إسلاميو موريتانيا يرشحون زعيم حزب تواصل لمنافسة ولد الغزواني.. ما حظوظه؟
سبق لحزب "تواصل" أن قاطع الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014
فاجأ حزب "تواصل" المعارض في موريتانيا الشارع المحلي بترشيح زعيمه لانتخابات رئاسة الجمهورية، وسط قراءات متضاربة لأسباب وخلفيات هذه الخطوة وتداعياتها السياسية.
إذ قرر المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، ترشيح رئيسه وزعيم المعارضة حمادي ولد سيدي المختار للسباق الرئاسي المقرر يوم 29 يونيو/حزيران 2024.
ووفق ما نشرت وكالة الأخبار الموريتانية، مطلع مايو/أيار 2024، دعا المكتب "مرشحي المعارضة كافة للتنسيق لرفض تكرار التزوير"، وأكد "مد يده لهم من أجل وضع برنامج مشترك في هذا الصدد".
كما أعلن الحزب وضع جميع مستشاريه وخبراته وطواقم تمثيله في مكاتب التصويت تحت تصرفهم.
وكانت الرئاسة الموريتانية قد أعلنت في 20 أبريل/نيسان 2024 أن الانتخابات الرئاسية ستجرى يوم 29 يونيو، فيما ستجرى الحملة الانتخابية ما بين يومي 14 و27 من الشهر نفسه.
كما جاء في مرسوم نشرته الرئاسة بهذا الشأن، أنه سيتم تنظيم جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في 13 يوليو/تموز 2024 حال عدم فوز أي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة في الجولة الأولى.
وكان الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الغزواني (67 عاما) أعلن الترشح لولاية ثانية، حيث يسمح له الدستور بالترشح لولايتين.
من جانبه، سبق لحزب "تواصل" أن قاطع الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014، بينما دعم مرشحا من خارج صفوفه في الانتخابات التي تلتها، أي في 2019.
و"تواصل" الذي حصل على ترخيص عام 2007، أصبح منذ ذلك الحين أول حزب معارض في البرلمان الموريتاني، ولديه حاليا 11 نائبا من أصل 176.
أهداف الخطوة
وقال المكتب السياسي لـ"تواصل" أنه قرر ترشيح رئيسه "انسجاما مع رأي وخيار قواعده، وتطبيقا لنتائج شوراه".
وأردف أنه بهذا الترشيح يعول على الله عز وجل أولا، ثم على تعلق المواطن الموريتاني الكبير بتغيير واقعه من خلال التصويت ضد مرشح النظام الذي أوصل حال البلاد والعباد إلى هذا المستوى غير المسبوق من التردي، بحسب وصفه.
كما أكد الحزب تعويله على بذل وتضحية التواصليين والتواصليات، ودعاهم لمواصلة ما عرفوا به من جدية وتفان وإتقان، حتى يتحقق التغيير في انتخابات يونيو.
وذكر بما "تمثله الانتخابات الرئاسية من أهمية استثنائية، في ظل نظام شبه رئاسي، صلاحيات الرئيس فيه شبه مطلقة، عززتها الأعراف المطبقة منذ عقود، حيث باتت التوجيهات الرئاسية أبلغ أثرا وأكثر فاعلية من بعض القوانين والمراسيم".
وأضاف أن قراره جاء "انسجاما مع تطلعات الشعب الموريتاني للإصلاح والتغيير، وسعيا من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) لتوفير بديل جدي للنظام، يحمل مشروعا إصلاحيا متكاملا".
ولفت إلى أن القرار جاء بعد "حوارات ونقاشات مطولة مع الإخوة في الطيف المعارض في البلاد، سعيا لتوحيده، والدفع به لتبني مرشح موحد لمواجهة النظام ومرشحه وأجنداته".
وكذا إثر تجارب عديدة سابقة، آثر فيها "تواصل" إرجاء خياراته، والتنازل عن آرائه، تغليبا لوحدة المعارضة، وحرصا على الأهداف الكبرى، واتساقا مع الرغبة الجماهيرية العارمة في التغيير، وفق البيان.
وأكد أن قرار ترشيح ولد سيدي المختار جاء "احتراما لنتائج المشاورات الداخلية التي أجراها، وشملت كل هيئات الحزب من اتحاديات وأقسام، وكانت نتيجتها واضحة وجازمة"، وتقديرا لضرورة واستعجال "تغيير الواقع المزري الذي تعيشه البلاد على مختلف الصعد، من فساد وغبن وتهميش".
كما أنه جاء "استحضارا لتعلق الناخب الموريتاني بالتغيير، ورهانه عليه، وتبنيه للخطاب المعارض عموما، وفي مقدمته خطاب تواصل، و"أخذا بثقة الناخب في الحزب وفي مرشحيه في مختلف الاستحقاقات التي تصدر فيها الحزب الفعل السياسي المعارض منذ عقد من الزمن".
"وخصوصا الانتخابات الأخيرة التي حافظ فيها على زعامة المعارضة للمرة الثالثة وبفارق مهم، رغم ما شابها من تزوير واختلالات أعادت البلاد عقودا إلى الوراء".
قراءات متضاربة
في قراءته لقرار "تواصل"، قال الكاتب الصحفي المصطفى محمدن لولي، إن إعلان ترشيح الحزب لرئيسه حمادي ولد سيدي المختار جاء مفاجئا للمتابعين للشأن السياسي الموريتاني.
وأضاف محمدن لولي لـ "الاستقلال"، أن حزب "تواصل" دأب على الاكتفاء بالترشح في الانتخابات النيابية والبلدية، مقدرا أن ذلك من أدبيات تيار الإخوان المسلمين عموما، الذي يحسب عليه الحزب "وخصوصا بعد ما حدث مع الرئيس المصري السابق المرحوم محمد مرسي".
وذكر الكاتب أن "المتابع للشأن السياسي كذلك كان يدرك صعوبة دعم الحزب الإسلامي لأغلب الشخصيات التي أعلنت ترشحها لانتخابات يوليو من جهة".
ومن جهة ثانية إلحاح بعض أعضاء ومنتسبي الحزب على خوض هذه الانتخابات بمرشح من داخله.
واسترسل محمدن لولي، "في المجمل قد لا يخدم الترشح الحزب بأكثر من أن يكون ترضية لبعض أعضائه المندفعين والمتحمسين للفكرة والتي كانت قبل الآن خارج اهتماماته".
في المقابل، وفي تفاعله مع هذه الآراء، قال الأمين الوطني للإعلام والاتصال بحزب تواصل "كناتة ولد النقرة"، إن الدفع بولد سيدي المختار قرار طبيعي، وعُرف متبع في المؤسسات الحزبية.
وبين لموقع "صحراء ميديا" المحلي، في 2 مايو 2024، أن زعيم الحزب يمتلك كل المؤهلات القيادية ليكون مرشحهم في الرئاسيات.
وذكر ولد النقرة أن رئيس الحزب لم يجد منافسة تذكر خلال التصويت الذي أجراه المكتب السياسي مطلع مايو على اختيار المرشح للانتخابات الرئاسية.
ونفى الأمين الوطني للإعلام والاتصال في تواصل، وجود خلافات داخل الحزب حول خياراته في الانتخابات الرئاسية، مقدرا أن هذا القرار لم يأتِ كوسيلة لتجنب الخلافات الداخلية، بل "كخطوة إستراتيجية تعكس تقاليد الحزب في ممارسة الديمقراطية منذ تأسيسه".
وأوضح ولد النقرة أنه على الرغم من كونه حزبا كبيرا بتنوع واسع في الآراء، إلا أن ذلك لا يعد ضعفا بل عاملا قويا، وأن إدارة هذا التنوع هي مسؤولية رئيس الحزب وقيادته.
ولفت إلى أنه لا توجد خلافات داخلية بل هناك تدافع طبيعي للآراء من أجل الوصول إلى القرار الأمثل والأفضل لصالح الحزب والبلاد.
كما فند الأخبار التي تتحدث عن أن تواصل أبلغ أحد المرشحين بدعمه في الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أن قيادة الحزب استقبلت أغلب المرشحين للاستماع لهم، وأبلغتهم بأن مطالبهم ستحال إلى الهيئات المخولة باتخاذ القرار.
قرار مهم
ويرى الباحث الأكاديمي عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، أن قرار حزب تواصل الترشح للرئاسة مهم جدا.
وذكر الشنقيطي لـ "الاستقلال" أن أهمية القرار تتمثل في أمرين، أولهما أن "الحزب كاد يموت بسبب الانسحابات والميوعة لدى بعض قادته وأعضائه، ولذلك جاء القرار لضمان التماسك الداخلي بين مكوناته"، وفق تعبيره.
والأمر الثاني أن ترشيح الحزب لشخص من خارج نطاقه لا يرضي القواعد ولا يقنعها، لا سيما إذا كان الشخص ليس ذا قاعدة أو جمهور، لأن الأخيرة لو توفرت له لدعمت قواعد الحزب.
وأشار في هذا الصدد إلى دعم الحزب لسيدي محمد ولد بوبكر في انتخابات 2019، "علما أن الأخير من رجالات النظام السابق، وإن كان في الحقيقة رجلا نزيها ومحترما".
وقال الشنقيطي إن المرشح المدعوم من تواصل في انتخابات الرئاسة الأخيرة حل ثالثا، في حين أن الحزب عادة ما يحل ثانيا في الانتخابات العامة، مما يجعله اليوم يحاول الحفاظ على قاعدته وتدارك الخطأ الذي وقع فيه حينها.
ونوه الباحث الأكاديمي إلى ترشيح "تواصل" لرئيسه ولد سيدي المختار، قائلا إنه شخص محترم في الأوساط الموريتانية، وعالم وشخصية مقدرة مجتمعيا.
وذكر أن رئيس تواصل "يمكن أن ينافس مرشح الحزب الحاكم، الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، إن لم تتدخل جهات معينة للتأثير على النتائج أو على العملية الانتخابية ككل".
ونبه إلى أن الترشحات المعلنة للرئاسة وصلت الآن إلى 20 "وهذا يجعل كل مرشح يأخذ من قاعدة النظام وأحزاب المعارضة، لكن لا تمتص من قاعدة حزب تواصل، لأنها صلبة، ويمكن أن تزداد حجما إن أبدى الحزب قوة وحسن تواصل وأجاد تدبير الأمر سياسيا".
وأبرز المتحدث ذاته أن "تواصل" مدعو لأن يقود تحالفا سياسيا ضد مرشح الحزب الحاكم، منبها إلى أن هذه مسؤولية تقع عليه أكثر من الأحزاب والحركات الأخرى التي رشحت بعض الأشخاص، نظرا لتاريخ الحزب وتراكماته السياسية في البلاد.
بدوره، قال المحلل السياسي أحمد المصطفى، إن إعلان حزب تواصل ترشيح رئيسه للاستحقاق الرئاسي يشكل "تغيرا في الإستراتيجية التي سار عليها منذ 2009".
وأضاف المصطفى لموقع "أصوات مغاربية"، في 3 مايو 2024، أن حظوظ "تواصل" هذه المرة "أكبر من سابقاتها، لأنه الحزب الوحيد الذي يمكن أن يشكل بديلا لحزب "الإنصاف" الحاكم، من حيث المؤسسية والتنظيم الداخلي، والقدرة على جمع التبرعات والتمويل.
وأوضح المتحدث ذاته، أن الأيام الأخيرة عرفت تكهنات كثيرة بخصوص ترشيح الحزب لشخصية إسلامية أو دعمه لـ "مرشحين بارزين من المعارضة مثل النائب المعارض برام ولد الداه ولد اعبيدي".
لكن قرار الحزب، سيمهد لـ"ارتفاع حظوظ وصول طرف معارض للشوط الثاني"، إذ إنه "سيسحب من قواعد التشكيلات الأخرى التي كانت تعول على دعمه بجانب أصواته في العديد من مدن الداخل"، وفق المحلل السياسي.
وأشار المصطفى إلى أن المدن والقرى الداخلية، تشكل "خزان أصوات مهما للحزب، لكنها قد تنحاز لمرشح النظام حال دعم الإسلاميين لمعارض لا يحظى بالقبول لديهم".
تفاعلات داعمة
عدد من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبروا عن دعم ترشيح رئيس تواصل ولد سيدي المختار.
وفي هذا الصدد، نشر الناشط السياسي محمد سالم المختار السالم، أبياتا شعرية باللغة الحسانية المحلية عبر حسابه على فيسبوك، جاء فيها: "يالشعب اتكايس والطرح.. أعود امل بيه عالم.. حد اجبر عالم مترشح.. مايزرك يكون العالم".
وتدعو هذه الأبيات الشعب الموريتاني إلى التأني والتعقل في الاختيار، وأنه حين يكون هناك عالم مرشح، فلا يصح حينها سوى التصويت له، وذلك في إشارة إلى مرشح حزب "تواصل".
من جانبه، هاجم الطبيب والشاعر خالد عبد الودود، في تدوينة عبر فيسبوك، الانتقادات التي رفعها البعض ضد ترشيح تواصل لرئيسها للانتخابات.
وقال: "وإن تعجَب فعَجَب سخريّتُهم من رجل بَهِيّ الطلعة باسم الثغر على وجهه سمتُ الوقار ونور العبادة.".
وأضاف عبد الودود: "من الخطير أنّ أغلب الذين ينتقدون الرجل ويسخرون منه، لم يجدوا عليه مأخذا ولا عيبا سوى أن لديه زادا معرفيا كبيرا؛ من الفقه والأصول والأدب وعلوم القرآن والسنة".
واسترسل: "والأخطر من ذلك سُخريهم من هيأته العربية الإسلامية الأصيلة، وهو أشبه هؤلاء بنا، فهو وجه موريتاني خالص".
وأردف: "يسخرون منه وكأن اللُّحَى والشوارب المحففة وشعائر الإسلام، ومظاهر الالتزام الديني، صارت عيبا وأمسى العلم الشرعي معرّة ومَسبة".
وتابع مخاطبا هؤلاء: "أيها الحمقى تداركوا أنفسكم فقد بلغتم من الهزيمة المعرفية والمسخ الثقافي مبلغا لا حدود له"، وفق تعبيره.
أما الناشط السياسي سيد محمد أحمد أعلي، فقال في تدوينة على فيسبوك، بأن "اختيار ولد سيدي المختار للترشح لرئاسة بلده كان مفاجئا تماما ولكنه خيار غير ساذج".
وأوضح أن الحملة الانتخابية كادت تخلو من مرشح معارض يحمل بعدا "شرقيا"، وهو ما كان سيفقدها التوازن ويجعلها لعبة بيد النظام القائم.
وسبق أن طالب تسعة معارضين موريتانيين، بضرورة إجراء رقابة دولية على الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 29 يونيو 2024.
ووفق موقع "صحافة بلادي"، 30 أبريل 2024، تضمن البيان أسماء المعارضين الذين وقعوا عليه، وهم: أحمد ولد صمب ولد عبد الله، وأحمد ولد هارون، وأوتومان سومارى، وبا مامادو بوكار، وبيرام الداه عبيدي، وصدافه الشيخ الحسين، إلى جانب محمد ولد عبد العزيز، وموسى بوكار محمد، ونور الدين محمد.
وسبق للموقعين على البيان أن أعلنوا ترشحهم للانتخابات الرئاسية، ولكن يتطلب قبول المجلس الدستوري لملفاتهم الحصول على تزكية من 100 مستشار محلي وعمداء خمسة مجالس محلية.
وأكد المرشحون في بيانهم أن النظام يسعى إلى انتقاء مرشحين يناسبونه للمنافسة في الانتخابات القادمة، ويتسبب في ذلك بسلب المستشارين المحليين حقوقهم الدستورية والقانونية في تزكية المرشحين بالترهيب والترغيب.
وأعرب الموقعون عن رفضهم لهذا التصرف وتشبثهم بمبدأ التنافس الديمقراطي الشريف، المفتوح أمام جميع المرشحين من دون استثناء، وذلك لفتح المجال أمام الشعب للتعبير بكل حرية عن خياره.
وطالبوا بضرورة وضع تدابير صارمة لحماية الانتخابات من كل أشكال التزوير، وإشراك مراقبين محليين ودوليين مستقلين في تلك التدابير.
وكانت هناك مخاوف معبّرة من قبل أحزاب المعارضة بشأن قدرة "اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات" على تنظيم العملية الديمقراطية بشكل شفاف.
وأثارت الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت في 13 مايو 2023 جدلا واسعا، حيث أعربت أحزاب سياسية من المعارضة والموالاة عن اعتراضها على "تزوير" واسع، وطالبت بإلغاء نتائجها وإعادتها.