التصالح مع أنصار القذافي.. هل يهيئ الظروف لتنظيم الانتخابات في ليبيا؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

13 عاما مرت على اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط 2011، والتي انتهت بالإطاحة بنظام الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي الذي استمر على رأس السلطة في ليبيا أكثر من 40 عاما.

ورغم مرور هذه السنوات، لا تزال ملفات الصراع الدموي الذي رافق أحداث الثورة مفتوحة، متسببة في خلق أزمات سياسية ضاعفت من حالة الانقسام الليبي منذ الثورة.

ومن حين لآخر تظهر على السطح مبادرات للمصالحة بين مختلف الفرقاء الليبيين وفي مقدمتهم أنصار ثورة 17 فبراير 2011 ومؤيدي النظام الليبي السابق في محاولة لتحريك المياه الراكدة والوصول بالبلاد لحل سياسي يجد قبولا لدى كل الأطراف.
 

مبادرة جديدة 

يستعد المجلس الرئاسي الليبي لعقد مؤتمر وطني للمصالحة بمدينة سرت في 28 أبريل/نيسان 2024، في محاولة لتجاوز كل الخلافات المتراكمة بين الفرقاء الليبيين.

ومنذ بداية العام 2023، احتضنت أكثر من مدينة ليبية اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها المجلس الرئاسي بقيادة نائب رئيسه عبد الله اللافي، لكنّ السياسيين الليبيين من مختلف المكونات يضعون مجموعة من الشروط لنجاح هذا المؤتمر.

وتأخر انطلاق هذا المسار طويلا، ولم يتم إحراز أي تقدم في الملف منذ إعلان المجلس الرئاسي الليبي في 9 سبتمبر/ أيلول 2021،  إطلاق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة.

وهي المهمة التي كلفه بها ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع الليبي في جنيف وانبثق عنه  المجلس الرئاسي في 5 فبراير/شباط 2021، إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

في المقابل سجلت ليبيا تراجعا عما جرى إنجازه في ملتقى الحوار السياسي بعودة الانقسام بين حكومتين، واحدة في العاصمة طرابلس تسيطر على المنطقة الغربية وتحظى باعتراف دولي برئاسة الدبيبة وثانية في الشرق الليبي برئاسة أسامة حماد وبدعم من مجلس النواب واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

ويحظى ملف المصالحة في ليبيا باهتمام ودعم دوليين من قبل المنظمات الإقليمية والدولية وكذلك الدول المهتمة بالشأن الليبي في محيطها وفي العالم.

ففي 5 فبراير/شباط 2024، انطلقت في برازافيل عاصمة جمهورية الكونغو أعمال اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي المعنية بليبيا، للتحضير لمؤتمر المصالحة الوطنية.

وشارك في الاجتماع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بعد تلقيه دعوة رسمية من رئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو، الذي يترأس اللجنة، وفق بيان نشره المكتب الإعلامي للأول.

كما شارك في أعمال الاجتماع، وفق البيان، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، وعدد من ممثلي رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في اللجنة الإفريقية.

وأوضح البيان أن "الاجتماع يعد قمة مصغرة تسبق الترتيبات لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية المزمع عقده في سرت (شرق طرابلس) منتصف أبريل".

ويراهن الكثير من الليبيين على المؤتمر الجامع في سرت للتقدم بخطوات إلى الأمام في ملف المصالحة، والتوصل لخارطة طريق متفق عليها من أجل "طي صفحة الماضي، وتجاوز أسباب الخلاف والانقسام، وتحقيق العدالة التصالحية بعيداً عن التشفي والانتقام" بحسب تصريحات أدلى بها محمد المنفي.

وبحسب الاتفاق بين المجلس الرئاسي والاتحاد الإفريقي، تتشكل اللجنة التحضيرية للملتقى العام للمصالحة من 7 أطراف ليبية.

 وهي مجلس النواب والقيادة العامة للجيش الليبي (مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر) ولجنة 5+5 وفريق سيف الإسلام ابن معمر القذافي وحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة.
 

معالجة الانقسام 

هذه الخطوات التي سار فيها المجلس الرئاسي الليبي اعترضتها جملة من العقبات لعلّ أبرزها انسحاب الفريق الداعم للمرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي من مسار المصالحة.

ففي 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، شارك الفريق الممثل للنظام السابق في اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع الذي عقد في سبها.

 ونقلت وسائل إعلام محلية ليبية عن ممثلين لسيف القذافي انسحابهم من الجلسات، وأرجعوا ذلك لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق الذين لا يزالون بالسجن.

كما نقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، موالية للنظام السابق، أن فريق سيف القذافي انسحب من اجتماع اللجنة التحضيرية اعتراضا على استمرار سجن بعض رموز النظام السابق.

ومن بينهم عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في عهد معمر القذافي، ومنصور ضو، رئيس الأمن المكلف حماية العقيد الراحل.

كما يطالب أنصار القذافي وعائلته بالكشف عن موقع دفن معمر القذافي ونجله المعتصم ووزير دفاعه أبوبكر يونس.


 

وقُتل القذافي ونجله المعتصم بالله في سرت، بعد وقوعهما في قبضة "ثوار مصراتة" الذين نقلوا جثتيهما إلى مدينتهم قبل أن يدفنوهما في مكان غير معلوم.

وفي هذا السياق، قال النائب بالمجلس الرئاسي عبدلله اللافي إنهم يعملون على إقناع أنصار سيف القذافي بالمشاركة في المؤتمر الوطني الجامع حول المصالحة والمقرر عقده في الـ28 من أبريل المقبل بمدينة سرت.

ورأى اللافي في مداخلة مع قناة الأحرار الليبية أن مشاركة أنصار القذافي مهمة لإنجاح مسار المصالحة بين الأطياف كافة.

هذه التصريحات جاءت بعد أيام من لقاء جمع المنفي مع عضوي اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية عن فريق سيف الإسلام القذافي، وهما الشيخ علي مصباح أبوسبيحة والشيخ محمد سعد دبوب.

وأكّد المنفي أنه سيشرف ويتابع ملف المصالحة الوطنية بشكل شخصي، وأنه لن يسمح بعد الآن بجعل ملف المصالحة وسيلة للمساومة على حساب الوطن.

وقال المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي إن الهدف هو الوصول بالوطن إلى مرحلة الاستقرار عبر انتخابات حرة ونزيهة، وأن اللقاء تمحور حول أعمال اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية وأسباب تعليق فريق سيف الإسلام حضور لجلسات اللجنة، بالإضافة إلى عدد من الملفات المهمة التي تعنى بشؤون البلاد.
 

خطوة ضرورية 

وفي حديث لـ "الاستقلال" أكد الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أن "الظروف الحالية تحتم على الليبيين المصالحة من أجل مستقبل ليبيا، إذ لا يوجد مخرج لهذه الأزمة إلا عبر مصالحة وطنية جادة بين أطراف الصراع كافة دون استثناء.

وأضاف الصحفي الليبي "بالنسبة للضمانات لمصالحة كهذه، يجب أولا توفير قاعدة دستورية تحدد واجبات وحقوق كل المواطنين، فالدستور ضمان لحريات المواطن الذي يبحث عن الحياة الكريمة بعد سنوات عجاف من القتال والأزمات الاقتصادية."

ورأى وهيبة أن تمهيد المصالحة للانتخابات وقبول سيف الإسلام كمرشح، يعتمد على القاعدة الدستورية التي ستوضع، في حال اعتمادها طبعا.

ويعتمد كذلك على قرارات محكمة الجنايات الدولية التي لا تزال تطالب بتسليم سيف الإسلام القذافي إلى لاهاي لمحاكمته. 

وبين أن قبول ترشيح سيف قد يضع ليبيا في مواجهة عقوبات هي بغنى عنها في ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة.

ويعد أهم تحدّ يعترض المصالحة الوطنية في ليبيا ربطها بالمسار السياسي الذي يعيش حالة من الجمود بسبب العجز عن الوصول لصيغة مرضية لجميع الأطراف من أجل تنظيم انتخابات شاملة في البلاد تنهي المرحلة الانتقالية الحالية.

وأمام هذا الوضع فإن ليبيا تتوقف أمام حلين فقط، إمّا الفصل بين مسار المصالحة والمسار السياسي والقبول من قبل جميع الأطراف بنتائج كل مسار.

والخيار الثاني هو تقديم مجموعة من التنازلات في العلاقة بالمسار السياسي وأوّلها إجراء تعديلات قانونية لازمة تتيح لسيف الإسلام القذافي الترشح للانتخابات الرئاسية ولرموز النظام القديم الترشح للانتخابات التشريعية.

ويقر الجميع في ليبيا بأن القذافي يعد منافسا جديا على منصب رئاسة ليبيا، وأن ترشحه عد صدمة لبعض المترشحين الذين كانوا يراهنون على معسكر النظام السابق، ومن أبرزهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي وضع نفسه في مقابل القوى السياسية المحسوبة على ثورة 17 فبراير 2011.

ومع تقييم التجارب السابقة في ليبيا، من الصعب جدا الوصول إلى حل سياسي قائم على إقصاء أي طرف سياسي في البلاد خاصة إذا كان يتمتع بحاضنة شعبية وقبلية هامة.

ويقر العديد من الليبيين بفشل تجربة قانون العزل السياسي الذي سنّه المؤتمر الوطني الليبي العام (البرلمان) بشبه إجماع في 5 مايو/أيار 2013، وضبط المسؤوليات والوظائف التي يُمنع على من تولاها في عهد العقيد الراحل معمر القذافي تقلد مناصب قيادية في مؤسسات الدولة الليبية الجديدة أو الترشح إليها.

وخلق هذا القانون حالة من الانقسام بين الليبيين، تطورت سريعا لصراع مفتوح لم يتوقف إلى الآن، وفشل الليبيون بعد في الوصول إلى صيغة للعيش المشترك والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لاختيار حاكمهم وحسم خلافاتهم.

ففي دراسة صدرت عن معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي عام 2015، عدت معدّة الدراسة الباحثة فلورانس غوب أن من بين أبرز مسبّبات الفوضى والاضطراب السياسي الحالي في ليبيا قانون العزل السياسي، أو ما أطلقت عليه قانون التخلص من نظام القذافي.