رغبة ترامب في إنهاء الملف النووي الإيراني "خطوة لتطويق الصين".. كيف؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل مسار مفاوضات طويل ومعقد بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي، تتجه أنظار واشنطن إلى شرق آسيا حيث تحشد ترسانتها العسكرية، وتستخدم الوسائل الاقتصادية لكبح جماح الصين.

في هذا السياق، رأى موقع "سوهو" الصيني أن واشنطن تسعى من خلال سياستها في الشرق الأوسط وأوروبا إلى تنفيذ “تطويق إستراتيجي للصين”.

وهو ما يتجسد بوضوح في زيارات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وتصريحات قائد القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ صامويل ج. بابارو.

تفوق صيني

ووفقا للتقرير، تسعى الولايات المتحدة إلى "تعزيز تدريباتها العسكرية المشتركة في المنطقة في ظل تصاعد التوترات مع بكين".

وأشار الفريق مايكل بويل، مدير هيئة أركان البحرية الأميركية، خلال مؤتمر في ولاية ماريلاند، إلى أن الهدف من التدريبات المشتركة هو "فهم احتياجات العمليات المعقدة بشكل أوضح، بدلا من استعداد كل سلاح عسكري بشكل منفصل لنفس السيناريو".

وأضاف بويل أن "خبراء من البحرية، والقوات الجوية ومشاة البحرية وقوات الفضاء وقيادة العمليات السيبرانية سيشاركون في التدريبات لإجراء مناورات على المستوى التكتيكي".

"من الناحية الاقتصادية، وفي إطار حرب التعريفات الجمركية التي يشنها ترامب على الصين، اعترفت وسائل الإعلام الأميركية أن الصين، بفضل سوقها الداخلي الضخم وسلاسل التوريد القوية، قادرة على الحفاظ على استقرارها الأساسي"، يقول الموقع.

وتابع: "وعلى الرغم من تصريحات الولايات المتحدة المتكررة بأنها ستُكبد الصين خسارة كبيرة، إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن".

مع ذلك، أشار التقرير إلى أن "التجارة بين البلدين لم تنقطع تماما، بل في الواقع، تزايدت أصوات الاعتراض داخل الولايات المتحدة من الشركات والمستهلكين ضد فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الصينية".

وبعيدا عن منطقة شرق آسيا، كانت القوات الأميركية نشطة في الشرق الأوسط، حيث نشرت جميع طائرات "بي-2" الشبح الإستراتيجية التسع، إلى جانب طائرات "بي-52 إتش"، لتشكل أسطولا من أكثر من عشر طائرات قاذفة لقصف أهداف الحوثيين بشكل مكثف"، كما أفاد الموقع.

وأضاف: "في الوقت ذاته، تمارس الولايات المتحدة ضغوطا لردع إيران، التي ردت بصلابة، مما أدى إلى وصول إستراتيجية ترامب للضغط على إيران إلى طريق مسدود".

وأردف: "في الآونة الأخيرة، وجهت الولايات المتحدة إنذارا نهائيا لإيران، مطالبة إياها بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة خلال مهلة زمنية محددة، وإلا ستواجه ضربات عسكرية".

في هذا الصدد، أشار التقرير إلى "إعلان روسيا أنها ليست ملزمة بتقديم دعم عسكري لإيران، مما وضع إيران في موقف صعب".

وأوضح تأثير كل تلك التحركات على الصين، حيث رأى أنه "في لحظة حاسمة، تمكنت القوات الأميركية من تنفيذ تطويق إستراتيجي للصين من جهتين، مما يعني أن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين قد بلغت ذروتها".

واستدرك: "لكن هذا التحرك كشف عن طبيعة الولايات المتحدة حيث اتضح أنها (نمر من ورق)، فبعد أن فرض ترامب تعريفات متبادلة على العالم، ردت الصين بسرعة بإجراءات مضادة ضد الولايات المتحدة، مما تسبب في إحراج ترامب، فقام بردود فعل انتقامية عبر فرض ضرائب إضافية على الصين".

تحدي الهيمنة الأميركية 

وتحدث الموقع الصيني عن أن "نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يتزايد".

وتابع موضحا: "حيث أسهم النمو الاقتصادي المستمر في تعزيز التطور السريع للقدرات التكنولوجية والعسكرية الصينية".

واستطرد: "أصبحت الأنشطة البحرية الصينية في غرب المحيط الهادئ أكثر تواترا، حيث تغطي صواريخ "دونغفنغ" المتقدمة سلسلة الجزر الثانية، مما يشكل تحديا مباشرا للهيمنة العسكرية الأميركية الطويلة الأمد في المنطقة".

جدير بالذكر أن "سلسلة الجزر الثانية - Second Island Chain" هي مصطلح جيوسياسي وعسكري يُستخدم غالبا في الإستراتيجيات البحرية الأميركية في منطقة المحيط الهادئ، وهي تشير إلى خط من الجزر يمتد من اليابان جنوبا، مرورا بجزر ماريانا وغوام، وانتهاء بجزيرة بابوا غينيا الجديدة.

حيث يُستخدم هذا المفهوم ضمن إستراتيجيات الاحتواء العسكري للصين، وقد طُور في الأصل خلال الحرب الباردة بهدف تطويق الاتحاد السوفيتي، ثم أعيد توظيفه في العقود الأخيرة في إطار المنافسة الأميركية–الصينية.

وتابع الموقع الصيني: "والأكثر أهمية من ذلك، تعمل الصين على تعزيز مبادرة (الحزام والطريق)، مما يقوي التعاون الاقتصادي مع دول آسيا والمحيط الهادئ، ويؤسس نظاما اقتصاديا إقليميا يتمحور حولها".

وأردف: "وقد قلل هذا من قدرة الولايات المتحدة على التأثير على دول المنطقة من خلال الأدوات الاقتصادية كما كانت تفعل في السابق".

مشيرا إلى أن "هذه السلسلة من التحركات الأميركية، التي تبدو ضخمة ومثيرة للإعجاب، لم تُسبب أي ذعر للصين. بل على العكس، استجابت الصين بمزيد من الهدوء والدقة".

وعلى الصعيد العسكري، أوضح التقرير أن الصين "لم تُسارع إلى إجراء مناورات عسكرية مباشرة، بل واصلت تطوير ترسانتها من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والمنصات القتالية غير المأهولة، وأنظمة الضربات المتكاملة بين البحر والجو".

وتابع: "بينما تُجري الولايات المتحدة تدريباتها، تستعد الصين للحرب، ومن الواضح من الطرف الذي له الحظوة والأفضلية في رباطة الجأش".

وعلى الصعيد الاقتصادي، وصف التقرير الإجراءات الصينية المضادة برفع الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة بأنها كانت "حاسمة وثابتة دون أي تراجع".

ويكمل: "هذا يُرسل إشارة واضحة: الصين لن تظل في دور (الصامت الصبور)، والأكثر أهمية من ذلك، أن نفوذ الصين في المجتمع الدولي يتزايد باستمرار خلال السنوات الأخيرة".

قضية تايوان 

ولفت الموقع الصيني إلى أن "الأدميرال بابارو، قائد القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أثار في الآونة الأخيرة، خلال اجتماع عسكري أميركي، مرة أخرى ما يسمى بـ (التهديد الصيني)".

واستطرد: "كما ادعى أن التقدم الصيني في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والقدرات الفضائية، يشكل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وحلفائها، خاصة تايوان".

وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، أشار بابارو إلى أن الضغط العسكري من جيش التحرير الشعبي الصيني على تايوان قد زاد بنسبة 300 بالمئة منذ العام الماضي، وأن تصرفات الصين ليست مجرد تدريبات، بل تشبه (تدريبات محاكاة) لتنفيذ ضم تايوان".

وتابع: "وفي سياق يبدو وكأنه محاولة لتقديم (حلول) لسلطات تايوان، أعاد بابارو طرح ما يسمى بـ (مشهد الجحيم) الذي سبق أن تحدث عنه مرات عديدة".

وعقّب التقرير قائلا: "إن قضية تايوان شأن داخلي صيني بحت، ولا تتسع لأي تدخل أجنبي، إن استمرار بعض الأشخاص في الولايات المتحدة في الترويج لما يسمى بـ (مشهد الجحيم) وتضخيمه يكشف بوضوح عن النوايا الخبيثة للقوى الأميركية المعادية للصين، التي لا تتورع عن تدمير تايوان من أجل مصالح سياسية خاصة".

يُذكر أن مصطلح "مشهد الجحيم" تعبير يُستخدم لوصف التصور الأميركي لما قد تفعله واشنطن في حال اندلاع حرب بين الصين وتايوان، حيث يشير إلى إستراتيجية أميركية مفترضة تقوم على تحويل محيط تايوان إلى منطقة مليئة بالفوضى والدمار والنيران من خلال نشر مئات الطائرات المسيّرة والألغام والأسلحة الذكية، وذلك في محاولة لإبطاء أو إيقاف غزو صيني محتمل لتايوان.

وطالب التقرير الجانب الأميركي بـ "الالتزام بمبدأ الصين الواحدة وأحكام البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، والتوقف عن التدخل في قضية تايوان، ووقف تأجيج التوترات وإثارة الفوضى في مضيق تايوان، وعدم إرسال أي إشارات خاطئة إلى القوى الانفصالية المؤيدة لـ (استقلال تايوان)".

وشدد على أن تلك التصريحات "تثبت مرة أخرى أن تحالف سلطات الحزب الديمقراطي التقدمي مع قوى خارجية للسعي وراء (الاستقلال) والاستفزازات لن يؤدي إلا إلى تعريض تايوان لمخاطر الحرب، ودفع سكان تايوان نحو هاوية الكارثة".

في غضون ذلك، أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارة رسمية إلى الصين في الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان 2025، لمناقشة الدعم الصيني لاتفاق بشأن المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

وصرح عراقجي من بكين: "الصين، بجانب روسيا، تعد شريكا إستراتيجيا يمكن الاعتماد عليه، وقف بجانبنا، ليس فقط في الأوقات الجيدة، ولكن السيئة أيضا".

وأضاف: "سوف نُطلع الحكومة الصينية على آخر تطورات عملية المفاوضات المستمرة، حيث يمكن لبكين  القيام بدور بناء في التوصل لختام إيجابي لهذه المفاوضات الحساسة".

من جانبه، قدّر الموقع أن إيران "قدمت تنازلات حقيقية بشأن القضية النووية، وهو ما قد يعني احتمالية التوصل لاتفاق نووي، مما سيسمح لواشنطن بتحويل المزيد من الطاقة والموارد من الشرق الأوسط والتركيز على مناطق أخرى، مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

ودلل على ذلك بـ "التقدم الذي أحرزه وزير الدفاع الأميركي هيجسيث خلال زيارته لشرق آسيا، والترحيب الذي حظي به الجيش الأميركي من جانب اليابان والفلبين ودول أخرى، حيث يظهر كل ذلك أن الولايات المتحدة تستعد لهذا المخطط الإستراتيجي".

واستدرك: "ولكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي بين الولايات المتحدة وإيران، ولا تزال المفاوضات تواجه العديد من التحديات، ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت إيران ستواصل تقديم التنازلات".

واختتم قائلا: "إن تقدم مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني لا يرتبط فقط بالعلاقات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، بل قد يكون له أيضا تأثير عميق على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط والتخطيط الإستراتيجي العالمي للولايات المتحدة".