"شراكة إستراتيجية".. ما أهمية زيارة وزير الخارجية التركي إلى بريطانيا؟
نتوقع أن يُتوصل قريبا إلى نتائج إيجابية بشأن شراء طائرات "يوروفايتر تايفون"
في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، زيارة إلى بريطانيا، التقى خلالها بنظيره ديفيد لامي.
وتناولت الزيارة ملفات التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، بما في ذلك بيع مقاتلات "يورو فايتر" لتركيا، وبدء مفاوضات حول توسيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
حليفان بالناتو
وفي تصريح أدلى به فيدان بخصوص الاجتماع بلامي، قال إنه يعرف نظيره منذ فترة طويلة؛ منذ أن كان في المعارضة، معربا عن أمله في تعزيزه العلاقات الجيدة المستمرة بين تركيا وبريطانيا.
وقال فيدان: "تركيا والمملكة المتحدة تتمتعان بعلاقات إستراتيجية عميقة. هدفنا هو مواصلة تعزيز التعاون بين بلدينا، ما في ذلك الروابط التجارية وتحديث اتفاقية التجارة الحرة الحالية".
من جانبه قال لامي: "المملكة المتحدة وتركيا، كحليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) تربطهما علاقات لا غنى عنها. كما أنهما يتشاركان وجهات النظر نفسها في العديد من القضايا".
كما أشار إلى أن "بريطانيا وتركيا تمتلكان علاقات تجارية هائلة، حيث بلغت قيمة العلاقات التجارية بينهما إلى 26 مليار جنيه إسترليني".
جدير بالإشارة هنا إلى أنه منذ عام 2007، ترتبط تركيا وبريطانيا بعلاقة "شراكة إستراتيجية"، وقد ازدادت هذه العلاقة قوة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
ومنذ تولي حزب "العمال" السلطة بعد انتخابات يوليو/ تموز 2024، أرسلت الحكومة الجديدة رسالة تؤكد على تعزيز العلاقات مع تركيا.
وكان اللقاء الأعلى مستوى بين الطرفين قد عُقد بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، على هامش قمة الناتو في واشنطن في 11 يوليو/ تموز 2024.
تعاون ثنائي
بالإضافة إلى ذلك، تكتسب زيارة وزير الخارجية فيدان إلى لندن أهمية خاصة لوضع خارطة طريق مستقبلية للحوار الثنائي بين البلدين.
وكانت وزارتا الدفاع في تركيا وبريطانيا قد وقعتا في عام 2022 "إعلان نوايا للتعاون الدفاعي" بعد رفع الحكومة البريطانية قيود تجارة الأسلحة المفروضة على تركيا، وحددتا مجالات التعاون العملي، من بينها مقاتلة "كان" التي تطورها تركيا، وشراء مقاتلات "يورو فايتر".
وفي هذا الصدد، يُذكر أن الخيارات المطروحة لتطوير محرك المقاتلة التركية "قآن"، التي تعمل تركيا على تطويرها بإمكاناتها الذاتية، تشمل إنتاجا مشتركا مع شركة "رولز رويس" البريطانية.
ورغم أن الاتفاق الأولي الذي وُقع مع الشركة البريطانية في عام 2017 لم يسفر عن نتائج، إلا أن التقارب في العلاقات بين البلدين قد يمهد الطريق لاتخاذ خطوات جديدة في هذا المجال.
علاوة على ذلك، كانت تركيا قد أُقصيت من برنامج الطائرة المقاتلة من الجيل الخامس "F-35" بسبب حصولها على نظام الدفاع الجوي الروسي "S-400".
ولتجنب أي ضعف مستقبلي في قواتها الجوية، تسعى تركيا للحصول على 40 طائرة "F-16" مع 79 مجموعة تحديث، بالإضافة إلى 40 طائرة من طراز "يورو فايتر".
ويتطلب بيع هذه الطائرات، التي تنتجها شركة "كونسورتيوم" بقيادة بريطانيا وتضم ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، موافقة الدول الأربع.
ورغم أن ألمانيا كانت مترددة عام 2024، إلا أنها أبدت موافقة مبدئية على البيع خلال زيارة المستشار أولاف شولتس، الأخيرة إلى إسطنبول ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان في ظل زيادة التوترات الجيوسياسية في المنطقة وموافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو.
فيما مازال يقول مسؤولون ألمان إن قبول ألمانيا لهذا الطلب الجديد للبيع سيكون صعبا بسبب شراء تركيا لنظام دفاع جوي من روسيا وعملياتها العسكرية في سوريا والتوترات الإقليمية.
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يبحث فيدان خلال محادثاته في لندن المراحل التالية لهذا المسار بعد الضوء الأخضر من برلين.
وبعد اكتمال الموافقات السياسية، من المرجح أن تقوم رئاسة الصناعات الدفاعية التركية بالتعاون مع الـ "كونسورتيوم" بتخطيط الجوانب الفنية للعملية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، اُتفق على بدء المناقشات الفنية بشأن شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون" بين ألمانيا وتركيا.
حيث وصل وفد فني من الدول الأربعة المكونة لتحالف "يوروفايتر" -بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا- إلى تركيا وبدأ مفاوضات بهذا الخصوص.
ويعتقد أن ألمانيا ستمنح موافقة مشروطة على شراء تركيا 20 طائرة مقاتلة من طراز “يوروفايتر تايفون”، فيما أفادت مصادر بوزارة الدفاع التركية بأن "أي شروط لم تُطرح على طاولة النقاش بشأن توريد الطائرات".
في الأثناء تفيد مصادر بوزارة الخارجية التركية بأن الاتفاقية التي تشمل شراء تركيا 40 طائرة من طراز "F-16" و79 مجموعة تحديث من الولايات المتحدة دخلت حيز التنفيذ بعد تحصيل قيمة الدفعة الأولى.
وأكدت مصادر من وزارة الدفاع أنه "رغم استمرار المفاوضات مع الجانب الأميركي، أُجريت أول دفعة ضمن الاتفاقية".
وأوضحت الوزارة: نتوقع أن يُتوصل قريبا إلى نتائج إيجابية بشأن شراء طائرات "يوروفايتر تايفون". وتستمر المحادثات مع الدول الأعضاء في التحالف، خاصة بريطانيا، ومع ممثلي الشركة المصنعة".
حزب "العمال" وتركيا
في المملكة المتحدة، حافظ حزب "العمال" على علاقات وثيقة وجيدة مع تركيا، خاصة خلال فترة حكومات توني بلير.
ومن المتوقع أن يستمر الحزب الحاكم الجديد، بقيادة كير ستارمر، في تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع أنقرة.
إلى جانب ذلك، عززت تركيا وبريطانيا التعاون في مجالات الدفاع والصناعة والأمن والتجارة بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يستمر هذا التعاون الإستراتيجي بين البلدين في الحكومة الجديدة.
وكمتحدث باسم حزب "العمال" في عام 2021، وصف ديفيد لامي، الذي يعرف تركيا جيدا، بأنها "واحدة من الدول المهمة في العالم المتغير" في مقالاته وتصريحاته.
وفي مقال له في مارس/ آذار 2023، أشار إلى أن "تركيا بدأت تلعب دورا أكبر في منطقتها مع تراجع القيادة العالمية للولايات المتحدة، حيث استخدم الرئيس رجب طيب أردوغان هذه الفعالية الإقليمية بشكل إيجابي وسلبي".
وفي المقال، أضاف لامي: "من جهة، ساعدت تركيا في نقل الحبوب عبر البحر الأسود، مما ساعد أوكرانيا والعالم. ومن جهة أخرى، استغلت تركيا طلبات فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو لتحقيق مكاسب سياسية وأطالت عملية الانضمام".
وبالحديث عن النقطة الأكثر أهمية في جدول أعمال العلاقات بين تركيا والمملكة المتحدة في الفترة القصيرة المقبلة، يمكن الإشارة إلى "توقيع اتفاقية التجارة الحرة التي تم التفاوض عليها خلال حكومة حزب "المحافظين"".
وفي سياق ذلك، بدأ حزب "العمال" في بريطانيا بعد 14 عاما من حكمه الجديد عملية التفاوض على اتفاقية تجارة حرة شاملة وحديثة مع تركيا في 14 مارس/ آذار 2024، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
ومن ناحية أخرى، أفادت مصادر دبلوماسية تركية بأن "فيدان سيؤكد مجددا استعداد تركيا لبدء مفاوضات توسيع اتفاقية التجارة الحرة". إذ كان البلدان قد وقعا اتفاقية تجارة حرة في نهاية عام 2020 عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه ومع الزخم المتزايد في العلاقات، تقرر توسيع هذه الاتفاقية.
وفي يونيو/ حزيران 2024، تقرر رسميا بدء المفاوضات، لكن تأجيلها حدث بسبب إعلان انتخابات مبكرة في بريطانيا.
مواقف متباينة
قبل أول لقاء بين ستارمر وأردوغان في منتصف عام 2024 خلال قمة الناتو في واشنطن، كان هناك بعض القلق بين المراقبين.
إذ كان هناك شكوك حول "ما إذا كان رئيس الوزراء المنتخب حديثا، وهو شخصية محافظة، سيتمكن من التفاهم مع أردوغان".
ومع ذلك، يُقال إن "الاجتماع جرى بشكل أفضل من المتوقع".
وقال مصدر تركي مطلع على الاجتماع: "كان ستارمر أكثر كاريزما مما توقعوا، لقد كانت اللقاءات جيدة؛ حيث تبادلوا الملاحظات حول التطورات الإقليمية، ودعا بعضهم بعضا لزيارة رسمية".
ومن ناحية أخرى، أشار شخص آخر مطلع على الاجتماع إلى أن "ستارمر في لقائه مع أردوغان قد شدد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة".
ويرى كثيرون في أنقرة، مع الأخذ في الحسبان العدد الكبير من الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم وحجم الدمار الذي تسببت فيه الهجمات الإسرائيلية، أن هذه الدعوة جاءت متأخرة للغاية.
وفي هذا الإطار، يمكن القول إن "تزايد تأثير تركيا والتطورات الجيوسياسية تشير إلى أن حركة المرور بين أنقرة ولندن لن تفقد زخمها في المستقبل القريب".
وستظل القضايا المتعلقة بالغزو الروسي لأوكرانيا واحتلال إسرائيل لفلسطين، وغيرها من التطورات الإقليمية، على جدول أعمال العاصمتين.
وبالحديث عن الاحتلال الإسرائيلي، يُذكر أنه قد قدم اقتراح في البرلمان يدعو حكومة المملكة المتحدة إلى فرض عقوبات على إسرائيل، بما في ذلك حظر الأسلحة، وقد وقع عليه 47 عضوا من أعضاء مجلس العموم البريطاني من 7 أحزاب سياسية وأعضاء مستقلين.
وفي تقييم لزيارة فيدان إلى بريطانيا، أوضح الصحفي أومور تشيليك دونماز، أن "الزيارة ركزت بشكل خاص على الجهود الإنسانية المتعلقة بالأزمة في غزة".
وبحسب ما ذكر، فقد اجتمع فيدان مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، وأعرب الوزيران عن قلقهما الإنساني المشترك بشأن أحداث غزة. ومن جانبها، شددت تركيا على ضرورة إنهاء النزاع وحل القضية الفلسطينية-الإسرائيلية عبر حل الدولتين.
كما أكد فيدان على "الحاجة لوقف إطلاق النار بشكل دائم"، مشيرا إلى تزايد الخسائر في الأرواح والأوضاع الكارثية في غزة. ولذلك، حث وزير الخارجية التركية المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات أقوى.
وأكمل دونماز قائلا: "أما نهج بريطانيا تجاه القضية، فهو ليس مباشرا وانتقاديا مثل نهج تركيا. فبينما تعترف لندن بأهمية أمن إسرائيل، فإنها تدعي أيضا الاهتمام بحماية المدنيين".
ويتابع الصحفي: "وفي هذا السياق، تُدعم الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة. ومع ذلك، تتوقع تركيا أن يلعب الغرب دورا أكثر فعالية، وتوجه انتقادات خاصة للولايات المتحدة بسبب دعمها العلني لإسرائيل".