خطوة أثارت تساؤلات.. سر اختيار الأردن لافتتاح أول مكتب "ناتو" بالشرق الأوسط
انقسمت آراء المحللين حيال افتتاح حلف الناتو مكتبه بالمنطقة في الأردن
في خطوة هي الأولى من نوعها، أعلن حلف الشمال الأطلسي "الناتو" في 11 يوليو/ تموز 2024، افتتاح أول مكتب اتصال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العاصمة الأردنية عمان، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن توقيت ذلك، وما يحمله من أبعاد سياسية وأمنية.
ويأتي إعلان الناتو افتتاح مكتبه بالأردن في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 8 أشهر، ومطالبة عمّان الولايات المتحدة الأميركية بنشر منظومة الدفاع الجوي (باتريوت) من أجل تعزيز الدفاع عن حدودها من الطائرات المسيّرة.
"رفع الشراكة"
وفي معرض حديثه عن إعلان افتتاح المكتب، قال الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، إن "الأردن يعد شريكا طويل الأمد وذا قيمة عالية بالنسبة للحلف"، لافتا إلى أن "المكتب في عمان سيرفع الشراكة الثنائية إلى مستوى جديد".
وأوضح ستولتنبرغ أن الحلف يعمل بشكل أوثق مع شركائه في المنطقة، بما في ذلك الأردن، وأن لديه شركاء مثل العراق، وتونس، وموريتانيا، ودول جوار البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب دول الخليج العربي.
وأشار "الناتو" في بيان مشترك مع الخارجية الأردنية، إلى أن القرار اتخذ في قمة الحلف التي عقدت في العاصمة الأميركية واشنطن، كجزء من خطة عمل لتعزيز المشاركة والتعاون مع الشركاء.
وأضاف أن القرار يمثل علامة فارقة مهمة في الشراكة الإستراتيجية العميقة بين الناتو والأردن، مبينا أن "مكتب الاتصال في عمان هو تطور طبيعي للعلاقات الطويلة الأمد والمتطورة مع عمان.
وذكر البيان أن القرار يؤكد دور الأردن المهم كعامل استقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي ودوره الرائد في مكافحة التهديدات العابرة للحدود بما في ذلك "الإرهاب والتطرف".
وجاء في البيان أيضا: "اعتمد الحلفاء في قمة الناتو لعام 2024 في واشنطن خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمني الإقليمي والعالمي".
وأردف: "حرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، بما في ذلك من خلال إنشاء مكتب اتصال للناتو في المملكة الأردنية الهاشمية وهو الأول في المنطقة".
وكان الأردن قد انضم إلى منتدى شراكة الحوار المتوسطي لـ"الناتو" عام 1995، ويُعد من أوثق شركاء الحلف في المنطقة.
وأكد ينس ستولتنبرغ خلال لقاء مع ملك الأردن عبد الله الثاني، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن الحلف ملتزم تماما بدعم شركائه في المنطقة.
أحداث 7 أكتوبر
وبخصوص توقيت إنشاء المكتب، قال الخبير في الشأن السياسي الأردني، حسن المومني، إن “معظم الدول العربية مرتبطة بشراكات إستراتيجية مع الناتو، لأن الأخير منذ تسعينيات القرن الماضي يطلق مبادرات للتعاون”.
ومنها مبادرة الحوار المتوسطي التي دخلت فيها سبع دول منها الأردن، ثم دخل العراق بعد عام 2003.
وأضاف المومني في حديث لـ"الاستقلال" أن "الناتو أطلق أيضا عام 2004 مبادرة إسطنبول للتعاون، والتي انضمت إليها الدول الخليجية،.
وأوضح الخبير السياسي أن "الأردن من الدول المعروفة التي لديها شبكة علاقات إستراتيجية واسعة في العالم، والنشطة في التعاون الفني والأمني والصناعي والاقتصادي مع حلف الناتو، ولا أعتقد توقيت افتتاح المكتب فيه دلالات معينة".
وأشار إلى أن “الأردن كان دائما يرغب في رفع مستوى الشراكة الإستراتيجية مع حلف الناتو بما يخدم مصالحه في هذا الجانب”.
لذلك فإن مسألة التوافق على وجود مكتب تنفيذي سياسي في عمّان، أمر يسبق العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق تقديره.
وأردف: “الأردن لديه سفير في بروكسل لدى الناتو ضمن هذه الشراكة الإستراتيجية التي يطلق عليها الحوار المتوسطي”.
ومن هنا فقد كانت هناك نقطة اتصال سابقا في إحدى الدول الأوروبية، لكن اليوم جرى الاتفاق على أن يكون في عمّان مكتب للتمثيل السياسي.
ورأى المومني أن “مسألة افتتاح مكتب للاتصال خاص بالناتو في عمّان يأتي ضمن عملية ثنائية بين الأردن والحلف في سياق الشراكات السابقة بين الطرفين، حاله حال غالبية الدول العربية التي تتمتع بشراكات مماثلة ”ولا يوجد ما يؤشر على موضوع التوقيت".
وفي المقابل، ربط المحلل السياسي الأردني، خالد الشنيكات، افتتاح المكتب بالتوتر المستمر في المنطقة.
وقال خلال تصريح لقناة "الحرة" الأميركية في 11 يوليو: "الناتو يتابع عن كثب التطورات الكبيرة التي حصلت بعد 7 أكتوبر وزيادة حدة الصدام بين إيران وحلفائها وإسرائيل وكذلك ما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر، فضلا عن توتر الجبهة اللبنانية والسورية أحيانا".
وأوضح أن "هناك احتمالية لتوسع الحرب وأن الناتو يريد تعزيز علاقاته مع حلفائه ومن بينهم الأردن، في بناء القدرات والإمكانيات وتعزيز الوجود العسكري لدعم الحلفاء وضبط التهديدات المتصاعدة بالمنطقة على الرغم من أن صدور قرار إنشاء المكتب يعود لما قبل أحداث السابع من أكتوبر".
وأشار إلى أن بلاده "تتميز بعلاقات تعاون طويلة تمتد إلى ما يقارب 30 عاما، وهي مستقرة ومتطورة، خصوصا في مجال التعاون بمكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، فضلا عن المشاركة في مناورات عسكرية عدة".
ولفت الشنيكات إلى أن "لعمان وواشنطن علاقات جيدة خصوصا في مجال المساعدات الاقتصادية التي تقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار وأغلبها لغايات عسكرية".
“رسالة مهمة”
وعلى الصعيد ذاته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في الأردن، طارق أبو هزيم، أن "هذه الخطوة تعكس مصداقية الأردن وأهميته في المنطقة من الناحية الإستراتيجية، ومدى استقراره في عيون الحلف والعلاقات العميقة مع الحلفاء وخاصة الولايات المتحدة الأميركية".
وقال أبو هزيم خلال تصريحات لصحيفة "الدستور" الأردنية في 14 يوليو إن “هذا الافتتاح جاء تتويجاً لاتفاقيات التعاون الأمنية بين الأردن والولايات المتحدة”.
إذ يلعب الأردن منذ سنوات طويلة دورا مهما في التدريب على مواجهة الإرهاب، وهذا يؤكد الشراكة الحقيقية، وفق قوله.
وأضاف أبو هزيم أن "وجود المكتب سيعزز دور الناتو في علاقاته مع المنطقة نظرا لأهميتها لدول الحلف، وفي ظل ما يجري من معطيات تعزز أهمية وجود المكتب ودور الأردن المحوري، وخاصة أن الشراكة هي العنوان".
وعلقت الخارجية الأميركية على لسان المتحدث الإقليمي باسم الوزارة سام وربرج على افتتاح المكتب بأنه "يدل على دور الأردن الجوهري باستقرار المنطقة".
وأشار المتحدث خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية في 12 يوليو، على هامش فعاليات قمّة "الناتو"، التي استضافتها واشنطن، إلى أن بلاده تُقدّر الدور الحيوي، الذي تلعبه المملكة بالنسبة للاستقرار بشكل عام في المنطقة.
وبين المسؤول الأميركي أن بلاده ترى أن الأردن مكانا يُمثل الاستقرار في المنطقة، مبينًا أن هذا الأمر بمثابة رؤية مشتركة بين الولايات المتحدة وباقي الدول الأعضاء في حلف "الناتو".
ولفت إلى أن جميع الدول الأعضاء في الحلف تُريد أن يكون لديها علاقات أوسع وأقوى مع الأردن، وهو ما يُشكل "رمزًا ورسالة مهمة من المجتمع الدولي وليس فقط من الولايات المتحدة".
وأوضح أن خطوة افتتاح المكتب "لا تأتي في إطار أن يُقدم الناتو شيئا للأردن فقط، وإنما دول الحلف لديها الفرصة للتعلم من تجربة عمان في مكافحة الإرهاب".
كما أشاد بـ"الدور، الذي تلعبه المملكة منذ سنوات في الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة عبر كل المحاولات لمكافحة الإرهاب".
وعبّر الملك الأردني عبد الله بن الحسين صراحة عن مخاوفه من أن تؤدي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى نزوح جديد للفلسطينيين إلى المملكة، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" البريطانية في 31 أكتوبر 2023.
وبحسب ما نقلت "رويترز" فإن "المملكة تطلب الآن الحصول على عتاد ودعم دفاعي أميركي متطور بسبب المخاوف من احتمال تورط إيران ووكلائها أكثر في أي صراع أوسع نطاقا قد ينشب في الشرق الأوسط".
وكانت آخر مرة نشرت فيها واشنطن هذا النظام في الأردن عام 2013 عندما أثار الصراع المتفاقم في سوريا مخاوف من اندلاع حرب في المنطقة قد تهدد المملكة، وهي واحدة من أكثر حلفاء واشنطن ولاء في الشرق الأوسط.
المصادر
- الأول في المنطقة.. ما هو الدور المتوقع لمكتب الناتو في الأردن؟
- واشنطن: لهذه الأسباب تم افتتاح مكتب الناتو في الأردن!
- الناتو ينشئ بالأردن أول مكتب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- سياسيون لـ«الدستور»: إنشاء مكتب «الناتو» يؤكد أهمية الأردن
- متحدث عسكري: الأردن طلب من أمريكا نشر منظومة الدفاع الجوي (باتريوت)
- وقف العدوان على غزة أم خوف جغرافي.. ماذا وراء توقيت جولة ملك الأردن الخليجية؟