ثورة بنغلاديش.. كيف تضررت الهند من سقوط حكم الديكتاتورة حسينة؟

12

طباعة

مشاركة

وقفت الهند الهندوسية بكل قوة مع بنغلاديش خلال استقلالها، وتدشين أسرة مؤسسها "مجيب الرحمن" وابنته الشيخة حسينة، حكما علمانيا في البلاد، واستفادت نيودلهي من ذلك سياسيا وإستراتيجيا واقتصاديا وأمنيا.

لذا جاء انهيار حكم حسينة، بثورة شعبية، وفرارها إلى الهند في 5 أغسطس/آب 2024 مؤشرا على تقلص نفوذ نيودلهي أيضا في بنغلاديش، خاصة مع عودة نشاط قوى سياسية معادية لها مثل الحزب الوطني والجماعة الإسلامية.

دفع هذا الهند لتنفيذ حملة لإجهاض الثورة، وإعادة الشيخة حسينة لبلادها عبر دعم حزبها (عوامي) العلماني، فضلا عن بث أكاذيب عن اضطهاد وقتل المسلمين للهندوس في بنغلاديش.

ويقول محللون هنود إن الهند في طريقها إلى خسارة بنغلاديش، لأن الثورة هناك ليست ضد نظام حسينة واجد فقط، بل ضد حليفها الرئيس كذلك وهو النظام الهندوسي في نيودلهي.

يخشون أن يزيد هذا من تقارب بنغلاديش مع باكستان والصين على حساب الهند، ما يعني تغييرا في ميزان القوى في هذه المنطقة الآسيوية الحيوية.

كيف تضررت؟

لخصت صحف هندية وبنغالية ووكالة الأنباء الفرنسية 15 أغسطس الضرر الذي سيقع على الهند، بأنه أضرار سياسية واقتصادية وأمنية.

قالت إن الهند “أفرطت في الاستثمار في حسينة وقللت من الاستثمار في بنغلاديش”.

لذا من الطبيعي أن تشعر بالذعر بعدما ربطت نفسها بنظام ديكتاتوري وحزب علماني واحد مكروه بدل أن تربط مصالحها بالشعب.

وقال خبراء لوكالة الأنباء الفرنسية إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة تجاهلا لفترة طويلة التراجع الديمقراطي وحقوق الإنسان في بلديهما من أجل إقامة علاقات وثيقة.

وتتمثل خسائر نيودلهي سياسيا في تحسن العلاقات بين بنغلاديش وكلا من باكستان والصين، وذلك على حساب الهند التي ظلت تحمي النظام القمعي برغم ادعائها أنها دولة ديمقراطية.

وكتبت صحيفة "إنديان إكسبرس" أن "على نيودلهي الآن أن تتحرك للحد من الأضرار وحماية مصالحها"، موضحة أن هذا "قد ينطوي على بعض النكسات على المدى القريب".

ويقول الأكاديمي بجامعة الفنون الليبرالية سليم الله خان، إن مشكلة بنغلاديش تتمثل في الهند التي ظلت تدعم أنظمة قمعية.

وتابع في مقال بصحيفة "ديلي ستار" 8 أغسطس 2024: إن من مصلحة الهند تعزيز الديمقراطية الجديدة في بنغلاديش وعدم عرقلة التطلعات الديمقراطية لجيل جديد في جوارها الشرقي.

وتدور منافسة شرسة بين الهند والصين، الدولتين الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، على النفوذ الإستراتيجي في جميع أنحاء جنوب آسيا، بما في ذلك نيبال وسريلانكا وجزر المالديف.

أما خسائر الهند الاقتصادية فتتمثل في توقف عشرات المشاريع التي أبرمتها مع حكومة حسينة وانسحاب شركات هندية من بنغلاديش.

والخسارة الأكبر سياسيا وأمنيا هي توقف بنغلاديش عن مطاردة الجماعات الإسلامية في البلاد.

 وأيضا توقف مطاردتها لجماعات إسلامية هندية تكافح عبر الحدود للاستقلال عن الهند مثل كشمير وغيرها.

إذ أثارت الإطاحة بالشيخة حسينة حالة من القلق في الهند التي دعمتها بهدف التصدي لنفوذ الخصم الصيني ومنع ظهور بدائل إسلامية، كما يقول محللون.

وأوضح رئيس معهد السياسة والدعوة في الهند "سيد منير لاركو"، خلال مقال بصحيفة "ذا هندو" 18 أغسطس/آب 2024 أنه مع هروب وانهيار حكم حسينة، حانت ساعة الحساب في نيودلهي.

قال إن السياسة التي انتهجتها نيودلهي بغض الطرف عن ممارسة حسينة القمعية والفساد جعل شعب بنغلاديش ينظر إلى الهند بصفتها متحالفة مع حزب معين (عوامي) وشخص واحد، فصب غضبه عليها.

أكد أن هذا يمثل تحديًا للدبلوماسية الهندية والحاجة لفهم أكثر للأوضاع السياسية والاجتماعية في بنغلاديش.

وخاصة أن صحفا وسياسيين هندوسا تباروا في طرح تفسيرات مضللة لثورة الطلاب بأنها مدفوعة من "قوى خارجية" خاصة باكستان، خصم الهند التقليدي.

قال إنه بالنسبة للهند، فإن الدرس المستفاد هو أهمية التعامل مع شعب بنغلاديش لا حاكم أو حزب واحد.

أشار إلى تضرر العلاقات أكثر بسبب كمية الأكاذيب التي روجتها صحف هندية وسياسيون من الحزب الحاكم في الهند، حول اضطهاد الأقليات الهندوسية في بنغلاديش والتي ثبت أنها أخبار كاذبة وفق عدة مصادر منها موقع بي بي سي البريطاني.

وبين أنه على العكس، عمل المسلمون على حراسة المعابد الهندوسية والكنائس في بنغلاديش، في وقت يتعرضون للاضطهاد في الهند.

الأمر ذاته أكده "همايون كبيران" وهو محلل سياسي بنغلاديشي يحمل الجنسية البريطانية بالقول إن الهند ركزت على التعاون مع حسينة فقط وحزبها عوامي وتركت مظالم الشعب، لذا فهي تخسر حاليا.

وأوضح كبيران وهو الرئيس التنفيذي لـ "معهد بنغلاديش إنتربرايز" لوكالة "بي تي أي" أن الهند ستستفيد إذا دعمت الحكومة الانتقالية الحالية في البلاد وتحركت لبناء وإصلاح العلاقات مع دكا، حسبما نقل موقع "ذا هندو" الهندي 18 أغسطس 2024.

المرحلة القادمة

لكن هناك شكوكا فيما يخص تغيير الهند لسياستها، حيث تستمر في استضافة الشيخة حسينة التي تأمل بالعودة لحكم البلاد.

ومنذ وصولها إلى قاعدة جوية عسكرية بالقرب من نيودلهي، تم استضافتها في منزل آمن سري ولم تتحدث علنا.

لكن ابنها قال إنها ستعود وتشارك في الانتخابات المقبلة ما سبب استفزازا شعبيا ضد محاولات الهند إعادتها.

وقال نجلها "سجيب وازد جوي"، لصحيفة "تايمز أوف إنديا" إن والدته لا تزال تأمل في الترشح لمنصب سياسي، وقال: "ستعود إلى بنغلاديش في اللحظة التي تقرر فيها الحكومة المؤقتة إجراء انتخابات".

وحين سئل المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية راندهير جايسوال حول إمكانية سعي بنغلاديش لطلب تسليم حسينة من الهند لرفع قضايا قتل ضدها، قال “ليس من عاداتنا الإجابة على أسئلة افتراضية في هذه المرحلة”.

وحاول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن يعيد التعاون بين البلدين عبر تقدمه "أطيب تمنياته" لرئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش محمد يونس.

لكنه حاول الضغط عليه بإثارة مزاعم اضطهاد المسلمين للهندوس البنغال عقب الثورة.

وأكد له "يونس" أن الحكومة المؤقتة "ستعطي الأولوية لحماية وسلامة وأمن الهندوس وجميع الأقليات في بنغلاديش".

ويرى رئيس معهد دراسات السلام (BIPSS)، اللواء المتقاعد "منير الزمان"، أنه يجب على الهند "إعادة بناء المصالح على أساس الثقة المتبادلة" والتوقف عن ربط مصالحها بحزب واحد في بنغلاديش كما كانت تفعل.

وتوقع تقرير لشبكة التلفزيون الهندية "سي إن إن نيوز 18" في 6 أغسطس أن تنشب أزمة في بنغلاديش مع الهند.

وأشار إلى "مخاوف كبيرة في الهند" حال تولت رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة خالدة ضياء أو حزب الجماعة الإسلامية السلطة.

تساءل: هل يواصل النظام الجديد سياسة الشيخة حسينة في الحفاظ على العلاقات مع الهند والتعاون معها على الجبهة الإستراتيجية والأمنية الأوسع؟

وأجاب الموقع "التاريخ يخبرنا أن الزعماء والحزب الذي يوشك على تولي السلطة في بنغلاديش لديهم سجل مشوه، شوهه دعمهم لعناصر معادية للهند، وربما يعود أحد هؤلاء الزعماء إلى الساحة السياسية السائدة"، في إشارة لخالدة ضياء.

وتزايد التعاون الأمني ​​والدفاعي بين دكا ونيودلهي، خاصة في ولايات شمال شرق الهند التي تشهد أعمال مقاومة من جانب حركات إسلامية على الحدود مع بنغلاديش.

كما زادت التجارة الثنائية، حيث أبرمت الشركات الهندية صفقات كبرى، مثل صفقة الفحم بين حكومة حسينة ومجموعة أداني، بقيادة قطب الأعمال الهندي الملياردير غوتام أداني، الذي ارتبط صعوده ارتباطا وثيقا بصعود مودي.

وقبل أسابيع قليلة من هروبها، طُلب من حسينة التعليق على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهمها بـ "بيع بنغلاديش" لنيودلهي خلال زيارتها الرسمية للهند في الفترة من 21 إلى 22 يونيو/حزيران 2024.

وقد رفضت رئيسة وزراء بنغلاديش "هذا الادعاء"، وقالت بحدة: "الشيخة حسينة لا تبيع هذا البلد".

وعلى الرغم من الغضب المتزايد في بنغلاديش إزاء موقف مودي المناهض للمسلمين، فقد حافظت حسينة على علاقة عمل وثيقة مع حكومة نيودلهي الهندوسية المتطرفة. 

ورغم تصاعد خطابات حزب بهاراتيا جاناتا المناهضة للمسلمين والمهاجرين البنغلاديشيين قبل الانتخابات الهندية في عامي 2019 و2024، ظلت "المرأة الحديدية" في بنغلاديش صامتة، مؤكدة أن الأمر "مسألة داخلية" هندية، ما زاد الغضب الشعبي ضدها.

مظاهر توتر

حين تمت إزاحة حسينة عن السلطة، كررت الهند أخطاءها في اتهام الثوار بأنهم مدفوعون وممولون من المخابرات الباكستانية، وبدأت تصرخ وتحذر من تعرض سلامة الأقلية الهندوسية في بنغلاديش للخطر، مع أن هذه أكاذيب ثبت عدم صحتها.

مواقع التواصل الاجتماعي وصحف وقنوات تلفزيونية هندية روجت لتقارير كاذبة عن هجمات على معابد وشركات هندوسية، على نطاق واسع، ما أغضب البنغال الذين كذبوا ذلك.

ثبت أن ما نشرته اللجان الهندية وحزب بهاراتيا المتطرف عن استهداف المعابد الهندوسية أو أن ما جرى "انقلاب" دعمته باكستان للقضاء على نفوذ الهند "مجرد أكاذيب"، وفق صحف بنغالية.

وزعمت المتحدثة باسم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندي "شويتا شاليني"، أن الهندوس في بنغلاديش، ونسبتهم 7 بالمئة، "يتعرضون لتهديد واضح".

ودفع هذا حشودا من الهندوس للاعتداء على المسلمين الهنود وإضرام النار في منازلهم انتقاما من نجاح الثورة في بنغلاديش وسقوط الديكتاتورة حسينة.

لكن الأمين العام للحزب الوطني الهندوسي في بنغلاديش جوبيندا برامانيك، نفى أكاذيب الهند عن اعتداء المسلمين أو أنصار المعارضة (الحزب الوطني والجماعة الإسلامية) على المعابد الهندوسية.

أكد أن "زعماء الحزب الوطني البنغلاديشي والجماعة الإسلامية أصدروا تعليمات إلى مسؤوليهم بضمان عدم مهاجمة منازل الهندوس وحماية المعابد، ولم تقع أي حادثة هجوم عليهم".

كما زعم مجلس الوحدة الهندوسية البوذية المسيحية في بنغلاديش، وقوع ما لا يقل عن 200 هجوم ضد الهندوس والأقليات الدينية الأخرى في البلاد.

لكن الثوار قالوا إن الهجمات لم تكن طائفية وإنما طالت المتعاونين مع حكم الديكتاتورة حسينة.

وتحدثت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 14 أغسطس 2024 عن دور "الطلاب البلطجية" من "رابطة تشاترا"، التابعين للحزب الحاكم (عوامي)، في قمع الطلاب المحتجين بعنف بالغ، ومن ثم انتقام الطلاب منهم لاحقا.

وقد أكد الباحث في "معهد بنغلاديش لدراسات السلام والأمن" في دكا شفقت منير، لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الحديث عن استهداف الهندوس "تضليل".

أوضح أن هذه ثورة جميع البنغلاديشيين، بغض النظر عن المعتقدات التي يعتنقونها، ولم يتم استهداف أي مجموعة أو فرد معين بسبب معتقداته، وإنما لما فعله من قمع وقتل للثوار.

وفور عودته وتوليه الحكومة حرص محمد يونس على لقاء أعضاء المجتمع الهندوسي في معبد دكيشواري الوطني، وهو أكبر مزار هندوسي في البلاد، ليؤكد على ضمان المساواة في الحقوق والحماية لجميع المواطنين البنغلاديشيين.