يرضي مموليه الأثرياء.. هل تؤدي سياسة بايدن بشأن غزة إلى خسارة منصبه؟
"الشعب الأميركي يرى أن هذه السياسات مشينة من الناحية الأخلاقية"
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، تؤكد استطلاعات الرأي أن سياسة الرئيس جو بايدن في إرضاء مموليه الأثرياء الداعمين لإسرائيل على حساب مجموعة كبيرة من ناخبيه قد تكلفه منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وأظهر آخر استطلاع رأي أن 13 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا لبايدن عام 2020 انفضوا عنه، ولن يصوتوا له في الانتخابات المرتقبة.
وذكر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 13 مايو/أيار 2024، أن "سبب سحب هؤلاء دعمهم هو تعامل بايدن مع السياسة الخارجية والحرب الإسرائيلية على غزة".
سلاح ذو حدين
لكن مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية أفادت بأن "التحقيق الذي أجرته وجد أن هذه السياسات نفسها من المحتمل أن تفيد حملة بايدن بطريقة مختلفة؛ ذلك أن أكبر مموليه يدعمون تلك السياسات".
وتكشف مراجعة مساهمات الحملة والعطاءات أن أكثر من ثلث كبار ممولي الرئيس -أولئك الذين قدموا أكثر من 900 ألف دولار لـ"صندوق فوز بايدن" يُظهرون "تعاطفا هائلا مع إسرائيل، يصل في بعض الأحيان إلى حد العداء الصريح للفلسطينيين والتحيز ضد المسلمين"، بحسب المجلة.
وهذا يتناقض بشدة مع 13 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا لبايدن عام 2020، ويقولون إنهم لن يصوتوا لإعادة انتخابه، وهي مجموعة قد تقلب الموازين لصالح منافسه دونالد ترامب.
من جهته، قال المتبرع السابق لصندوق بايدن، آمد خان، والذي انسحب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بسبب طريقة تعامل بايدن مع إبادة غزة: "أعتقد أن العديد من أعضاء الصندوق يعيشون في فقاعة وبعيدون عن الواقع السياسي".
وأضاف: "لكنهم يبدون أيضا غير مبالين بمعاناة أكثر من مليون طفل في غزة، الذين ينظر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وبايدن إلى أرواحهم على أنها أقل قيمة بكثير من أرواح الأطفال الإسرائيليين".
وبحسب خان، فإن "الشعب الأميركي يرى أن هذه السياسات مشينة من الناحية الأخلاقية".
ورأت المجلة أن "الراجح هو أن بايدن لن يسمع تلك الأصوات المعارضة للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على غزة خلال حملاته لجمع التبرعات من كبار المانحين".
وقالت: "لنأخذ على سبيل المثال الملياردير حاييم سابان، الذي أسهم بمبلغ 929.599 دولار في صندوق بايدن".
ولفتت إلى أن سابان يعمل في مجلس إدارة منظمة "أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي" (FIDF).
علاوة على ذلك، فقد أسهم بمبلغ مليون دولار في “مشروع الديمقراطية المتحدة”، وهو ذراع الإنفاق المستقل للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك).
وتجري (أيباك) حملات إعلامية لدعم المرشحين المؤيدين لإسرائيل، وحملات أخرى ضد المرشحين الذين تعدهم لا يدعمون إسرائيل بشكل كاف.
وخلال الثلث الأول من مايو/أيار 2024، بعث سابان رسالة على البريد الإلكتروني لبايدن، على ما يبدو عن طريق وسيط، انتقد فيها قرار الرئيس احتجاز شحنة أسلحة إلى إسرائيل.
وقال سابان محذرا بايدن: "دعنا لا ننسى أن عدد الناخبين اليهود الذين يهتمون بإسرائيل أكبر من عدد الناخبين المسلمين الذين يهتمون بحركة حماس".
وفي هذا إشارة -بحسب المجلة- على أن "سابان يرى أن وضع شروط على نقل الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل مماثل لدعم حماس".
وكان سابان قد أوضح أولوياته في مقابلة أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2004، حين قال: "أنا رجل صاحب قضية واحدة، قضيتي هي إسرائيل".
أما زوجته، شيريل سابان، فقد تبرعت بمبلغ 929.600 دولار لصندوق بايدن، ومنحت 2.18 مليون دولار لـ"أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي" عام 2022، كهدية قدمتها إلى جانب زوجها.
كما أثنت على تصريح للداعم لإسرائيل، بن شابيرو، قال فيه: "إذا ألقت إسرائيل أسلحتها غدا فستكون هناك محرقة ثانية، أما إذا ألقى الفلسطينيون أسلحتهم غدا فستكون هناك دولة فلسطينية".
وعلقت شيريل على تصريحه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قائلة: "براڤو".
تحيز قوي
من جانبه، أدلى مارك بينكوس، رائد ألعاب الهاتف المحمول، بتصريحات أكثر فظاظة.
بينكوس، الذي ساهم بمبلغ 929.600 دولار لصندوق بايدن، عادة ما يجاهر بدعمه لإسرائيل على منصات التواصل الاجتماعي.
ففي تغريدة له على منصة "إكس"، في 8 مارس/آذار 2024، تساءل: "لماذا نشهد أعمال العنف فقط في الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين؟ لماذا أصبح هذا شكلا مقبولا من أشكال الاحتجاج؟".
وانتقد صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قائلا: “لم تأت نيويورك تايمز بتاتا على ذكر لقطع رؤوس الأطفال (الإسرائيليين) ولا لخطاب بايدن حول هذا الموضوع، بينما هي تغطي الدمار في غزة والإخفاقات العسكرية الإسرائيلية تغطية مستمرة”، وفق زعمه.
وتابع: "يجب أن نعيد تسميتها من نيويورك تايمز إلى نيو حماس تايمز".
وفي تغريدة بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، زعم بينكوس أن “بايدن رأى صورا فوتوغرافية تدل على أن حماس قطعت رؤوس أطفال إسرائيليين في 7 أكتوبر”.
وهو الادعاء الذي عاد البيت الأبيض لينفيه في 12 أكتوبر.
واستعرضت المجلة مموِّلا آخر لحملة بايدن من الداعمين لإسرائيل، وهو المحامي والمحلل السياسي جورج كونواي، الذي ساهم بمبلغ 929.600 دولار لصندوق بايدن.
وبحسب المجلة، فإن كونواي ينشر بانتظام تغريدات داعمة لإسرائيل على منصة "إكس"، بينما يبدي قليلا من الاهتمام بالفلسطينيين.
وتحدث كونواي عن “وجود جهات تقف خلف تأجيج الاحتجاجات الجامعية ضد سياسات إسرائيل".
وقالت مجلة “ريسبونسيبل ستيتكرافت”: "في المجمل، هناك 9 من أصل 25 مانحا قدموا أكثر من 900 ألف دولار لصندوق بايدن، إما منحوا أموالا لجماعات داعمة بشدة لإسرائيل أو أدلوا بتصريحات أظهرت تحيزا قويا لإسرائيل".
وأضافت "في المقابل، التزم المانحون الآخرون الصمت إلى حد كبير بشأن (العدوان على غزة)، ومنهم مَن تفاعل معها عبر إدانة كل من وجهات النظر المعادية للسامية وتلك المعادية للمسلمين، كالمخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ".
وحذرت صحيفة "نيويورك تايمز" من أن "التوق إلى التغيير، والسخط بشأن الاقتصاد والحرب في غزة بين الناخبين الشباب وذوي البشرة السمراء واللاتينيين، يهدد بتفكيك الائتلاف الديمقراطي للرئيس بايدن".
لكن تستدرك المجلة على ذلك، قائلة: "يبدو أن أهم ممولي حملة بايدن يقدمون تحالفا مختلفا تماما عن أولئك الموجودين في جمهور الناخبين الأوسع".
فهؤلاء المانحون -وفق المجلة- ينحازون لإسرائيل حتى وهي تشن حربا وحشية في غزة، من شأنها أن تكبد بايدن تكلفة سياسية باهظة لجهود إعادة انتخابه.
وختمت “ريسبونسيبل ستيتكرافت” بالتنويه على أن "كل الممولين الأثرياء الداعمين لإسرائيل من الذين ذكرهم التقرير لم يستجيبوا للمجلة حين طلبت منهم التعليق".