"مقترح توافقي" تعمل عليه القاهرة لملء فراغ لبنان الرئاسي.. ما تفاصيله؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

يبذل النظام المصري جهودا لتحريك حالة الجمود في الملف الرئاسي بلبنان عبر دفع الأطراف السياسية إلى تبني "مقترح توافقي" لإنهاء حالة الشغور في هذا البلد المتواصلة منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وخاض السفير المصري لدى بيروت ​علاء موسى، جولات مكثفة خلال الأشهر الأخيرة لوضع نقطة انطلاق جديدة نحو كسر حالة الجمود الرئاسية في لبنان.

ما كان لافتا هو تركيز القاهرة على فصل ملف الإبادة الإسرائيلية في غزة وتداعياتها على جنوب لبنان عن الملف الرئاسي.

وهو ما تجلى في قول موسى خلال لقائه برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في 13 سبتمبر/ أيلول 2024: "إذا ما استطعنا فعلا فعل هذا فسنتمكن بعض الشيء من إحداث حلحلة في الملف الرئاسي".

ويستأنف سفراء دول “اللجنة الخماسية بشأن لبنان” حراكهم، في الأيام المقبلة، سعيا لإيجاد حل في الأزمة الرئاسية، بحسب ما أعلن موسى أيضا خلال لقائه كلا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. 

وتتألف “اللجنة” من السفراء السعودي وليد البخاري والمصري علاء موسى والفرنسي هرفيه ماغرو والأميركية ليزا جونسون والقطري سعود بن عبد الرحمن آل ثاني.

حراك لافت

فيبدو واضحا أن اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان "غير مرتاحة" لاستمرار الشغور الرئاسي تحت حجة أن ما يجرى في غزة وجنوب لبنان، ليس "وقتا مناسبا لانتخاب الرئيس"، كما أوحى زعيم جماعة "حزب الله" حسن نصرالله.

فعقدة ملف الرئاسة في لبنان الذي ما يزال متعثرا منذ أن غادر قصر بعبدا في بيروت الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر 2022؛ سببها تمسك "الثنائي الشيعي" (حزب الله - حركة أمل بقيادة نبيه بري) بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.

بوصفه "مطمئنا للمقاومة" حسبما نعته حسن نصر الله حينما أعلن دعمه كمرشحه خلال احتفال حزبي بتاريخ 6 مارس/آذار 2023.

فيما ترشح أحزاب معارضة عديدة  "جهاد أزعور" المسؤول في صندوق النقد الدولي.

ونقلت منصة "هنا لبنان" عن السفير المصري علاء موسى في 13 سبتمبر قوله: نحن سنلتقي في الخماسية لأسباب متعلقة بعودة التركيز على الملف الرئاسي بعدما كان التركيز على منع التصعيد في الجنوب".

وأضاف قائلا: "سوف نتداول بتقييماتنا للأوضاع وما حصل في المرحلة السابقة وما يمكن القيام به في المستقبل".

إذ ما تزال "الخماسية" تسعى لتحقيق توافق بين أطراف الانقسام الرئاسي، وهذا الهدف الصعب يواجه بأطراف سياسية لبنانية لا تُظهر حتى الآن رغبة في الحوار والاتفاق على حلول وسط لإنهاء الشغور الرئاسي.

ومن هنا أكد ‎علاء موسى، في تصريح لقناة "الجديد" في 8 سبتمبر العودة إلى "التركيز على ملف الرئاسة وإعادة الزخم إليه" مشيرا إلى أن "الحراك الفرنسي واللقاء في الرياض خطوة مهمة وهذا يدلّ على رغبة بالتحرك إلى الأمام".

ولفت موسى إلى أن "القضية ليست في كمية المبادرات ولكن القضية تكمن في البحث عن المشتركات بالأفكار المطروحة لتحقيق تقدم في ملف الرئاسة".

وزار الموفد الرئاسي الفرنسي للبنان جان إيف لودريان، في مطلع سبتمبر 2024 الرياض والتقى المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا بحضور السفير السعودي في بيروت وليد البخاري.

وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله، إن زيارة لودريان، لا تخرج عن سياق المحاولات المتكررة للوسطاء الدوليين والعرب تكثيف جهودهم في موازاة المفاوضات الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة.

وذلك على القاعدة نفسها التي سبق أن أُبلغت إلى القوى المحلية اللبنانية بأن "لبنان يحتاج إلى رئيس للجمهورية يجب أن يكون حاضرا في أي مسار تفاوضي قبل انتهاء الحرب وبعدها لأن هناك الكثير من الملفات التي تتطلّب وجود رأس للدولة".

وهناك مطالبات بتحديد موعد جديد لجلسة انتخاب رئاسية يسبقها تشاور بين الأطراف السياسية حول الأسماء المطروحة.

فمنذ انتهاء ولاية عون في نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه.

وتتمثل عقدة الملف الرئاسي بعدم حظوة أي فريق سياسي في هذا البلد بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا الرئاسي في بيروت.

ويبدو أن جهود مصر كونها أحد الوسطاء بين حركة حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتحتضن عاصمتها القاهرة بعضا من جولاتها، تسعى لدفع الأطراف اللبنانية إلى التسريع في انتخاب رئيس وعدم ربط هذا الملف بتطورات المنطقة.

 "مقترح توافقي"

وضمن حراك السفير المصري، استقبل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في المقر العام للحزب في معراب، علاء موسى في 11 سبتمبر 2024.

وخلال اللقاء تطرق موسى لإمكانية البحث عن مرشح ثالث غير المرشحين المطروحين حاليا وهما  "جهاد أزعور" المسؤول في صندوق النقد الدولي، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الاسم الحاسم للثنائي الشيعي.

 وقال موسى: "القناعة التي لدي هي أن الحوار والتشاور والحديث سيصل بنا حتما إلى نتيجة، إذا ما توفرت الإرادة والرغبة والنوايا الجيدة من أجل النهوض بلبنان. سوف نتغلب على الكثير من العقبات ونصل إلى مرشح أو اثنين أو ثلاثة يكونون صالحين لقيادة هذا البلد".

وجعجع (مناهض لحزب الله) يرفض ترشح فرنجية، ويرى أن "رئاسة الجمهورية ليست جائزة ترضية" ويرى أن التصعيد في جنوب لبنان “ليس قرارا لبنانيا شرعيا”.

وقال سابقا في اجتماع بمقر حزبه ببيروت في 29 ديسمبر 2023، إن  "هذا القرار اتخذه حزب واحد انطلاقا من اعتبارات غير لبنانية". 

وأضاف: "هدف ما يجري على حدودنا الجنوبية هو قول حزب الله ومن ورائه إيران أنهم موجودون في المعادلة كي يحفظوا لأنفسهم موقعا فيها لينالوا فيما بعد بعض المكاسب عندما يحين موعد التفاوض".

وضمن هذا السياق، قال مصدر نيابي لبناني بارز لـ صحيفة "الأنباء" المحلية، في 13 سبتمبر، أنه "من الواضح أن جولات موسى تأتي في سياق تعزيز المبادرة المصرية في حل الأزمة اللبنانية.

لا سيما أن مصر تعد من الدول الأساسية في اللجنة الخماسية الهادفة لتنسيق الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حل مستدام للشغور الرئاسي في لبنان.

وأضاف المصدر: "تأتي زيارات السفير المصري إلى القيادات اللبنانية في وقت حساس، اذ يشهد لبنان تصاعدا في الضغوط الدولية والإقليمية لإنهاء حالة الجمود".

 وأردف: "من الواضح أن الهدف الأساسي من هذه الجولات هو استطلاع مواقف الأطراف المختلفة ومعرفة مدى استعدادها للقبول بتسوية، تقوم على مبدأ التشاور المسبق بين الفرقاء أو خلال جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، عندما تتم الدعوة إليها من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري".

ورأى المصدر ذاته أن “اجتماع سفراء اللجنة الخماسية في بيروت منتصف سبتمبر 2024 يعد فرصة محورية لمناقشة الأفكار  التي تم جمعها من خلال جولات موسى”.

ومضى يقول: “هناك توقعات بأن الاجتماع قد يسفر عن طرح مقترح توافقي يمكن أن يشكل قاعدة لدعوة الأطراف اللبنانية إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية”. 

ويبدو أن الأساس الذي قد يقوم عليه هذا المقترح هو التشاور المسبق أو التشاور خلال الجلسات، لضمان مشاركة واسعة من الأطراف جميعهم وتقليل احتمال التعطيل أو الانقسام، بحسب المصدر.

"إقناع حزب الله"

وفي الوقت الراهن، يشترط "الثنائي الشيعي" أي دعوة لجلسة نيابية بأن يسبقها "حوار" يرأسه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على أن ينتهي الحوار بتوافق على اسم رئيس للبلاد ويجرى التوجه بعدها للهيئة العامة لانتخابه.

لكن ما تزال قوى المعارضة اللبنانية، ترفض ذلك "الحوار" الذي يتضمن 10 أيام كحد أقصى من المناقشات، يجرى خلالها التفاهم على اسم مرشح رئاسي أو اثنين أو ثلاثة، قبل التوجه بعدها إلى دعوة النواب لجلسة برلمانية لانتخاب الرئيس.

وتدعو أغلبية القوى اللبنانية إلى تحديد جلسة جديدة في البرلمان، لانتخاب رئيس للجمهورية، أو الدعوة لجلسة مفتوحة بدورات متتالية، وهو ما يرفضه نبيه بري خشية خروج إحدى الجلسات برئيس جديد من "خارج عباءة الثنائي الشيعي".

لهذا فإن أفكار "اللجنة الخماسية" الجديدة تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن بين القوى السياسية اللبنانية، بحيث لا يُفسر عملها وكأنه كسر أو تجاوز لفريق على حساب مصلحة فريق آخر.

وأنه وفق الخبراء تعد مسألة انتخاب الرئيس ليس ضرورة آنية فحسب، بل تشكل استباقا مطلوبا لما ستشهده المنطقة من تحديات والتزامات توجب أن يكون في لبنان رئيس يتحدث باسمه.

لا سيما أن المعارضة اللبنانية لا تريد أن تُبقي "قرار السلم والحرب بيد حزب الله"، بل عبر رئيس جديد لن يكون انتخابه إلا كممثل رسمي لمصالح اللبنانيين وليس لمصلحة حزب على حساب البلد ككل.

فقد طالب نواب المعارضة، بعريضة وقعها 31 نائبا في 22 يوليو/ تموز 2024، بري، "بإعلان حالة الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور فيه، وتكليف الجيش اللبناني بالتصدي لأي اعتداء على الأراضي اللبنانية".

وضمن هذه الجزئية، رأى علي الأمين، رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني، أن تحرك اللجنة الخماسية الجديد محاولة للمساعدة وهو أمر يتطلب مبادرة داخلية أكثر مما يتطلب من حراك خارجي، ويجب أن يقتنع حزب الله أن فكرة الإتيان بمرشحه سواء كان سليمان فرنجية أو غيره، هذا أمر انتهى".

وأضاف في مقال نشر في 10 سبتمبر 2024 أن "فكرة أن يأتي حزب الله برئيس جمهورية للبنان لم تعد مقبولة لا داخليا ولا خارجيا وهذه فكرة غير واردة في المرحلة المقبلة".

وأضاف الأمين المعارض لسياسات حزب الله قائلا: "أما لجهة القدرة على تعطيل انتخاب رئيس فالأمر الآن يفيد حزب الله أكثر خصوصا في المرحلة الحالية للتفرد بالمواجهة الجارية في جنوب لبنان".