"خطوة مفاجئة".. ما سر توقيت عودة بهاء الحريري للعمل السياسي في لبنان؟
"بهاء الحريري يحاول تحقيق اختراق جديد على صعيد رصيده السياسي المتعثر"
ما يزال بهاء رفيق الحريري يبحث عن حضور سياسي في المشهد اللبناني، على الرغم من فشله في تحقيق أي اختراق خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2022.
وبشكل مفاجئ، قرر بهاء (58 عاما) وهو النجل الأكبر لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، العودة للعمل السياسي والاجتماعي تحت عباءة أبيه.
وياتي ذلك في ظل إصرار أخيه سعد على اعتزال الحياة السياسية منذ 24 يناير/كانون الثاني 2022 بعدما نجح في تولي رئاسة الحكومة ثلاث مرات.
"مسيرة الحريري"
ووصل بهاء الحريري في 28 يونيو/حزيران 2024 إلى بيروت، وقال: "أتينا لاستكمال مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
وقال في تصريح من المطار: "سنحاول خلال وجودنا في لبنان زيارة كل المناطق، وبالنسبة إلى رؤيتنا، فهناك وقت للإعلان عنها".
وأضاف: "معا سنعمل على إعادة العاصمة منارة تجمع اللبنانيين، ولا ننسى جنوب لبنان الصامد وأهله الكرام الذين لن نتخلى عنهم وسنقف إلى جانبهم لإعادة بنائه وتحصينه وحمايته من العدوان (الإسرائيلي) الغاشم الذي يتعرض له".
وتصاعدت حدة العمليات العسكرية والتصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في الآونة الأخيرة، بعدما دخل الأخير هذه الجولة بعد عملية طوفان الأقصى.
وسيطرت عائلة الحريري على المشهد السياسي السني في لبنان لأكثر من ثلاثة عقود منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، بعدما تولى رفيق رئاسة الحكومة من 1992 وحتى 1998، ومن 2000 وحتى 2004.
واغتيل رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005 في انفجار بالعاصمة بيروت، فيما أدانت محكمة دولية في 18 أغسطس/آب 2020، المواطن اللبناني سليم عياش المنتمي لحزب الله بترؤسه خلية خططت ونفذت العملية.
وتؤكد وسائل إعلام لبنانية محلية، أن بهاء الحريري يعد لحملته الانتخابية للبرلمان اللبناني المقررة عام 2026.
ولهذا سيستغل مكوثه في لبنان لتعزيز صورته من جديد عبر لقاءات مع مختلف الأطراف.
وقد كشف بهاء الحريري عن نيته خلال زيارته التي تتواصل لمدة أسبوعين مقابلة كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وبهاء الدين من مواليد 1966، وهو ابن الزوجة الأولى لرفيق، العراقية نضال بستاني، ويحمل الجنسية السعودية إلى جانب اللبنانية، ويعد من كبار رجال الأعمال في قطاع العقارات في لبنان وخارجه.
وتقدر ثروة بهاء الحريري الذي يعد ثاني أغنى رجل في لبنان بنحو 2.1 مليار دولار، وقد جمعها من خلال العمل في البورصة والأسهم والأوراق المالية، قبل أن ينتقل إلى العقارات والإنشاءات، بحسب ما نشرت مجلة "فوربس" الأميركية في يوليو/ تموز 2019.
واستهل الحريري أولى لقاءاته بوفود وشخصيات لبنانية من مختلف المناطق، استقبلها في مقر إقامته في فندق "فينيسيا" بالعاصمة بيروت في 29 يونيو 2024.
وقد كتب على حسابه الشخصي في منصة "إكس" إن تلك الوفود طالبته بضرورة استعادة الطائفة السنية لموقعها المرموق، ورد بالقول: "ملتزمون بمسيرة رفيق الحريري والعمل على مشروعه عبر حركة المسار".
كما التقى وفدا كبيرا من العشائر العربية من المناطق اللبنانية كافة، حيث جرى استعراض أوضاعهم و"الظلم والاستهداف الذي يتعرضون له".
من جهته، أكد الحريري الوقوف إلى جانبهم، مبديا استعداده التام للعمل على معالجة مطالبهم.
وأعلن الوفد "وضع يد العشائر العربية بأيدي بهاء من أجل بناء شراكة حقيقية جادة وثابتة، للتأكيد على الأمل والقدرة بحمل أمانة الاستمرار بالعمل على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
كما رأى الوفد وفق ما نقلت "صوت بيروت إنترناشونال"، أن "زيارة بهاء ومشروعه الذي يعمل عليه قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه"، في إشارة إلى استعادة "الزعامة الحريرية" مكانتها في لبنان عقب اعتزال سعد للمشهد السياسي.
"المكون السني"
وأجملت منصة "صوت بيروت إنترناشونال" الإلكترونية المملوكة لبهاء الحريري، جملة من المطالب التي قدمت للأخير خلال اللقاء معه من قبل وفود نقابية وشبابية وشعبية واجتماعية من مختلف مناطق وأحياء العاصمة بيروت.
وقالت المنصة التي تأسست عام 2020، إن الوفود دعوا بهاء الحريري "للاستمرار في التواصل مع القواعد الشعبية وتنفيذ المشاريع الإنمائية والحيوية في بيروت".
كما شددت الوفود "على ضرورة استعادة الطائفة السنية لموقعها المرموق والمعهود، من خلال وجود قيادة سنية قوية تحافظ على حقوق الطائفة".
كذلك أكدت "على ضرورة إعادة النظر في قانون الانتخابات النيابية المجحف بحق الطائفة السنية، والذي يمنع من تمثيلها بشكل عادل وصحيح".
كما تطرقت اللقاءات إلى "أهمية خلق وظائف للشباب اللبناني بشكل عام وفي بيروت بشكل خاص".
ويمر لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه منذ عام 2019 مثلت أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990)، لدولة يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة حيث شهدت الليرة انهيارا قياسيا أدت لعدم قدرة المواطنين على دفع إيجار السكن، وتأمين أبسط مقومات العيش.
وكذلك الشح الكبير في الوقود والأدوية، فضلا عن فشل حل أزمة الكهرباء عبر الخطة الأميركية لاستجرارها من الأردن عبر سوريا، ما يجعل المواطنين يفرون من بلدهم بحثا عن حياة أفضل.
وضمن هذا السياق، رأى الكاتب اللبناني رضوان عقيل، أن "بهاء الحريري جاء اليوم إلى لبنان لكي يستمع من جديد إلى الناس، وهو سيركز على أبناء المكون السني، كما سيعقد سلسلة لقاءات مع الفعاليات الإسلامية والمسيحية في بيروت والشمال والجبل".
وأضاف في تصريحات تلفزيونية في 29 يونيو 2024: "الحريري جاء إلى لبنان في توقيت تزايد الخطر الإسرائيلي على البلاد، ولهذا فهو سينطلق من البوابة الاجتماعية والحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها أبناء الطائفة السنية وتحديدا القاطنين في الشمال".
ومضى يقول: "بالتأكيد فإن بهاء الحريري سيقوم بترجمة سياسية تحت حزب جديد يمكن أن يكون اسمه حركة المسار لا سيما أنه يمتلك شبكة علاقات عربية وغربية".
ورأى أن "على بهاء الالتزام بالمدرسة الانفتاحية التي التزم بها والده رفيق عبر الانفتاح على كل اللبنانيين وإذا ما انطلق من هذه الأسس سيكون سار على المسار الصحيح".
وتوقع عقيل، "أن تحمل الانتخابات البرلمانية القادمة وجها نيابية جديدة من الطائفة السنية".
محاولة اختراق
من الواضح أن بهاء الحريري يحاول تحقيق اختراق جديد على صعيد رصيده السياسي المتعثر خاصة عقب فشله في الانتخابات البرلمانية لعام 2022.
إذ لم يحصل حينها المرشحون الذين دعمهم بهاء على أي مقعد نيابي، حيث عد حينها رسالة من أنصار عائلة الحريري لعدم التخلي عن سعد (54 عاما) الذين ما يزالون يأملون عودته.
لا سيما أن بهاء حينما سئل عن علاقته بأخيه الأصغر قال "إنه خيي وحبيبي".
وعاد سعد الحريري إلى لبنان في فبراير 2024 من أجل إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق 2005.
وحينها قال إنه "لم يتراجع" عن قراره تعليق عمله السياسي الذي اتخذه عام 2022 لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، على حد وصفه.
اللافت أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري آنذاك غازل الحريري بقوله في 4 فبراير 2024: "أهلا وسهلا بعودتك للعمل السياسي عندما تقرر والانتخابات الاخيرة أثبتت أن سعد هو الناجح الأكبر على الرغم من اعتكافه".
وأمام ذلك، يرى كثير من المراقبين أن سعد الحريري ما يزال يمتلك الكلمة الأولى على الطائفة السنية في لبنان، ولهذا فإن أخاه بهاء يسير وحده وليس كخليفة لتعويض خسارات شقيقه الأصغر السياسية واستعادة إرث العائلة.
إذ يؤكد المراقبون أن بهاء غير قادر على فرض نفسه في المشهد السياسي اللبناني طالما أنه لا يحظى بثقل شعبي في الساحة السنية وهي التي ما تزال تدين بالولاء لشقيقه سعد.
ولا سيما أن النواب الذين كانوا يحظون بدعم من تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري، تفرقوا عقب اعتزال الأخير العمل السياسي.
ولهذا فإنه عام 2022 لم يستطع بهاء الحريري إبان الانتخابات البرلمانية جلب بعض هؤلاء إلى مشروعه السياسي الجديد وخلق كتلة نيابية وازنة داخل البرلمان.
ولطالما صرح رجل الأعمال اللبناني بهاء الحريري، بأنه سيخوض معركة ما سماها "استرداد الوطن من محتليه".
ولدى بهاء مواقف واضحة ضد “حزب الله”، وسبق أن اتهمه بالإرهاب وأنه يأخذ "لبنان رهينة لمصلحته الخاصة"، ودعا إلى "سحب سلاحه الذي يشكل تهديدا لأمن كل اللبنانيين".