمبر 2023 عن دبلوماسيين بقمة المناخ أن "الرياض كانت العقبة الحاسمة أمام إعلان أقوى وتدعمها دول أخرى في أوبك، و(أوبك +) مثل العراق وروسيا".
قالت: "زار عدد من المسؤولين من مختلف الدول وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الأخ غير الشقيق لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في محاولة لإقناع المملكة الغنية بالنفط بتغيير موقفها".
وأن وزراء من جميع أنحاء العالم "اتهموا الرياض بممارسة الضغوط على سلطان الجابر، رئيس مؤتمر الأطراف 28 ورئيس شركة بترول أبو ظبي الوطنية، لتحويل تركيز النص بعيدًا عن الوقود الأحفوري".
وقال مصدر مطلع إن الأمير عبد العزيز بن سلمان، غاب عن الجلسة العامة المقررة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر 2023 بعد تعثر المفاوضات.
وأشار تقرير لموقع "مدى مصر" في 11 ديسمبر 2023 إلى أن تسابق الرئاسة الإماراتية لقمة المناخ، الزمن، للوصول إلى اتفاق نهائي ناجح، لإثبات نجاحها في إدارة المفاوضات، عرقلته السعودية.
وأوضحت أن السعودية أبت أن تمنح الإمارات نجاح قمتها، لأن هذا يعني الإضرار بنصف اقتصاد السعودية، المعتمد على البترول بشكل أساسي.
حيث لا يزال الاقتصادي السعودية يعتمد بنسبة 60 بالمئة على الإيرادات النفطية وكان قبل 10 سنوات يعتمد عليها بنسبة 90 بالمئة، وفق الدكتور محمد مكني، أستاذ المالية والاستثمار بجامعة الإمام، لموقع "العربية" في 5 أبريل/نيسان 2023.
ما يعني أن قرارات المؤتمر، حتى ولو لم تكن ملزمة بالكامل، ستضر الاقتصاد السعودي على المدي البعيد، لذا تدخلت الرياض للتخفيف منها كي لا تظهر مخالفة للإجماع العالمي فيما يخص المناخ.
وقد نقل موقع "مدي مصر" عن "مراقب مصري" حضر الاجتماعات أن الرئاسة الإماراتية للمؤتمر حاولت إيصال شعور بالإنجاز السريع والقدرة على السيطرة على سير المفاوضات، فركز على النجاحات الكبيرة السريعة.
أوضح أن "الضغط الإماراتي هو محاولة منها لتقديم نفسها للعالم كلاعب رئيس في سوق الطاقة المتجددة وتحسين صورتها، لتثبت بذلك أن الانتقادات التي وُجهت لها عند إعلانها مضيفة لقمة المناخ كانت خاطئة".
ومن ثم "تحسين صورة الإمارات النفطية وغسل سمعتها، حسبما قال مراقبون وخبراء مناخ".
المراقب المصري أوضح أن النص الذي أرادت الإمارات إدراجه حول الوقود الأحفوري "لن يؤثر على مصالحها، لكنه بالتأكيد يؤثر على مصالح السعودية"، حيث بدأت الإمارات مبكرا في خفض اعتمادها على البترول.
وتوسعت في صناعات الطاقة المتجددة، على عكس السعودية التي تأخرت في تنويع اقتصادها الذي يعتمد نصفه تقريبا على البترول.
وذكر أن الإمارات اقترحت خمس صياغات مختلفة لتتفاوض عليها نحو 200 دولة حاليا للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، لاشتراط قواعد المؤتمر أن تكون الموافقة جماعية.
وكان واحد فقط من الخيارات الخمسة لا يأتي على ذكر الوقود الأحفوري، بينما تتضمن الأربعة خيارات الأخرى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بصيغ مختلفة.
وهو ما رفضته السعودية، ودول أخرى يعتمد اقتصادها على البترول، مثل إيران وروسيا والعراق، وحتى دول مثل الصين والهند بسبب اعتمادها على الفحم.
ومع تنامي الضغط على الدول البترولية للتخلص من الوقود الأحفوري، اتجهت السعودية كرئيس للمجموعة العربية، والصين كرئيس لتحالف سياسي من الدول المعتمدة على البترول يُسمى بـ "الدول النامية المتشابهة في التفكير" ودول أخرى، للدفاع عن مصالحهم عن طريق عرقلة مسار تفاوضي آخر.
وكانت "أوبك" قد أصدرت خطابا لأعضائها وداعميها 6 ديسمبر 2023، تطلب منهم "معارضة أي لغة تستهدف الوقود الأحفوري في اتفاق كوب 28.
وأصبحت "أوبك" أكثر تشددا في معارضة أي تهديد لإنتاج النفط والغاز في العام الماضي، وقد هاجمت وكالة الطاقة الدولية في مناسبات متعددة بسبب معارضتها لمشاريع الوقود الأحفوري الجديدة.
وقال مراقبون في المفاوضات لوكالة "رويترز" إن "بعض تلك الوفود تستجيب للدعوة على ما يبدو".