على الطريقة التركية.. هكذا أفشل الشعب في بوليفيا محاولة الانقلاب العسكري؟

12

طباعة

مشاركة

درس جديد قدمته الشعوب لحماية الديمقراطية، بقيادة رئيس مدني ضد الانقلابات العسكرية، بعدما أفشل شعب بوليفيا ما يبدو أنه "أسرع انقلاب عسكري فاشل" في تاريخ العالم، استمر 3 ساعات فقط، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 27 يونيو/حزيران 2024.

تصدي الرئيس المنتخب للجنرال المنقلب وجها لوجه ورفضه تنفيذ أوامر العسكر ومطالبتهم بالانسحاب من القصر الرئاسي ودعوة الشعب للوقوف في وجههم، وتحرك القوى الشرعية والشرطة والقوات الخاصة لدعم الرئيس، كل ذلك وأد الانقلاب فورا.

المحاولة الانقلابية انتهت على يد الشعب، و"على الطريقة التركية"، كتبت نهاية هذه الحماقة العسكرية دون انتظار أي دعم عسكري أو دولي.

وتقدمت جحافل الشعب وزحفت نحو الشوارع، فطغا طوفانه على أعداد العسكر، وبثوا الرعب في قلوب الانقلابيين فتراجعوا، وباءوا بالفشل، لتثبت تركيا أنها صاحبة هذه "السنة الحسنة" في وأد الانقلابات.

وأتثبت الشعوب أنها تعلمت الدرس، وأنه لا أمان لأي حكم عسكري بعدما ثبت أن عسكريي الانقلابات، ديكتاتوريون فاشيون، ويجب القضاء على أي انقلاب في مهده قبل أن ينتشر نفوذ العسكر وسيطرتهم على السلطة والثروة كالسرطان.

وفي 15 يوليو/تموز 2016 وقعت محاولة انقلاب فاشلة في تركيا قادتها زمرة من العسكريين الذين اعتادوا الانقلاب، وتصدى لهم الشعب بطلب من الرئيس رجب طيب أردوغان.

ماذا جرى؟

درس جديد قدمه الشعب البوليفي لشعوب العالم بعد درس الشعب التركي للانقلابيين عام 2016، حين خرج بالآلاف زاحفا في الشوارع ونحو القصر الرئاسي مركز الانقلاب، ليقف ضد انقلاب جنرال خائن موالٍ للغرب.

نفس السيناريو التركي، كرره الرئيس لويس آرسي، وتبعه الشعب ثم الشرطة والقوات الخاصة التي تصدت للانقلابيين من الجيش.

الرئيس البوليفي، وعلى غرار ما فعله نظيره التركي أردوغان أثناء انقلاب 2016، حض الشعب على التعبئة والخروج للشارع ضد الانقلاب، وتصدى للجنرال المنقلب على الهواء، بعد أن حاول اقتحام القصر الرئاسي وخلع أبوابه بالمدرعات في العاصمة لاباز.

"آرسي" قال في رسالة تلفزيونية إلى الشعب، وهو يقف بين وزرائه وقوات الحرس الجمهوري، داخل القصر الرئاسي: "نحتاج من الشعب البوليفي تنظيم نفسه والتعبئة ضد الانقلاب ولصالح الديمقراطية".

استجاب له الملايين وخرجوا للشوارع وتحركت الشرطة والقوات الخاصة للتصدي لانقلابيي الجيش، وانضم له قيادات من الجيش تعارض الانقلاب، ففشلت محاولة الانقلاب العسكري، وتم اعتقال قائد الجيش الذي اقتحم القصر الرئاسي.

انتهى ثاني انقلاب عسكري تشهده بوليفيا (الأول عام 2019)، بالفشل بفضل تحرك الشعب الذي يدرك أن الانقلابات العسكرية تأتي بمطامع للجنرالات وأن ما وعدهم به قائد الانقلاب الجنرال خوان خوسيه زونيغا، بالديمقراطية ليس سوى سراب.

وحاول الجنرال زونيغا تبرير انقلابه بقوله لمحطة تلفزيون محلية: "جئنا للتعبير عن سخطنا ولتكون هناك حكومة جديدة، والأمور ستتغير، وبلادنا لا يمكن أن تستمر على هذا النحو بعد الآن".

وقال للصحفيين وهو يأمر مدرعة بتحطيم مدخل القصر الجمهوري، ويحيط به جنوده ويلوم الحكومة: "أوقفوا التدمير، توقفوا عن إفقار بلدنا، توقفوا عن إذلال جيشنا"، وزعم أن الإجراء الذي يتم اتخاذه يحظى بدعم الجمهور، فرد عليه الشعب بالوقوف ضده.

لحظات حاسمة

كان ظهور الرئيس أرسي، وهو يقف في وجه الجنرال المتمرد زونيغا، ويبلغه أنه يخالف القوانين والشعب سيتصدى له، وعليه أن يأمر العسكريين بالعودة إلى الثكنات العسكرية، حاسما في هزيمة الانقلاب.

موقف الرئيس المدني المنتخب، الذي وقف بجسارة أمام قائد الانقلاب وطالبه بوقف انقلابه والانسحاب ولم يهرب، ودعا الشعب للنزول لدعم الديمقراطية، وأربك العسكر، وأفشل الانقلاب وجعلهم ينسحبون في نهاية المطاف.

الرئيس ظهر وهو يتصدى ويشير للجنرال المنقلب بأصبعه قائلا له: "نحن هنا لن نغادر القصر الرئاسي والشعب يدعمنا.. لا تخطئ يا جنرال، احترم الديمقراطية، لن أسمح بهذا العصيان، اسحب جنودك"؟!، فاضطر الجنرال للانصراف.

ولاحقا، ألقت الشرطة والقوات الخاصة القبض على الجنرال، وهو يتحدث إلى الصحفيين في ثكنة عسكرية، وأجبرته على ركوب سيارة الشرطة، وخاطبه وزير الداخلية جوني أجيليرا قائلا له: "أنت رهن الاعتقال أيها الجنرال".

وجاءت لحظة إعلان الرئيس البوليفي انتصاره من القصر الرئاسي، ليؤكد دور الشعب.

وقال للشعب: "إخوتي، أريد أن أشكركم، لولا تحرككم بسرعة في جميع أنحاء البلاد لبقي الانقلاب، لا أحد يمكنه أن يسلبكم الديمقراطية التي كسبناها في الشوارع بدماء الشعب البوليفي"، ونشر صور الشعب وهو يحيطون بالقصر الرئاسي.

وقارن نشطاء بين وأد الانقلاب العسكري في بوليفيا وتركيا لنزول الشعب للشوارع، وبين نجاحه في مصر رغم نزول شعب مصر بالملايين أيضا ولشهور طويلة.

وقالوا إن الفارق هو أن الجيش البوليفي لم يطلق النار على شعبه ولم يقصفهم بالطائرات، عكس ما فعله انقلابيو مصر عام 2013، كما أن القوى المعارضة للرئيس البوليفي لم تتواطأ مع العسكر ووقفت مع الشرعية والديمقراطية.

أيضا أدانت المحكمة العليا في بوليفيا الانقلاب ووصفته بـ"الهجوم على الاستقرار الديمقراطي في البلاد".

وذلك عكس المحكمة الدستورية العليا بمصر التي دعمت الانقلاب ومهدت له وشارك رؤساؤها في مناصب أنعم عليهم بها قادة انقلاب مصر، أبرزها رئاسة البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ).

هل أميركا متورطة؟

جاء انقلاب بوليفيا في توقيت لافت، بعدما ناصرت قطاع غزة وقطعت علاقتها مع إسرائيل وتقربت من روسيا، وحدث الانقلاب العسكري في بوليفيا بعد رحلة الرئيس إلى روسيا.

ورجح هذه التكهنات أن يكون الانقلاب جاء بدعم غربي، خاصة أن بوليفيا تمتاز بامتلاكها احتياطيات كبيرة من مادة "الليثيوم"، وتقديم روسيا معلومات للرئاسة البوليفية عن الانقلاب قبل وقوعه.

فقد تحدثت تقارير بوليفية ودولية ونشطاء عن أن أميركا والغرب وراء دعم هذا الانقلاب العسكري ضد بوليفيا لأسباب سياسية ومطامع اقتصادية.

الأسباب السياسية هي أن بوليفيا قطعت علاقتها مع إسرائيل بسبب عدوانها المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على غزة والإبادة الجماعية لشعب فلسطين، كما عمقت علاقتها مع روسيا عدو أميركا اللدود، في وقت يطالب الغرب دول العالم بحصار روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.

ففي 31 أكتوبر 2023 وبعد العدوان على غزة، قالت بوليفيا إنها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل واتهمتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هجماتها على القطاع.

وكان الرئيس السابق إيفو موراليس قطع العلاقات مع إسرائيل عام 2009، وأعادتها الرئيسة المؤقتة التي عينها قادة الانقلاب، وقام الرئيس الحالي آرسي بقطعها مرة تانية في 31 أكتوبر 2023.

أيضا أغضب أميركا والغرب زيارة آرسي إلى روسيا في 6 يونيو 2024، ودعوته لزيادة حجم التجارة معها، بحسب وكالة "تاس" الروسية.

والرئيس آرسي ذو توجه يساري وينتمي لحزب الحركة من أجل الاشتراكية (ماس)، ودعا خلال مشاركته في "منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي" إلى "الاستفادة من قيمة الاقتصاد الروسي ودوره في العالم الجديد".

ورجح الدور الأميركي رواج تكهنات أن جنرال الانقلاب زونيغا، مقرب ومدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

وتشير تقارير غربية إلى أن هذه الانقلابات في أميركا اللاتينية، برعاية وكالة المخابرات المركزية، ترجع لانتهاج التيار اليساري الحاكم الجديد سياسات اشتراكية مثل تأميم ثروات من الشركات الأميركية.

وكان رد فعل البيت الأبيض على انقلاب بوليفيا الفاشل، باهتا واقتصر على إعلان أنه يتابع "عن كثب" الوضع في بوليفيا ويدعو إلى "الهدوء".

وقد ألمحت وزارة الخارجية الروسية، في بيان إدانتها للانقلاب العسكري في بوليفيا "بشدة" لدور الغرب في الانقلاب.

وقالت: "نحذر من محاولات التدخل الخارجي المدمر في شؤون بوليفيا الداخلية"، من دون أن تحدد الدول التي تعنيها، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الفرنسية في 27 يونيو 2024.

وأشار إلى هذا موقع "الصين بالعربية" التابع لحكومة بكين، مؤكدا أن واشنطن حاولت الاستحواذ على السلطة في بوليفيا، ردا على موقف الرئيس آرسي الذي قطع العلاقة مع إسرائيل بسبب جرائمها الأخيرة في غزة.

ووصفت انقلاب بوليفيا الفاشل بأنه "انتحار أميركي آخر".

وشكل دعم قادة دول أميركا اللاتينية اليساريين للرئيس البوليفي ضد محاولة الانقلاب، مصدر قوة ضد العسكريين الانقلابيين.

فقد حث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو البوليفيين على الدفاع عن "ديمقراطيتهم ودستورهم ورئيسهم"، قائلا "لا للفاشية.. لا للانقلابية".

وتساءل مادورو مستنكرا: "كيف يجرؤون على محاولة فرض انقلاب في القرن الحادي والعشرين".

وتحرك بعض القادة في المنطقة، مثل الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لرفض الانقلاب والتأكيد على أن "الانقلابات لم تنجح قط".

كما أدان الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي أعرب منذ فترة طويلة عن إعجابه بالرئيس آرسي وسابقه موراليس، محاولة الانقلاب، واصفا الحكم الحالي بأنه "السلطة الديمقراطية الحقيقية في بوليفيا".

وعقب الانقلاب الفاشل في تركيا، كشفت فضائية "i24news" الإسرائيلية في 17 يوليو/تموز 2016، أن قائد الانقلاب التركي، وهو قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك، عمل كملحق عسكري في إسرائيل بين عامي 1996 و1998.

وتم الربط بين هذا وبين علاقة الاحتلال والغرب بانقلاب تركيا، وهو نفس ما رجحه بوليفيون بشأن علاقة إسرائيل وأميركا بالانقلاب بسبب قطع بوليفيا علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل وانتقادها الإبادة الجماعية في غزة.

الانقلابات العسكرية

شهدت بوليفيا، 190 انقلابا على مدار 200 عام من تاريخها، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 26 يونيو 2024.

لكنها كانت تتغلب على هذه الأزمات وتجري انتخابات حرة في كل مرة، وفق تحقيق موسع عن تاريخها الانقلابي أعدته "نيويورك تايمز" في 23 أكتوبر 2020.

ونقل عن محللين أن الكثير من السخط بين أفراد الجيش ينبع من الشعور بأنهم في نهاية المطاف يدافعون عن النظام القائم (حكم موراليس)، ثم يعاقبون سياسيا، أو بالسجن، بسبب وقوفهم إلى جانب هذا النظام بمجرد تولي حكومة جديدة السلطة.

وعام 2019 حدث انقلاب عسكري على رئيس بوليفيا اليساري السابق موراليس واستغل العسكر احتجاجات شعبية ضده، وقاموا بتعيين رئيسة مؤقتة، مسجونة حاليا.

لكن الأحزاب واتحاد النقابات أجبرت الرئيسة المؤقتة وقوات الانقلاب على إجراء انتخابات حرة جديدة، فاز فيها الرئيس الحالي آرسي، الذي لم يكن أيضا على هوى قائد الجيش والانقلاب الأخير الجنرال زونيغا، وهو على علاقة جيدة بأميركا.

وقبل الانقلاب الأخير، عاد قائد الجيش لينتقد الرئيس السابق موراليس، وتصدى له الرئيس الحالي لأن هذا ليس دور الجنرالات ويجب عليهم عدم التدخل في السياسة.

لذا عجل الجنرال زونيغا بالانقلاب الأخير الفاشل، لأنه تم فصله من منصبه في اليوم السابق، بسبب تهديده بعرقلة محاولة موراليس لإعادة انتخابه.

ويخطط موراليس لخوض الانتخابات ضد حليفه السابق والرئيس الحالي، ما خلق صدعا كبيرا في الحزب الاشتراكي جراء انتخابات 2025، وهو ما حاول الانقلابيون استغلاله، لكن الشعب وقف ضدهم.

وتأتي المخاوف من عودة موراليس من أنه حاول تجاوز الدستور والسعي لولاية رابعة عام 2019 (حكم من 2006 إلى 2019).

وحين فاز بالتصويت في انتخابات 2019 المرفوضة شعبيا، أثيرت احتجاجات واتهامات بالتزوير، فاضطر إلى الاستقالة والفرار من البلاد بعد احتجاجات عنيفة، وفق "سي إن إن" في 27 يونيو 2024. 

وجاءت محاولة الانقلاب بعد واجهت البلاد شهورا من التوترات والمعارك السياسية بين آرسي وحليفه السابق موراليس، بشأن السيطرة على الحزب الحاكم، ووسط أزمة اقتصادية حادة، بحسب وكالة "أسوشتدبرس" في 27 يونيو 2024.

وتتمتع بوليفيا بتاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسي، والانقلابات العسكرية، لذا جاءت محاولة الاستيلاء الفاشلة في الوقت الذي تعاني فيه الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة، من أزمة اقتصادية متصاعدة أثارت احتجاجات.

وعانت بوليفيا من تضاؤل ​​احتياطيات العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، ونقص الوقود وغيره من الضروريات الأساسية.

لكن القوى السياسة المتنافسة وحدت صفوفها للدفاع عن الديمقراطية ورفضت الانقلاب لأنه لن يأتي بالديمقراطية ولن يحل المشاكل الاقتصادية، ساخرين من تبرير قائد الانقلاب انقلابه بـ"استعادة الديمقراطية". 

وقبل الانقلاب، حذر الرئيس السابق موراليس من "انقلاب" وشيك، واتهم قائد الجيش البوليفي (المُقال) الجنرال خوان خوسيه زونيجا بالتخطيط للاستيلاء على السلطة، ودعا أنصاره إلى الإضراب وإغلاق الطرق، والتضامن مع الرئيس الحالي.

أيضا تردد أن المخابرات الروسية قدمت معلومات للرئيس البوليفي وحذرته من انقلاب وشيك، وساعدته بوضع خطه لإحباط الانقلاب قبل سيطرته على مفاصل الدولة.

وكان الرئيس البوليفي عين قائدا جديدا للجيش، هو خوسيه ويلسون سانتشيث، ونزع بذلك فتيل الانقلاب مبكرا، حيث أمر الجنرال الجديد الذي تم تعيينه، الجنود بالعودة إلى وحداتهم.

وقال سانشيز من على منصة في القصر الرئاسي وسط هتافات وتصفيق: "آمر جميع الأفراد الذين تم حشدهم في الشارع بالعودة إلى وحداتهم"، ودعا إلى التزام الهدوء واستعادة النظام.

الكلمات المفتاحية