"مجرم حرب".. هكذا أسهم سوريون في توقيف محافظ دير الزور السابق بواشنطن
"محافظ دير الزور السابق مسؤول عن مقتل 4 آلاف سوري"
ما إن أعلنت السلطات الأميركية اعتقال محافظ دير الزور السابق، سمير عثمان الشيخ، على أراضيها والمتهم بـ"ارتكاب جرائم حرب" بحق السوريين، حتى هب ناشطون وحقوقيون لجمع الأدلة القانونية لتقديمها إلى القضاء الأميركي.
وبشكل مفاجئ، اعتقلت السلطات الأميركية، الشيخ (72 عاما) في مطار لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا في 16 يوليو/ تموز 2024، وذلك أثناء محاولته الفرار باتجاه بيروت.
"محافظ مجرم"
وقالت المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، إن الشيخ متورط بعدد من التهم المتعلقة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها في سوريا.
وأوضحت المنظمة في بيان على موقعها الإلكتروني أنها تقدمت ببلاغ إلى السلطات الأميركية بوجود الشيخ في الولايات المتحدة منذ مطلع عام 2022.
ولفتت إلى أنها تعاونت منذ ذلك الحين مع الجهات الأمنية والوكالات الأميركية المعنية بهذا الشأن، مما أدى إلى القبض على الشيخ.
وأكدت المنظمة أن القبض عليه يضمن مثوله أمام العدالة قريبا لمواجهة “التهم الجسيمة” المنسوبة إليه في سوريا إبان قمع الثورة التي اندلعت في مارس/ آذار 2011.
من جانبه، قال السفير الأميركي السابق للعدالة الجنائية العالمية وعضو مجلس إدارة المنظمة السورية للطوارئ، ستيفن ج. راب، إن “هذه هي القضية الأولى في الولايات المتحدة ضد من يُزعم أنه جلاد للحكومة السورية”.
وأضاف "ومع العديد من القضايا في أوروبا، تظهر أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب لجرائم نظام بشار الأسد ضد شعبه".
وحصل موقع "تلفزيون سوريا" المعارض على نسخة من الإفادة التي قدمها جيروم شيك، وكيل خاص لدى وكالة تحقيقات الأمن الداخلي (HSI)، الذي كشف عن تاريخ طويل للشيخ في حكومة النظام السوري واتهامات خطيرة بسوء معاملة السجناء، حيث يُتهم بالإشراف على أعمال تعذيب وسوء معاملة السجناء السياسيين.
والشهادات التي جمعتها وكالة التحقيقات من معتقلين سابقين تشير إلى تورط الشيخ في إصدار أوامر بالاعتداء الجسدي على السجناء والموافقة على تنفيذ الإعدامات.
وسمير الشيخ ينحدر من محافظة إدلب، وهو ضابط سابق برتبة عميد، شغل عدة مناصب قيادية داخل نظام الأسد منها رئيس سجن عدرا المركزي قرب دمشق حتى مطلع عام 2011، كما شغل رئيس فرع الأمن السياسي في ريف دمشق قبل ذلك.
وفي 25 يوليو 2011 وفي خضم انتفاض محافظة دير الزور بوجه نظام الأسد جرى تكليف الضابط في أجهزة المخابرات سمير الشيخ، محافظا لها ليحل محل حسين عرنوس الذي أصبح فيما بعد رئيسا لحكومة النظام منذ عام 2020 وحتى اليوم.
وإبان تولي الشيخ منصب المحافظ إلى جانب رئيس اللجنة الأمنية في دير الزور، كان أكثر من نصف عدد سكان محافظة دير الزور البالغ مليونا ومئتي ألف يخرجون في مظاهرات في مدنها وبلداتها للمطالبة بإسقاط نظام الأسد.
ووقتها اشتدت القبضة الأمنية في المحافظة المذكورة وجرى استهداف المتظاهرين قتلا واعتقالا، في عهد الشيخ الذي غادر منصبه كمحافظ عام 2013.
ويؤكد مسؤول السياسات بالمجلس السوري الأميركي، محمد علاء غانم، أن سمير الشيخ قدم إلى الولايات المتحدة في مارس 2020 بعد أن تقدمت له زوجته التي حصلت على الجنسية الأميركية بعد اندلاع الثورة بعامين ونيف، بطلب هجرة عام 2017 ليلحقها في مدينة لوس أنجلوس".
وقال غانم في منشور له على منصة "إكس": “على عادة ضباط الأسد الذين يعيشون ويتنفسون الكذب، اعتقد الشيخ أن بوسعه أن يدلس على الحكومة الأميركية كما كان يدلس على السوريين، فتقدم بما لا يقل عن سبع إفادات كاذبة لدى تقدمه بطلب الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء) وعلى طلب الحصول على الجنسية الأميركية لاحقا”.
"زاعما أنه لم يعذب أو ينكل بأي أحد قط بسبب آرائه ومعتقداته السياسية، ولم يقتل أحدا أو يشارك في أي جرم، بل ولم يعمل في سجن قط".
لقد فتح اعتقال الشيخ الباب مجددا على رغبة السوريين في تحقيق العدالة والمساءلة ومحاكمة مسؤولي وضباط نظام الأسد على جرائمهم بحق المواطنين.
وعلى الفور أكد ناشطون سوريون وحقوقيون أنهم يمتلكون أدلة على ارتكاب سمير الشيخ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
"جمع الأدلة"
ونشر الناشط السوري محمد العبد الله المقيم في الولايات المتحدة، صورا له قديمة مع والده علي أثناء زيارته له حينما كان معتقلا بسجن عدرا بريف دمشق.
وعلي العبدالله اعتقلته مخابرات الأسد في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2007، وقضى حكما بالسجن لمدة عامين ونصف بتهم سياسية كونه معارضا لنظام الأسد.
وتعهد محمد وهو أيضا معارض، بجمع كثير من الأدلة ضد الشيخ التي بحوزته وتقديمها للقضاء الأميركي لإنصاف الضحايا.
ولم يكن محمد العبد الله- كما قال في منشور له على فيسبوك- "يتخيل أن يقابل سمير الشيخ وأن يقف أمام المحاكم الأميركية ويشهد ويقدم أدلة ضده عن دوره في محافظة دير الزور مع بدايات التظاهرات".
ولفت العبد الله، إلى أن بحوزته "أوراق سجن عدرا وبطاقة المكتبة وصورته مع والده بسجن عدرا، وغيرها من التفاصيل التي قدمها لوزارة العدل الأميركية".
وسمير الشيخ تولى إدارة سجن عدرا بريف دمشق بين 2005 - 2008، وهذا السجن كان ينقل إليه النظام السجناء السياسيين من أقبية معتقلات سيئة السمعة لأسباب مجهولة.
ويؤكد ناشطون من دير الزور، أن سمير الشيخ بالإضافة إلى ترؤسه "اللجنة الأمنية" التي وقع على عاتقها مهمة القضاء على الحراك في دير الزور، طالب كذلك بدخول قوات الأسد إلى المدينة فور توليه منصب المحافظ.
وأكد النشطاء، أن المدينة حينها كانت تشهد اعتصامات سلمية ضد النظام، لكن بعد أقل من أسبوعين من تولي الشيخ منصبه بدأت مرحلة القمع الأمني وتحديدا في أغسطس/ آب 2011 حيث شهدت مدن المحافظة مجازر واستخدام الرصاص الحي ضد المظاهرات.
وقد كان الشيخ بصفته رئيسا للجنة الأمينة في دير الزور، أحد منفذي أكبر المجازر في سوريا، منذ اندلاع الثورة في مارس 2011 والتي وقعت في دير الزور.
ففي صباح 25 سبتمبر/ أيلول 2012، اقتحمت قوات النظام حيي "الجورة" و"القصور" في مدينة دير الزور التي كانت مطوقة من جهتها الجنوبية بمئات الدبابات والمدرعات وآلاف الجنود.
وأسفر الاجتياح عن مقتل ما يزيد على 400 مدني؛ حيث راحت عناصر مخابرات وقوات الأسد بجمع الشباب والرجال بشكل عشوائي في أزقة حيي "الجورة" و"القصور"، ثم تم قتلهم بطرق عديدة، بالرصاص أو ذبحا بالسكاكين، أو حتى حرقا، في حين بقي مصير العشرات مجهولا.
ويعد الشيخ مسؤولا كذلك عن مجزرة المقابر التي وقعت على أطراف مدينة دير الزور في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 حينما قتلت مخابرات الأسد 84 مدنيا من أبناء المحافظة بينهم أطفال ونساء وشوهوا جثثهم حينما كانوا بطريقهم للنزوح خارج المدينة مع اشتداد عمليات القتل والقمع.
وسمير الشيخ بصفته يشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية بمحافظة دير الزور، كان هو من يوقع على إحالة المعتقلين لدى الفروع الأمنية إلى مراكز الفروع بالعاصمة دمشق ومنهم من لقي حتفه أو ما يزال قيد الاعتقال.
وقد ظهر من هؤلاء المعتقلين المتوفين ضمن صور "قيصر"، و "قيصر" وهو اسم حركي لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية انشق عن نظام الأسد عام 2013 وسرب للصحافة العالمية صور المعتقلين الذين قتلهم نظام الأسد في المعتقلات عقب الثورة.
واستطاع هذا العسكري المنشق تهريب 55 ألف صورة تظهر الوحشية التي يتعرض لها المعتقلون بسجون الأسد وهو مقيم حاليا في الولايات المتحدة.
الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لإطلاق اسم قيصر على قانون حماية المدنيين الذي يعرف بقانون "قيصر" الأميركي في 17 يونيو/ حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
"ملقب بالوحش"
ويؤكد الحقوقي السوري المعارض، ميشال شماس، أن "سمير الشيخ، كان يحرض على قتل المعارضين السياسيين ومن ضمنهم كنت أنا وكمال اللبواني (معارض بارز)".
وأضاف شماس على حسابه في فيسبوك: "ومارس التعذيب الجسدي والنفسي ضد السجناء بشكل عام وبخاصة السياسيين ومن ضمنهم النائب السابق محمد مأمون الحمصي ومدير مركز توثيق الكيميائي نضال شيخاني كما أشرف على عمليات إعدام".
ومحمد مأمون الحمصي هو معارض سوري وسجين سابق أطلق "صرخة فرح" عند سماعه بخبر اعتقال السلطات الأميركية لسمير الشيخ الذي قال إنه كان يشرف على تعذيبه في سجن عدرا.
ونشر الحمصي المقيم في كندا تسجيلا مصورا في 18 يوليو 2024 قال فيه إن "سمير الشيخ كان يعذبه بيده في سجن عدرا ".
ووصف الحمصي، سمير الشيخ "بأنه وحش وكان يطلب من أطباء أحد المشافي وضع السم له".
ومضى الحمصي يقول: "لقد تحول سجن عدرا على زمن سمير الشيخ إلى فرع أمني للقتل والتعذيب والتضييق على المعارضين السياسيين وكل ذلك لقاء خدمة بشار الأسد".
وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان المعارضة نشرته في 18 يوليو 2024 فإن محافظ دير الزور السابق التابع للنظام، سمير عثمان الشيخ، مسؤول عن مقتل قرابة 4 آلاف مواطن، بينهم 93 تحت التعذيب وإخفاء 508 آخرين.
وبحسب شهادات الناجين من الاعتقال في محافظة دير الزور، ففي العديد من الأحيان كان يجري تجميع المعتقلين في مبنى المحافظة، قبل نقلهم إلى مراكز الاحتجاز في المحافظة.
ونوهت الشبكة إلى أن "الشيخ" خلال تلك الفترة، كان مسؤولا عن الانتهاكات الفظيعة التي تقع ضمن صلاحياته، لأنه لم يعمل على منعها، بل ربما يكون طرفا في إعطاء الأوامر.
وأشارت الشبكة السورية إلى أنها زودت وزارة العدل الأميركية بحصيلة أبرز الانتهاكات التي مارسها الشيخ أثناء عمله، منها القتل والتعذيب والاعتقال والاختفاء القسري، المسجلة خلال مدة تقلده المنصب منذ نهاية يوليو 2011 وحتى 15 يناير 2013.
وقد عمد نشطاء وحقوقيون من محافظة دير الزور إلى جمع الأدلة عن أسماء الضحايا التي يعتقد أن سمير الشيخ يقف خلفها، لتقديمها للقضاء الأميركي.
وأمام ذلك، أشاد مشرعون أميركيون بإعلان الولايات المتحدة اعتقال محافظ دير الزور السابق التابع للنظام السوري، مؤكدين ضرورة مضاعفة جهود مساءلة النظام وملاحقة مجرمي الحرب في سوريا في أي مكان.
وضمن هذا السياق، قال كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، جيم ريتش، إن "اعتقال مسؤول في النظام السوري أمام أعين الجميع هو تذكير بأننا يجب أن نضاعف جهود المساءلة في سوريا".
وأضاف السيناتور ريتش في منشور له على حسابه في "إكس " أنه بإمكان الأسد ورفاقه البقاء في سوريا أو مواجهة الاعتقال، مشددا على أن "العالم مغلق في وجوههم".
من جانبه، قال السيناتور الجمهوري ورئيس المجموعة المعنية بسوريا في الكونغرس الأميركي، فرينش هيل، إنه "لا ينبغي أن يُستثنى الأسد ونظامه من العدالة في أي مكان خارج سوريا".
وأشاد السيناتور هيل، الذي يشغل منصب الرئيس المشترك لمجموعة "أصدقاء سوريا الحرة والمستقرة والديمقراطية"، بالمنظمة "السورية للطوارئ"، التي قدمت بلاغا للسلطات الأميركية بوجود الشيخ في الولايات المتحدة، ما أسفر عن اعتقاله.
ورأى السيناتور هيل أن اعتقال الشيخ "انتصار كبير في النضال المستمر من أجل العدالة، والعمل الدؤوب من أجل الشعب السوري".
المصادر
- السلطات الأميركية تعتقل محافظ دير الزور السابق لتورطه بجرائم حرب في سوريا
- تقرير حقوقي: محافظ دير الزور السابق مسؤول عن مقتل 4 آلاف سوري وإخفاء 508
- المنظمة السورية للطوارئ تساهم في اعتقال مسؤول كبير بنظام الأسد في الولايات المتحدة
- مجزرة "الجورة والقصور".. 25 أيلول 2012 عندما انفرد النظام بذبح مدنيي دير الزور
- توثيق مجزرة القبور بمحافظة دير الزور