مليشيا السيسي.. هل يفجر "اتحاد القبائل" خلافا بين أجنحة النظام المصري؟

12

طباعة

مشاركة

رغم حالة الصمت المريبة من جانب قيادات الجيش المصري حيال إعلان إنشاء "اتحاد القبائل العربية" رسميا، والذي عده سياسيون خطرا قد يؤدي إلى تقسيم الدولة المصرية قبليا وسياسيا، ظهرت مؤشرات تشير إلى ما يمكن تسميته بـ"خلافات" بين الجهات السيادية المصرية، ومن بينها الجيش حيال هذا الإعلان الذي أعطى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ضوءا أخضر لتدشينه.

كما ظهرت "تكهنات" بشأن أن يكون رجل القبائل "إبراهيم العرجاني"، واتحاده، مجرد واجهة لإحدى الأجهزة السيادية، يستخدمه لتقليص نفوذ جهاز سيادي آخر، ضمن التنافس بين أجهزة الدولة في عهد السيسي.

فقد تراجع الصحفي والبرلماني المقرب من النظام "مصطفى بكري"، المتحدث باسم الاتحاد سريعا، عما سبق وقاله من أن الاتحاد "فصيل من الجيش"، وتم جلبه لعدة لقاءات فضائية لنفي ذلك رغم أن ما قاله مسجل بالصوت والصورة.

كما ظهرت دعوات من جانب قوى سياسية يسارية وليبرالية قريبة من السلطة، ونادرا ما تعلق على أمور خاصة بالجيش، تنتقد هذا الاتحاد، وتقول إن تشكيله يتعارض مع الدستور الذي يقصر مهمة الدفاع عن البلاد على القوات المسلحة.

وانتقد أساتذة علوم سياسية محسوبون على التيار الليبرالي، إنشاء "مليشيا" مصرية رسمية تهدد بتكرار نموذج محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع بالسودان الذي بدأ حياته مثل "العرجاني" والآن يحارب جيش البلاد.

تحذيرات ومخاوف 

ما إن تم الإعلان عن تدشين اتحاد القبائل العربية من محافظة شمال سيناء، حتى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات ومقالات، تعكس مخاوف بشأن إمكانية أن يكون الكيان بمثابة "مليشيا" تنافس الجيش.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، أبدى خشيته أن "يسهم تشجيع الدولة على إقامة تنظيم مسلح بدعوى محاربة الإرهاب في تحوله بعد فترة لعامل تفرقة في الوطن على نحو مماثل للوضع في السودان".

أكد لموقع "المنصة" المحلي في 4 مايو/ أيار 2024 ضرورة خروج توضيح من السلطات الرسمية، خاصة مع كثرة الحديث عن الاتحاد، وتبعية فرق مسلحة لها علمها ونشيدها له، خاصة أن الدستور يحظر وجود التنظيمات المسلحة.

قال إن "الحكومة السودانية أنشأت قوات الدعم السريع ومنحتها اعترافا رسميا لمحاربة جماعات مسلحة في دارفور، ثم انقلبت القوات على الجيش، ما تسبب في مأساة إنسانية كبرى لها تأثيرها على الأمن القومي تعاني منها السودان الآن".

أيضا عد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عماد جاد، تشكيل الاتحاد "خطوة خطيرة للغاية"، لأنه يقوم على أساس عرقي، محذرا من أن هذه التشكيلات العنصرية أو العرقية تساعد في تدمير الهوية المصرية.

وحاول "جاد"، وهو ناشط مسيحي، إعطاء الأمر مسحة طائفية حين تحدث عن "ذوي الأصل العربي وفدوا إلى مصر بعد عام 642"، في إشارة لدخول الإسلام مصر، ومن أسماهم "المصريين الأصلاء" في إشارة لأقباط مصر.

وبعدما استعرض الصحفي جمال سلطان تشابه تاريخ حميدتي والعرجاني، وكيف استعان الرئيس السوداني السابق عمر البشير بحميدتي لقلقه من ولاء الجيش ومنحه رتبة "لواء"، تساءل: متى سيقرر السيسي منح إبراهيم العرجاني رتبة "اللواء"؟!

وأثار الحديث عن أن السيسي أنشأ هذه المليشيا ليحصن نفسه حال حدث "تعارض مصالح" أو بإيعاز خارجي "كما حدث في السودان وليبيا"، قلقا أكبر.

وقال الدكتور يحيي القزاز أحد قادة ثورة 25 يناير 2011 إن تدشين اتحاد القبائل العربية في سيناء هو "جريمة تفتيت الدولة الوطنية، وتحويلها إلى كيان قبلي مواز للدولة، أو دولة برأسين كما في السودان".

وأكد أن خطورة تدشين اتحاد القبائل أنه "أشد فتكا بالدولة الوطنية من ضربها بالقنابل النووية"، عادا تدشين اتحاد القبائل "شهادة إعلان وفاة الدولة الوطنية"

وتساءل: من أين ستأتي ميزانية تمويل تحركات هذا الكيان (اتحاد القبائل العربية) في الداخل والخارج؟

مؤشرات الخلاف

ظهرت اعتراضات من قوى وشخصيات معارضة مدجنة بموافقة السلطات مثل المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وأحزاب يسارية وليبرالية على هذا الاتحاد، ما أثار تساؤلات حول خلافات يعبر عنها جناح في السلطة، عبرهم.

سياسيون ونشطاء دعوا الجيش ضمنا كي يتحرك ويرد بشأن الموقف الدستوري لقواته، وتساءلوا: لماذا لم يخرج مسؤول رسمي ليوضح ما هو المقصود بوجود تنظيم مسلح يقوده العرجاني؟

"حمدين صباحي" اختبأ خلف لافتة "التيار الناصري الموحد" ليصدر بيانا يعترض على تأسيس اتحاد القبائل العربية، بصفته "كيانا عرقيا وقبليا وطائفيا".

أكد أن هذا الاتحاد "تدثر بغطاء جمعية أهلية مؤسسة طبقا لقانون وزارة التضامن الاجتماعي" لكنه يتعارض مع المادة 47 من الدستور المصري الذي يحظر مباشرة أي نشاط سياسي "ذي طابع عسكري أو شبه عسكري".

وفي دفاع واضح عن الجيش، حذر صباحي والتيار الناصري من "أي صلة أو حتى تلميحات أو إشارات من قبل مؤسسي هذا الكيان أو المتحدثين بلسانه عن وجود أي علاقة أو صلة تربط من قريب أو بعيد بين هذا الكيان وبين الجيش المصري الوطني الذي تحكمه تقاليد وعقيدة وطنية قتالية".

أيضا أكد "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" اليساري أن تشكيل اتحاد القبائل العربية يمثل انتهاكا للدستور والقانون ويشكل تهديدا للأمن القومي.

وتحدث عن "تضارب مصالح" من وراء تشكيل هذا الاتحاد، بما ينطوي عليه من "اصطناع تشكيلات غير رسمية"، ويزداد الأمر خطورة "إذا كانت تلك التشكيلات لها طابع عسكري أو شبه عسكري".

ولفت الحزب إلى نماذج مشابهة لمثل تلك التشكيلات الخارجة عن الجيوش النظامية، مثل حالة حميدتي السودان ما أدى لتفكيك وتدمير الدولة السودانية ويفغيني بريغوزين قائد قوات فاغنر في روسيا.

وكان الملحق الإعلامي المصري السابق في السودان "طارق المهداوي"، والذي عمل مع المخابرات المصرية باعترافه، ودخل معها في خلاف بعد عزله، وينتمي للحزب الشيوعي كتب عن ثلاثة احتمالات لنمو نفوذ إبراهيم العرجاني.

تحدث عن أن تشكيل اتحاد القبائل وراءه ثلاثة أمور محتملة أبرزها الخلاف بين أجهزة، بعضها غير راضٍ عن نفوذ العرجاني.

ذكر أن الاحتمال الأول أن “يكون العرجاني مجرد واجهة لإحدى الأجهزة السيادية يستخدمه لتقليص نفوذ جهاز سيادي آخر ضمن التنافس بين أجهزة الدولة المصرية”.

والثاني أن “يكون العرجاني مجرد واجهة لإحدى الدول العالمية أو الإقليمية تستخدمه لإيجاد موضع قدم لنفسها داخل أروقة الدولة المصرية”.

أما الاحتمال الثالث فهو أن "يكون العرجاني مستقلا كرأس حربة يقود ويمثل فئة البلاطجة التي تم استيعابها داخل التحالف الأوليغاركي الذي يحكم الدولة المصرية"، وفق تعبيره.

ورطة "بكري"

في معرض دفاعه عن اتحاد العرجاني "القبائل العربية" والترويج له، كان قد قال المتحدث باسم الاتحاد "مصطفي بكري": "عدوا اتحاد قبائل سيناء فصيلا من فصائل القوات المسلحة".

وحين أثار ما قاله خلافا بين الأجهزة، وربما اعتراضا من جانب الجيش تحديدا كما يرجح محللون، سارع "بكري" لنفي أنه قال ذلك، قائلا إنه قصد "اتحاد قبائل سيناء" حيث إنه حارب "تنظيم الدولة" بجانب الجيش، لا “اتحاد القبائل العربية”.

وشدد على أن حديثه لم يكن مقصودا به اتحاد القبائل العربية الذي تم تدشينه أخيرا، وكالعادة اتهم جماعة الإخوان بالوقوف وراء إثارة هذا الأمر و"تحريف" ما قاله.

أكد أن "هذا الاتحاد مدني ولا علاقة له بالقوات المسلحة"، وهو جمعية أهلية في إطار قانون الجمعيات الأهلية.

ولكن "بكري" زاد الطين بلة بتأكيده على دور الاتحاد في المناطق الحدودية وهي مهام القوات المسلحة والشرطة أساسا، ولا تواجه عجزا فيها تكمله القبائل.

من جانبه، يقول الصحفي قطب العربي في مقال بموقع "عربي 21" 5 مايو/أيار 2024 إن فكرة تأسيس الاتحاد الجديد برئاسة إبراهيم العرجاني هدفه الحقيقي غير المعلن هو "تشكيل ظهير سياسي شعبي داعم لنظام السيسي".

وأوضح أنه مع فشل تجربة "اتحاد القبائل العربية والمصرية" التي دشنها السيسي عقب انقلاب 2013، وفشل "حزب مستقبل وطن" في بناء هذا الظهير، لجأ السيسي لاتحاد قبائل سيناء وطوره إلى "اتحاد القبائل العربية" لبناء ظهير شعبي له.

وكان بيان تدشين اتحاد القبائل العربية تحدث عن أهداف فضفاضة هي "خلق إطار شعبي وطني يضم أبناء القبائل العربية لتوحيد الصف وإدماج الكيانات القبلية كافة في إطار واحد، دعما لثوابت الدولة الوطنية ومواجهة التحديات التي تهدد أمنها واستقرارها".

وأكد أن “رسالته هي توحيد القبائل بما لا يتعارض مع ثوابت الوطن، ولا يتصادم مع الأحزاب والائتلافات التي يتم مد اليد لها للتعاون والتنسيق المشترك”.

وأوضح البيان أنه تم الاتفاق على اختيار إبراهيم العرجاني، رئيس اتحاد قبائل سيناء، رئيسا لاتحاد القبائل العربية، والسيسي رئيسا شرفيا. وتحدث عن التحركات لعقد مؤتمرات في الصعيد والدلتا وغرب البلاد وفي منطقة قناة السويس.

ولم يكتف بكري بالظهور في برنامجه بقناة "صدى البلد" لينفي أنه قال إن اتحاد القبائل فصيل من الجيش، ولكن ظهر أيضا مع أبرز قناتين تتبعان للأجهزة الأمنية، وهما "أم بي سي مصر" و"سي بي سي".

ظهر ليؤكد نفس المعلومات وينفي علاقة اتحاد القبائل بالجيش ويشيد بالعرجاني ما أثار تساؤلات حول: هل أزعج ما قاله الجيش فطلب هذه التدخلات الإعلامية لتوضيح علاقة اتحاد العرجاني بالجيش وأن اتحاده ليس فصيلا منه؟

لكنه بدا وكأنه يورط الجيش، ضمنا، ويضغط عليه بالكشف عن أنه يتعاون مع العرجاني في مسألة تحصيل إتاوات من أهالي غزة لدخول معبر رفح.

تشهير بالجيش

والمفارقة، أنه لاحقا، ومساء 5 مايو 2024 ظهر مصطفى بكري على قناة “سي بي سي” ليكمل مربعات الأحجية الناقصة عن شركة "هلا" و"إبراهيم العرجاني" كاشفا عدة أمور خطيرة تمس الجيش.

أكد أن العرجاني لا يعمل وحده، وأنه شريك للجيش، وأن (العرجاني) يملك 40 بالمئة فقط من شركة "هلا" والـ 60 بالمئة الباقية تملكها "جهات أخرى" لم يحددها، ربما في إشارة للجيش لإثبات أنه يقتسم الكعكة مع العرجاني، أو لتشوية صورته.

أكد ما سبق أن ذكرته عشرات التقارير الاستقصائية لعدة صحف أجنبية عن دفع الفلسطينيين رشا وإتاوات لعبور رفح ودخول مصر وصلت إلى 30 ألف دولار للفرد الواحد، زاعما أنها حصلت "مخالفات" في تنسيقات عبور الفلسطينيين لمصر.

لكن السلطات المصرية"، وفق قوله، طلبت من شركة هلا التدخل والعمل في "التنسيقات" كي تنقذ الفلسطينيين، دون أن يذكر أن الشركة تقوم بتحصيل 5 آلاف دولار من كل فلسطيني أيضا.

وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية أكدت في 27 أبريل/نيسان 2024 أن "هلا" التي يملكها العرجاني، ربحت 88 مليون دولار منذ بداية مارس 2024، من إجلاء أكثر من 20 ألف فلسطيني.

قالت إن الشركة "التي تحتكر فعليا النقل التجاري عبر معبر رفح، تفرض رسوما على البالغين تصل إلى 5000 دولار، والذين تقل أعمارهم عن 16 عاما تبلغ 2500 دولار".

فيما كشفت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في 3 مايو 2024 أن شركة "هلا"، كسبت ما لا يقل عن 118 مليون دولار من اللاجئين الفلسطينيين في الأشهر الثلاثة الماضية.

ويعد العرجاني أحد رجال الأعمال المصريين القلائل الحاصلين على ترخيص لتصدير البضائع إلى غزة من مصر، وهو أحد قيادات قبيلة الترابين في سيناء وبات مقربا من الحكومة المصرية وعضو في الجهاز الوطني لتنمية سيناء.

كما ظهر العرجاني في ليبيا، حيث وقع عقودا لأعمال لإعادة الإعمار مع المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة بلقاسم نجل خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد وتجمعه علاقات قوية بالقاهرة.

ما عزز مؤشرات وجود خلافات بين أركان نظام السيسي، والحديث عن تهميش للجيش لصالح الاتحاد الجديد، ليس فقط إعلان البيان التأسيسي لاتحاد القبائل العربية أنه "سيعمل على إقامة دولة فلسطينية"، ما أثار تساؤلات عن صفته الرسمية.

ولكن أيضا إصدار اتحاد القبائل العربية في مصر، أول بيان له حول اجتياح رفح يحذر فيه من تداعيات وخطورة إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح هذه المنطقة ويطالب بتدخل مجلس الأمن الدولي، بينما صمت الجيش صاحب الشأن.

والأغرب أن محطات التلفزيون المصرية قطعت برامجها لإذاعة هذا البيان تحت عنوان “عاجل”، ما أثار حفيظة المصريين، الذين استغربوا صمت الجيش في وقت يقصف فيه جيش الاحتلال الحدود المصرية، بينما يحذر اتحاد القبائل.

تساءلوا حول الدور الحقيقي للاتحاد؟ وهل هو دولة داخل الدولة حتى يصدر بيانا باسم مصر؟، وما هي الجهات التي تقف خلفه حتى تسمح له بمخاطبة المجتمع الدولي؟

لذا وصف الصحفي أيمن الصياد، بيان القبائل بأنه "عصي على الفهم من وجهة النظر الدبلوماسية، والسياسية، والقانونية، والعسكرية".