خطر داهم.. كيف تحاول إسرائيل التغلغل في قطاع الصحة بالمغرب؟
إسرائيل هي الرابح الوحيد من التطبيع مع المغرب
لا تزال أصوات المغاربة ترتفع باستمرار ودون كلل للمطالبة بإيقاف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والتنبه إلى مخاطر تغلغله في مؤسسات الدولة وقطاعاتها الحكومية.
وفي هذا الصدد، أصدرت التنسيقية المغربية "أطباء من أجل فلسطين"، و"حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS"، تحذيرات مما وصفته بـ "التغول الإسرائيلي في الميدان الصحي بالمغرب".
ووفق صحيفة "صوت المغرب" الإلكترونية، 19 مايو/أيار 2024، طالبت التنسيقية والحركة "شركات الأدوية المغربية بوقف التعاون مع نظيرتها الإسرائيلية".
كما دعا البيان المشترك، المواطنين المغاربة للتخلي عن الأدوية الإسرائيلية والتي قالت إن لها بدائل محلية.
وبين أنه في الوقت الذي يمعن الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بغزة ويتسبب بانتشار الأمراض والأوبئة ويحرم الغزيين من أبسط الأدوية اللازمة للاستشفاء والعلاج، فإن الأبواب بالمقابل مفتوحة على مصراعيها للشراكات مع شركات الأدوية الإسرائيلية في الأسواق المغربية.
وذكر بأن على رأس هذه الشراكات صفقة توزيع تجمع شركة "تيفا" الإسرائيلية بالشركة المغربية "كوبر فارما" منذ ديسمبر/كانون أول 2021.
وهو ما ورد في حوار نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية مع الرئيس التنفيذي والمدير العام لشركة "كوبر فارما".
وأفادت الصحيفة، على لسان الرئيس التنفيذي لشركة "كوبر فارما" المغربية، بأن هذه الأخيرة تتطلع إلى المزيد من التعاون مع الشركات الإسرائيلية، للمشاركة في تطوير منتجات التكنولوجيا الحيوية المبتكرة للتشخيص والعلاجات.
وكان المغرب قد وقع في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 على اتفاق ثلاثي جمع الرباط وواشنطن وتل أبيب، قضى بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
ويرى مراقبون أن إسرائيل هي الرابح الوحيد من هذا التطبيع، سياسيا واقتصاديا وإستراتيجيا، إذ أتاح لها فرصة كبيرة للتغلغل في مختلف المجالات والمؤسسات الحيوية بالبلاد.
تمويل الصهاينة
وبالعودة إلى "تيفا"، فهي شركة عملاقة على المستوى العالمي، متخصصة في إنتاج الأدوية الجنسية (المكافئة أو المماثلة) ومكانتها في الاقتصاد الإسرائيلي كبيرة، حيث تعد من أكبر الشركات المدرجة في البورصة الإسرائيلية.
لكن يقول مناهضو التطبيع المغاربة إن الشركة تضخ أموالا كبيرة في الميزانية العامة، وتسهم هكذا بشكل مهم في تمويل الآلة العسكرية الإسرائيلية.
ونددوا بفتح أبواب أسواق المغرب على مصراعيها في كثير من المجالات ومن بينها المجال الصحي لإسرائيل، مطالبين شركة "كوبر فارما" بوضع حد لاتفاقياتها مع "تيفا" الإسرائيلية ومع غيرها من المؤسسات الإسرائيلية.
كما طالبت الهيئتان بمقاطعة الأدوية ذات الصلة بالشركات الإسرائيلية، وتكثيف الضغط على نظيرتها المغربية المتواطئة من أجل قطع جميع العلاقات بها.
وكرروا أن الأدوية ذات الصلة بالشركات الإسرائيلية لها بدائل يكفي لمعرفتها واستعمالها استشارة الطبيب والصيدلاني.
وفي تعليقه على هذا الوضع، قال الكاتب الوطني للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، إن ما يجرى في المجال الصحي هو واحد من أوجه الاختراق التطبيعي للمغرب، واصفا إياه بـ"الخطير جدا".
وذكر هناوي لـ "الاستقلال" أن هذا النوع من التطبيع يضاف إلى الأشكال الأخرى القائمة، على المستوى الثقافي والدبلوماسي والعسكري والأمني والاقتصادي، بل وأيضا التعليمي.
وأبرز المتحدث ذاته، أن هذا التطبيع، بما فيه في المجال الصحي، تزايد بصورة كبيرة منذ إعلان الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي سنة 2020.
كما ارتفع بعد اتفاقية الشراكة والتعاون الموقعة بين وزارتي الصحة المغربية والإسرائيلية.
وبين أن هناك شركة تقودها إسرائيلية معروفة بتجارة السلاح دخلت للمغرب لبناء خمس مؤسسات استشفائية، على مستوى جهات الداخلة - وادي الذهب، فاس ومكناس، درعة تافيلالت، جهة الشرق وجهة مراكش آسفي.
واسترسل: "كما رصدنا تغلغل شركات أدوية وصناعات دوائية في السوق المغربية، إذ نتوصل بمعلومات ومعطيات من أطباء ومختصين، ونحن الآن بصدد تجميعها وفحصها لبناء أشكال الرد عليها ومجابهتها".
ودعا هناوي الشركات المغربية إلى عدم التعامل مع نظيرتها الصهيونية، "دفعا عن نفسها هذا العار الذي لا يمحى، خاصة في ظل الإجرام الصهيوني الذي نراه بفلسطين عامة، وبغزة خاصة".
وتابع، "فضلا عن كون التغلغل الإسرائيلي في المجال الصحي بالمغرب هو تهديد مباشر للأمن الإستراتيجي للبلاد".
كما دعا المتحدث ذاته، العاملين في القطاع، إلى "الإسهام بتوعية المواطنين بهذه الشركات، وأسمائها، وعلاماتها التجارية، بغية تشجعيهم على مقاطعتها ومنعها من دخول أسواقنا الوطنية".
اتفاق رسمي
وسبق لوزارة الصحة المغربية، أن أعلنت عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، خبر توقيع وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت طالب، ونظيره الإسرائيلي السابق موشيه أربيل، في 16 يونيو/حزيران 2023 بالرباط، على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في المجال الصحي.
وأشارت الوزارة في منشورها إلى أن مقتضيات هذه المذكرة تشمل تبادل الخبرات والممارسات الفضلى في مجال الابتكار الطبي والتكنولوجي، ومكافحة الأمراض غير السارية، وتنسيق التعاون بشأن الاستجابة للأوبئة والتأهب لها ومحاربتها.
واسترسلت، "فضلا عن العمل بشكل مشترك لتعزيز جهود التخطيط الإستراتيجي للأنظمة الصحية، مع التركيز على البنية التحتية للمستشفيات والقدرات التشغيلية".
وفي تفاعلها مع هذا الإعلان بذلك الوقت، قالت القيادية اليسارية نبيلة منيب، إن "تغول إسرائيل في المغرب بعد التطبيع، يشكل خطرا على الأمن الصحي بعد تولي شركات إسرائيلية تنفيذ مشاريع لها علاقة بصحة المغاربة".
وأضافت أن "التطبيع مع الكيان انطلق منذ عقود، عبر التعاون مع جهاز المخابرات (الخارجي) الموساد لنقل مغاربة يهود إلى فلسطين لاحتلال أراضيها واعتناق العقيدة الصهيونية".
واسترسلت، “واليوم وصل الأمر إلى مجالات حيوية كاستغلال الغاز المكتشف في المغرب من شركة إسرائيلية تملك منه 75 بالمئة”.
ولفتت إلى أنه "غدا ستكون محطات تحلية مياه البحر تحت رقابة الكيان الصهيوني"، مضيفة: "إننا نخشى على الأمن الصحي لكل المغاربة".
إسقاط التطبيع
وجددت النائبة البرلمانية باسم الحزب الاشتراكي الموحد موقفها المناهض للتطبيع مع إسرائيل، وترى أنه امتد إلى جميع المجالات، بما في ذلك المجال التربوي عبر تزوير الحقائق التاريخية في الكتب المدرسية التي تتكلم عن الثقافة اليهودية، وأن المكون اليهودي يجب أن يكون ذا أولوية.
وأوضحت أن التطبيع مع إسرائيل “خيانة كبرى لحاضر ومستقبل كل الشعوب العربية والمغاربية، وأنه لا يشكل خطرا على الوضع الداخلي للمغرب فحسب”.
"بل يهدد بتقويض أمنه الخارجي أيضا عبر محاولة جر المملكة إلى حرب مع أشقائنا الجزائريين"، مشيرة إلى أن حزبها يرفض الاتفاقية المشؤومة الموقعة سنة 2020.
وأردفت بالقول "القضية الفلسطينية تظل على رأس القضايا العادلة التي تتطلب استمرار اليقظة والدعم، مع ضرورة رفض أشكال التطبيع كافة.. فنحن لسنا بحاجة لاتفاقية نفاق وخداع".
ودعت في السياق إلى تقوية العمل وتكثيف الجهود من أجل رفع الحجر عن العقول التي ركنت إلى الاستسلام، واستعمال وسائل الإعلام والتواصل لتفكيك الأكاذيب ومواصلة التأكيد على أن الشعب المغربي يرفض التطبيع، وابتكار أشكال جديدة لمقاومته.
وارتفعت أصوات العاملين في القطاع للمطالبة بإسقاط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في كل المجالات، ومنها الصحي.
وفي هذا الصدد، أطلقت التنسيقية الوطنية "أطباء من أجل فلسطين" في أبريل/نيسان 2024، عريضة للمطالبة بإسقاط التطبيع.
وأوضحت أنها تأتي "تضامنا مع الأبرياء في غزة، وتنديدا بالجرائم الوحشية التي يقترفها الاحتلال في حق المستشفيات والطواقم الصحية، وفي حق المدنيين العزل بالقطاع المحاصر".
بدوره، أوضح أستاذ الطب الشرعي والمتحدث باسم التنسيقية الوطنية لـ "أطباء من أجل فلسطين"، أحمد بلحوس، أن "توجيه هذه العريضة جاء في سياق قصف المستشفيات والمراكز الطبية بغزة من طرف غارات الاحتلال، إضافة إلى الاعتقالات التي تطال الكوادر الطبية".
وأضاف بلحوس في تصريح صحفي بالمناسبة، أن "الأطباء الموقعين لهذه العريضة الموجهة إلى وزير الصحة خالد آيت طالب، اختاروا ضم أصواتهم إلى أصوات المغاربة المنادية بوقف كل أشكال العلاقات مع الاحتلال، خاصة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023".
وقال البروفيسور بلحوس، إن وقف التطبيع الصحي يعني "إلغاء أي تعاون في المجال الصحي مع إسرائيل، بما في ذلك الأدوية التي تنتجها شركات إسرائيلية والتي توجد بالصيدليات المغربية".
كما يشمل المطلب "التخلي عن كل التجهيزات الطبية الإسرائيلية، ومقاطعة كل معداتها ومختبراتها".