تجنب سفينتين حربيتين ألمانيتين عبور البحر الأحمر.. لماذا أحرج الغرب والناتو؟
"القرار السياسي بتحويل مسار سفينتين حربيتين نحو الرجاء الصالح يتسبب في حرج أكبر بكثير"
بسبب "مستوى التهديد" وهجمات الحوثيين، بدأت ألمانيا تتجنب المرور في البحر الأحمر وخليج عدن، مما يطرح تساؤلات حول التحالفات الغربية.
وقرر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس "عودة فرقاطة وسفينة إمداد من الهند عبر السواحل الإفريقية"، وتجنب العبور عبر البحر الأحمر.
فيما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية ميتكو مولر خلال مؤتمر صحفي في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إن هذا القرار اتخذ بسبب "مستوى التهديد المرتفع جدا" في البحر الأحمر.
وأوضح في إشارة إلى جماعة الحوثي التي تستهدف السفن التجارية العابرة من هناك، "رأينا في الأيام والأسابيع والأشهر الأخيرة أنهم قادرون على شن هجمات معقدة للغاية، لا سيما بالصواريخ البالستية التكتيكية والمسيّرات".
كابوس الحوثي
وصفت مجلة "فورميكي" الإيطالية قرار برلين تحويل مسار سفينتين عسكريتين الفرقاطة "بادن-فورتمبيرغ" وسفينة الدعم اللوجستي "فرانكفورت أم ماين"، بـ"المحرج" سواء لحلف الشمال الأطلسي (الناتو) والغرب.
وأشارت إلى أن هذا القرار الخاص بالسفينتين الألمانيتين العائدتين من مهمة نفذتاها طيلة أشهر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث أبحرتا أيضا في المياه المضطربة لمضيق تايوان، تسبب في سلسلة فورية من الانتقادات.
وهاجمت الجماعة اليمنية منذ بداية العدوان على غزة المستمر منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، أكثر من 90 سفينة شحن تجارية، غرقت اثنتان منها وتم الاستيلاء على أخرى.
واستخدمت في انتقامها من الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين، الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية "وربما تلقت أشكالا مختلفة من المساعدة من روسيا"، وفق زعم المجلة الإيطالية.
ولاحظت فورميكي أن الوضع الأمني لم يتحسن رغم تفعيل مهمة "أسبيدس"، وهي عملية عسكرية أطلقها الاتحاد الأوروبي في فبراير/ شباط 2024 وتقودها إيطاليا لحماية السفن من هجمات الحوثيين، وإطلاق كذلك عمليتين مختلفتين أميركيتين.
الأولى "حارس الازدهار"، وهي تحالف عسكري بحري متعدد الجنسيات، تأسس في ديسمبر/كانون الأول 2023، بمبادرة أطلقتها الولايات المتحدة بهدف التصدي للهجمات الحوثية، لكنه “لم ينجح في تحقيق أهدافه”، بحسب المجلة.
كما تم إطلاق عملية "سهم بوسيدون"، وهي عملية هجومية يستهدف من خلالها الأميركيون والبريطانيون أصول الحوثيين في اليمن ويحاولون إضعاف أنشطتهم.
وفي نفس السياق، أشارت المجلة إلى وجود معارضة سياسية ضد العمليات الأمنية البحرية ضد الحوثيين، لذلك تحاول الولايات المتحدة تجنب التورط بشكل كبير لعلمها أنها لا تحقق أي مكاسب من حيث نسبة التأييد وهو أمر بالغ الأهمية على ضوء اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
من جانبها، قررت حكومات أوروبية مختلفة عدم المشاركة في مهمة "أسبيدس" على غرار إسبانيا، فيما شاركت حكومات أخرى على مضض ومن بينها ألمانيا التي لم تكن متحمسة على الإطلاق.
ويُذكر في هذا الصدد سحبها في 20 أبريل/ نيسان، الفرقاطة "هيسن" وتراجعها بعد ذلك عن قرارها إرسال فرقاطة "هامبورغ" للمشاركة في مهمة البحر الأحمر وأبقتها شرق البحر الأبيض المتوسط.
من ناحية أخرى، قالت المجلة إن سفينة "هيسن" تسببت في حادث محرج خلال فبراير/ شباط، عندما أطلقت النار وأسقطت مسيرة أميركية عن طريق الخطأ معتقدة أنها تابعة للحوثيين.
وفيما وقعت هذه الحادثة نتيجة خطأ مفهوم، ترى "فورميكي" أن القرار السياسي بتحويل مسار السفينتين الحربيتين نحو الرجاء الصالح "يتسبب في حرج أكبر بكثير".
دوافع القرار
واستغربت المجلة تجنب سفينتين حربيتين لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي، العبور عبر الطرق "التي ينبغي نظريا حمايتها من قبل نفس السفن التابعة للدول الأعضاء في الناتو والبحرية الألمانية نفسها قبل بضعة أشهر".
وألمحت إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تشكيك وعدم ثقة شركات الشحن الأوروبية التي تمر بضائعها عبر تلك المياه بشكل يومي، في الأمن البحري الذي يجب أن تضمنه عملية أسبيدس.
وطرحت عدة تساؤلات من سبيل، ماهية الصورة التي قد يتسبب فيها القرار الألماني لكل من الدفاع الأوروبي وكذلك للناتو؟ وهل أن الألمان لا يثقون بحلفائهم في المنطقة؟
من ناحية أخرى، لاحظت المجلة الإيطالية أن ذلك يتزامن مع قرار ألماني آخر بإغلاق جميع القنصليات الإيرانية الثلاث في البلاد ردا على إعدام طهران المعارض الإيراني الذي يحمل الجنسية الألمانية جمشيد شارمهد.
وألمحت إلى إمكانية أن يكون وراء قرار تجنب عبور البحر الأحمر خشية في برلين من أن تستخدم طهران وكلاء يمنيين للرد على أي استنكار ألماني لعملية الإعدام.
كما رجحت فرضية أن يكون خيار الألمان العبور عبر الطريق نحو الرجاء الصالح مرتبطا بضمان المزيد من القيمة الجيواقتصادية للموانئ الألمانية، لا سيما أن تجنب عبور البحر الأحمر يفقد البحر الأبيض المتوسط مركزيته بالكامل، على حد قولها.
خصوصا أن السفن التي تبحر بين أوروبا وآسيا في رحلة بحرية على طول السواحل الإفريقية، لا تدخل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط من جبل طارق، وإنما تستخدم موانئ شمال أوروبا وخاصة الموانئ الألمانية مثل هامبورغ أو فيلهلمسهافن أو الموانئ الهولندية.
ومن شأن ذلك أن يزيد من مركزية ألمانيا لتصبح المرفأ الرئيس للمحيط الأطلسي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأشارت المجلة في استنكارها للمخاوف الألمانية من عبور السفينتين البحر الأحمر إلى وجود فرقاطة "هامبورغ" في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وكذلك تمكن مجموعة حاملة الطائرات الإيطالية "كافور"، برفقة المدمرة "أندريا دوريا"، من العبور عبر قناة السويس وباب المندب منذ أيام قليلة عائدة إلى البحر الأبيض المتوسط بعد مهمة استمرت ستة أشهر في منطقة المحيطين الهندي الهادئ.
وبغض النظر عن الأسباب الفنية، نوهت المجلة إلى أن “القرار الألماني يسمح للحوثيين بتحقيق نجاح وهو أن يتحولوا من مليشيات غير منظمة ومسلحة من الحرس الثوري الإيراني، إلى جهة فاعلة قادرة على تعديل الخيارات العسكرية لقوة أوروبية والتأثير على الصعيد الجيواقتصادي بين أوروبا وآسيا”.
وأضافت أنه “يقدم نقطة إضافية للجماعة نحو تحولها إلى كيان حكومي معترف بها أيضا بالنظر إلى قدراته العسكرية”، حيث لاحظت أنه "كيان" قد اتخذ خياره بشأن أي صف سينحاز إليه في إطار الصدام بين النماذج (المنافسة بين الغرب وخصومهم)، على ضوء الحوار مع إيران وروسيا والصين.