أحلام محطمة.. هكذا تتزايد أوضاع مسلمي الروهينغا سوءا في بلادهم وخارجها
بعد فرارهم من بلادهم جراء الاضطهاد الطويل والممنهج في ميانمار، التي ترفض الاعتراف بهم كمواطنين، يشتد الخناق على مسلمي الروهينغا حتى في البلدان التي لجأوا إليها، بنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا.
ففي 7 فبراير/شباط 2024، صرح وزير النقل البري والجسور البنغلاديشي، عبيد القادر، بأنه لن يُسمح بعد الآن للاجئين الروهينغا بدخول بلاده. وقال باقتضاب: "لقد أصبحوا بالفعل عبئا علينا".
وجاء هذا التصريح وسط تقارير عن استمرار العنف بين جيش ميانمار و"جيش إنقاذ روهينغا أراكان"، ما أدى إلى تسرب أفراد قوات الأمن الميانمارية والمدنيين، بما في ذلك الروهينغا، من ولاية "راخين" إلى بنغلاديش المجاورة.
ونشر موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي مقالا، حمل عنوان: "الروهينغا.. شعب بلا أمل"، للمحلل الأمني، نائب مدير أمانة مجلس الأمن القومي الهندي (NSCS) سابقا، بيبهو براساد.
الهروب من بنغلاديش
وعلق الكاتب على تصريح المسؤول البنغلاديشي قائلا: "في حين أن الوزير لم يوضح الخطوات الرسمية لمنع مثل هذا التدفق الحتمي للاجئين، إلا أن التطورات الأخيرة سلطت الضوء مرة أخرى على المحنة المؤسفة للروهينغا".
وأوضح أن "مصير الروهينغا بات محصورا بشكل خطير بين المعيشة البائسة أو الموت".
وقال الكاتب: "من السهل إلقاء اللوم على بنغلاديش لعدم تقبلها للروهينغا، إلا أنها أُجبرت على استضافة ما يقرب من مليون لاجئ، (975,350 روهينغيا) من 202,836 عائلة، منذ 7 سنوات، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وأفاد بأن "52 بالمئة من هؤلاء أطفال، ويعيشون في مخيمات ضيقة مصنوعة من الخيزران والبلاستيك في كوكس بازار، المنطقة الحدودية بين بنغلاديش وميانمار".
ولتخفيف الضغط على كوكس بازار، وُفرت لهم مرافق أكثر استقرارا في "بهاسان شار"، وهي جزيرة قريبة.
وقد انخفضت المساعدات الدولية المخصصة لرعاية اللاجئين بشكل مطرد على مر السنين، مما أثقل كاهل بنغلاديش، حسب المقال.
ففي فبراير/شباط 2023، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تخفيض قيمة مساعداته الغذائية إلى 10 دولارات للشخص الواحد بدلا من 12 دولارا.
وخُفض المبلغ مرة أخرى إلى 8 دولارات في يونيو/حزيران 2023، على الرغم من ارتفاع نسبة اللاجئين الذين لا يملكون ما يكفيهم من الغذاء من 79 إلى 90 بالمئة.
والجدير بالذكر أن ميزانيات المانحين أُرهقت بسبب وباء كورونا والانكماش الاقتصادي والأزمات العالمية.
وهذا يعني -وفق المقال- أن الأُسر اللاجئة إما أنها تحصل على كميات غذاء أقل، أو أن الآباء يضطرون إلى تناول كميات أقل أو عدم تناول بعض الوجبات إطلاقا؛ لتوفير كمية الطعام الموجودة لأطفالهم.
لكن في ديسمبر/كانون الأول 2023، سمحت منحة من الولايات المتحدة بقيمة 87 مليون دولار بعودة المبلغ إلى 10 دولارات للشخص الواحد.
ورغم ذلك، أوضح "الكاتب" أن نقص الغذاء وما يترتب عليه من سوء التغذية المتفشي، ليس التحدي الوحيد الذي يواجه الروهينغا.
ففي عام 2023، شهدت المخيمات في بنغلاديش أعاصير وانهيارات أرضية، وأدت الحرائق المتعددة -التي وصف المحققون بعضها بأنها "أعمال تخريبية مخططة"- إلى تدمير عدد كبير من الأكواخ على نحو منتظم.
وأضاف أن "الاتجار بالبشر والجريمة وعنف العصابات زادت بشكل كبير داخل المخيمات، مما أدى إلى وفيات وإصابات بالغة".
وأشار إلى أن المقيمين في تلك المخيمات "لا يُسمح لهم بالعمل، ولا يحصل أطفالهم على التعليم".
وأوضح الكاتب أن "نقاط الضعف المنتشرة على نطاق واسع قد استثمرتها أجندات بديلة، منهم أولئك الذين يستغلون يأس اللاجئين لحثهم على الهروب".
وقال: "على مر السنين، سعى الروهينغا، سواء من ميانمار أو من مخيمات بنغلاديش، إلى الفرار من حياتهم البائسة، وذلك عبر رحلات محفوفة بالمخاطر على متن قوارب خشبية متهالكة في بحر أندامان وخليج البنغال، على أمل الوصول إلى ماليزيا وإندونيسيا.
وذكر المقال أنه "بمرور الوقت، أصبح المزيد من النساء والأطفال يخوضون هذه الرحلات".
وأشار إلى أن "الأعداد الإجمالية (للمهاجرين) تزايدت بشكل كبير، حيث ترتفع بين نوفمبر/تشرين الثاني وأبريل/نيسان، عندما تكون البحار أكثر هدوءا".
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انطلق ما يقرب من 4500 من الروهينغا، في عام 2023، في رحلات بحرية مميتة في مياه جنوب شرق آسيا، وقد لقي حوالي 569 منهم حتفهم أو فُقدوا.
وهذا العدد من المفقودين أو القتلى المبلغ عنهم هو الأعلى منذ عام 2014، بحسب المقال.
وقال الكاتب إن "ما يفرض مثل هذا اليأس هو الحقيقة الصارخة المتمثلة في تضاؤل احتمال العودة إلى ديارهم في ميانمار".
وتابع: "نظرا للموقف العدائي لجيش ميانمار، الذي رفض منح الروهينغا الجنسية أو حمايتهم عند عودتهم، أصبحت احتمالية رجوعهم لبلادهم ضئيلة".
علاوة على ذلك، فقد بدد العنف المستمر بين جيشي أراكان وميانمار تلك الآمال بشكل أكبر.
أحلام محطمة بماليزيا
وابتدءا من نهاية يناير/كانون الثاني 2024، كان هناك 108,310 لاجئا من الروهينغا في ماليزيا مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتقول المفوضية السامية إن إحصاءاتها "لا تحدد ولا تعكس الوافدين الجدد إلى البلاد".
وعلى الرغم من جاذبية ماليزيا بصفتها أرضا لحياة وفرص أفضل، فإن الأحداث الأخيرة المتعلقة بالروهينغا تشير إلى عكس ذلك.
وأوضح الكاتب أن "في ماليزيا، يُعد معظم اللاجئين، وخاصة أولئك الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني بعد وصولهم عن طريق البحر، مهاجرين غير شرعيين".
كما أن ماليزيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، وليس لديها أي قوانين للاعتراف بالفارين من الاضطهاد والصراع، ولا يوجد في البلاد نظام لمعالجة طلبات اللجوء.
أضف إلى ذلك أنه ليس للاجئين الحق في العمل أو تلقي التعليم أو الرعاية الصحية، ولا يمكنهم التسجيل إلا في مكتب المفوضية المحلي، والحصول على بطاقة اعتراف توفر لهم قدرا من الحماية والدعم.
ويشمل هذا الدعم الوصول المحدود إلى الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات التي تقدمها الأمم المتحدة وشركاؤها.
ومع ذلك، أفاد الكاتب بأن بطاقة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي مجرد وثيقة هوية، وليس لها أي قيمة قانونية رسمية في ماليزيا.
وبالتالي، يعيش اللاجئون حياة محفوفة بالمخاطر بوصفهم "مهاجرين غير شرعيين".
كما "يعملون في وظائف منخفضة الأجر في المطاعم، أو البيع بالتجزئة، وغيرها من قطاعات الخدمات، فضلا عن الزراعة والبناء، ولكنهم معرضون دائما لخطر التوقيف".
علاوة على هذا، فإن كونهم في الغالب أنصاف أميين أو أميين تماما أدى إلى تفاقم الوضع، وفق المقال.
ومن دون الحماية القانونية والعقود المناسبة، لا يحق لهم الحصول على الحد الأدنى للأجور في ماليزيا، وهو 1500 رينغيت شهريا (329 دولارا أميركيا)، أو 7.21 رينغيت في الساعة (1.64 دولارا).
والأسوأ من ذلك، في الآونة الأخيرة، أن إدارة الهجرة في البلاد سرعت حملة القمع ضد المهاجرين غير الشرعيين، وشمل ذلك اعتقالهم وإرسالهم إلى مراكز احتجاز المهاجرين.
والجدير بالذكر أن هذه المراكز أصبحت منذ عام 2019 بعيدة عن متناول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب "الكاتب".
وأفاد بأن "هناك أعمال شغب تندلع بشكل متكرر في هذه المراكز التي تعاني من سوء الإدارة، مما أدى، في مناسبتين على الأقل، إلى هروب النزلاء ومن ثم إعادة اعتقالهم بعد مطاردة".
وفي أوائل فبراير/شباط 2024، هرب 131 رجلا من ميانمار، من بينهم 115 من الروهينغا، من منشأة كهذه في ولاية "بيراك" الماليزية، أحدهم صدمته سيارة على الطريق السريع وقُتل.
وفي وقت سابق، في أبريل/نيسان 2022، فر أكثر من 528 لاجئا من الروهينغا، بينهم أطفال، من مركز احتجاز مؤقت في ولاية "بينانج" الماليزية، وقُتل 6 أثناء محاولتهم عبور الطريق السريع، بينما أعيد اعتقال معظم الآخرين.
وتحدث الكاتب عن وجه آخر من معاناة لاجئي الروهينغا، إذ نقل عن تقارير إعلامية ما وصفها بـ"محنة الفتيات الروهينغا القاصرات".
إذ تسافر هؤلاء الفتيات من ميانمار وبنغلاديش إلى ماليزيا، حيث يُجبرن هناك على زيجات مسيئة من رجال من الروهينغا، وفق وصف الكاتب.
وأضاف: "تقليديا، يُتوقع من آباء العرائس الروهينغا أن يدفعوا للعرسان مبلغا من المهر، والذي يمكن أن يكون مرتفعا، اعتمادا على مدى ملاءمة العريس ومطالبه".
وأوضح أن "الرحلات من بنغلاديش وميانمار إلى ماليزيا غالبا ما تزيد من دوامة الاستغلال في هذا السياق، كما أن بعض القوارب غرقت أثناء سفر الفتيات، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها".
ووفق المقال، في العديد من المناسبات، اعتدى المهربون أنفسهم جنسيا على الفتيات.
وأكد أن "هؤلاء الفتيات اللاتي يعشن على هامش الهامش، لا يشكلن جزءا من أي إحصاءات عن الروهينغا المقيمين في ماليزيا".
تضييق في إندونيسيا
وبالمقارنة بماليزيا، استقبلت إندونيسيا عددا أقل من الوافدين من الروهينغا، على الرغم من وجود زيادة مطردة في عدد الوافدين إلى الجزيرتين الغربيتين من البلاد.
وفي الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023، وصل ما يقدر بنحو 1500 من الروهينغا إلى شمال جزيرة سومطرة.
ووصل حوالي 1500 شخص آخرين من الروهينغا إلى إقليم آتشيه، أقصى غرب إندونيسيا.
وأفاد المقال بأن حوالي 70 بالمئة من هؤلاء اللاجئين هم من النساء والأطفال، ويقيم معظمهم في ملاجئ مؤقتة أصبحت مكتظة بالوافدين الجدد.
وأشار إلى أن "حياة اللاجئين في الملاجئ المكتظة -وخاصة الأطفال- أبعد ما تكون عن المثالية، ولا يتمتعون بحرية الخروج من تلك الملاجئ الضيقة".
ومثل ماليزيا، فإن إندونيسيا -أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم- ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن اللاجئين.
وعلى الرغم من أن لديها سجلا في استقبال اللاجئين في حالة وصولهم، إلا أنها أصبحت أقل تقبلا بكثير للاجئين.
وقال الكاتب: "بينما يتعاطف بعض الإندونيسيين مع إخوانهم المسلمين الروهينغا، يلوم آخرون اللاجئين على استهلاك الموارد الشحيحة للبلاد والدخول في صدام مع السكان المحليين".
"ونتيجة لذلك، واجه الروهينغا غضب السكان الذين لا يريدونهم في مجتمعاتهم، وكثيرا ما احتجوا على مثل هؤلاء الوافدين".
فعلى سبيل المثال، في ديسمبر/كانون الأول 2023، هاجم حشد من طلاب جامعات إندونيسيين منشأة في باندا آتشيه، عاصمة مقاطعة آتشيه، حيث كان 137 من الروهينغا يحتمون بها.
وأظهرت مقاطع فيديو للحادثة الطلاب -الذين كان العديد منهم يرتدون سترات عليها شارات جامعات مختلفة- وهم يركضون ويهتفون: "اطردوهم" و"نرفض وجود الروهينغا في آتشيه".
وفي أماكن أخرى من نفس المقاطعة، حاول السكان منع قوارب الروهينغا من الوصول إلى الشاطئ وحاصروا خيامهم الموجودة على الشواطئ وغيرها من المواقع المؤقتة، مطالبين بنقلهم.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، دفعت البحرية الإندونيسية قاربا مكتظا باللاجئين عنوةً إلى المياه الدولية بعد اقترابه من شواطئ آتشيه.
وذكر المقال أن "الأشخاص الموجودين في الملاجئ المؤقتة يواجهون حملة تضليل منظمة عبر الإنترنت، تستهدف أيضا موظفي مفوضية اللاجئين في البلاد".
وتابع: نشرت حسابات مجهولة على منصات "انستغرام" و"تيك توك" و"إكس" معلومات كاذبة عن اللاجئين الروهينغا، ومعلومات شخصية عن العاملين في مفوضية اللاجئين، ما أدى إلى تلقي العديد منهم تهديدات عبر الإنترنت.
وألقى حينها الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، باللوم في زيادة عدد الوافدين الروهينغا على تجار البشر، وتعهد بالعمل مع المنظمات الدولية لتوفير مأوى مؤقت لهم.
كما ناشد المجتمع الدولي لتقديم المساعدة، وكثّف الدوريات في المياه الإقليمية بسبب الارتفاع الحاد في أعداد اللاجئين الروهينغا.
وأكد "الكاتب" أنه "على الرغم من استمرار وصول مبالغ غير كافية من الأموال الإنسانية إلى الوكالات العاملة مع الروهينغا، وسط كوارث إنسانية مستمرة أخرى، فمن الواضح أن هذه الأزمة معرضة لخطر الاستبعاد من قائمة الأولويات العالمية، والإقليمية بالتأكيد".
وأضاف أنه في حين تبين أن العالم -فضلا عن المنظمة الإقليمية الأبرز "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان)- لا يتمتع بنفوذ كبير على المجلس العسكري في ميانمار، فلا توجد دولة يمكنها أن تتقدم للتعامل مع أساس الأزمة.
وأردف: "بما أن ميانمار لن تفعل ذلك، فإن خيارات الروهينغا محدودة، إما البقاء على قيد الحياة في البيئة اللاإنسانية التي توفرها مخيمات اللاجئين البنغلاديشية، أو محاولة خوض رحلات بحرية عالية المخاطر.
وحتى عندما تنتهي تلك الرحلات بالوصول إلى إندونيسيا أو ماليزيا بنجاح، فإنها لا توفر سوى أمل ضئيل في الارتقاء بأحوالهم المعيشية.