إبادة جماعية مباشرة وعلنية.. هكذا وثق محامٍ إسرائيلي أدلة إدانة نتنياهو

"هناك أماكن أخرى ترتكب فيها فظائع لكن ما يميز غزة هو تواطؤ الغرب في الإبادة"
منذ بداية حرب الإبادة في غزة، كانت تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبقية المسؤولين في حكومته مثيرة للجدل القانوني؛ إذ أكد مراقبون أنها تحرض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وتفاعلا مع هذه التصريحات، أكد المحامي الإسرائيلي، عمر شاتز في مقابلة مع صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية" أن ما فعله نتنياهو ووزراؤه “تحريض مباشر وعلني على الإبادة الجماعية”.
إبادة جماعية علنية
وتقول الصحيفة: إن الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي استمرّ لمدة 15 شهرا، والذي أودى بحياة أكثر من 48 ألف شخص، أثار جدلا قانونيا حول ما إذا كانت إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في حق الفلسطينيين.
ونتيجة لذلك، تراكمت في المحكمة الجنائية الدولية، لاهاي، ملفات تحاول الحسم في هذه المسألة.
ومن بين هذه الملفات، هناك ملف له طابع خاص: قضية عمر شاتز، المحامي الإسرائيلي الذي يعمل مع طلابه في معهد الدراسات السياسية في باريس على دراسة تصريحات القادة الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، بحثا عن أدلة تثبت التحريض على الإبادة الجماعية من جانب النخبة السياسية التي تدير الكيان.
وفي هذا الصدد يقول شاتز إن "طلابه يعملون على تحليل التصريحات التي أدلى بها شخصيات عامة ومسؤولون حكوميون كبار وأشخاص مؤثرون منذ أكتوبر 2023، وتوصلوا إلى أن أقوالهم تحرض الآخرين بشكل مباشر وعلني على ارتكاب إبادة جماعية في غزة".
وتجدر الإشارة إلى أن شاتز أعدّ مع طلابه تقريرا مكونا من 170 صفحة، طرح في ديسمبر/ كانون الأول 2024 على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نيابة عن ضحية فرنسية فلسطينية.
ويتهم الملف ثمانية إسرائيليين بالتحريض على الإبادة الجماعية، وهم: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وخليفته يسرائيل كاتس، والرئيس إسحاق هرتسوغ، والجنرال المتقاعد جيورا إيلاند، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتامار بن جفير، والصحفي تسفي يحزكيلي.

“التحريض يرافق أي إبادة جماعية”
ويقول شاتز: "إن تحديد ما إذا كانت هناك إبادة جماعية هو أمر مثير للجدل، وبشكل كبير. لهذا السبب اخترنا هذا الطريق"؛ في إشارة إلى خيار إثبات عملية التحريض على ارتكاب هذه الجرائم في حق الفلسطينيين.
وواصل: "بالإضافة إلى ذلك، من الممكن إثبات هذه الإبادة الجماعية عبر هذا الخيار. في الواقع، يجب أن نكون على أرض الواقع، ونجمع الأدلة وأن تكون لدينا الموارد والوسائل. لكننا لسنا الشرطة. وبالنسبة لي، مثلما شهدنا عبر التاريخ، تسبق مرحلة التحريض وتصاحب أي إبادة جماعية".
"وعلى نقيض الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فإن التحريض على الإبادة الجماعية يعد جريمة يعاقب عليها القانون بموجب نظام روما الأساسي. وليس من الضروري إثبات أن الجريمة الرئيسة قد ارتكبت".
ونقلت الصحيفة أن هذه الحقيقة تمثل أساس القضية التي يدافع عنها المحامي الإسرائيلي الآن.
ويشير شاتز قائلا: "من وجهة نظر واقعية، لقد توصلنا إلى أن هذه التصريحات تلبي أركان الجريمة. من الناحية القانونية، لقد أثبتنا أن التحريض على الإبادة الجماعية هو ما نسميه جريمة غير مكتملة. ويمكن التحقيق في هذه الجريمة قضائيا وملاحقة مرتكبيها بشكل مستقل عن مسألة ما إذا كانت محاولة الإبادة الجماعية قد حدثت أم لا".
ويضيف أنه في الإبادة الجماعية "تتدخل مجموعة متعددة من الجهات الفاعلة: الجهات الميسرة، أي أولئك الذين لا يرتكبون الجريمة ولكن يدعمونها بشكل سلبي".
وأشار المحامي إلى تجريد المجتمع الإسرائيلي للفلسطينيين من إنسانيتهم، منذ هجمات حماس. وقد أدى هذا العامل إلى مزيد من التحريض على الإبادة.
وأوضح أن "داخل المجتمع الإسرائيلي، انتشرت على نطاق واسع فكرة أن الجميع مستهدف: سوف يكبر الأطفال ليصبحوا "إرهابيين"؛ النساء هن زوجات الإرهابيين؛ كلهم حماس، (...) وكل الفلسطينيين هم حماس".
وقال: إن "هذه العملية ضرورية لتطبيع أفعال مثل قصف المستشفيات والجامعات وإزالة الطابع الإنساني عن السكان المستهدفين".
ويشير إلى أن "الضرر الرئيس للتحريض على الإبادة الجماعية يتمثل في خلق خطر الإبادة الجماعية".
وبالإضافة إلى قضية شاتز، هناك العديد من القضايا الأخرى، في السياق نفسه، التي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية.
ففي يناير/ كانون الثاني 2024، وجدت محكمة العدل الدولية، في أعقاب شكوى قدمتها جنوب أفريقيا، أنه "من المحتمل" أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وقررت اتخاذ تدابير احترازية أثناء استمرار التحقيق.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال دولية ضد نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

تواطؤ غربي
وفي خضم المعركة القانونية التي تدور بالتزامن مع اتفاق وقف إطلاق النار الهش الراهن، يتجنب شاتز إظهار أي علامات تفاؤل.
وأورد أن "المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يتعرض لضغوط سياسية هائلة من الولايات المتحدة. كما أن علاقات القوة هذه معقدة للغاية".
ونقلت الصحيفة أن أحد الأسباب التي دفعت شاتز إلى المضي قدما في قضيته هو الصمت الرهيب للمجتمع الدولي.
فيقول: هناك أماكن أخرى ترتكب فيها فظائع من نوع آخر، أو تشن فيها حروب أخرى. أعتقد أن ما يميز غزة هو تواطؤ الغرب.
وأضاف أن حقيقة عدم تدخل ألمانيا تعري فشلها في "منع إبادة أخرى". كما أن تسليح الولايات المتحدة لإسرائيل ودعمها لإسرائيل يعدّ أمرا استثنائيا.
وكان من المفترض أن يكون دور الأصدقاء الجيدين هو احتواء إسرائيل. (...)". وشدد على أن "أعضاء الحكومة الإسرائيلية خطيرون للغاية".
وتجدر الإشارة إلى أن شاتز معروف على الساحة الإسرائيلية؛ حيث إنه رفع صحبة محامين آخرين، قبل 15 سنة، دعوى قضائية في المحكمة العليا في إسرائيل ضد غالانت، الذي كان آنذاك جنرالا في جيش الدفاع الإسرائيلي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وأوردت الصحيفة أن قضية شاتز جاءت في أوقات مظلمة، تتميز بالكراهية وسوء الفهم المتبادل.
ويقول المحامي: "إن السابع من أكتوبر يوم فظيع، وكذلك الحال بالنسبة لعشرين سنة من الحصار والاحتلال والفصل العنصري في غزة. نحن نعيش في أوقات مجنونة. بمجرد أن تقوم بإزالة صفة الإنسانية عن شخص آخر، لن يتوقف الأمر عند هذا الحد".
وواصل: "بهذا الشكل، تبدأ في إزالة الطابع الإنساني عن شعبك". ويقول في إشارة إلى عدم إعطاء الحكومة الإسرائيلية الأولوية لإطلاق سراح الرهائن: "إنك تضحي بشعبك بمجرد أن تصبح مهووسا بالتسبب في الموت على حساب إنقاذ الحياة".