عبر تعزيز قواته العسكرية فيها.. ماذا يخطط بشار الأسد لفعله بالسويداء؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

ما تزال انتفاضة أهالي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، للمطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد مستمرة منذ أغسطس/ آب 2023، ما يشكل مصدر إزعاج للنظام؛ نظرا لتسليطها الضوء على جرائم النظام التي باتت منسية في السنوات الأخيرة.

فمنذ اندلاع الحراك في السويداء الذي شهد تمزيقا لصور بشار الأسد وتوجيه انتقادات لاذعة له وتعرية جرائمه بحق السوريين عبر بيانات ولافتات ورسوم كاريكاتيرية، تجنب النظام الاصطدام المباشر مع المتظاهرين. 

إذ تمسك المحتجون بسلمية الاحتجاجات وتطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن عام 2015 الممهد للحل السياسي بسوريا والبدء بمرحلة انتقالية.

إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تطورا غير مسبوق، رصد فيه إرسال قوات الأسد تعزيزات عسكرية ضخمة إلى محيط السويداء.

حراك السويداء

ويقتصر نفوذ النظام السوري بمحافظة السويداء الحدودية مع الأردن، على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها، لكنه منذ الاحتجاجات باتت سلطته هناك معدومة بعد إغلاق المؤسسات الحكومية ومقرات حزب البعث الحاكم.

وأفادت مصادر محلية لوكالة "الأناضول" التركية في 29 أبريل/ نيسان 2024، بأن النظام السوري، نقل مئات الجنود وعشرات الدبابات والمدرعات من العاصمة دمشق إلى السويداء خلال يومين.

وذكرت المصادر أن التعزيزات يتم تجميعها في مطار خلخلة العسكري شمال السويداء.

من جانبها، وثقت شبكة "السويداء 24" جانبا من التعزيزات العسكرية التي دخلت إلى محافظة السويداء ضمن رتل كبير يضم أكثر من 50 آلية بين دبابات وعربات عسكرية، وحافلات مبيت، وسيارات مزودة برشاشات متوسطة.

ونشرت الشبكة  في 28 أبريل صورة للتعزيزات العسكرية التقطت على حاجز المسمية بين دمشق والسويداء، فيما دخلت التعزيزات لاحقا إلى مطار خلخلة العسكري شمال محافظة السويداء. 

وبحسب الشبكة فإن النظام السوري بدأ منذ 25 أبريل 2024 بإرسال تعزيزات عسكرية إلى السويداء.

كما أشارت الشبكة إلى أن الأجهزة الأمنية أرسلت تعزيزات متفرقة إلى السويداء، تتوزع بعد وصولها على ثكنات أمنية وعسكرية داخل المدينة، منها المخابرات الجوية، والأمن العسكري، وأمن الدولة.

وتعليقا على التعزيزات العسكرية، حذر الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء "أي جهة كانت من أي تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها" بالمحافظة، مؤكدا عدم التراجع وأن المظاهرات السلمية هناك ستتواصل.

كما شهد العديد من قرى محافظة السويداء وبلداتها، اجتماعات لفعاليات أهلية ودينية على مستوى شيوخ عقل الطائفة، وكانت المواقف فيها متطابقة "بضرورة التمسك بوحدة الصف في هذه الظروف، ونبذ كل الخلافات، والاستعداد لأي طارئ".

على طول أشهر الحراك في السويداء تجنب النظام السوري قمعه، بعدما اتخذ المحتجون من ساحة الكرامة وسط المدينة مسرحا للتعبير عن مطالبهم بإسقاط النظام وبث البيانات تؤكد على قرارهم الأخير بعدم التراجع عن المطالب.

إلا أنه في نهاية فبراير/ شباط 2024، قُتل متظاهر متأثرا بجروح أصيب خلال محاولة المحتجين إغلاق مركز للتسوية الأمنية يتبع للنظام في محافظة السويداء؛ وذلك رفضا للتسويات مع الأجهزة الأمنية وتأكيدا على مطالبهم بإسقاط النظام السوري.

وتحولت احتجاجات السويداء المستمرة ليل نهار دون انقطاع، إلى صورة جامعة لمطالب السوريين منذ اندلاع الثورة عام 2011.

ومن هنا أعاد محتجو السويداء تثبيت مطالب المتظاهرين السوريين السلميين التي نادوا بها حينما انتفضوا لإنهاء حكم الاستبداد وقيام سوريا المدنية التعددية الديمقراطية.

وكان محتجو السويداء ثبتوا مطالبهم في بيان مصور نشر بتاريخ 30 أغسطس/آب 2023، وتمثلت في إسقاط النظام وأجهزته الأمنية، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا إلا برحيل بشار الأسد.

ولهذا ينظر النظام السوري "بعين حمراء"، إلى حراك السويداء، لا سيما أن المحتجين فضحوا "كذبة الأسد" بحماية الأقليات التي ينادي بها في المحافل الدولية.

​​ولهذا باتت احتجاجات السويداء شوكة في حلق النظام السوري كونه لم يعد يستطيع الإنكار أمام المجتمع الدولي أن المطالبة بالتغيير هي مطلب سوري جامع ومن كل الأطياف المجتمعية.

كما رفض المحتجون كل محاولات نظام بشار الأسد للتوصل إلى حل معهم ينهي الحراك بالسويداء، وأكدوا أنه "لا حل إلا برحيل الأسد وتطبيق القرار 2254" الذي يضع بشار الأسد خارج السلطة في سوريا.

حتى أن أجهزة مخابرات الأسد فتحت في فبراير 2024 باب "التسوية الأمنية" للذين شاركوا بحراك السويداء، إلا أنها باءت بالفشل ولم يستجب لها أحد.

قلق الأسد

ويدرك نظام الأسد الذي يحاول جاهدا تسريع عمليات التطبيع معه العربية والدولية، مدى تأثير حراك السويداء على مشروعيته، خاصة أنه يحاول القفز على الحل السياسي بسوريا عبر الترويج إلى أنه لم يعد هناك من يطالب برحيل النظام.

إذ منح حراك السويداء المحتجين فرصة كبيرة لتعرية جرائم نظام الأسد الأب والابن بحق السوريين، واغتصاب السلطة وسرقة مقدرات البلد، والتعليق بشكل يومي على مجريات الأحداث بسوريا وفضح ألاعيب النظام وانتقاد إعادته لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية في مايو 2023 ورفضوا كل دعوات التطبيع العربية معه.

وما استفز النظام السوري هو تعمد المحتجون تسليط الضوء على جرائم النظام التي ارتكبها بحق السوريين عقب الثورة، أو حتى تلك المرتكبة زمن الأسد الأب وما تزال ذكراها أليمة في ذاكرة السوريين.

ومنها رفع المتظاهرين لافتات ورقية للتذكير بمجزرة حماة في 2 فبراير/شباط 1982 التي نفذها رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد وشقيقه رفعت، مجزرة، التي استمرت 27 يوما بدأت بحصار المدينة وارتكب خلالها أفظع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية وأسفرت عن مقتل 40 ألف شخص واعتقال 100 ألف آخرين.

ومع هذا الضغط الذي يتعرض له النظام السوري من استمرار حراك السويداء، بدأت تتعالى المخاوف من قمع هذا الحراك بالقوة العسكرية.

لا سيما أن إرسال النظام السوري التعزيزات العسكرية أخيرا إلى السويداء، سبقها محاولات النظام اختبار مدى تقبل الدول المجاورة للجنوب السوري لموجة جديدة من التصعيد، وتغاضيه عن استخدام الحل الأمني في السويداء، بعد أن عاد لفتح قنوات الاتصال مع هذه الدول.

إذ أفادت تقارير إعلامية، بأن النظام السوري خلال الفترة الماضية حاول ضبط الشارع المنتفض في السويداء عبر التواصل مع الأردن بحكم علاقات مسؤولين أردنيين مع وجهاء وشخصيات دينية درزية.

وأمام زيادة الحشود العسكرية التي وصلت إلى محافظة السويداء في الأيام الأخيرة، أكد نشطاء ومنظمو الاحتجاجات على التمسك بالخيار السلمي، وإعادة زخم التظاهرات إلى ساحة الكرامة. 

وقال أحد منظمي الاحتجاجات لـ "السويداء 24"، إن "سياسة الترهيب سيكون الرد الأكبر عليها، بمواصلة التظاهر السلمي، والمطالبة بالحقوق المسلوبة، بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية". 

وأضاف المصدر، أن "الكثير ممن امتنعوا عن المشاركة في المظاهرات خلال الفترة الماضية لأسباب مختلفة، قرروا العودة إلى ساحة الكرامة للتأكيد على أهمية استمرار الحراك السلمي"، مشيرا إلى أن "التلويح بالعنف والقمع، زاد من إصرار الناس".

تهديد وتخويف

وهنا يرى الخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، لـ "الاستقلال"، "أن النظام السوري يريد أن يستخدم القوة لإنهاء الحراك في السويداء؛ لكن هذا الأمر مرهون بموافقات دولية خاصة من قبل الولايات المتحدة". 

وأضاف أيوب قائلا: "على ما يبدو هناك ضوء أخضر لتحرك النظام السوري للتهديد باستخدام القوة في السويداء، إلا أنه على المستوى العام لا أعتقد أن النظام يستطيع استخدام القوة الخشنة هناك لجملة من الأسباب".

ومضى يقول: "أولا، لكون الموحدين الدروز لديهم قرار ومرجعية واحدة وهو شيخ العقل الذي يمكنه إعلان الانتفاضة لمواجهة النظام".

ثانيا وفق أيوب: "هو وجود ضباط كبار من الطائفة الدرزية في هرم قوات النظام السوري، ثالثا كون الدروز أقلية والنظام يدعي حماية الأقليات، رابعا، الطبيعة الجغرافية للسويداء كأرض وعرة جدا وفيها فصائل درزية مسلحة وفي حال استخدام النظام القوة الخشنة سوف يخسر خسائر كبيرة وستكون الأمور مدمرة". 

وتصدر فصائل السويداء المحلية نفسها على أنها بديلة عن وجود النظام السوري في المحافظة لحين تطبيق الحل السياسي.

وتمتلك أسلحة خفيفة وسيارات دفع رباعي وتحظى بقبول شعبي من أبناء الطائفة الدرزية وغالبية شيوخ العقل فيها، ومناط بها راهنا "إحلال الأمن في السويداء وحماية سكانها" في ظل الفراغ الأمني من قبل مؤسسات النظام الأمنية.

وذهب أيوب للقول: "لا أرى حاليا مؤشرات على موافقة دول العالم على استخدام القوة ضد أهالي السويداء، ولكن يمكن للنظام من خلال تعاونه في الفترة الأخيرة مع القوة الدولية سمحوا له بالتلويح باستخدام القوة وهو استجلب قوات لهذا السبب".

لكن "يبقى قرار استخدامها ضد السويداء ما يزال بعيدا، مما يعني أن النظام يمكن أن يلعب على الوتر الطائفي خلال الفترة القادمة في السويداء وأن يهيج جواسيسه هناك لخلق فتنة بين الدروز والبدو ومن خلالها يمكن أن يجد النظام ذريعة للدخول العسكري ويستخدم القوة"، وفق الخبير العسكري.

ويؤكد كثير من المراقبين أن النظام السوري يعد للرقم عشرة قبل الإقدام على فض حراك السويداء، خاصة أن النظام السوري، ما يزال يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأقلية الدرزية.

إذ إن الاعتقالات بحق الناشطين السياسيين والمعارضين في محافظة السويداء، مجمدة منذ عدة سنوات، إلا في حالات نادرة، وكثيرا ما أجبر على إخلاء سبيل معتقلين جرى توقيفهم عند حواجز أمنية خارج المحافظة.

ورغم ذلك، ما يزال فرع الأمن العسكري الممثل للمنطقة الجنوبية (درعا - السويداء) يصدر إذاعات بحث أمنية خاصة بالمشاركين في الحراك.

كما أن كثيرا من الموظفين في دوائر الدولة من أهالي السويداء جرى فصلهم، فضلا عن تكرار حالات منع السفر لأهالي المحافظة ضمن إجراءات عقابية وضغط عليهم.

وتؤكد شبكة "السويداء 24"، أن "هذه الإجراءات التعسفية تؤدي إلى التضييق على أهالي السويداء، ويصبح الخروج من محافظة السويداء للشخص المطلوب، أو السفر خارج سوريا، غير ممكن ويعرض صاحبه للاعتقال، ناهيك عن عدم القدرة على إجراء العديد من المعاملات لدى دوائر الدولة.