أول رمضان بدون نظام الأسد ومخابراته.. ماذا يعني ذلك للسوريين؟

مصعب المجبل | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

مع أن الوضع الاقتصادي هو الأشد وطأة على السوريين، إلا أن شهر رمضان المبارك لعام 2025 ليس كسابقيه بعدما تخلّصت البلاد من ظلم واستبداد آل الأسد طوال 54 عاما.

وقد بدت مظاهر البهجة والسرور على وجوه السوريين وهم يستقبلون شهر رمضان ويهيئون طقوسه الخاصة ببلاد الشام، كجزء من التأكيد على الأمل بغدٍ مشرق لهذا البلاد.

مشاعر جياشة

وطوت سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 حقبة حكم آل الأسد، بعد سقوط النظام وهروب بشار وأسرته إلى روسيا إثر عملية عسكرية للمعارضة أطلقت في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المذكور وزحفت نحو دمشق.

وجرى توريث بشار الحكم عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الذي تولى السلطة بانقلاب عسكري عام 1971 وحكم البلاد منذ ذلك الحين بقبضة من حديد ارتكب فيها مجازر بشعة بحق السوريين.

وقد أكمل بشار مهمة قتل وتشريد السوريين وتدمير مدنهم فوق رؤوسهم بعدما قمع الثورة التي اندلعت ضده في 18 مارس/ آذار 2011.

وأراد السوريون الذين خرجوا منتصرين بثورتهم بعد 14 عاما، التعبير عن عظمة هذه اللحظة التاريخية التي يحل فيها شهر رمضان المبارك لعام 2025 من دون بشار الأسد وأجهزته الأمنية.

إذ ارتدت المساجد السورية حُلّة جديدة استعدادا لاستقبال المصلين والمعتكفين، لا سيما بعد الإهمال الطويل لها من قبل النظام البائد.

فقد جرى ولأول مرة منذ 18 عاما، تجديد سجاد الجامع الأموي الكبير وسط دمشق في 23 فبراير/ شباط 2025، في مشهد عكس حجم الإهمال المتعمد لهذا الصرح الديني الإسلامي على زمن حكم نظام الأسد.

كما فاضت حسابات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي بمشاعر جياشة بحلول شهر رمضان دون نظام الأسد المخلوع، لا سيما أن الوثائق المخابراتية التي وجدت في الفروع الأمنية أظهرت مراقبة المخابرات حتى لمرتادي المساجد.

إذ اختلطت حلاوة النصر التي ذاقها السوريون بانتصار ثورتهم، بالمشاعر الإيمانية في رمضان ولم شمل بعض العوائل ببعضها التي هجرتها آلة الأسد العسكرية.

فكثير من السوريين عادوا إلى مدنهم بعدما فروا منذ ثمانينيات القرن العشرين من بطش حافظ الأسد آنذاك.

وعادت الأجواء الرمضانية الروحانية إلى الأسواق السورية رغم ضعف القدرة الشرائية للأهالي في ظل نهب نظام الأسد المخلوع لأغلب ثروات البلاد وانهيار الاقتصاد، واستمرار العقوبات الدولية الاقتصادية المفروضة على الأسد، والتي تشكّل العائق الأكبر أمام إعادة الإعمار وعملية النهوض والتنمية في سوريا الوليدة الجديدة.

رمضان بلا الأسد

وأجرت وكالة الأنباء السورية “سانا” استطلاعا لآراء المواطنين في أسواق دمشق حول مدى توافر السلع قبل شهر رمضان المبارك.

وقال مواطنون: إن أسعار المواد الغذائية هي أرخص من العام السابق مع وفرة في المواد بعد تحسن سعر صرف الليرة السورية.

ورصدت عدسات الكاميرا محاولة الباعة جذب الزبائن؛ حيث ينادي بعض الباعة بأصوات عالية للترويج لمنتجاتهم مرددين بعض الجمل الشعبية التي لا تخلو من الطرافة التي تلقى استحسان الزبائن أو من خلال إكرام المواطنين ببعض المأكولات لتذوقها وشراء البعض منها في حالة نالت إعجابهم وكانت لديهم القدرة لشرائها.

ومما لوحظ بشكل مكثف صدح المساجد بالأناشيد الدينية احتفالا بقدوم شهر الخير؛ إذ استذكر السوريون كيف كان النظام البائد يقصف المناطق المحررة لحظة أذان المغرب في رمضان في السنوات السابقة.

كما نشر سوريون تسجيلات مصورة تعود لسنوات خلت تظهر اقتحام قوات أمن نظام الأسد للمنازل دون مراعاة لحرمتها في شهر رمضان.

ومما كان لافتا هو تركيز السوريين على أن شهر رمضان لعام 2025، يتمايز عن سابقه في السنوات الماضية، بعدما بات الشعب تحت قيادة واحدة عقب الخلاص من نظام الأسد.

كذلك، رأى كثير من السوريين أن خلو البلاد من الحالة المليشياوية التي مارست القتل والنهب والانتهاكات بحق السوريين على مدى أكثر من عقد، يجعل من شهر رمضان لعام 2025 أكثر طمأنينة.

ولا ينسى السوريون أنهم منذ عام 2011 أي عقب اندلاع الثورة، كانوا يباركون لبعضهم في كل رمضان بأمنيات كبيرة أن يعود رمضان القادم عليهم وقد سقط نظام الأسد وعادوا إلى بيوتهم التي هُجِّروا منها قسرا.

وقد كتب كثير من السوريين مع إعلان غرة شهر رمضان في 1 مارس/ آذار 2025 "هذا أول رمضان دون الأسد، ودون تلك العصابة التي كانت تقصفنا أثناء الأذان".

"استعدنا سوريا"

وفي هذا الإطار، كتب محمد حسام الحافظ الدبلوماسي السابق في الخارجية السورية الذي انشق عن النظام إبان اندلاع الثورة: "نحمد الله الذي أنعم علينا بتحرير سوريا من الطغيان، ونسأله أن يعم الخير والعدل ربوعها، وأن تتحقق معاني الحرية واقعا ملموسا مفعما بالكرامة والعدالة والتنمية، فتعود البلاد حقا إلى أهلها قوية مستقرة".

وأضاف الحافظ عبر فيسبوك  في 28 فبراير "نسأل الله أن يكون هذا الشهر الكريم بداية لنهضة جديدة، تتحسن فيها الأحوال الاقتصادية، وينعم شعبنا بالأمن والطمأنينة والازدهار، بعد سنوات من المعاناة والتضحيات".

وتعبيرا عن حالة انتصار الثورة السورية، تجمع مئات السوريين في ساحة المسجد الأموي بدمشق، في آخر جمعة من شهر شعبان، وكبروا وهللوا بقدوم الشهر الفضيل، مع رفع علم الثورة الذي أصبح العلم الرسمي للبلاد.

كما رددوا هتافات الثورة السورية الأولى "هيه ويالله، وما بنركع إلا لـ الله"، في إشارة إلى صمودهم الطويل.

وضمن هذا السياق، كتبت الإعلامية صبا مدور: "رمضان هذا العام هو الأكرم على السوريين، بلا عائلة الأسد، بلا إيران، بلا جمهورية صيدنايا (أشهر المعتقلات سيئة الصيت بسوريا)، مجتمعين بعد شتات وقهر، مرفوعي الرأس، فلقد استعدنا سوريا".

وأضافت في منشور على حسابها في منصة "إكس" في 28 فبراير "نسأل الله أن يتم نعمته علينا بتحقيق الحرية لبقية إخواننا المعتقلين في سجن رومية بلبنان، وبتحرير أهلنا في المنطقة الشرقية الغالية"، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد.

 

 

ومضت تقول: "رحم الله شهداءنا من المدنيين والمقاتلين، وحفظ شبابنا في قوات الأمن السورية التي تفتدي دمها حقنا للدم. ولعلنا نرى النصر قريبا في اليمن الشقيق. رمضانكم كريم وربنا أكرم".

اللافت أنه جرى الحديث عن أنه هذا أول رمضان يمر على سوريا منذ أكثر من 50 عاما ويكون التماس الهلال فيه شرعيا، دون تلاعب من أجهزة المخابرات.

فقد كشف محمود المعراوي القاضي الشرعي الأول على زمن بشار الأسد، عن خفايا إثبات عيد الفطر والأضحى في زمن الأسد بضغط من وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد.

وعبد الستار السيد من أشد المدافعين عن بشار الأسد لدرجة أنه دعا في يوليو/تموز 2018 في تسجيل مصور إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرا معاصرا وفق ما وصفه بـ"المرتكزات الفكرية لبشار الأسد في الإصلاح الديني".

وقال المعراوي في تسجيل مصور في يناير/ كانون الثاني 2025: إن "وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد طلب منه إثبات العيد في سوريا بحيث يكون أول يوم العيد هو الموافق ليوم الخميس؛ لأن بشار يريد أن يصلي في هذا اليوم صلاة العيد".

ولفت المعراوي إلى أنه بعد رفض طلب السيد، تعرض للتهديد واتصل به وزير العدل لتنفيذ ما طلب منه.

ونوّه المعراوي إلى أن طلب النظام السابق بإثبات هلال العيد ليست الحادثة الأولى بل تكررت في تسعينيات القرن العشرين.