مأساة وفاة 20 مغربيا في ليلة واحدة.. مسؤولية الحكومة أم الحرارة المفرطة؟
“وزير الصحة ومن معه عليهم مسؤولية شبه جنائية في هذه الفاجعة.”
في ليلة واحدة، سجل المغرب كارثة إنسانية شهدها مستشفى مدينة بني ملال شمالي المملكة، بوفاة أكثر من 20 شخصا.
وفيما أرجعت وزارة الصحة هذه “المأساة” إلى “الحرارة المفرطة”، حمّل سياسيون وحقوقيون المسؤولية إلى الحكومة وتحديدا وزارة الصحة.
ووسط هذه الاتهامات يظل المواطن ضحية سياسات المنظومة الصحية غير الناجعة والاختلالات التي تعصف بالمفهوم الكوني للحق في الصحة.
كارثة إنسانية
وقالت "المندوبية الجهوية للصحة بإقليم بني ملال خنيفرة"، عبر بيان في 25 يوليو/ تموز 2024، إن "المركز الاستشفائي الجهوي ببني ملال 24 يوليو، شهد 21 حالة وفاة، منها 4 خارج أسوار المستشفى و17 من داخله".
وأفادت المديرية بأن "غالبية الوفيات كانت بين أشخاص يعانون من أمراض مزمنة وكبار السن، حيث أسهم الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في تدهور حالتهم الصحية وأدى إلى وفاتهم ".
كما أعلنت وزارة الصحة المغربية، عن "اتخاذها جملة من الإجراءات والتدابير الاستعجالية للتصدي للآثار الصحية الناتجة عن موجة الحرارة المرتفعة التي تشهدها البلاد، وذلك بناء على النشرات الصادرة عن مديرية الأرصاد الجوية الوطنية والتي أكدت فيها ارتفاع درجات الحرارة في بعض المناطق".
وأفادت الوزارة، في بيان 26 يوليو، بأنه "تم تفعيل نظام المداومة بالمؤسسات الصحية في المناطق التي تعرف ارتفاعا في درجات الحرارة، حيث تمت تعبئة مهنيي الصحة، من أطباء، وممرضين، وسائقي سيارات الإسعاف، بالإضافة إلى توفير الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لتقديم العلاجات اللازمة".
لكن مبرر “الحرارة المفرطة” أثار غضب المواطنين لأن العديد من المدن في الجنوب وجنوب شرق المغرب تلامس درجات حرارتها الـ50، دون تسجيل حالات وفيات خاصة بهذا الرقم المرتفع.
وتساءل رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية (معارض)، عبد الله بووانو، عن سبب هذه الفاجعة، وإن كان لها ارتباط بنقص المياه أم بغياب تجهيزات خفض الحرارة أم بغيرها.
وأهاب بووانو، في تصريح صحفي في 26 يوليو، برئاسة الحكومة ووزارتي الداخلية والصحة أن "تأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد، لأنه خطير بالنسبة لبلادنا، إن كان ضحيته شخص واحد فأحرى أننا أمام هذا العدد الكبير من الشهداء".
وشدد على أنه “يجب أن يكون هناك تواصل حكومي ومؤسساتي في الموضوع، كما يجب أن يتم اتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة حتى لا يتكرر الأمر في مناطق أخرى، ومنها مراكش التي بلغت فيها درجة الحرارة مستويات عالية جدا”.
من جانبه، حمّل "الحزب الاشتراكي الموحد" (معارض) الحكومة بصفة عامة مسؤولية الكارثة الإنسانية التي عرفها المركز الاستشفائي الجهوي بمدينة بني ملال، والذي سجل أكثر من عشرين حالة وفاة في يوم واحد.
وقال الحزب عبر بيان في 26 يوليو، إن "الحكومة بصفة عامة التي ما فتئت تتحدث عن الدولة الاجتماعية تتحمل المسؤولية عن الكارثة الإنسانية التي عرفها المركز الاستشفائي الجهوي بمدينة بني ملال”.
وطالب بفتح تحقيق "موسع جدي ومسؤول لتبيان ما وقع، مع ضرورة إخبار الرأي العام المحلي بنتائج هذا التحقيق ومحاسبة كل المسؤولين عن هذه الكارثة أيا كانت مسؤولياتهم".
وأكد الحزب أن هذه الكارثة "تأتي في ظل حكومة ما فتئت تتحدث عن الدولة الاجتماعية، في الوقت الذي تعيش فيه القطاعات الاجتماعية العمومية أزمة خانقة مصدرها الخوصصة وتقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية العمومية".
إضافة إلى ذلك، حمل مسؤولية هذه الوفيات للجهات المختصة التي قال "إنها ترفض تجهيز المؤسسات الصحية بالأطر الصحية والتجهيزات الضرورية والأدوية، وتقف صامتة أمام استنزاف القطاع كما لم تتخذ الإجراءات الوقائية الاستباقية لمواجهة هكذا حالة".
معطيات صادمة
ووسط هذه الردود، كشف رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، أن "النقص الحاد في المعدات الطبية والتجهيزات اللازمة، إلى جانب نقص الأطر الصحية، كان السبب الرئيس وراء وفاة 21 شخصا".
وأوضح غالي خلال مقابلة إعلامية على يوتيوب في 25 يوليو، أن "المستشفى الجهوي لبني ملال يعاني من غياب آلات التبريد في الغرف والأجنحة، وكذلك من نقص حاد في مادة الأكسجين يوم تسجيل الوفيات"، مشيرا إلى أن "هناك نسبة نقص في الأكسجين خلال تلك الفترة".
وأشار إلى "النقص الكبير في الموارد البشرية الطبية والتمريضية، حيث يتوفر المستشفى على طبيب واحد أخصائي في الصدر فقط، في حين أن شكان بني ملال تتجاوز 600 ألف نسمة".
كما ذكر غالي أن "بعض الخدمات في المستشفى متوقفة تماما، وأخرى تعمل جزئيا مثل جهاز الأشعة الذي تديره طبيبة واحدة تعمل من التاسعة صباحا إلى الرابعة زوالا، مما يحرم الحالات الطارئة خلال المساء والليل من الحصول على الخدمات اللازمة".
وأضاف أن “إحصائيات توضح أن هناك سريرا واحدا لكل 910 مواطنين في جهة بني ملال خنيفرة، وطبيبا واحدا لكل 1720 مواطنا”.
وفي وقت تتعرض فيه بني ملال لموجة حرّ أودت بحياة 21 شخصا، تشهد المدينة تنظيم مهرجان بتكلفة تصل إلى 300 مليون سنتيم، وهو ما أثار انتقادات واسعة.
وفي تعليق على ما جاء على لسان الحقوقي غالي، قال الصحفي مصطفى الفن: "هالني ما سمعت على رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. وأقصد هنا ما أدلى به من معطيات صادمة حول فاجعة وفاة أكثر من 20 شخصا ببني ملال..".
وأضاف الفن في تدوينة عبر فيسبوك في 26 يوليو، "الوزارة الوصية تقول إن سبب الوفاة هو الحرارة المفرطة.. لكن وأنت تستمع إلى غالي تكاد تقتنع أن الوزير الوصي على هذا القطاع ومن معه عليهم مسؤولية (شبه جنائية) في هذه الفاجعة..".
وتساءل مستنكرا: “لماذا؟ ومجيبا في حينه، ”لأنه من الصعب أن تحمل وفاة هذا العدد الكبير من المواطنين إلى الحرارة المفرطة، في وقت عجزت فيه الوزارة أن توفر حتى مكيفا هوائيا داخل مستشفى بمدينة تجاوزت فيها الحرارة 50 درجة..".
واستطرد: "كما أنه من الصعب أن نتحدث عن سبب الحرارة المفرطة في وقت لا يتوفر هذا المستشفى الجهوي حتى على أبسط الأدوية وعدد معقول من الأسرة ومن الأوكسجين".
واستدرك: "بل إن أحد أجهزة الأشعة الضرورية في العلاج مازال ربما عاطلا عن الاشتغال منذ أربع سنوات.. طبعا أقول هذا وأنا أفترض أن هذا الذي قاله عزيز غالي صحيح.. وفعلا ما قاله صادم للغاية..".
وتابع الفن: "بل إن ما قيل يكشف ربما أننا أمام إهمال غير مبرر.. وأمام قطاع هش ومنكوب ويفرض ربما على النيابة العامة أن تدخل على الخط لأن أرواح الناس ليست رخيصة".
غير دقيق
من جهته، قال الناشط المدني، زكريا النويني، إن "الحالة الكارثية للمستشفيات المغربية لا تخفى على أحد، والإهمال شبه المقصود من الوزارة الوصية لا يمكن إغفاله".
وأضاف النويني لـ"الاستقلال" أن "هذا الإهمال الذي تعرفه مستشفيات المغرب منذ سنوات طويلة، يتزامن حاليا مع احتجاجات الأطباء والأطر الصحية، والتي توجه بدورها افتقار المشافي للأجهزة الضرورية إلى وزارة الصحة وتطالب بتحسين وضعها الاجتماعي".
ولفت إلى أن "ما شهده مستشفى بني ملال شهدته في سنوات سابقة مستشفيات أخرى، وفي ظل غياب أي إرادة حقيقية لتطوير المراكز الصحية بالأجهزة وإضافة الأطقم الطبية فسنواصل حصد المزيد من الحالات المؤسفة".
واستنكر النويني بيان مندوبية الصحة بخصوص تبرير هذه الفاجعة المؤلمة إلى “الحرارة المفرطة”، كما نبه إلى أن “الحديث عن فتح تحقيق يؤكد أن لا نتائج منتظرة كما حالات سابقة فتحت فيها تحقيقات دون إعلان أي نتائج أو معاقبة المسؤولين عن هذه المآسي”.
بدوره، قال المركز المغربي لحقوق الإنسان إن "تبرير وفاة المرضى داخل المستشفى الجهوي ببني ملال بسبب ارتفاع الحرارة كلام غير دقيق".
وأوضح المركز في بيان نشره في 28 يوليو، أنه “يمكن القبول بوفاة مواطنين بسبب ارتفاع درجة الحرارة في منازلهم وفي أماكن أخرى ما عدا في المستشفيات، التي من المفروض أن تتوفر على أنظمة حماية من ارتفاع درجة الحرارة، خصوصا نظام تبريد مركزي فعال".
ولفت إلى أنه "بناء على المعطيات الأولية التي توصلنا بها، اتضح أن هناك عدة عوامل أسهمت في هذه الكارثة الإنسانية".
وأوضح المركز أن "قلة الأكسجين داخل غرف المستعجلات تعد عاملا رئيسا في تفاقم الوضع الصحي للمرضى، مع غياب التهوية الكافية داخل الغرف، مما يجعل الأوضاع داخلها غير صحية ومهددة لحياة المرضى".
وأضاف أن "الحرارة المفرطة مع غياب نظام تكييف فعال، حيث وصلت درجات الحرارة في بني ملال في يوم سقوط الضحايا 21 حوالي 50 درجة مئوية، مما ساهم في تفاقم الوضع الصحي للمرضى".
وذكر المركز أن "المستشفى الجهوي ببني ملال يعاني من نقص حاد في الأطر التمريضية والطبية، مما يعقد مهمة تقديم الرعاية الصحية اللازمة في الوقت المناسب، ويؤثر بشكل كبير على جودة الخدمات المقدمة للمرضى".
ونبه إلى أن "وجود نقص حاد في الأدوية، حيث يمثل مشكلة كبيرة داخل المستشفى الجهوي ببني ملال، ويجد المرضى أنفسهم بدون العلاجات الأساسية اللازمة لتحسين حالتهم الصحية، هذا النقص يعرض حياة المرضى للخطر ويزيد من معدلات الوفيات".
واستطرد أن "المستشفى يعاني من اكتظاظ بنيوي مزمن، نتيجة ضعف طاقته الاستيعابية، نظير عدد ساكنة الجهة، مما يجعل من الصعب تقديم الرعاية اللازمة لكل مريض، حيث إن هذا الاكتظاظ يفاقم من مشاكل نقص الأكسجين، والتهوية والأدوية".
وأشار المركز إلى "تفشي ظاهرة اللامبالاة، فهناك شكاوى مواطنين متزايدة بسبب لامبالاة بعض العاملين في المستشفى، حيث يتم ترك المتدربين للتعامل مع حالات مرضية حرجة دون إشراف كافٍ من الأطر الطبية المؤهلة".
وشدد على أن "هذه العوامل مجتمعة تعد سبب تدهور أداء المستشفى الجهوي ببني ملال، مما أدى إلى فاجعة وفاة 21 مواطن ومواطنة، ولا زال الخطر قائما".
وأوصى المركز المغربي لحقوق الإنسان بضرورة "فتح تحقيق دقيق ونزيه من أجل تقييم الأسباب المباشرة في وفاة المرضى، وتحديد أوجه القصور المحتملة، واتخاذ التدابير اللازمة لتجويد أداء المستشفى الجهوي ببني ملال قبل أن يتسبب في مزيد من الوفيات".