يتمسك باحتكار الدولة للسلاح.. هل يصطدم الرئيس اللبناني الجديد مع حزب الله؟
"الجيش سيكون قادراً على مواجهة حزب الله، لأنه ليس كما كان عليه قبل عامين"
بعد شغور رئاسي استمر سنتين وأسهم في تعميق أزمات متلاحقة شهدها لبنان، انتهت الأزمة بانتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسا للبلاد، بدعم واضح من السعودية وأميركا.
حل أزمة انتخاب الرئيس جاء بعد جولات مكوكية للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين وترتيبات سعودية، مستغلين تراجع نفوذ “حزب الله” داخليا، بعد خروجه منهكا وفاقدا قيادته من حرب إسناد غزة ضد الكيان الإسرائيلي.
وجاء الانتخاب بعد أسبوعين فقط من لقاء وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول 2024، مع عون، قبل انتخابه رئيسا.
وانتهت ولاية آخر رئيس للبنان ميشال عون، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ومنذ ذلك الحين فشلت القوى اللبنانية في الاتفاق على رئيس جديد، على مدار 12 جلسة عقدها البرلمان.
الإطاحة بالدستور
لانتخاب رئيس جديد يلزم حصوله على ثلثي عدد النواب (86 نائبا من أصل 128)، من الدورة الأولى، من دون تعديل دستوري، وهو ما فشل فيه "عون" في الجولة الأولى، حيث حصل على 71 صوتا فقط.
لكن في دورة التصويت الثانية، التي تتطلب غالبية بالأكثرية المطلقة، أي 65 صوتا، فاز بـ 99 صوتا من 128 ليصبح خامس قائد جيش في لبنان يصل إلى رئاسة الجمهورية والرابع على التوالي.
وقبل انتخابه أثيرت أزمة، فوفقا للدستور اللبناني، تمنع المادة 49 انتخاب موظفي الفئة الأولى، مثل قائد الجيش من الترشح للرئاسة، كما يشترط "قانون الانتخاب" على العسكريين مرور 6 أشهر على تركهم الخدمة قبل الترشح لأي منصب سياسي.
فحين تم تعديل الدستور اللبناني في العام 1989، باتفاق الطائف، أقرت التعديلات الجديدة وجوب استقالة موظفي الفئة الأولى من مناصبهم قبل 6 أشهر ليتمكن المجلس النيابي من انتخابهم.
لكن الجمهورية اللبنانية الثانية، أي مرحلة ما بعد الطائف، شهدت إيصال 4 رؤساء كانوا يتولون منصب قيادة الجيش لحظة انتخابهم، وأعيدت الكرة مع قائد الجيش الحالي جوزاف عون ليكون الخامس.
ولجأ اللبنانيون للمرة الأولى عام 1958 إلى "فؤاد شهاب" قائد الجيش كمخرج لأزمة الاقتتال الأهلي بسبب محاولة الرئيس كميل شمعون حينها التمديد لنفسه، وتم انتخابه آنذاك لتولي منصب الرئيس.
وكانت المرة الثانية عام 1998، بانتخاب قائد الجيش "إميل لحود" لتولي منصب الرئاسة، والثالثة بانتخاب قائد الجيش "ميشال سليمان" رئيسا للجمهورية، عام 2008، والرابعة عام 2016، بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.
وبسبب سابقة انتخاب قادة جيش، الرئاسة، فُتح المجال لطلب نواب تكرار نفس الاستثناء وتعديل الدستور (المادة 49) خصيصا لانتخاب الرئيس الجديد، هذه المرة أيضا.
واقترح آخرون لجوء مجلس النواب إلى المادة الدستورية رقم (74) لتجاوز تعديل المادة 49، بتقدير أن الظروف الانتخابية "استثنائية" بسبب خلو منصب الرئاسة، وضرورة إجراء انتخابات خلال شهرين من خلو المنصب، وفق هذه المادة.
تراجع "حزب الله"
بعدما قرأ “حزب الله” المعطيات السياسية الجديدة التي ترتبت على حرب إسناده لغزة، بدأ يتخلى عن مرشحه الماروني للرئاسة، ويقبل بانتخاب قائد الجيش، رئيسا.
مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، أكد هذا في تصريح له يوم 6 يناير، بقوله: "ليس لدينا فيتو على قائد الجيش، والفيتو الوحيد بالنسبة إلينا هو على سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية)، لأنه مشروع فتنة وتدميري في البلد".
لكن الواقع أن انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية "دليل على ضعف حزب الله"، ويعد "إشارة إلى تراجع نفوذ حزب الله"، حسبما قال محللون لوكالة "رويترز"، وصحيفة "وول ستريت جورنال" في 9 يناير.
وجاء انتخاب قائد الجيش، بعد انسحاب مرشح حزب الله لرئاسة لبنان "سليمان فرنجية" وإعلان دعمه لترشيح “عون”.
وقبل حرب إسناد غزة، كان حزب الله يصر على مرشح "ماروني" مؤيد له، واختار في مرحلة أولى "جبران باسيل"، الذي رفضته القوى المارونية الأخرى، ثم "سليمان فرنجية"، المقرب من نظام المخلوع بشار الأسد.
ومما لفت الأنظار في كلمة الرئيس الجديد، تعهده بالعمل على "احترام الهدنة" مع إسرائيل وعلى إنهاء احتلالها للبنان، وتأكيد على حق الدولة “في احتكار حمل السلاح”.
قال عون: "عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلحة لتأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح"، ما يشير ضمنا لدعمه نزع سلاح حزب الله.
بل لم يتضمن خطاب القسم للرئيس اللبناني، لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن، مفردة "المقاومة"، التي كان كل رئيس يشير لها بصفته نقطة قوة للدولة اللبنانية.
حيث جرى العرف في خطابات الرؤساء السابقين الإشارة إلى ما يعرف بثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، والتي لطالما أثارت خلافا داخليا في لبنان، لأنها تعترف رسميا بسلاح حزب الله.
لكن هذه المرة اكتفى الرئيس الجديد، عون، بالتأكيد على "حق الدولة في احتكار حمل السلاح".
وحسب رؤية حزب الله، فإن عجز الحكومة اللبنانية أمام تهديد إسرائيل سيثبت مرة أخرى ضرورة احتفاظ الحزب بسلاحه، ويؤكد أن المطالبة بنزع سلاحه ليس فقط في جنوب لبنان، بل في كل أرجاء لبنان كما ينص القرار 1701، ستعرض أمن الدولة للخطر.
ولأن انتخاب "عون" ليس على هوى حزب الله، وجاء برغبة أميركية سعودية، حذره موالون من تكرار تجربة أمين الجميل ومحاولة فرض السيطرة على الجنوب بدعم أميركي، والتضييق على نفوذ الحزب.
وجاء هذا بالتزامن مع انطلاق حملة إلكترونية من حزب الله، عبر منصات التواصل الاجتماعي، شملت تهديدات صريحة لمعارضيه ومنتقديه، وصولا إلى التلويح بإعادة سيناريو أحداث "7 أيار" الدامية في بيروت عام 2008.
وتصاعدت لهجة التهديد، عبر إعلاميين وسياسيين محسوبين على الحزب، توعدوا المعارضين بـ "التأديب".
وتعد أحداث 7 أيار، هي الأكثر عنفا وخطورة منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وقد نفذها مسلحون تابعون لحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي.
وجاءت عقب صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار رفيق الحريري بيروت الدولي العميد وفيق شقير، القريب من حزب الله.
دور السعودية وأميركا
لأول مرة، علت أصوات نواب لبنانيين خلال جلسة التصويت على انتخاب الرئيس تؤكد أنه "لا وصاية إيرانية ولا سورية على لبنان"، في إشارة لتراجع نفوذ حزب الله.
لكن أصواتا أخرى قالت "لا نريد أن ننتقل من وصاية لأخرى"، في إشارة للدورين الأميركي والسعودي الواضحين في انتخاب الرئيس الجديد.
فعشية الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وصل المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، يوم 7 يناير 2025، إلى بيروت، بحجة متابعة اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي أُقر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
لكن "هوكشتاين" دخل على خط انتخابات رئاسة الجمهورية، والتقي- مع وفد أميركي ضم السفيرة ليزا جونسون ورئيس لجنة الإشراف الجنرال، جاسبر جيفيرز- بقائد الجيش اللبناني قبيل تنصيبه رئيسا.
أيضا كان وصول هوكشتاين إلى لبنان، بعد توقفه في الرياض، ومباحثاته مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله، مؤشرا على الدور السعودي والتنسيق مع أميركا في اختيار الرئيس الجديد، مستغلين تراجع نفوذ حزب الله.
أيضا كانت لقاءات وزير الدفاع السعودي مع قائد الجيش اللبناني، قبل تعيينه رئيسا، وموفد السعودي للشأن اللبناني الأمير يزيد بن فرحان مع أطياف لبنانية، مؤشرا واضحا لدور السعودية في تشكيل الإجماع اللبناني حول عون.
وهو ما يعني عودة النفوذ السعودي للبنان بعد فترات غياب طولية سمحت لإيران وحليفها حزب الله بالتحكم في القرار اللبناني الداخلي.
وقال مصدر مقرب من الديوان الملكي السعودي لوكالة "رويترز" في 9 يناير، إن مبعوثين فرنسيين وسعوديين وأميركيين أبلغوا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف الوثيق لحزب الله، أن "المساعدات المالية الدولية والخليجية تتوقف على انتخاب عون".
ملفات شائكة
بسبب الانقلاب في الحياة السياسية بلبنان لصالح خصوم حزب الله، يتوقع أن تثير ملفات شائكة العلاقة بين الحزب والقوى السياسية، وتتصادم مع الرئيس الجديد الذي ألمح لنزع سلاح حزب الله، بدعم أميركي إسرائيلي سعودي.
فبعد سقوط النظام السوري البائد الذي كان يشكل ركيزة رئيسة لداعمي "حزب الله" في المنطقة، وانسحاب إيران من المنطقة وضعف موقف الحزب نتيجة حرب إسناد غزة، يتوقع تصاعد لهجة المطالبة بنزع سلاح الحزب.
واستغلال قرار الهدنة بين حكومة لبنان وإسرائيل، لتحقيق هذا الهدف، حيث تصر إسرائيل وأميركا على أن قرار الهدنة اشترط إنهاء وجود حزب الله العسكري حتى نهر الليطاني، ونزع سلاحه.
وجاءت كلمات عون: "سننزع السلاح من جميع الأحزاب... وسيكون السلاح حكرا فقط للجيش اللبناني"، لتشير لهذا التوجه الذي سيكون ملفا شائكا ومتفجرا، خاصة لو وجه الحزب سلاحه للداخل وسحبه من الجنوب.
ولأن لبنان يعاني من أزمات اقتصادية عميقة، بالتزامن مع تغييرات جذرية في موازين القوى السياسية، يتوقع أن تستغل أميركا والسعودية قضية السلاح للضغط على الرئيس الجديد، وربط المساعدات بنزعه.
ولأن انتخاب قائد الجيش، الذي لم يكن حزب الله يفضله، رئيسا، يصب في صالح إسرائيل، فقد رحب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بحرارة بانتخابه وهنأه.
ويقول "هلال خشان"، أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 9 يناير: إن الجيش سيكون قادرا على مواجهة حزب الله، لأن الحزب ليس كما كان عليه قبل عامين، لكنه يقول "لكن أيا من الطرفين ليس مهتما بالمواجهة".
وتنتظر الرئيس والحكومة التي سيشكلها تحديات كبرى، أبرزها الإعمار بعد الحرب الأخيرة التي دمّرت أجزاء في جنوب وشرق البلاد والضاحية الجنوبية لبيروت.
واتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في 2006 والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
ومن التحديات أيضا القيام بإصلاحات ملحّة للدفع بعجلة الاقتصاد بعد أكثر من خمس سنوات من انهيار غير مسبوق.
المصادر
- Lebanon Elects New President in Sign of Hezbollah’s Waning Influence
- Lebanon's army chief elected president, showing weakened Hezbollah
- Lebanon elects Joseph Aoun as president after two-year vacancy
- أبرزها حصرية السلاح بيد الدولة .. 6 رسائل في كلمة جوزيف عون
- لبنان: قادة الجيش والرئاسة... ومعضلة تعديل الدستور