بعد 14 سنة إقامة جبرية.. مهدي كروبي يطلق حملة ضد مرشد إيران “منعدم البصيرة”

“خامنئي لم يتحمل أصوات الناس في انتخابات 2009، بل دعم التزوير والقمع الوحشي، واتهمنا نحن بالفتنة وانعدام البصيرة”
عاد الإصلاحي الإيراني مهدي كروبي إلى دائرة الضوء من جديد بعد تعافيه من رحلة الإقامة الجبرية، ليثير الجدل بوصفه أحد أكثر الشخصيات الإيرانية عنادا وثباتا على الموقف.
الرجل الذي تجاوز الـ88 من عمره، خرج من الإقامة الجبرية بعد أكثر من أربعة عشر عاما، ليعود إلى الواجهة السياسية بكلمات حادة واتهامات صريحة للمرشد الإيراني علي خامنئي، محملا إياه مسؤولية “الانهيار الشامل” الذي يعيشه النظام في الاقتصاد والسياسة.
في آخر لقاءاته، نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، مع أبناء مير حسين موسوي وزهراء رهنورد، لم يتردد كروبي في القول إن “خامنئي لم يتحمل أصوات الناس في انتخابات 2009، بل دعم التزوير والقمع الوحشي، واتهمنا نحن بالفتنة وانعدام البصيرة”.
وأضاف كروبي أن “المدّعي بالبصيرة دمّر الاقتصاد والثقافة والأمن والأخلاق، وما ترونه اليوم هو نتاج ذلك النهج الخاطئ”.
هذه التصريحات أثارت عاصفة من الهجوم ضده في الصحف الأصولية بطهران.
فوصفت صحيفة خراسان كروبي بأنه “يتنفس عقد الماضي ويعيد فتح جراح السياسة الإيرانية”، فيما اتهمته صحيفة صبح نو بـ“إحياء حلم الفتنة”، وقالت صحيفة فرهيختكان إن كلامه الأخير محاولة “لانتزاع تنازلات سياسية من حكومة مسعود بزشكيان عبر مكبر الصوت الإصلاحي المتطرف”.
لكن تلك الحملة لم تكن جديدة على الرجل الذي عاش نصف قرن من المواجهة مع السلطات، من نظام الشاه وحتى نظام الملالي.

النشأة والتكوين
وُلد مهدي كروبي عام 1937 في مدينة عليغودرز بمحافظة لرستان، في أسرة دينية عُرفت بتديّنها ونشاطها الاجتماعي.
والده الشيخ أحمد كروبي كان رجل دين بارزا، ما جعل الابن يسلك مبكرا طريق الدراسة الحوزوية.
في السادسة عشرة من عمره، انتقل إلى قم حيث درس على يد كبار العلماء، بينهم الإمام الخميني نفسه، وآيات الله المنتظري.
وفي منتصف الستينيات من القرن العشرين، التحق بكلية الإلهيات في جامعة طهران لدراسة الفقه والقانون الإسلامي، غير أن اعتقالاته المتكررة على يد جهاز “السافاك” في عهد الشاه حالت دون استكمال دراسته بشكل منتظم.
تزوج عام 1962 من فاطمة كروبي التي أصبحت لاحقا عضوة في مجلس الشورى الإسلامي، وأنجب منها أربعة أبناء هم: محمد حسين، ومحمد تقي، وعلي، وياسر.
منذ شبابه، شارك كروبي في النشاطات المناهضة لحكم الشاه، فاعتُقل ونُفي وسجن تسع مرات بين عامي 1963 و1978.
وبعد انتصار ما يسمى "الثورة الإسلامية" عام 1979، دخل البرلمان ممثلا عن مسقط رأسه عليغودرز، وتدرج حتى أصبح رئيسا لمجلس الشورى لفترتين، ما جعله أحد أبرز الشخصيات البرلمانية في إيران.
كما تولى رئاسة “لجنة إغاثة الإمام الخميني” وشارك في “مجلس مراجعة الدستور”، ما عزز حضوره في مؤسسات الدولة.
لكنّ قربه من النظام لم يمنعه من تبني خط إصلاحي معارض في التسعينيات من القرن العشرين، فاستقال عام 2005 من مناصبه الرسمية وأسس حزب الثقة الوطنية، الذي صار من أبرز التشكيلات الإصلاحية في البلاد.
خاض كروبي انتخابات الرئاسة عامي 2005 و2009. وفي الأخيرة، كان أحد الأقطاب الثلاثة في ما عُرف بـ“الحركة الخضراء” إلى جانب مير حسين موسوي وزهراء رهنورد، احتجاجًا على نتائج الانتخابات التي أعادت محمود أحمدي نجاد إلى الحكم.
منذ ذلك الحين، وُضع كروبي تحت الإقامة الجبرية عام 2011 دون محاكمة، واستمرَّت القيود عليه لأكثر من 14 عاما، وخلال تلك الفترة، واصل إصدار بيانات ينتقد فيها النظام، داعيا إلى إصلاحات جذرية.
ونشر مهدي كروبي رسالة في سبتمبر 2022 أدان فيها إعدام محسن شكاري هو شاب إيراني يبلغ من العمر 23 عاما، ويعد أول متظاهر يُعدم على خلفية احتجاجات عام 2022 في إيران، التي اندلعت بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق".
ورأى حينها كروبي أن حكم الإعدام تمهيد لسلسلة من عمليات القتل القضائي التي تستهدف تخويف الشارع، ومؤكدا أن المرشد علي خامنئي "ينظر إلى كل احتجاج بوصفه مؤامرة خارجية لتبرير القمع".
أُلقي القبض على محسن شكاري في طهران خلال الموجة الأولى من الاحتجاجات، واتهمته السلطات بـ"قطع طريق عام" و"إصابة عنصر من قوات الباسيج بالسلاح الأبيض".
وبعد محاكمة سريعة وغير علنية أمام "المحكمة الثورية"، أُدين بتهمة "المحاربة" (أي محاربة الله)، وهي تهمة فضفاضة تُستخدم في إيران لمعاقبة المعارضين السياسيين والمتظاهرين.
وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا بحق شكاري في 8 ديسمبر 2022، ما أثار غضبا واسعا داخل إيران وخارجها، إذ عدته منظمات حقوقية دولية، مثل "العفو الدولية"، عملية قتل متعمدة هدفها ترهيب المتظاهرين وإخماد الحراك الشعبي.

سياسي صلب
تنفس مهدي كروبي الصعداء، في مارس/آذار 2025، حينما أعلنت السلطات رفع الإقامة الجبرية عنه، وأوضح نجله حسين كروبي حينها أن القرار صدر “بأمر من رئيس السلطة القضائية”، لكن الأمن ظل يحيط بمنزله لأسباب “وقائية”.
عودة كروبي إلى المشهد السياسي جاءت في ظرف داخلي حرج، وسط تصاعد العقوبات الغربية على إيران واحتقان شعبي متزايد بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
ولم تمر أسابيع حتى عاد لانتقاد المؤسسة الحاكمة، ويرى أن النهج القائم “قاد إيران إلى قاع الهاوية”.
وقال في أغسطس/آب 2025: “لكي تبقى إيران، يجب على الحكام العودة إلى الشعب وتهيئة الأرضية لإصلاحات هيكلية تستند إلى إرادة الأمة”.
برغم سجنه وإقامته الجبرية وتهميشه إعلاميا، لم يتراجع كروبي عن خطابه الإصلاحي، بل ازداد صلابة مع مرور الوقت. فهو لا يزال يؤمن بأن خلاص البلاد لن يكون إلا “بالمشاركة الشعبية والشفافية السياسية”.
في نظر أنصاره، يمثّل كروبي أحد آخر رموز الجيل الأول من رجال الثورة الذين حاولوا إصلاح النظام من داخله.
أما خصومه، فيرونه “سياسيا متصلبا يعيش على أمجاد الماضي ويُصر على استعادة معركة خاسرة.
لكن بين هذا وذاك، يبقى مهدي كروبي صورة لإيراني لم يتعب من المعارضة، رجلٌ قاوم القمع في عهد الشاه، وواجه الإقصاء في عهد الجمهورية، وظل حتى بعد الثمانين يردّد عبارته المأثورة: “الإصلاح ليس خيارًا، بل طريق النجاة الوحيد لوطن يتآكل من الداخل”.
بعد إطلاق سراحه نشر موقع "إنصاف نيوز" بيانا عن السياسي الإيراني مهدي كروبي في أبريل 2025، أشار فيه إلى استمرار احتجاز مير حسين موسوي، قائلا: "أكدت أنه على الرغم من أنني أعدّ الحرية حقي الطبيعي، فقد كنت أفضل أن نغادر الاحتجاز معًا، تمامًا كما دخلنا الاحتجاز في يوم واحد".
وأكد "بالنسبة لي فإن الحرية ستكون لها معنى عندما تختفي من هذا البلد إلى الأبد المواقف الاستبدادية المتمثلة في التعطش الجماعي للسلطة والثروة، ونشهد عمليا سيادة الشعب على مصيره، والمعنى الحقيقي لتصويت الشعب في كل الأمور".

ثابت على مواقفه
وفي أول ظهور سياسي له بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، واصل مهدي كروبي نهجه النقدي الحادّ تجاه السلطة، موجّهًا سهام انتقاده إلى سياسات النظام الداخلية والخارجية.
وخلال لقائه بأعضاء “منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية”، تحدث أحد أبرز رموز التيار الإصلاحي في إيران بلهجة غاضبة عن “الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها البلاد”، محمّلًا القيادة مسؤولية ما وصفه بـ“انهيار إدارة الدولة وتفكّك ثقة الشعب”.
وقال كروبي إنّ الشعب الإيراني “لم يقم بالثورة ليصبح عبدًا لرجال الدين والمسؤولين، ولا ليعيش في فقرٍ مدقع نتيجة السياسات الخاطئة والخطابات العدائية مع العالم”، مشيرا إلى أن نتائج تلك السياسات تتجلى في “انقطاع الغاز في الشتاء والكهرباء والمياه في الصيف، وتآكل الطبقة الوسطى التي كانت عماد المجتمع”.
وفي لهجة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ الإفراج عنه، شدّد كروبي على أنّ رفع شبح العقوبات والحرب “لن يتحقق إلا عبر التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة”، عادّا ذلك “ضرورة وطنية لا مفرّ منها”.
وأضاف الزعيم الإصلاحي: “رغم هذا الوضع المأساوي، ما زال هناك إصرار على مواصلة النهج القديم في السياسة الداخلية والخارجية”، مؤكدا أن “الأزمة الحالية في إيران ليست وليدة الصدفة، بل ثمرة سياسات خاطئة ومغامرة دفعت البلاد إلى حافة الانهيار”.
لقد اشتعلت حملة إعلامية جديدة ضد كروبي عقب إعلانه عزمه على مواصلة العمل من أجل الإفراج عن جميع السجناء السياسيين، وتشديده على ضرورة إطلاق سراح رفيقه مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، واتهامه غير المباشر للسلطة بـ"الاستبداد والتعطش للثروة".
صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد علي خامنئي، شنت هجوما حادا عليه في عددها الصادر في 6 أبريل 2025، ووصفت كروبي بـ"الساذج"، مؤكدة أن قادة "الحركة الخضراء" لو أُقيمت ضدهم محاكم عادلة لأدينوا بـ"أحكام مشددة" على خلفية ما عدته الصحيفة "خيانة كبرى" و"فتنة أشد من القتل".
وجاء هذا التصعيد بعد أن شدد كروبي في بيانه، على أن الإفراج غير المشروط عن السجناء السياسيين، وخاصة النساء، هو "مطلب مشروع ووطني"، متعهدا بمواصلة جهوده لتحقيقه رغم كل الضغوط.
بدورها، هاجمت صحيفة "خراسان"، المقربة من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، البيان ذاته، وعدته "محاولة لخلق أزمة جديدة للبلاد"، مضيفة أن كروبي "لا يزال يعيش في أوهام الماضي"، وأنه "يحاول إعادة تدوير خطابٍ تجاوزه الزمن".
وبينما عدّ الإعلام المحافظ هذه التصريحات استفزازًا سياسيًا جديدًا، رأى مراقبون أن كروبي يحاول من خلالها استعادة زمام المبادرة الإصلاحية، وتثبيت صورته كصوتٍ معارض لا يزال، رغم القيود والعمر، يجرؤ على مساءلة السلطة في أكثر ملفاتها حساسية.
وفي اجتماع داخلي لحزب "الثقة الوطنية" في منتصف سبتمبر 2025، عاد كروبي ليذكر الحاضرين بجذور الثورة التي كان أحد رجالها الأوائل، في محاولة لاستدعاء روحها الأصلية التي يرى أنها انحرفت عن مسارها.
وقال في كلمته أمام أعضاء المجلس المركزي للحزب "قبل الثورة، كان العديد من المحللين يقولون إن سقوط النظام البهلوي سيؤدي إلى الفوضى وتقسيم البلاد، لكن الشعب دعم الثورة، ووجه البلاد عبر التقلبات نحو شاطئ الأمان".
وفي لهجة امتزج فيها الفخر بالمرارة، أضاف "لقد حافظ الشعب على هذه الثورة بدمه ودم أبنائه. هذه الثورة عظيمة جدا. في النظام السابق، لم يكن أحد يعتقد أن الشعب، بالاعتماد على الإسلام، يمكنه أن يحقق النصر للثورة".
كلمات كروبي تلك، التي بدت كاستعادة رمزية لذاكرة الثورة، قرأها مراقبون في طهران على أنها محاولة لتذكير النظام بجذوره الشعبية، ورسالة مبطنة إلى القيادة بأن الثورة لم تكن حكرا على مؤسسة دينية أو نخبة سياسية، بل كانت كما يؤكد دائما "مشروع شعب لا مشروع سلطة".
المصادر
- كروبي: خامنئي دمر الاقتصاد والأمن والأخلاق.. ولم يتحمل إرادة الشعب
- مهدی کروبی کیست؟ / شیخ اصلاحات چرا ۱۵ سال در حصر خانگی بود؟
- مظاهرات إيران: تنفيذ أول حكم بإعدام متظاهر شارك في الاحتجاجات المناهضة للحكومة
- مهدي كروبي: خامنئي ينسب المظاهرات إلى الأعداء تمهيدا لقمعها
- رفع الإقامة الجبرية عن المعارض الإيراني مهدي كروبي














