انتقاد الحلبوسي تسليح قوات البيشمركة الكردية بالعراق.. سياسي أم عسكري؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور 40 يوما على وصول مدافع "هاوتزر" الأميركية إلى إقليم كردستان العراق، أطلق القيادي السني رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي، تغريدة أعرب فيها عن رفضه القاطع لتسليح قوات البيشمركة الكردية بمثل هذا النوع من السلاح.

رفض الحلبوسي أثار جدلا واسعا وردود فعل غاضبة من الأطراف الكردية، لا سيما في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، والذي كان يشكل تحالفا مع حزب "تقدم" بزعامة الأول، طيلة المدة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية بعد انتخابات عام 2022.

تشكل التحالف الثلاثي، في مارس/آذار 2022، بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "السيادة" (السني) برئاسة خميس الخنجر وينضوي فيه الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، لكنه أخفق في تشكيل حكومة أغلبية سياسية.

"مغزى سياسي"

في 14 سبتمبر/ أيلول 2024، كتب الحلبوسي تغريدة عبر منصة "إكس" قال فيها: "نرفض رفضا قاطعا تسليح قوات محلية واجبها الدستوري يقتصر على حفظ أمن داخلي ضمن حدود مسؤوليتها (بمدفعية ثقيلة متطورة)".

تصريحات الحلبوسي هذه، فصّلها بشكل أوضح خلال مقابلة تلفزيونية في 20 سبتمبر، قال فيها إن "البيشمركة هي قوات واجبها حفظ الأمن الداخلي في الإقليم، وبموجب الدستور، هي جزء من القوات الأمنية التي تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء العراقي)".

وأضاف: “الأسلحة الثقيلة سواء كانت مدفعية أو دبابات وطائرات فهذه محصورة بيد الجيش العراقي حصرا، وهو جيش للجميع”.

واستدرك: “لكن المشكلة هو أن يجرى تسليح قوات محلية بهذا النوع من السلاح، بالتالي أين ولماذا ستستخدمها؟”

وأشار إلى أن "قادة الأكراد يقولون إنها للدفاع عن الإقليم، لكن الأسلحة من هذا النوع ليست كذلك، وإنما هو سلاح ثقيل؛ إذ تصل مديات هذا المدفع إلى المناطق المحيطة بالإقليم، وهذه المدن هي متنازع عليها في محافظتي نينوى وكركوك".

وعن توقيت تصريحاته التي جاءت بعد 40 يوما من تسلم البيشمركة للسلاح، قال الحلبوسي: “لم أعرف بالموضوع إلا في يوم كتابتي للتغريدة بعدما أجريت اتصالاتي وتأكدت من وزارة الدفاع وغيرها، لأن الأمر جرى بسرية تامة، ولا أعرف لماذا؟”

وبيّن أن "رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (2020 إلى 2022)، أبلغ قادة القوى السياسية عندما وصلت الأسلحة إلى ميناء البصرة، وأنه عندما سألني ما رأيك، قلت له لا نقبل بتسليمها، وبالتالي احترم رأينا وأبقاها في الميناء".

وأردف: "الآن في ظل هذه الحكومة جرى تسليمها ولا نعلم بأي تاريخ، وأن ذهاب المسؤول (رئيس الوزراء) لاتخاذ القرار أمر محترم ومقدر، لكن هناك جوانب سياسية واجتماعية لا بدّ أن تطلع عليها القوى السياسية الحاكمة بالبلد حتى يتحملوا المسؤولية معك".

ولفت إلى أن "الأسلحة جرى تسليمها من دون علم أي طرف، وهذا مرفوض ومبدأ التسليح أيضا مرفوض. لا أدّعي أنهم يمكن أن يستخدموها الآن ولكن ربما تستخدم في أي لحظة، لأن اليوم هناك عقلاء في الإقليم، لكننا لا نعرف من سيأتي غدا".

ورأى الحلبوسي أن "تسليم قوات البيشمركة أسلحة ثقيلة أمر مخالف للدستور، وهذا جرى باتفاق بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بدون أخذ رأي القوى السنية وتبديد مخاوفهم. ونرجو ألا يؤخذ موقفنا بأنه سياسي".

وشدد على أن "هذا الإجراء (تسليم السلاح) له هدف سياسي مقبل يتعلق بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، لذلك تقدم للأكراد نوعا من التسهيلات، وبدأ شخص رئيس الوزراء يتغاضى عنها".

وبحسب الحلبوسي، فإن "غض الحكومة النظر عن الجوانب المالية والعسكرية من الحكومة المقدمة للإقليم، بمثابة تحالف مبكر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض لتشكيل الحكومة المقبلة".

“شعبوية رخيصة”

تصريحات الحلبوسي، أثارت عاصفة غضب كبيرة لدى إقليم كردستان العراق الذي عقّب المتحدث باسم حكومته بيشوا هوراماني، عبر حسابه على "فيسبوك" في 20 سبتمبر، قائلا: "رد شعبنا للمذكور هو: الوفاء غالٍ جدا، فلا تتوقعه من شخص رخيص".

من جهتها، قالت خالدة خليل، المتحدثة باسم مقر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، إن "البيشمركة قوات رسمية وليست طائفية لكي يتم رفض تسليحها، وإنها لم تدعُ يوما إلى حرب بل هي قوات نظامية دستورية تدافع عن حقوق شعبها وعن حقوق المكونات جميعا بلا تمييز".

وأضافت خالدة في تدوينة على منصة "إكس" نشرتها في 15 سبتمبر، أن هذه القوات (البيشمركة) قاتلت دفاعا عن حقوق الشعب الكردي طيلة عقود طويلة مضت، وأنه "لا استقرار في منطقة الشرق الأوسط دون منح الأكراد حقوقهم"، بحسب تعبيرها.

من جهته، كتب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري أن "موقف الحلبوسي من تسلم قوات بيشمركة الإقليم لجزء بسيط من أسلحة دفاعية من التحالف الدولي، يعكس البهلوانية الشعبوية الرخيصة، وعقلية مريضة لصعود سياسيي الصدفة".

وتساءل زيباري في تدوينته على منصة "إكس" قائلا: “وإلا لماذا لا تستخدم هذه الأسلحة ضد أعداء العراق فقط؟”

بدوره، علق النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، خلال مقابلة تلفزيونية في 17 سبتمبر، قائلا: "نحن لم نأتِ بالمدافع للاعتداء على أحد، بل للدفاع عن أنفسنا، خصوصا أن تنظيم الدولة لم ينته بعد".

وتابع البرلماني الكردي: "إذا تعرضنا للاعتداء فسندافع عن أنفسنا، كانت هناك محاولات تمدد على الإقليم (الجيش العراقي والحشد الشعبي)، وهناك قوات أرادت التمدد الى أربيل، ونحن لا نقبل بذلك من قبل أي جهة.. نحن دولة فيدرالية والحدود معروفة".

ولم يقتصر انتقاد موقف الحلبوسي على الجانب الكردي فحسب، وإنما ردت عليه بعض الأحزاب السياسي السنية.

إذ أعرب  رئيس تحالف العزم، مثنى السامرائي، عن دعمه لتسليح قوات البيشمركة، مشيرا إلى أنها قوات تمتثل للقانون والدستور العراقي.

وقال السامرائي، خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان العراقي، في 17 سبتمبر، إن "إقليم كردستان جزء أساسي من العراق، والبيشمركة هي قوات عراقية وتتبع القوانين والدستور العراقي" بحسب تعبيره.

من جانبه، قال زعيم حزب "السيادة" خميس الخنجر، إنه لا ينبغي أن تكون الحسابات السياسية الضيقة والمنافع الحزبية أعلى مما وصفها بـ"القيم الأخلاقية والمواقف الشريفة".

واستذكر عبر تدوينة على "إكس" في 19 سبتمبر، موقف إقليم كردستان، عام 2014، والذي قال إنه استقبل الملايين من العرب السنة الذين نزحوا بفعل الإرهاب والعمليات العسكرية خلال مواجهات مع تنظيم الدولة.

ولم يصدر حتى يوم 21 سبتمبر، أي موقف رسمي من القوى السياسية الشيعية، لا سيما الإطار التنسيقي، صاحب الأغلبية البرلمانية، والذي تولى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.

لكن المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي، عباس العرداوي أكّد خلال مقابلة تلفزيونية في 4 سبتمبر، أن "هناك أزمات بين الإطار والسوداني، منها: موضوع تسليح قوات البيشمركة الكردية بأسلحة كانت مركونة في الميناء بمحافظة البصرة".

“مغازلة الإطار”

وبخصوص توقيت تصريحات الحلبوسي، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، أن الأخير يتعمد مشاغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لأن مصالحه السياسية تقاطعت معهم، وهو في الوقت ذاته، يخالف توجهات السوداني، ويصب في مصلحة الإطار التنسيقي".

وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "واحدة من أهداف تصريحات الحلبوسي، هي استمالة المواطنين في محافظتي كركوك ونينوى، خصوصا في المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، وتخوفيهم من أن مناطقهم أصبحت في مرمى المدافع الجديدة التي تسلمتها البيشمركة".

ولفت إلى أن "الحلبوسي يلعب على وتر الخلافات القائمة بين بعض قادة الإطار التنسيقي، خصوصا نوري المالكي، وقيس الخزعلي مع السوداني، وبالتالي يغازل الإطار من أجل دعم موقفه في الحصول على رئاسة البرلمان لحزب تقدم، وعدم دعم شخصية سنية أخرى للمنصب".

وأشار إلى أنه "يريد في الوقت نفسه تحريض قادة الإطار على السوداني في قضية مساعي الأخير للتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب السيادة السني بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المتوقع أن تجرى في عام 2025، لدعمه في الحصول على ولاية ثانية".

ويشهد الإطار التنسيقي، حربا طاحنة بين جبهتين رئيستين، يقود إحداهما زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، والأخرى يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في ملفات عدة.

ومنها رغبة السوداني بدخول الانتخابات المقبلة في قائمة منفصلة عن الإطار، وكذلك ضغط المالكي على الأول للاستقالة من منصبه قبل الانتخابات بستة أشهر، حتى لا يستغل منصبه ماليا وسياسيا، الأمر الذي يرفضه الثاني.

ويضم الإطار المشكّل في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كلا من: ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، وتيار الفراتين بقيادة السوداني، وتحالفي "الفتح" برئاسة هادي العامري وقيس الخزعلي.

كما يضم "قوى الدولة" بقيادة عمار الحكيم، وحركة "عطاء" بزعامة فالح الفياض، وحركة "حقوق" بقيادة حسين مؤنس.

وعلى الصعيد الرسمي، أكدت وزارة الدفاع العراقية خلال بيان لها في 19 سبتمبر، أن مدافع هاوتزر عيار (105) ملم المخصصة لقوات البيشمركة، جرى التعاقد على شرائها في زمن وزير الدفاع عرفان الحيالي (2017 إلى 2019)، وجرى التعديل عليه في عهد الوزير جمعة عناد (2020 إلى 2022).

وأضافت أن "مبالغ المدافع دفعت قبل تشكيل الحكومة الحالية، ثم وصلت إلى ميناء أم قصر (في البصرة) في 20 أكتوبر 2023، ولم يتم تسليمها إلى وزارة البيشمركة رغم مرور سنة على وصولها إلى الميناء".

وبينت الوزارة أنه "جرى تسليم المدافع بناء على مذكرة من رئيس أركان الجيش (عبد الأمير رشيد يار الله) إلى القائد العام للقوات المسلحة (محمد شياع السوداني) وبعد اتخاذ التدابير اللازمة كافة".

وأكدت أن "قوات البيشمركة هي قوة وطنية لا يشك في ولائها للعراق، وأن موضوع المدافع المذكورة سابقا جرى قبل أكثر من سبع سنوات، ولم يتم تسليم المدافع إلا بعد اتخاذ التدابير كافة الخاصة بهذا الموضوع".

وطالبت في بيانها وسائل الإعلام بـ"عدم الانجرار خلف الأكاذيب والتلفيقات التي تصدر من غير ذوي الاختصاص فيما يتعلق بالمواضيع الخاصة بالوزارة".