التضخم والفائدة.. شبحان يطاردان القارة العجوز من صنيعة “المركزي الأوروبي”
"لا يوجد أي نمو تقريبا في منطقة اليورو منذ عامين تقريبا"
يواجه البنك المركزي الأوروبي انتقادات حادة فيما يخص تعامله مع التضخم وأسعار الفائدة، مما يعرض القارة العجوز بكاملها لأخطار جيوسياسية كبيرة.
ويرى موقع "أتلانتيكو" الفرنسي أن سياسة البنك المركزي الأوروبي تشكل تهديدا لأوروبا، منتقدا إستراتيجيته في مواجهة التضخم داخل القارة.
وتساءل: "ألا يؤدي تأجيل البنك المركزي الأوروبي لخفض أسعار الفائدة في حين يتراجع التضخم إلى الإضرار بقدرة أوروبا على الاستثمار في قدرتها الجيوسياسية؟
كما تساءل عما إذا كان ينبغي للبنك المركزي الأوروبي أن يتحرك قبل العودة المحتملة لدونالد ترامب لسد الرئاسة الأميركية.
الميزانيات الدفاعية
ويطرح الموقع الفرنسي عدة أسئلة حول إستراتيجيات البنك المركزي الأوروبي في خضم التضخم الحالي.
ويلفت التساؤل الأول إلى "تأجيل البنك المركزي الأوروبي لخفض أسعار الفائدة في حين أن التضخم يتراجع، وهو ما يضر بقدرة أوروبا على الاستثمار الجيوسياسي".
وبهذا الشأن، يقول الموقع إن "أزمة الائتمان والعقارات والأزمة الصناعية استمرت لفترة أطول من المتوقع، مما أدى إلى محدودية النمو في أوروبا".
ولفت إلى أن "أوروبا الآن في الشهر الثالث والعشرين من الركود الصناعي". ومن وجهة نظر الموقع، "يرتبط هذا بشكل كبير بسياسة رفع أسعار الفائدة".
وعزا كونه عاملا مهما لأنه يعيق النمو ويقلل من فرص النمو خلال الأشهر العشرة القادمة.
وبين أن "كل شهر يمر وسعر الفائدة على الودائع يقف عند 4 بالمئة يؤدي إلى مشكلات وتشوهات مالية، مما يشكل مخاطر على النظام بأكمله".
وعلى جانب آخر، يشير الموقع إلى أن هذا الركود "يقيد من الاستثمارات الأوروبية الخضراء أو الاستثمارات الجيوسياسية في أوكرانيا".
وعلى الصعيد الكلي، يبرز "أتلانتيكو" أن "رفع أسعار الفائدة يلحق بالفعل ضررا كبيرا في أوروبا، حيث لا يوجد أي نمو تقريبا في منطقة اليورو منذ عامين تقريبا".
وفي حديثه عن التمويل الدفاعي، يقول الموقع الفرنسي إن "الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة للغاية هو العقبة الرئيسة التي تمنع الدول الأوروبية من استثمار الأموال في مجال الدفاع".
ومن جهة أخرى، يرى أن السبب يكمن في أن "أوروبا ليست متأكدة من قدرتها على الفوز عسكريا على الجبهة الأوكرانية، كما أنها لا ترغب في مراجعة المالية العامة، مما سيسمح لها بتوفير 20 أو 30 أو 40 مليارا إضافية لأوكرانيا".
وفي هذا الصدد، يوضح الموقع أنه "في فرنسا، هناك 1100 مليار يورو سنويا للنفقات العامة، مما يسمح لها بإيجاد مساحة للمناورة بقيمة 20 أو 30 مليارا إذا بذلت جهودا صغيرة لتحسين الإنتاجية".
ولكن رغم ذلك، تكمن المشكلة في أن "فرنسا لا ترغب حقا في زيادة ميزانية الدفاع، لذلك تتحجج بأن أسعار الفائدة مرتفعة للغاية".
منظمة منغلقة
ويوضح أن "معاهدة الاتحاد الأوروبي تتمتع بمرونة كافية، فهي لم تمنع تطبيق أسعار الفائدة السلبية، ولن تمنع انخفاضا كبيرا في قيمة اليورو".
وبحسب الموقع، فإن "الدفاع عن روح المعاهدة يتم بشكل أساسي من خلال الخطط الألمانية، والتي يمكن تعديلها من خلال بعض التسويات، كما حدث خلال العقود الماضية".
ولذلك، يعتقد أن “المشكلة الحقيقية ليست قانونية تماما، وأن ما يحدد حقا نطاق تفويض البنك المركزي الأوروبي هو البنك نفسه”.
وفي هذا السياق، يقول الموقع إنه "لسوء الحظ، تُتخذ جميع القرارات في فرانكفورت، حيث لم يعد السياسيون هم من يتولون هذه الأمور، بل يفسر البنك المركزي الأوروبي ويحدد كيفية تحقيق التضخم المستهدف بنسبة 2 بالمئة".
ولأن البنك المركزي الأوروبي هو منظمة سرية للغاية تتكون من أفراد من عائلة واحدة وتقدم توقعاتها الخاصة ضد آراء اقتصادييها أحيانا، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في أنه "لا يوجد توازن للقوى أو خبرة مضادة".
ضرورة الاستقلالية
ومع اقتراب الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يتساءل الموقع: "هل يجب على البنك المركزي الأوروبي اتخاذ إجراءات قبل عودة ترامب المحتملة؟ وهل يمكن أن تُدعم طموحات أوروبا في مجال الطاقة والأمن من خلال خفض أسعار الفائدة؟".
وهنا يوضح أن "أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها إذا رغبت في ذلك"، لافتا إلى أن هذا "يتطلب التزاما جادا من جانب الدول".
ويعتقد "أتلانتيكو" أن أوروبا إذا أرادت بالفعل تطوير قوات الدفاع على مستوى البلدان أو مجموعة من الدول الأوروبية الطموحة، فيمكنها فعل بذلك بسعر فائدة 1 أو 3 أو 5 بالمئة.
وفي رأيه، من شأن البنك المركزي الأوروبي المساعدة في جعل المعادلة المالية أكثر استدامة ومصداقية، وهو ما سيتيح لأوروبا تخصيص ميزانية للدفاع.
وبشأن التطوير الدفاعي، يرى الموقع الفرنسي أنهم اليوم بحاجة إلى تطوير الذخائر أكثر بكثير من تطوير أنظمة أسلحة جديدة.
فعلى سبيل المثال، في ساحة المعركة الأوكرانية الحالية، لا تحتاج أوروبا تطوير طائرات إف 35 أو رافال، التي تكلف 200 مليون دولار لكل وحدة، بل تحتاج إلى طائرات بدون طيار بقيمة 500 ألف دولار.
وهنا، يسلط الموقع الضوء على المشكلة الحقيقية المتمثلة في "نقص القوى البشرية"، حيث يتفوق عدد القوات الروسية على نظيرتها الأوكرانية بأربعة أضعاف.
ولذلك، فإن أفضل طريقة لتعزيز ميزانية الدفاع الأوروبية اليوم هي الردع وتوفير المخزون وتقليل الاعتماد على الأميركيين، وفق ما يراه الموقع.
وبشكل خاص، يقول إن فرنسا "تحتاج إلى جيش قادر على تخزين ذخائر كافية لعدة أشهر من الحرب التقليدية، وهو ما ليس موجودا اليوم، حيث لا يمتلك الجيش الفرنسي سوى بضعة أيام من الاحتياطيات".
ومن عجيب المفارقات أن "فرنسا يجب عليها توخي الحذر من الحليف الأميركي مثلما تتخوف من العدو الروسي".
وفي هذا الصدد، يشدد الموقع على "أهمية إعادة التسلح، ليس ضد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الذي مازال بعيدا عن حدود فرنسا، ولكن بشكل أساسي لأن الضمانات الأميركية لم تعد مضمونة".