مستغلة انشغال العالم بالحروب.. كيف تزرع روسيا جواسيسها بالدول النامية؟
أنشطة التجسس الروسية تشمل جمع المعلومات الاستخبارية والتأثير على الانتخابات
في إطار الهجوم الغربي الإعلامي على روسيا، ادعت صحيفة برتغالية، أن موسكو تنسج خيوط شبكات جواسيسها في دول الجنوب العالمي، مستغلة انقسامات العالم وانشغاله بالحروب والتوترات الجيوسياسية.
وأشارت صحيفة "إي ريفرانسايا" إلى أن روسيا تركز على دول مثل البرازيل وكولومبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، مستخدمة أساليب متطورة للتخفي والاندماج في المجتمعات المحلية.
وتوضح أن أنشطة التجسس الروسية تشمل جمع المعلومات الاستخبارية والتأثير على الانتخابات ونشر المعلومات المضللة وتمويل الجماعات المسلحة.
وفي هذا الإطار، أشارت إلى أن روسيا تواصل تطوير قدراتها التجسسية، وأنها قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة وتوسيع نفوذها.
منصة للجواسيس
وقالت: "بينما تركز عيون العالم على التوترات الجيوسياسية التي تشمل القوى الكبرى، تعمل شبكة تجسس صامتة ومتطورة في الظل في دول الجنوب العالمي".
ولفتت الصحيفة البرتغالية إلى أن "العملاء الروس وجدوا أرضا خصبة لأنشطتهم السرية خارج المحور الأميركي الأوروبي، وهو ما يضمن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أصولا حقيقية ضد منافسيه الغربيين".
جدير بالذكر أنه منذ عام 2023 وحتى الآن، كانت البرازيل مسرحا لمؤامرات تجسس دولية بتنسيق من الكرملين، وفق الصحيفة.
وفي أثناء مواجهة قضيتين بارزتين، كان المحققون وأعضاء مجتمع الاستخبارات يتساءلون: "كيف تمكنت أجهزة الاستخبارات الروسية من تحويل الأراضي البرازيلية إلى (حاضنة) للجواسيس ؟".
وتابعت الصحيفة: "تكمن الإجابة في قدرة الجواسيس الروس على خلق واجهة مقنعة، حيث يعملون تحت هويات برازيلية مزيفة ويعيشون حياة موازية في البلاد".
وتوضح أن "هذه الإستراتيجية تسمح لهؤلاء العملاء بالتنقل عبر مساحات السلطة ليس فقط في البرازيل، بل في جميع أنحاء العالم، دون إثارة الشكوك في أجهزة الاستخبارات في أوروبا والولايات المتحدة".
وهنا، تصف الصحيفة البرتغالية البرازيل بأنها "ليست مجرد وجهة، وإنما منصة إطلاق للجواسيس"، منوهة إلى أن "هؤلاء يستخدمون هوياتهم المزيفة للوصول إلى معلومات حساسة حول العالم".
وفي الآونة الأخيرة، اعتُقل رجل عرف نفسه باسم فيكتور مولر فيريرا، وكان يحمل وثائق شخصية تشير إلى ولادته في 11 سبتمبر/ أيلول 1985 في أمستردام.
وبحسب الصحيفة، كانت مهمة هذا الجاسوس هي اختراق المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وبعد التحقيق، اكتُشف أن الشخص المعني في الواقع هو جاسوس روسي يدعى سيرجي فلاديميروفيتش تشيركاسوف.
وفي المقابل، ورغم أن الأدلة تشير إلى إستراتيجيات تجسس ناجحة، إلا أن الكرملين يظل صامتا.
وبوصفهم "مهاجرين غير شرعيين"، توضح "إي ريفرانسيا" أن الجواسيس الروس ينغمسون في الثقافة المحلية للبرازيل.
"ولاكتساب ذلك، يتلقون تدريبا خاصا يتعلمون من خلاله اللغة والعادات والتقاليد، ليصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع، وهو ما يسهل الوصول إلى المعلومات وتحديد الأهداف المحتملة"، وفق ما ذكرته الصحيفة.
عملاء غير روس
وفي إطار ما ذكرته الصحيفة سابقا، يُلاحظ أن وكالات التجسس الروسية تبتعد بشكل متزايد عن العمليات التقليدية وتختار الأساليب الابتكارية.
كما أنها غالبا ما تلجأ إلى أشخاص غير روس لتنفيذ أنشطتها، سواء عملاء الجريمة المنظمة أو الأجانب.
وبشأن تحديد البرازيل كمنصة انطلاق لعمليات التجسس، تبرز الصحيفة حقيقة أن "المستندات البرازيلية في متناول العديد من الفاسدين والمجرمين، وما على الجاسوس فعله هو معرفة كيفية الحصول عليها فقط".
ومن جانبهم، فإن الجواسيس الذين يعملون لصالح الكرملين يعرفون كيف يصلون للجنسية الزائفة.
ووفقا لرأي غونتر رودزيت، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية وأحد أكبر الأكاديميين في البلاد في مجال الأمن الدولي، فإن استخدام جوازات السفر البرازيلية ليس بالأمر الجديد بالنسبة لأجهزة المخابرات الغربية.
وعزا الخبير السياسي ذلك إلى أن "البرازيل سكانها متعددو الأعراق، مما يعني أن الأشخاص ذوي السمات الأكثر اختلافا يمكنهم تقديم أنفسهم على أنهم مواطنون محليون".
بالإضافة إلى ذلك، تُعرف البلاد أيضا -وفق ما ذكره الخبير- بأنها "مخبأ للعملاء الذين اكتُشفوا بالفعل أو يُبحث عنهم".
ومن ناحية أخرى، قال مسؤول أمني يعمل في ولاية ساو باولو البرازيلية إن "قضية تشيركاسوف تبدو وكأنها تتناسب مع نمط تزوير المستندات الشائع في البرازيل".
ولفت في حديث مع "إي ريفرانسيا" إلى أن "الشكل الأكثر شيوعا للاحتيال في الهوية يظهر في استخدام بيانات طفل توفي بعد وقت قصير من ولادته، وبالتالي عدم وجود شهادة وفاة له داخل الأنظمة الحكومية".
فوضى التجسس
كذلك يمتد التجسس الروسي إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية، حيث طردت كولومبيا ثلاثة مواطنين روس منذ عام 2020.
وكما تنقل الصحيفة، فإن القضية الأخيرة شملت اعتقال سيرجي فاجين، في مارس/آذار 2022، بتهمة تجنيد كولومبيين لإثارة الاضطرابات في البلاد.
كما يُتهم فاجين وستة كولومبيين بتشكيل شبكة إجرامية نقلت ملايين الدولارات منذ عام 2019 لتمويل أعمال ضد أجهزة الدولة، بما في ذلك الشرطة والجيش والقوات البحرية والجوية.
وفي هذا الصدد، قال ميلتون دييرو نيتو، كبير المستشارين في مركز الدفاع والأمن، إن “روسيا تجري أيضا عمليات تجسس إلكتروني في أميركا اللاتينية”.
وبين أنها "تسعى للتأثير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والروبوتات والمعلومات المضللة، وتعمل بشكل أساسي على تعزيز المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية".
وأشار نيتو إلى أن "روسيا تبني شبكة تجسس في أميركا اللاتينية لمعرفة الجهات الفاعلة الرئيسة والتأثير عليها، بهدف تقويض الشراكات والتحالفات الإستراتيجية بين دول تلك المنطقة والولايات المتحدة".
كما يسلط الضوء على أن "هذه الإستراتيجية هي إرث من الحرب الباردة التي نُشطت في عهد بوتين"، وفق الصحيفة البرتغالية.
روسيا في إفريقيا
وإضافة إلى ما سبق، كشف تقرير أن "مبعوث الكرملين السابق لدى الاتحاد الأوروبي، المرتبط بالمخابرات الروسية، أُرسل للإشراف على التنسيق بين مرتزقة مجموعة فاغنر وقوات الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى".
وترك دينيس بافلوف، الدبلوماسي الروسي، منصبه في بروكسل في أوائل عام 2023، وهو الآن في بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى.
وهنا، تلفت الصحيفة إلى أن وصوله يأتي في الوقت الذي تسعى فيه موسكو للحفاظ على نفوذها في إفريقيا بعد وفاة رئيس المنظمة شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، في أغسطس/ آب 2023.
ورغم ادعائه أنه دبلوماسي في السفارة الروسية، إلا أن المصادر تكشف أن بافلوف هو في الواقع ضابط في جهاز المخابرات الخارجية للاتحاد الروسي (SVR).
وتتمثل مهمته في السيطرة على التعاون الأمني مع المديرية العامة للشرطة الوطنية لجمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي الوقت نفسه، توجه الصحيفة الأنظار إلى أن خلفية بافلوف لا تزال يكتنفها الغموض، مع القليل من المعلومات المتاحة على الإنترنت وتفاصيل حول منصبه برتبة عقيد في جهاز المخابرات الخارجية.
وبحسب ما هو معروف، فإن مهامه السابقة تشمل العمل الدبلوماسي في أوروبا وإتقان اللغة الفرنسية وخبرته كمستشار سياسي في مختلف البعثات الدولية. ومع ذلك، لم يحمه ظهوره المحدود في بروكسل من التدقيق في دوائر الاستخبارات.
وبهذا الشأن، تقول الصحيفة: "بينما تكثف موسكو نشرها للمرتزقة في القارة السمراء، تعكس مهمة بافلوف في جمهورية إفريقيا الوسطى نقطة محورية في المشهد الأمني المتغير، حيث تتشابك العمليات الاستخباراتية السرية مع نظيرتها شبه العسكرية".
وتضيف أن "دفع ما يقرب من نصف مليار يورو لشركة فاغنر من قبل حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى يسلط الضوء على أهمية التدخل الروسي في شؤون هذا البلد الذي أصبح الآن تحت سيطرة بافلوف السرية".