بعد إسقاط مسيرة وتعيين محافظ.. هل تفرض تركيا عقوبات على كركوك؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار إسقاط طائرة مسيرة تركية في كركوك العراقية، العديد من التساؤلات بخصوص تعامل تركيا مع المدينة الغنية بالنفط بعد تولي "الاتحاد الوطني الكردستاني" إدارتها.

وتتهم أنقرة الاتحاد المذكور بالتعاون مع قوات حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، وإدخالهم إلى محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق.

ومنذ أبريل/نيسان 2023، تغلق تركيا مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من وإلى السليمانية في العراق بسبب تصاعد نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني هناك، وتقول أنقرة إن الأخير يتمركز في المدينة ويتسلل إلى المطار، وبالتالي يهدد أمن رحلاتهم.

يأتي ذلك بعد انفجار وقع بالقرب من مطار السليمانية في أبريل 2023، أثناء وجود، مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” هناك.

واتهم "الاتحاد الوطني الكردستاني" تركيا بالوقوف خلف الهجوم، لكن مسؤولا بوزارة الدفاع التركية نفى ذلك، حسبما نقلت وكالة "رويترز" البريطانية حينها.

إسقاط مسيرة

وفي تطور جديد، أعلن الجيش العراقي، في 29 أغسطس/آب 2024، إسقاط "طائرة مسيّرة تركية" في مدينة كركوك بشمال البلاد.

فيما أكدت وزارة الخارجية التركية أن "أنقرة تنسق مع السلطات في بغداد، لتوضيح حادث سقوط الطائرة بالتفصيل".

وقال نائب قائد الدفاع الجوي في كركوك، العميد عبد السلام رمضان، للصحفيين خلال مؤتمر صحفي بمكان الحادث: "تم إسقاط طائرة تركية مسيرة اخترقت الأجواء العراقية".

وقبل ذلك، نقلت وكالة "رويترز" في اليوم نفسه عن مصدرين بالشرطة العراقية لم تكشف هويتهما قولهما إن الدفاعات الجوية أسقطت طائرة مسيرة فوق مدينة كركوك، شمالي البلاد، وجرى فتح تحقيق في هويتها.

وأوضح عقيد بالجيش العراقي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الفحص المبدئي للحطام أظهر أنها "مسيّرة عسكرية تركية مسلحة".

وذكر مصدرا الشرطة للوكالة أن الطائرة المسيرة "سقطت في وسط كركوك، مما أسفر عن اشتعال حريق بالقرب من بعض المنازل، لكنها لم تتسبب في وقوع إصابات"، وأن رجال الإطفاء تمكنوا من السيطرة على الحريق.

وعبر منصة "إكس"، علق الناطق باسم وزارة الخارجية التركي، أونجو كيتشيلي بالقول إنه "تم التنسيق مع السلطات العراقية لتوضيح الحادثة بالتفصيل". 

وأكد كيتشيلي أن "تركيا تواصل حربها ضد التنظيم الإرهابي المتمركز في الأراضي العراقية وفقا لمبدأ الدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة"، في إشارة منه إلى "حزب العمال الكردستاني". 

وأوضح أن الإعلان الأخير عن "العمال الكردستاني" بصفته "منظمة محظورة" في العراق و"مذكرة التفاهم حول التعاون العسكري والأمني ​​ومكافحة الإرهاب" الموقعة في أنقرة في 15 أغسطس 2024، هي "نتاج لهذا النهج". لكن المسؤول لم يذكر ما إذا كانت الطائرة تركية.

ويرى الخبير التركي بالشؤون العراقية، محمد ألاجا أن التصريح الذي أدلى به كيتشيلي "يعني أن الحادث لن يتم تضخيمه من قبل كلا الطرفين (تركيا والعراق)، حسبما نقلت قناة "الحرة" الأميركية في 30 أغسطس.

سليمانية ثانية

وبخصوص استهداف تركيا لكركوك ومدى تحولها إلى سليمانية ثانية، قال الباحث المختص بالشأن التركي محمود علوش، إن "الأتراك ممتعضون من تولي شخصية من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني منصب المحافظة في كركوك".

وأوضح علوش لـ"الاستقلال" أن "الأتراك يُريدون إرسال رسالة بأنهم لن يتسامحوا مع أي نشاط لحزب العمال الكردستاني في كركوك على غرار ما يفعله في السليمانية".

وأوضح الباحث أن “الاتحاد الوطني لديه علاقة بحزب العمال الكردستاني، فيما يجد الأخير فرصة للنشاط في المناطق الخاضعة لسيطرة الأول، هذا ما يُثير قلق الأتراك من محافظ كركوك الجديد”.

وأكد علوش أن "كركوك لديها وضع استثنائي، وأن أي محاولة لتجاهله من قبل الاتحاد الوطني في إدارة المحافظة سيُفاقم التوتر على نحو كبير". 

ولفت إلى أن "تركيا سبق أن اتخذت إجراءات قوية ضد الاتحاد الوطني في السليمانية، ولن تتردد في فعل ذلك في كركوك أيضا، إذا ما وجدت أن العمال الكردستاني يُحاول الاستفادة من الوضع الحالي في المحافظة للنشاط فيها. هذا خط أحمر بالنسبة لتركيا".

ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن إسقاط طائرة مسيرة تركية في كركوك ينذر بدخول المحافظة في مرحلة جديدة من التصعيد التركي.

وأن المرحلة المقبلة ربما تشهد إغلاقا تركيا لأجوائها أمام مطار كركوك على غرار ما فعلته في مدينة السليمانية.

ولفتوا إلى أن التحول التركي الجديد يأتي بسبب تولي الاتحاد الوطني الكردستاني المناوئ لتركيا إدارة محافظة كركوك، التي تضم المكون التركماني، بعد جلسة لمجلس محافظة المدينة أثارت الجدل جرى خلالها انتخاب القيادي في "الاتحاد" ريبوار طه محافظا للمدينة، وإقصاء التركمان والعرب.

وتضم كركوك العرب والأكراد والتركمان، وينقسم مجلس المحافظة بين هذه المكونات.

إذ تمتلك "الكتلة العربية" ستة مقاعد، بينما الاتحاد الوطني الكردستاني لديه خمسة مقاعد، والحزب الديمقراطي الكردستاني، مقعدان، والجبهة التركمانية مقعدان، والمكون المسيحي مقعد واحد.

وفي 10 أغسطس 2024، عقد 9 أعضاء من مجلس كركوك، 5 منهم من حزب الاتحاد الوطني و3 عرب وعضو مسيحي اجتماعا في فندق ببغداد، صوّتوا خلاله على انتخاب ريبوار طه من الوطني الكردستاني محافظا للمدينة المذكورة ومحمد الحافظ عن المكون العربي رئيسا للمجلس.

غضب تركي

وعلى خلفية انتخاب محافظ لكركوك، التي تعد معقل القومية التركمانية في العراق، أعرب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان عن رفضه الشديد للطريقة التي حصل فيها الأمر دون إشراك كل المكونات.

وقال الحزب على لسان نائب رئيسه والمتحدث باسمه، عمر جيليك، في 12 أغسطس، إنه "منذ البداية، كنا نؤيد سياسة شاملة في العراق لا يتم فيها استبعاد أحد".

وتابع: "وهنا، نرى أن استبعاد التركمان، والمجموعات العربية الأخرى، والحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال فرض الأمر الواقع من قِبل الاتحاد الوطني الكردستاني ليس صحيحا، ولا في صالح العراق بأي شكل من الأشكال، وهو أيضاً نهج خاطئ للغاية بالنسبة لكركوك".

وشدد على ضرورة “إعطاء المجموعات العربية الأخرى وغيرها حقوقها، وقد خلقت هذه (الجلسة) وضعا يتعارض مع هذا الإطار”.

وبين أن هذا الوضع "(ينفرد به) الاتحاد الوطني الكردستاني فقط، مع إقصاء التركمان والمجموعات العربية، وهذا وضع غير صحي وغير مقبول".

وتابع: "نرى أنه ينبغي اتخاذ خطوات سريعة لإعادة هذا الأمر إلى إطار شامل تماما.. وإلا فسيواجه مشاكل أخرى".

وخلص جيليك إلى أن “النماذج التي تشمل كل العراقيين هي وحدها القادرة على العمل وخدمة العراق، أما الخطوات الأخرى ستقود لنتائج خاطئة”.

وتكتسب كركوك أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، فهي كانت عاصمة لـ"إيالة شهرزور" إبان حكم الدولة العثمانية (الإيالة هي تقسيم إداري)، وتعد حاليا في قلب الصراع في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان العراق والسلطات في بغداد.

وكانت مصادر سياسية عراقية، قد أكدت في تقرير سابق لـ"الاستقلال" نشر في 19 أغسطس 2024، عن وجود اتفاقات سياسية تتعلق بمنح منصب محافظ كركوك إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، مقابل قبول الإطار التنسيقي بمرشح حزب "تقدم" محمد الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان.

المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أكدت في حينها أن "أطرافا من الإطار وعلى رأسهم زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، كان يدير هذه الصفقة".

وأوضحت أن "الحلبوسي قبل التنازل عن منصب محافظ كركوك وذهابه إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، مقابل دعم الإطار التنسيقي أي مرشح يقدمه حزبه لتولي منصب رئيس البرلمان".

ومنذ إطاحة القضاء بالحلبوسي من رئاسة البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بتهمة التزوير، لم تتمكن القوى السياسية من اختيار بديل، رغم عقد جولتين لانتخاب خليفة له، لكنها انتهت بعراك بالأيدي وتأجل الموضوع إلى إشعار آخر.

ويجتمع حزبا "السيادة" بقيادة خميس الخنجر و"تقدم" بزعامة الحلبوسي في تحالف واحد بمحافظة كركوك اسمه "القيادة"، وشارك اثنان من أعضائه بجلسة انتخاب المحافظ، أحدهما عن "السيادة" وهو محمد الحافظ وأصبح رئيسا للمجلس، والآخر عن "تقدم" وهو رعد صالح.

وقرر "السيادة" طرد محمد الحافظ الذي انتخب في تلك الجلسة، رئيسا لمجلس محافظة كركوك، لعدم التزامه بالانضباط الحزبي وحضوره الاجتماع دون علمه، لكن "تقدم" دعم موقف عضوه رعد صالح في حضور جلسة انتخاب محافظ للمدينة.