روبرت لايتهايزر.. الرجل الذي يراهن عليه ترامب لقلب اقتصاد العالم
"يسعى لايتهايزر إلى تحقيق شيء قريب من الفصل الاقتصادي الكامل بين الولايات المتحدة والصين"
رغم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لكن بدأت بعض أسماء مرشحين لتسلم مناصب مهمة في الإدارة المقبلة بالظهور لدى الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ومن بين هؤلاء، روبرت لايتهايزر (77 عاما)، وهو الممثل التجاري في إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إذ يرجح أنه سيكون وزير الخزانة الأميركية المقبل إذا ما عاد ترامب إلى الرئاسة.
ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للأستاذ الزائر في جامعة ويسترن واشنطن، إدوارد ألدن، وصف فيه لايتهايزر بأنه "الرجل الذي سيساعد (الرئيس السابق، دونالد) ترامب على قلب الاقتصاد العالمي".
نهج صارم
وقال ألدن إنه على مدار ما يقرب من عقد من الزمان، أصبحت السياسة التجارية الأميركية مرسومة بيد رجل واحد: روبرت لايتهايزر
فحين كان الممثل التجاري في عهد ترامب، أدار لايتهايزر دفة الولايات المتحدة بعيدا عن ستة عقود من دعم النظام التجاري القائم على القواعد والمتعدد الأطراف، متجها نحو نهج قومي صارم.
وفي عهد الرئيس جو بايدن، خلفته، كاثرين تاي، حيث واصلت السير على النهج الذي خطه.
وعلى الرغم من أن معظم المسؤولين السابقين في إدارة ترامب قد تخلوا عنه وأعلنوا عدم صلاحيته للرئاسة مرة أخرى، فإن لايتهايزر ظل متمسكا بترامب.
ولايتهايزر، مثله مثل كثيرين، ينظر إلى ترامب على أنه رئيس معيب، لكنه يحقق مصلحة عامة أكبر.
ولا يزال لايتهايزر أحد كبار مستشاري ترامب في حملته للانتخابات الرئاسية 2024، ومن المتوقع أن يتولى منصبا أكبر -ربما وزير الخزانة- إذا فاز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ومهمة لايتهايزر المتمثلة في تغيير ليس فقط السياسة التجارية للولايات المتحدة، بل السياسة الاقتصادية الدولية التي تتبعها واشنطن، بدأت لتوها.
وتأثير لايتهايزر كان في تمام الوضوح خلال أبريل/نيسان 2024، حين سافر بايدن إلى المقر الرئيس لاتحاد عمال الصلب، وهو أكبر اتحاد صناعي في أميركا الشمالية، في بيتسبرغ، في الولاية الحاسمة، بنسلفانيا.
ففي أعقاب الزيارة، أعلنت الإدارة الأميركية خططا لزيادة حادة في التعريفات الجمركية على بعض الواردات الصينية، والتي فرضها ترامب لأول مرة، بناء على طلب من لايتهايزر.
أخيرا، وبعد مراجعة من مكتب "تاي"، فرضت إدارة بايدن تعريفات جمركية بنسبة 100 بالمئة على المركبات الكهربائية المستوردة من الصين، ورفعت الأسعار على أشباه الموصلات الصينية الصنع، وبطاريات الليثيوم أيون، والخلايا الشمسية، والصلب، والألمنيوم.
كما أطلقت "تاي" تحقيقا جديدا، بموجب المادة 301، في استخدام الصين لممارسات غير سوقية لتقويض المنافسة في صناعة السفن.
وهذه أداة تعود إلى حقبة السبعينيات من القرن العشرين من الأحادية التجارية الأميركية، لكن أعادها لايتهايزر.
إضعاف الدولار
وأوضح الكاتب أن لايتهايزر نصح ترامب بتخفيض قيمة الدولار إذا انتُخب؛ بهدف تعزيز الصادرات الأميركية. وهي نصيحة قُرئت على نطاق واسع كمحاولة منه لشغل منصب وزير الخزانة.
والمقياس الرئيس الذي يستخدمه لايتهايزر هو المقياس الذي نادرا ما ينتبه إليه الاقتصاديون التقليديون: العجز التجاري.
إذ تعاني الولايات المتحدة من عجز سنوي في السلع والخدمات منذ عام 1975، وصل إلى 951 مليار دولار في عام 2022.
هذا على الرغم من أن العجز التجاري كان أعلى بكثير نسبة إلى حجم الاقتصاد في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويرى معظم الاقتصاديين أن العجز التجاري هو نتيجة لمعدلات الادخار الوطنية، وهو نتيجة ضرورية للاستهلاك العالي في الولايات المتحدة وانخفاض المدخرات الخاصة والعامة، وبالتالي فهو محصن إلى حد كبير ضد التدخل الحكومي في الجانب التجاري.
لكن لايتهايزر يخالفهم الرأي، إذ يرى أن العجز هو عملية نقل مباشرة للثروة الأميركية إلى المنافسين، وعلى رأسهم الصين، ويمكن تصحيح ذلك من خلال إجراءات حكومية قوية.
وسيجعل لايتهايزر من أهداف السياسة الأميركية تحقيق التوازن التجاري مع بقية العالم، وليس الصين فقط، مشيرا إلى أن "الآثار المترتبة على ذلك هائلة".
وتتمثل إحدى الأدوات، التي اقترحها لايتهايزر على ترامب، هي بذل جهود متضافرة لإضعاف الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى.
ومع تساوي العوامل الأخرى، فإن انخفاض سعر الدولار من شأنه أن يقلل الأسعار التي يدفعها الأجانب مقابل الصادرات الأميركية لهم، ويجعل الواردات أكثر تكلفة بالنسبة للأميركيين، ويسهم في تعديل كفة الميزان التجاري.
والدولار كان مقوما بأعلى من قيمته لفترة طويلة، وهو ما يرجع جزئيا إلى دوره بصفته العملة العالمية.
وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت قيمة الدولار استجابة للاقتصاد الأميركي القوي والصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا، والتي دفعت المستثمرين إلى الهروب بحثا عن الملاذ الآمن للأصول الأميركية.
ومع أن التفاصيل شحيحة، لكن يبدو أن لايتهايزر يتصور إعادة تنفيذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتخذها الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون في عام 1971، ورونالد ريغان في عام 1987.
وذلك من خلال فرض أو التهديد بفرض تعريفات جمركية على الشركاء التجاريين ما لم يوافقوا على اتخاذ خطوات لإعادة تقييم عملاتهم مقابل الدولار.
وبالنظر إلى حجم التدفقات المالية العالمية اليوم، الذي يعد مضاعفا لمستواه عندما تصدى ريغان لارتفاع قيمة الدولار، فإن العواقب المحتملة للعبث باستقرار العملة يصعب التنبؤ بها.
“التهديد الأعظم”
ويرى الكاتب أن تأثير لايتهايزر سيظل قائما، بغض النظر عمن سيفوز في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
فلقد حاول بايدن السير على خط بين تعزيز التصنيع الأميركي والبحث عن أرضية مشتركة مع الحلفاء، الذين يخشون تنامي النزعة الحمائية الأميركية. لكن لايتهايزر رفض مخاوف الدول الأخرى منذ فترة طويلة.
ولا يتورع لايتهايزر، الذي لعب دورا رئيسا في هذا التحول، عن قول أي شيء يراه صائبا.
ومن ذلك يقول إن الصين تمثل "التهديد الأعظم الذي واجهته الأمة الأميركية ونظامها الديمقراطي الليبرالي الغربي منذ الثورة الأميركية".
ويستشهد لايتهايزر على ذلك باقتصاد الصين الضخم، الذي يقارب حجم اقتصاد الولايات المتحدة، مما يجعلها خصما أكثر قدرة بكثير من الاتحاد السوفيتي السابق، ناهيك عن ألمانيا النازية أو اليابان الإمبراطورية.
ويسعى لايتهايزر إلى تحقيق شيء قريب من الفصل الاقتصادي الكامل بين الولايات المتحدة والصين.
وكخطوة أولى، يوصي بإلغاء وضع "الدولة صاحبة الأفضلية"(Most Favored Nation)، والذي منحه الكونغرس للصين في عام 2000؛ للسماح لها بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
وهذا من شأنه أن يمنح الرئيس الحرية الكاملة لفرض تعريفات جمركية على الصين.
ويختم الكاتب مؤكدا أنه "كلما زاد النظر إلى الصين بصفتها تهديدا، أصبح منطق الفصل الشامل الذي يتبناه لايتهايزر أكثر إقناعا".