للتغطية على جرائمها.. كيف قتلت إسرائيل عشرات الصحفيين في غزة بشكل عشوائي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

"قد يكون هذا آخر فيديو أنشره"، كلمات قالتها الصحفية ومقدمة البودكاست الفلسطينية آيات خضورة، في مقطع نشرته على منصة "إنستغرام" في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كان هذا واحدا من العديد من مقاطع الفيديو التي شاركتها خضورة مع مئات الآلاف من متابعيها على وسائل التواصل، حيث تتحدث عن العيش تحت القصف الإسرائيلي ومحاولة البقاء على قيد الحياة مع مياه وكهرباء محدودة.

وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وفي مقطع فيديو وصفته بأنه "رسالتها الأخيرة إلى العالم"، قالت: "لقد كانت لدينا أحلام كبيرة، لكن حلمنا الآن هو أن نقتل قطعة واحدة فقط حتى يعرف الناس من نحن".. وبعد أسبوع قتلتها غارة جوية إسرائيلية على منزلها في شمال غزة.

الصحفية آيات خضورة رحلت عن عالمنا في قصف إسرائيلي على منزلها شمال قطاع غزة#غزة_تستغيث pic.twitter.com/a1dLnCC7d3

— Khaled Kraizim (@khaledkraizim) November 20, 2023

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، أصبح الصحفيون ضمن الفئات الأكثر استهدافا حيث قتل العشرات منهم مع عائلاتهم وأصيب واعتقل آخرون.

أرقام قياسية

حتى 3 ديسمبر/كانون الأول 2023، قتلت قوات الاحتلال 73 صحفيا، بمعنى أن واحدا منهم على الأقل يقتل كل يوم في فلسطين منذ بداية العدوان، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وبذلك، تخطى عدد قتلى الصحفيين جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في أقل من شهرين، حصيلة قتلاهم خلال عدة حروب وصفت بأنها الأكثر دموية في التاريخ الحديث، بحسب إحصاء مؤسسات معنية رصدته وكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 4 ديسمبر 2023.

ويفوق عدد الصحفيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال في قطاع غزة خلال شهرين تقريبا، عدد الإعلاميين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحرب فيتنام (1955-1975) والحرب الكورية (1950-1953).

ووفقا لمؤسسة "منتدى الحرية"، مقرها واشنطن وتدافع عن حرية الصحافة، فقد 69 صحفيا حياتهم خلال 6 سنوات خلال الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر والمعروفة بأنها الحرب الأكثر دموية شهدها العالم الحديث.

كما فقد 63 صحفيا حياتهم في الحرب خلال الاحتلال الأميركي لفيتنام، الذي استمر قرابة 20 عاما، كما فقد 17 صحفيا حياتهم في الحرب الكورية التي استمرت 3 سنوات، وفق ما نقلت الأناضول عن "منتدى الحرية".

وكذلك، بحسب "لجنة حماية الصحفيين"، ومقرها نيويورك، فقد 17 صحفيا حياتهم خلال الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير/شباط 2022.

وتقول لجنة حماية الصحفيين إن "الشهر الأول من الحرب بين إسرائيل وغزة أصبح الآن الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ أن بدأنا بتوثيق مقتلهم عام 1992".

وبالمقارنة، قُتل ما مجموعه 68 صحفيا وعاملا في مجال الإعلام في جميع أنحاء العالم خلال عام 2022 بأكمله.

ويشمل هذا المجموع الوفيات الناجمة عن الصراعات في جميع أنحاء العالم، وتلك الناجمة عن مهام خطيرة وعمليات القتل المستهدف وتبادل إطلاق النار.

وتقول لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك، إن غالبية ضحايا الصحفيين في غزة منذ بداية الحرب قتلوا أثناء أداء عملهم.

أخذ الصحفيون في غزة على عاتقهم مسؤولية إخبار العالم بما يحدث، بينما يعانون أيضا من الخسائر الشخصية والمآسي خلال الحرب.

ويواجه الصحفيون في غزة مخاطر عالية بشكل خاص أثناء محاولتهم تغطية العدوان، بما في ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة وانقطاع الاتصالات ونقص الإمدادات وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

وقد أصبحت مهمتهم في جمع الأخبار أكثر صعوبة بسبب انقطاع الاتصالات في غزة، حيث انقطعت خطوط الهاتف والإنترنت بشكل دوري طوال فترة الحرب.

أسماء وأسباب

واستهدف جيش الاحتلال منزل المصور الصحفي بوكالة الأناضول علي جاد الله في غزة في 13 أكتوبر، ليفقد على إثره ما لا يقل عن 8 أفراد من أسرته بمن فيهم والده وإخوته.

وفي اليوم نفسه، فقد مصور وكالة رويترز البريطانية عصام عبد الله في لبنان حياته وأصيب 6 إعلاميين جراء استهدافهم من قبل قوات الاحتلال جنوبي البلاد.

كما استشهد عدد من أفراد أسرة مراسل قناة :الجزيرة" القطرية وائل الدحدوح جراء هجوم لجيش الاحتلال في 23 أكتوبر، فراح ضحيته زوجته وابنه وابنته وحفيده البالغ من العمر 18 شهرا.

وفي قصف استهدف مدينة خانيونس جنوبي القطاع في الأول من نوفمبر، استشهد مراسل تلفزيون فلسطين محمد أبو حطب و11 فردا من عائلته.

وأيضا في قصف إسرائيلي يوم الخامس من نوفمبر، فقد مصور الأناضول محمد العالول أبناءه الأربعة، وثلاثة من إخوته.

وفي 21 نوفمبر قتلت غارة جوية إسرائيلية في بلدة طيرحرفا مراسلة قناة "الميادين" فرح عمر، والمصور ربيع المعماري خلال متابعتهما التطورات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وفي نفس الشهر، استشهدت الصحفيتان آلاء طاهر الحسنات، وآيات خضورة جراء قصف إسرائيلي على غزة.

كما استشهد مدير رابطة بيت الصحافة بلال جاد الله، وهو من بين أكثر الصحفيين المرموقين في غزة، جراء قصف إسرائيلي بالدبابات في حي الزيتون خلال توجهه نحو جنوب غزة.

وبعد انتهاء "الهدنة الإنسانية" واستئناف جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة في الأول من ديسمبر، استشهد 3 صحفيين.

وكان من بينهم مصور وكالة "الأناضول" منتصر الصواف الذي فقد والدته ووالده والعديد من أقاربه في هجوم إسرائيلي سابق في 18 نوفمبر، وأصيب هو بجروح.

وإضافة إلى الصحفيين، دمر الاحتلال مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية وصحيفة الأيام وإذاعة غزة ووكالتي شهاب ومعا للأنباء، وقناتي برس تي في والعالم الإيرانيتين، كليا أو جزئيا.

وتقترن هذه الخسائر القاتلة بالمضايقات والاعتقالات وغيرها من عوائق التغطية الصحفية في غزة والضفة الغربية وغيرها.

وأعلن اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، خلال بيان في 28 نوفمبر، اعتقال 41 صحفيا منذ 7 أكتوبر، ولم يطلق سراح سوى 12 منهم لاحقا بعد فترات اعتقال مختلفة.

وبحسب الاتحاد، فإن 44 صحفيا فلسطينيا يقبعون بشكل عام في سجون الاحتلال الإسرائيلي. 

ومنذ السابع من أكتوبر، حاول الاحتلال السيطرة على الرواية العالمية بكم هائل من المعلومات المضللة التي تهدف إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير جرائمه بحقهم في قطاع غزة.

وركز في ذلك على الادعاء بأن حماس بنت أنفاقا تحت المستشفيات والمدارس كما فبرك العديد من الفيديوهات مما أفقده التضامن العالمي الواسع بعد عملية 7 أكتوبر.

وعن ذلك، قالت مجلة "ذا نيشن" الأميركية إن "الدعاية الإسرائيلية كانت سيئة للغاية ومثيرة للشفقة، ومن الصعب للغاية استعادة أي مصداقية على الإطلاق لدى الشعوب في الولايات المتحدة وأوروبا" بعدما تبين كذبها.

وبينت في 17 نوفمبر، أن تتالي الأكاذيب يضع إسرائيل أمام مفارقة صعبة وهي أنهم "قد يجدون شيئا ما (كالأنفاق تحت المستشفيات) ولن يصدقهم أحد، في هذه المرحلة تُطلق النار على مصداقيتهم".

وبفعل انهيار صدقية الرواية، يقدر فلسطينيون أن الاحتلال يلجأ في عملية بديلة لاستهداف الصحفيين والتضييق على عملهم لكشف جرائمه. 

عمل تحت النار

ويأتي استهداف قوات الاحتلال للصحفيين رغم أنهم يتمتعون بالحصانة بموجب القوانين الدولية، ويسعون إلى إيصال جرائم الحرب وهجمات الإبادة الجماعية في غزة إلى العالم.

ويواصل الجيش الإسرائيلي، استهداف المدنيين والصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، رغم أن الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين يعد جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.

وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود في تحقيقاتها تعمد القوات الإسرائيلية استهداف الصحفيين رغم وضعهم إشارة "صحافة" على ملابسهم.

وقد شجب المدافعون عن حرية الصحافة أن الصحفيين، حتى عندما يتم تصنيفهم بشكل واضح على أنهم صحفيون، يكونون من بين الضحايا في غزة.

وتشير بعض المعطيات إلى تعمد الاحتلال استهدافهم، فعلى سبيل المثال، رفض الصحفي المتعاون مع قناة الجزيرة أنس الشريف الخروج من شمال قطاع غزة عندما بدأت موجات النزوح القسري إلى الجنوب بفعل القصف الواسع.

وطلب جيش الاحتلال منذ بداية التوغل البري من الفلسطينيين التوجه إلى جنوب وادي غزة، وتزامنا مع ذلك بدأ بشن هجمات من البر والبحر والجو على المناطق الشمالية.

وكشف الصحفي أنس الشريف عن تلقيه تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع، مؤكدا أنه لن يستجيب لهذه التهديدات وسيواصل تغطيته الصحفية.

الصحفي أنس الشريف يكشف عن تلقيه تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع، ويؤكد أنه لن يستجيب لهذه التهديدات وسيواصل تغطيته الصحفية#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/z60rqZruFj

— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 23, 2023

وخلال العدوان، حرضت وسائل إعلام عبرية على الصحفيين والناشطين وكان من بينهم الصحفي حسن اصليح والناشط صالح الجعفراوي بسبب نشاطهم في كشف جرائم الاحتلال.

In the hours following our expose, new material is still coming to light concerning Gazan freelance journalist Hassan Eslaiah whom both AP & CNN used on Oct. 7.

Here he is pictured with Hamas leader and mastermind of the Oct. 7 massacre, Yahya Sinwar. https://t.co/S9pXeIGaFq pic.twitter.com/RmEZU5RsM8

— HonestReporting (@HonestReporting) November 8, 2023

وفي 9 نوفمبر، غرد الممثل الدائم السابق لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، عضو الكنيست الإسرائيلي الحالي على موقع إكس بالقول: "أعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أنه سيقضي على جميع المشاركين في مجزرة 7 أكتوبر، وسيتم إضافة المصورين الصحفيين الذين شاركوا في تسجيل الاعتداء إلى تلك القائمة".

Israel's internal security agency announced that they will eliminate all participants of the October 7 massacre.

The "photojournalists" who took part in recording the assault will be added to that list.

— Danny Danon ���� דני דנון (@dannydanon) November 9, 2023

ويقول الصحفي الفلسطيني ياسر محمد لـ"الاستقلال" إن "سبب ارتفاع أعداد القتلى من الصحفيين خلال العدوان أنهم قتلوا في سياق المجازر العشوائية والمنظمة على حد سواء".

وأردف أن "قصف الاحتلال مربعات سكنية بالكامل أدى إلى استشهاد صحفيين كانوا في داخلها، وهذا يمكن أن نصنفه ضمن المجازر العشوائية التي تطال الجميع".

لكن ذلك لا يعني عدم تعمد الاحتلال قتل صحفيين آخرين، وفق تقديره، وضرب مثالا على ذلك باستهداف الطائرات الإسرائيلية خيمة الصحفيين في مستشفى "الشفاء".

وأكد محمد أن الاحتلال ركز في استهدافه على بعض الصحفيين النشطين مثل العاملين في قناة الجزيرة، حيث قصف منزل مراسلها في غزة وائل الدحدوح بشكل متعمد، كما هدد الصحفي العامل في شمال القطاع أنس الشريف.

الكلمات المفتاحية