"مرحلة حرجة".. كيف يدير أحمد الشرع معادلة المصالح والخلافات مع روسيا؟

منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في تطور لافت، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع محادثة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 12 فبراير/شباط 2025، في اتصال بادرت به موسكو.

وأوضح الكرملين أن بوتين تعهد في المحادثة بمواصلة الدعم الروسي لإعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصادها، ما يعكس تحولا كبيرا في العلاقات بين البلدين بعد الإطاحة ببشار الأسد، بحسب موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي.

ضبط العلاقات

وذكر الموقع أنه مع انتقال سوريا إلى قيادة جديدة، تسعى موسكو للحفاظ على نفوذها، فيما تدفع دمشق نحو محاسبة رموز النظام السابق والتعافي الاقتصادي، وفق موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي.

ومنذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011، كانت روسيا حليفا قويا لنظام الأسد، وتدخلت عسكريا في عام 2015 وقصفت المدن السورية لمنع انهيار النظام، وكل ذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

إلا أن سقوط الأسد أخيرا دفع روسيا إلى إعادة تقييم دورها في البلاد، بينما تسعى القيادة السورية الجديدة إلى إعادة ضبط العلاقات، بعد أن فرّ الأسد إلى موسكو على إثر انهيار نظامه؛ حيث حصل على لجوء إنساني.

ووفقا لبيان الكرملين، بحث بوتين والشرع التعاون في مجالات التجارة والتعليم والتنمية الاقتصادية، وذلك في أعقاب اجتماعات عقدها مسؤولون روس وسوريون في دمشق أخيرا. وتمنى بوتين للشرع النجاح في مواجهة التحديات المتزايدة في سوريا، مؤكدا استعداد روسيا لمواصلة الحوار بشأن العلاقات الثنائية.

ووصف الكرملين الاتصال بأنه "بَنّاء وعملي وغني بالمضمون"، لكن مصادر داخل الرئاسة السورية أبلغت "ذا ميديا لاين" بأن خلافات كبيرة لا تزال قائمة بشأن النفوذ الروسي طويل الأمد في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالوجود العسكري لموسكو.

وعلى الرغم من أن هذه المحادثة كانت الأولى المباشرة بين بوتين والشرع، فإن الزعيم السوري المؤقت كان قد التقى سابقا بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الرئاسي الخاص ألكسندر لافرنتييف، خلال زيارة رفيعة المستوى إلى دمشق في يناير/كانون الثاني 2025.

وخلال الزيارة، أكدت روسيا دعمها لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، مع الإقرار بعملية الانتقال السياسي الجارية. كما أعربت موسكو عن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهي مسألة أساسية لدمشق في سعيها للتعافي من أكثر من عقد من الحرب.

وبحسب مسؤولين سوريين، تناولت المناقشات العدالة الانتقالية والتعويضات الاقتصادية والمساءلة عن الجرائم السابقة. وشددت القيادة الجديدة على التزامها بالتواصل مع جميع الأطراف لتحقيق العدالة والاستقرار، في تباين واضح مع حكم الأسد الاستبدادي.

كما طُرحت خلال المناقشات مطالبة سوريا باستعادة الأموال التي هُرِّبت إلى الخارج من قبل الأسد، مع إصرار القيادة الجديدة على تعويض الدمار الذي خلفه حكمه.

وقال الباحث والأكاديمي في الشأن السوري-الروسي، محمود حمزة: إن "تصريحات أحمد الشرع بشأن روسيا كانت إيجابية؛ إذ أعرب عن رغبته في إقامة علاقات جيدة معها، وتحدث عن إتاحة الفرصة لموسكو لإعادة النظر في سياستها بسوريا".

لكن حمزة أشار إلى أن "الجانب السوري طالب باستعادة الأموال التي هربها بشار الأسد، كما ناقش مسألة التعويض عن الفترة السابقة".

شروط سوريا

وأكد مسؤول سوري رفيع لـ "ذا ميديا لاين" أن إعادة بناء العلاقات مع موسكو تتطلب معالجة الأخطاء السابقة، واحترام إرادة الشعب السوري، وخدمة مصالحه.

وأفادت تقارير إعلامية بأن دمشق طلبت من موسكو تسليم الأسد وعدد من المسؤولين السوريين السابقين في إطار جهود أوسع لمحاسبتهم. ولم تؤكد روسيا أو تنفِ هذه التقارير، مما زاد من التكهنات حول مصير الأسد في المنفى.

من ناحيته، أشار الصحفي الروسي، إيغور سوبوتين، إلى أن القيادة السورية الجديدة حددت شروطا خلال زيارة الوفد الروسي، من بينها تقديم دعم اقتصادي ملموس.

وبدوره، قال مدير البرامج في مجلس الشؤون الدولية الروسي، إيفان بوتشاروف، إن موسكو تبدو مستعدة لتلبية بعض هذه المطالب، لا سيما في مجالات الأمن الغذائي والرعاية الصحية وإعادة تأهيل البنية التحتية.

وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية لإصلاح العلاقات، يرفض العديد من السوريين بشكل قاطع أي محاولة للتقارب مع روسيا، نظرا لدورها في دعم نظام الأسد، وفق التقرير.

ويرى المحلل السياسي، مصطفى النعيمي أن "التقارب السوري-الروسي سيكون محكوما بقيود غربية، لا سيما أن روسيا كانت داعما رئيسا لنظام الأسد المخلوع، وشريكا في قتل السوريين".

ويتوقع المراقبون رفضا واسع النطاق لأي تجدد في العلاقات بين دمشق وموسكو، حيث يعبر العديد من السوريين عن رفضهم القاطع لأي انخراط مع كل من روسيا وإيران بسبب دعمهما الأسد وارتكابهما انتهاكات جسيمة بحق الشعب السوري.

مفترق طرق

وقال حمزة: إن النفوذ الروسي في سوريا دخل "مرحلة حرجة وغامضة" عقب سقوط الأسد، فعلى مدار السنوات العشر الماضية، وقفت موسكو إلى جانب نظام الأسد بكل قوتها العسكرية والسياسية، وكانت السبب في بقاء الأسد في السلطة حتى عام 2024، لكن بعد سقوطه، توترت العلاقات".

وأشار إلى أن الشرع اتخذ نهجا تصالحيا تجاه موسكو، معبّرا عن رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة، بينما دعا روسيا إلى إعادة النظر في سياساتها بسوريا. 

ومن جانبها، أبدت موسكو استعدادا لإعادة ضبط العلاقات في ظل القيادة السورية الجديدة.

ويعتقد حمزة أن زيارة "بوغدانوف" شكّلت نقطة تحول أسهمت في "كسر الجليد" بين البلدين. وبحسب التقارير، شملت المباحثات مطالبة سوريا باستعادة الأموال التي هربها الأسد إلى الخارج، إضافة إلى التعويض عن الدمار الذي حدث خلال فترة حكمه.

ورغم اعتماد سوريا سابقا على الدعم الروسي، تبدو القيادة السورية الجديدة حذرة بشأن الاصطفاف الكامل مع موسكو.

وقال المحلل السياسي السوري، عبد الرحمن الناصر: إن "موسكو تسعى إلى الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، لا سيما في قاعدتي حميميم وطرطوس على البحر المتوسط، نظرا لأهميتهما الإستراتيجية في مواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

وبحسب الناصر، تنظر روسيا إلى سوريا بوصفها جزءا من صراع جيوسياسي أوسع، حيث تستخدم نفوذها في دمشق لمواجهة الضغوط الغربية. ومع ذلك، لم تتخذ الحكومة السورية المؤقتة بعد قرارها النهائي بشأن السماح للقوات الروسية بالبقاء.

ويرى بعض المحللين أن الشرع قد يستخدم هذه القضية كورقة تفاوضية في المحادثات المستقبلية مع الغرب، على غرار إستراتيجية تركيا في توظيف موقعها الإستراتيجي لتحقيق مكاسب سياسية.

وقد استخدمت روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي 17 مرة منذ بداية الحرب السورية لمنع جهود محاسبة الأسد.

وأسهمت هذه العرقلة المتكررة في تأجيج غضب السوريين تجاه موسكو، وأسهمت في فشل المجتمع الدولي في التصدي لجرائم الحرب التي ارتُكبت خلال حكم الأسد.

وختم الموقع الأميركي بالتساؤل: “في ضوء هذا التاريخ، يظل السؤال الأكثر أهمية: هل يستطيع السوريون تجاوز الماضي وقبول روسيا كشريك في إعادة إعمار بلادهم؟ أم أن ندوب التدخل الروسي ستجعل أي مصالحة مستحيلة؟”

الكلمات المفتاحية