عينها على كعكة إعادة الإعمار.. كيف تغزو الشركات الفرنسية شرق ليبيا؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 19 مارس/ آذار 2011، كانت فرنسا هي الدولة التي أطلقت الرصاصة الأولى على نظام حكم العقيد الليبي المستبد معمر القذافي.

وقتها سارعت باريس إلى التدخل العسكري بليبيا تحت غطاء قرار مجلس الأمن رقم 1970 وأرسلت 20 طائرة حربية من مختلف الأنواع لتنفيذ عمليات قتالية في شرق البلاد ضمن حملة الناتو.

وكان واضحا أن فرنسا أطلقت عمليتها العسكرية على عجل، حتى إن بعض التقارير قالت "قبل أن يجف الحبر الذي كتب به قرار مجلس الأمن، انطلقت غارة نفذتها طائرات ميراج استهدفت سيارات مشبوهة".

لذلك كان السؤال المستمر ما الدور الذي تحاول فرنسا رسمه لنفسها في ليبيا؟ وما الغرض الذي يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يحققه من التدخل السياسي والاقتصادي المستمر في ليبيا على مدار السنوات الأخيرة؟.

نفوذ "ميديف" 

وفي 24 يونيو/ حزيران 2024، كشف موقع " أفريكا إنتيليجنس" الفرنسي، عن زيارة أجراها وفد من جمعية أصحاب العمل الفرنسيين “ميديف” التي تضم كبار قادة القطاع التجاري في البلاد إلى بنغازي في شرق ليبيا، للحصول على عقود إعادة إعمار ورعاية صحية.

وذكر أنها أول رحلة من نوعها لتلك الجمعية المهمة إلى شرق ليبيا منذ 10 سنوات. أما الشركات التي حضرت منضوية تحت مظلة "ميديف" كانت كالتالي: "سانوفي وتاليس وفينشي وماتيير".

وأورد الموقع الفرنسي المتخصص في الاستخبارات، أنه كان يرافقهم السفير الفرنسي لدى ليبيا مصطفى مهراج. 

وضم الوفد مديرين من قطاعات الصناعة والبناء والصحة، بقيادة رئيس شركة ميديف إنترناشيونال، فيليب غوتييه. 

وذكر الموقع أن الهدف من وراء ذلك هو الحصول على موطئ قدم في أسواق إعادة بناء البنية التحتية في أعقاب الحرب الأهلية في ليبيا في عام 2011 والصراعات التي تلت ذلك، وفي درنة التي دمرتها العاصفة "دانيال" في 11 سبتمبر/ أيلول 2023.

وأورد أن الرعاية الصحية أيضا ستكون ضمن مجالات اهتمام الشركات الفرنسية، حيث تعد إدارة المستشفيات سوقا رئيسا.

وقالت يأتي ذلك على الرغم من أن حالة شركة Denos Health Management الفرنسية يمكن أن تضع حدا لبعض هذه الطموحات.

وكانت هذه الشركة الفرنسية تدير مركز بنغازي الطبي قبل ثورة 2011 ولا يزال لديها فواتير ضخمة غير مدفوعة. 

يذكر أن وفد جمعية أصحاب العمل الفرنسيين "ميديف" قام أيضا زيارة طرابلس في يناير/ كانون الثاني 2024، حيث تتمركز حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

لكن زيارة الشرق تمثل ديناميكية جديدة حيث يخضع شرق البلاد لسلطة قائد الجيش الوطني خليفة حفتر وحكومة طبرق الموازية برئاسة أسامة حماد. 

وقد دشنوا صندوقا للتنمية وإعادة الإعمار برئاسة بلقاسم حفتر، نجل الجنرال الانقلابي، حيث وافق مجلس نواب طبرق (البرلمان) في فبراير/ شباط 2024 على إدارة الصندوق لحوالي عشرة صناديق مخصصة لإعادة الإعمار، فضلا عن تطوير المشاريع العامة. 

علاوة على ذلك، في برقة شرق البلاد، لا يمكن فعل أي شيء بشأن المشاريع الاستثمارية دون موافقة هيئة الاستثمار العسكري التي تتكون من أعضاء الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر وهو من حلفاء فرنسا الموثوقين، وهو الجنرال الذي لاقى دعما قويا من حكومات باريس المتعاقبة لتنفيذ انقلابه وسيطرته على عموم ليبيا. 

"ميديف" في ليبيا 

وبالنظر إلى تاريخ  "ميديف" تحديدا داخل ليبيا، فهي من أوائل الأذرع الاقتصادية الفرنسية التي دخلت إلى هناك. 

ففي 7 سبتمبر/ أيلول 2011، نشرت وكالة “رويترز”، تقريرا عن النشاط الاقتصادي الفرنسي في ليبيا. قالت فيه إن "اتحاد أرباب العمل الفرنسي (ميديف) الذي يمثل مصالح كبرى الشركات الفرنسية في الخارج، يخطط للمشاركة في تكلفة إعادة بناء ليبيا التي تقدر بنحو 200 مليار دولار على الأقل".

وأضافت: "قاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (آنذاك) تدخلا عسكريا في ليبيا المنتجة للنفط عضو منظمة أوبك وتتطلع كبرى الشركات الفرنسية الآن للاستفادة من المعنويات الإيجابية للقادة الليبيين الجدد تجاه باريس".

وقتها التقى 400 مسؤول كبير من شركات فرنسية كبرى مثل توتال النفطية، وجي.دي.إف سويس للطاقة، وبيجو لصناعة السيارات، في مقر ميديف بباريس متطلعين لأنباء عن الموقف في ليبيا وأولويات الحكومة المؤقتة.

وفي 8 يونيو 2021 أبدت الشركات الفرنسية رغبتها في الحصول على نصيبها من مشروعات إعادة الإعمار التي ستشرع فيها ليبيا.

وركزت إلى جانب مجالات الطاقة على الصحة وتهيئة المطارات والموانئ، في محاولة للدخول في منافسة مع الشركات الإيطالية والتركية.

حينها أيضا عقدت منظمة "ميديف" اتصالاتها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بمناسبة زيارته (آنذاك) لباريس ولقائه مع ماكرون، حيث تتطلع إلى أخذ مركز متقدم في سوق العقود الكبرى لإعادة الإعمار في ليبيا.

أهداف فرنسا

ويتفق كثير من المراقبين على أن ليبيا دفعت ثمنا غاليا من وراء تدخلات فرنسا وأذرعها العسكرية والاقتصادية.

حيث أرجعت مجلة "فورين آفيرز" الأميركية، في تقرير أصدرته يوم 17 سبتمبر/ أيلول 2017،  أن التدخل الذي قامت به فرنسا جعل من حفتر شخصية مرحبا بها من قبل المجتمع الدولي.

خاصة أنها دعمت حملته العسكرية التي دامت في ليبيا لسنوات، وتشبه سياستها بسياسة الإمارات الداعمة للثورة المضادة بقيادة حفتر.

وقالت المجلة الأميركية إن التدخل الفرنسي المنحاز لطرف دون آخر في ليبيا هو أحد أسباب تمدد الصراع الوطني داخل البلاد.

فبالرغم من عدم امتلاك باريس القوة الكافية لكنها لم تمتنع عن التحيز لصالح حفتر، ونتيجة لذلك، ازداد التدخل الأجنبي في ليبيا وصعب على البلاد تجنب المرحلة الانتقالية الدموية.

لكن هناك سببا مهما لإمساك فرنسا بعصا التدخل الدبلوماسي والعسكري في ليبيا وهو البحث عن نصيب في "كعكة النفط والطاقة"، وهذا السبب تحديدا نتج عنه صراع خفي بين روما وباريس.

حتى إن الكاتب  "مانيلو دينوتشي" يقول  عن ذلك النزاع، وقال: “إن ليبيا وحدها تمتلك 40 بالمئة تقريبا من النفط الإفريقي الثمين، لجودته العالية وتكلفة استخراجه المنخفضة، واحتياطيات عظيمة من الغاز الطبيعي”.

وأوضح في مقال نشرته شبكة "فولتير" الإيطالية أنه "رغم الصراع المسلح الدائر في ليبيا منذ العام 2011، إلا أن نسق إنتاج النفط في البلاد حافظ على مردودية عالية". 

وأكمل: "المؤسسة الوطنية للنفط الليبية في العاصمة طرابلس، أعلنت أنها سجلت عام 2018 أعلى نسبة إيرادات وصلت إلى 13.6 مليار دولار، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات 23.4 مليار دولار إذا تمكنت المؤسسة من مواصلة عملها دون عوائق".

وعقب: "هذه الكميات الضخمة من الإنتاج النفطي ومثلها تقريبا من الغاز الطبيعي يبدو أنها تثير شهية القوى الإقليمية والدولية من أجل ضمان نصيبها في الكعكة الليبية.

وهو ما دفع نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني (آنذاك) للتصريح بأن "فرنسا لا تريد تحقيق الهدوء في ليبيا، لأن مصالحها في قطاع الطاقة تتعارض مع مصالح إيطاليا".

وفي 30 أبريل 2019، قال الكاتب الفرنسي رينيه باكمان، إنه في الوقت الذي يعترف فيه الإليزيه رسميا بحكومة طرابلس، فإنه ظل لسنوات يدعم سرا منافسها اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وأضاف  في مقال نشره موقع "ميديا بارت" المحلي أن هذا الدعم مكن "الرجل القوي في شرق ليبيا" من ترسيخ قوته وبناء الجيش الذي شن به هجوما على العاصمة، مما أشعل حربا شاملة في ليبيا.