الإيغور وغزة والعلاقات الاقتصادية.. كيف يمكن تقييم زيارة فيدان لبكين؟
سُجلت زيارة فيدان على أنها رفيعة المستوى من تركيا
تصدرت العلاقات الاقتصادية والملفات الدولية ووضع الأتراك الإيغور، مقدمة القضايا التي ناقشها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال الزيارة التي أجراها إلى الصين.
وتلبية لدعوة نظيره الصيني وانغ يي، أجرى فيدان زيارة رسمية إلى الصين في الفترة من 3 إلى 5 يونيو/ حزيران 2024، وهي الأولى له إلى البلد الآسيوي منذ توليه منصبه.
وجاء في بيان وزارة الخارجية التركية أنه "خلال اللقاءات التي ستُعقد في نطاق الزيارة، ستُناقش العلاقات الثنائية وسيتم تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة".
وسُجلت زيارة فيدان على أنها رفيعة المستوى من تركيا بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى المنطقة في أبريل/ نيسان 2012، خلال فترة ولايته كرئيس للوزراء.
وخلال الزيارة، استقبل نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، هان تشينغ، وزير الخارجية التركي، ومن ثم التقى الأخير بنظيره الصيني وانغ يي.
تصريحات الزيارة
وعقب اللقاء بين الوفدين، عقد الثنائي مؤتمرا صحفيا مشتركا، قال فيه فيدان إن "العلاقات الجيدة بين تركيا والصين ستسهم في ضمان السلام والرخاء والاستقرار الإقليمي والعالمي".
وأكد أن تركيا تدعم بشكل كامل وحدة أراضي الصين وسيادتها السياسية، مشيرا إلى أن "كاشغر وأورومتشي مدينتان تركيتان إسلاميتان قديمتان تسهمان في الثراء الثقافي للصين".
وقال: “إن هذه المدن تلعب دور الجسر بين الصين والعالم التركي والإسلامي، فهي ترمز إلى صداقتنا التاريخية”.
وتابع فيدان أن "وحدة المجتمعات والشعوب هي أعظم ثروة للدول القوية. نحن ممتنون للغاية لمشاهدة الثراء التاريخي والثقافي لهذه المناطق الجغرافية".
ومن ناحية أخرى، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى التنسيق مع تركيا لحل الأزمة الفلسطينية.
وقال إنه "يتعين على البلدين تعزيز التعاون ومعارضة جميع أنواع الهيمنة وسياسات القوة، بالإضافة إلى الحوكمة العالمية في اتجاه أكثر عدالة ومعقولية".
كذلك أدلى فيدان بتصريحات حول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
وشدد على أن تركيا والصين ترغبان في إعلان وقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن وإحلال السلام وإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها “القدس الشرقية”.
وفي إشارة غير مباشرة إلى قضية الأتراك الإيغور، أوضح وانغ يي، أن الطرفين اتفقا على احترام المصالح والحساسيات الأساسية لبعضهما البعض: "يجب علينا أن نعارض تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلدين تحت ذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان".
جدير بالذكر أن الخطوات التي اتخذتها الصين ضد الأتراك الإيغور منذ عام 2017، وفقا لسياسة إضفاء الطابع الصيني على جميع الأديان والمعتقدات، أثارت ردود فعل منظمات حقوق الإنسان الدولية ضد بكين.
وفي بيان صدر عام 2019، اتهمت تركيا الصين بـ "تنفيذ الاستيعاب الممنهج ضد الأتراك الإيغور وإبقاء أكثر من مليون مسلم في معسكرات الاعتقال".
وتابع فيدان: "لا نرى أي مجال لحدوث مشكلات فيما يخص الإيغور، كما أن تغيير الصورة النمطية التي تشكلت في العالم والعالم الإسلامي حول حقوقهم وحياتهم يصب في مصلحة الجميع بما فيها الصين، وبالتالي، نحن ندعم سياسة بكين، ووحدة أراضيها وسيادتها".
وفي الصور التي نُشرت لتلك اللقاءات، نُظر إلى ربطة العنق ذات اللون الأزرق السماوي التي كان يرتديها فيدان أثناء زيارته على أنها ترمز إلى حساسيته تجاه الأتراك الإيغور.
وعلى جانب آخر، خلال زيارته للصين، عرج وزير الخارجية فيدان على "العلاقات التركية الصينية في ظل النظام العالمي المتغير".
ملف الاقتصاد
وعن العلاقات التجارية، قال فيدان: “إن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا وعلاقاتنا التجارية الواسعة يوفران الوصول الحر والسهل إلى سكان يبلغ عددهم حوالي 1.5 مليار نسمة”.
كما يوفران الوصول إلى "سوق تبلغ قيمتها 28 تريليون دولار، وتمتد من أوروبا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى، وكل هذا يقع على بعد 4 ساعات طيران".
وأضاف أن "مبادرتي الحزام والطريق والممر الأوسط لبحر قزوين بين الشرق والغرب اكتسبتا أهمية أكبر خلال هذه الفترة".
ولفت إلى أنه "من خلال مبادرة الحزام والطريق، تهدف تركيا إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمواءمة الممر الأوسط وتكامله مع بعض ممرات النقل الأخرى، مثل طريق التنمية في العراق".
ثم قيّم فيدان زيارته إلى الصين خلال مقابلة على قناة "سي سي تي في" الصينية الحكومية، موضحا أن "أولويته هي تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية وغيرها، وخاصة التعاون التجاري".
وتابع: “كما تعلمون، فإن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا. وفي الوقت الحالي، يبلغ حجم التجارة بين البلدين 50 مليار دولار. وهذا يصب في صالح بكين إلى حد ما”، مضيفا أنه "جرى التركيز خلال الزيارة على كيفية جعل هذا التبادل أكثر توازنا".
ولفت وزير الخارجية التركي إلى "ازدياد استثمارات الصين في تركيا"، موضحا أن "هناك العديد من المجالات والموضوعات المقترحة لتعزيز التعاون".
وعلى جانب آخر، زار فيدان سفارة بلاده في بكين في إطار سلسلة زياراته الرسمية في البلاد، والتقى برجال الأعمال الأتراك هناك.
وزار مدينتي أورومتشي وكاشغار التركيتين الإسلاميتين، وذهب إلى مسجد يانغ هانغ والسوق الدولي الكبير في المدينة الأولى.
وكجزء من زيارته للمنطقة، التقى فيدان مع سكرتير الحزب الشيوعي لمنطقة شينجيانغ الإويغورية ذاتية الحكم، ما شينغروي، ومع حاكم المنطقة، إركين تونياز.
مركز قوة
وفي حديثه لـ “الاستقلال”، قال عضو هيئة التدريس بجامعة دوملوبينار التركية، باريش أديبيلي، إن "الصين، كان يُنظر إليها على أنها مركز القوة الجديد في العالم، أو بعبارة أخرى، مركز القوة البديلة، لفترة طويلة من الزمن".
وتابع أديبيلي: "على الرغم من أن الزيارة قُيمت من قبل الصين بشكل أساسي في سياق التطورات في الشرق الأوسط، وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين وغزة، إلا أن تركيا طرحت أيضا المواضيع التقليدية التي تجرى مناقشتها في كل زيارة ومحادثة".
ولفت إلى أن العنوان الأولي للزيارة كان الاقتصاد والتجارة، وبالتبعية مبادرة "الحزام والطريق. وفي هذا السياق، كان مشروع "الممر الأوسط" أحد البنود الرئيسة على جدول الأعمال.
بالإضافة إلى ذلك، طُرحت موضوعات مألوفة على جدول الأعمال مثل زيادة حجم التجارة وعدد السياح الصينيين لتركيا وتطوير العلاقات الثنائية في كل المجالات ودعم البلدين لبعضهما البعض في الحرب ضد الإرهاب".
وتأتي الزيارة بعد انتهاء منتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد في بكين نهاية مايو/أيار 2024، بمشاركة قادة 4 دول عربية هي مصر والإمارات والبحرين وتونس، ووزراء خارجية ومسؤولين من الجانبين، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات.
ودعا منتدى التعاون الصيني-العربي، إلى وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ووقف العدوان على غزة ومعارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني.
وبحسب وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية، "اعتمد المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي، إعلان بكين، وخطة تنفيذ المنتدى 2024-2026، وبيانا مشتركا بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية، في بكين".
وفي هذا الصدد، أشار الأكاديمي إلى أن "الصينيين فسروا هذه الزيارة على أنها دعم من تركيا لخطة السلام الصينية".
وتابع: “كان من السمات المشتركة بين الصين وتركيا أنهما دعتا إلى عقد مؤتمر سلام دولي بشأن قضية غزة”.
وقد ظهرت إمكانية تنظيم مؤتمر سلام مشترك بين الصين وتركيا، حيث شكلت زيارة هاكان فيدان لبكين أرضية مهمة لإجراء محادثات حول خطط وعمليات السلام، خاصة فيما يتعلق بقضيتي غزة وأوكرانيا.
كما لعبت تركيا ولا تزال دورا مهما في العلاقات غير الرسمية بين روسيا وأوكرانيا لفترة طويلة، وبالتالي، لا يمكن لبكين تجاهل أنقرة في هذه المرحلة، وفق الكاتب.
وواصل القول: "بينما تُعد الصين ضرورية للعالم اقتصاديا، تعد تركيا ضرورية جيوسياسيا. وبالتالي، إذا تحركت هاتان الدولتان المهمتان بشكل تكاملي، فستخلقان عنصر توازن جديد مهم في الجغرافيا السياسية لأوراسيا".
وأضاف: "العنوان الأكثر أهمية لهذه الزيارة من وجهة نظري هو أن تركيا أعلنت أنها ستتقدم بطلب للعضوية في البريكس (تكتل سياسي اقتصادي دولي) حال توافرت الظروف".
ولفت إلى أن "إعلان وزير الخارجية هاكان فيدان طلب عضوية تركيا في بريكس من بكين وليس من أنقرة هو أمر ذو دلالة وأهمية كبيرة".
وقال أديبيلي: “على الرغم من أن صورة تحول تركيا نحو الاتحاد الأوروبي كانت واضحة في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه من المثير للتفكير أن أنقرة تحولت فجأة نحو البريكس”.
وأردف: “منذ تأسيس مجموعة البريكس، كانت تركيا تتحدث في كل فرصة عن رغبتها في أن تصبح عضوا، ولكن لم تحدث أي نتيجة”.
وتابع في نفس السياق: "الآن، إذا أحدث التصريح الأخير لهاكان فيدان إثارة يومية مثل تصريحات وزراء الخارجية السابقين، ثم وُضع مرة أخرى على الرفوف المغبرة، فإنه سيوجه ضربة لمصداقية تركيا".
وشدد أديبيلي أيضا على أن "تصريح فيدان الذي يؤكد أن مدينتي أورومتشي وكاشغر مدينتان تركيتان إسلاميتان يمثل تحديا واضحا للخطاب الرسمي للصين".
قضية الإيغور
وفي حديثه لصحيفة "الاستقلال"، قال رئيس الجمعية الوطنية لتركستان الشرقية، سيد تومتورك، إن هذه الزيارة، التي حدثت بعد 12 عاما، مهمة.
وتابع: "نتوقع أن يُدرج احتجاز الأتراك الإيغور، الذين أُرسلوا إلى معسكرات الاعتقال في تلك المناطق الخارجة عن القانون، على جدول الأعمال".
ويعتقد تومتورك أن "لفتة ربطة العنق كانت بمثابة رسالة ذات معنى للصين".
وشدد على "الفارق بين زيارة أردوغان وهاكان فيدان"، لافتا إلى أن "الرئيس التركي كان قد حظي بترحيب كبير من قبل الإيغور الأتراك خلال زيارته، بينما لم يكن هناك أحد في المنطقة أثناء حلول وزير الخارجية.
وأرجع تومتورك سبب هذا الوضع إلى وجود الإيغور، الذين يتعرضون للقمع من قبل الصين، في معسكرات الاعتقال".
وفي هذا السياق، تابع تومتورك حديثه قائلا: "كنا نتوقع أن يقول فيدان أن الأتراك الإيغور هم مواطنون صينيون ويجب أن يستفيدوا من الحقوق التي يتمتع بها نظراؤهم الآخرون".
وأكد أنه "إذا مُنحت هذه الحقوق، فإن العلاقات الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية بين تركيا والصين يمكن أن تصبح دائمة ومستدامة".
وذكر أن “الأتراك الإيغور، وهم مواطنون صينيون، حرموا من جميع حقوقهم، حيث لا توجد حرية دينية أو ضمير، كما تُمارس ضغوط لعدم إنجاب الأطفال، وأعطت بكين جوازات سفر لنخبة من الناس لإخفاء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها".
وبينما تحظر الصين أيضا الصيام في تركستان الشرقية، تُنظم برنامج إفطار في القنصلية الصينية في إسطنبول، وفق تومتورك.
وأشار إلى أن "الصين تطبق سياسة منافقة ذات وجهين. حيث تقول بكين إنها تقف إلى جانب الفلسطينيين، لكنها ترتكب إبادة جماعية ضد شعب تركستان الشرقية الذي لديه نفس المعتقدات".
ومشيرا إلى أن الغرض من هذه السياسات هو "الحزام والطريق"، أكد تومتورك على أن "هذا المشروع سيُتخلص منه مع استقلال تركستان الشرقية".
وحذر من أن "استمرار الصين في الإبادة الجماعية ضد شعب الإيغور في تركستان الشرقية قد يدفعهم إلى أن يصبحوا أداة في أيدي قوى خارجية يائسة، وخاصة الدول الغربية، في خططها لتفكيك بكين".
وفي رأيه، "حتى لا يحدث ذلك، يجب على تركيا أن تتولى دور الوسيط وتمهيد الطريق لتحقيق حقوق شعب تركستان الشرقية".
أما رئيس جمعية التضامن التركستانية برهان قاونجو فقد أكد في تصريحات لـ "الاستقلال" على أن هذه الزيارة تحمل العديد من الأبعاد التي يجب تقييمها بدقة.
وقال قاونجو إن "زيارة دولة ترتكب الإبادة الجماعية والتعبير عن الصداقة والسياسات المشتركة برسائل معتدلة ليست ملائمة"، محذرًا من أن الصين قد تستغل هذه الزيارة لأغراض دعائية وللتغطية على الفظائع التي ترتكبها ضد المسلمين الإيغور.
ويرى قاونجو أن هناك جوانب إيجابية للزيارة مؤكدًا أن "إظهار تركيا لاهتمامها الرسمي بتركستان الشرقية وقبول الصين لهذا الأمر يعد أمرًا في غاية الأهمية".
ورأى أن الدول التي تسعى لإنشاء بديل متمركز حول شانغهاي ضد الإمبريالية الأمريكية لن تكون مقنعة ما لم تتبع سياسات عادلة تجاه الإثنيات المختلفة تحت حكمها.
وأضاف: "الصين لا تطبق سياسات عادلة تجاه المسلمين في تركستان الشرقية، بل تمارس الإبادة الجماعية وتحاول تصوير معاداتها للدين الإسلامي على أنها مكافحة للإرهاب، وهذا لا يقنع أحدًا في العالم".
وشدد على ضرورة عدم تفسير زيارة وزير الخارجية التركي للصين على أنها موافقة على القمع والإبادة الجماعية، مشيرًا إلى أهمية تصريح هاكان فيدان خلال زيارته بأن "من مصلحة الصين تصحيح الصورة السائدة في العالم والعالم الإسلامي بشأن الحقوق الثقافية لأتراك الإيغور".
وأن فيدان أكد أيضًا في تصريحاته على هوية تركستان الشرقية قائلاً: "أورومتشي وكاشغر هما مدينتان تركيتان وإسلاميتان قديمتان".
وفي ختام حديثه، ذكر قاونجو أن ما كان يجب قوله قد تم التصريح به بالفعل في بيان وزارة الخارجية لعام 2018.
وأكد ضرورة عدم تراجع تركيا عن هذا الموقف، معربًا عن أمله في أن تظل تصريحات مثل "سلامة الأراضي الصينية، حق السيادة، سياسة الصين الواحدة" ضمن إطار العلاقات الدبلوماسية فقط.