ما تداعيات وقف دول غربية تمويلها للأونروا على الفلسطينيين في لبنان؟

بات عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في لبنان على المحك، خشية عواقب كارثية محتملة على حياة متلقي خدماتها من الفلسطينيين في هذا البلد إذا استمر تعليق تمويلها من قبل عدد من الدول الغربية.
ولدى الوكالة الأممية قدرة على تأمين الخدمات للفلسطينيين في لبنان حتى نهاية مارس/ آذار 2024 فقط، ما رفع سقف التحذيرات من تداعيات وقف تمويل الأونروا على المجتمع الفلسطيني هناك.
ومنذ 26 يناير/ كانون الثاني 2024، جرى تعليق تمويل "الأونروا" من جانب 17 دولة، هي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا والنمسا والسويد ونيوزيلاند وأيسلندا ورومانيا وإستونيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وفق الأمم المتحدة.
وجاء قرار تعليق التمويل على خلفية مزاعم إسرائيلية أن 12 من موظفي الأونروا البالغ عددهم 13 ألفا في قطاع غزة، شاركوا في هجمات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على المستوطنات المحاذية لغزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
فيما أعلنت الوكالة أنها تجري تحقيقا في المزاعم الإسرائيلية يشرف عليه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة.
وبحسب أحدث إحصاء لأونروا، فإن العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في لبنان بلغ 489 ألفا و292 لاجئا، يعيشون في 12 مخيما موزعين على الأراضي اللبنانية كافة.
"الأونروا" في لبنان
وبالنظر إلى تاريخ هذه المنظمة، فقد تأسست "الأونروا" بقرار الأمم المتحدة 302 عام 1948 لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
وهدفت إلى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي لجؤوا إليها نتيجة نكبة فلسطين عام 1948، وتهدف إلى تقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى تخفف من معاناتهم.
وتشتمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح.
واعتمدت في تمويلها على التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبلغ عدد المستفيدين من خدماتها حتى وقتنا هذا خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
اللافت أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في بيروت هي الجهة الوحيدة التي تُعنى بتقديم خدمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ولهذا أبدى لبنان خشية كبيرة على مصير هؤلاء اللاجئين لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي يتعرض لها هذا البلد منذ عام 2019 وألقت بـ 90 بالمئة من مواطنيه في براثن الفقر.
فقد طالب وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، الدول التي علقت تمويلها لوكالة "أونروا"، بالتراجع عن قرارها، عادا ذلك "دافعا للتطرف واللجوء للعنف"، وذلك عقب لقائه مع المديرة العامة لشؤون "أونروا" في لبنان دوروثي كلاوس في مكتبه ببيروت في 6 فبراير/ شباط 2024.
وقال بوحبيب، إن "تجميد عمل الأونروا سيدفع أجيالا من الفلسطينيين، خاصة المشردين واليتامى جراء الحرب في غزة، إلى التطرف واللجوء للعنف".
وأضاف أن ذلك "يشكل تهديدا للأمن الإقليمي وأمن الدول المضيفة والدول المانحة على حد سواء".
ومن بيروت قالت كلاوس: "لدينا حاليا 19 هيئة مانحة أوقفت أو علقت المنح ولدينا قدرة لتأمين الخدمات حتى نهاية مارس 2024، وبعد ذلك لا نعرف ماذا سيحصل في متابعة الخدمات".
وأضافت: "في حال لم تتم إعادة هذا التمويل، فإن جميع الفلسطينيين في لبنان سيتأثرون، وذلك يشمل عددا كبيرا من الأولاد، وما يقارب 2000 مريض يتوجهون إلى عيادتنا و50 ألف مريض يحتاجون إلى دعم استشفائي كل عام".
ومضت تقول "إن عددا كبيرا من المرضى الذين يعتمدون على الأدوية، إضافة إلى أن هناك 12 مخيما للاجئين للفلسطينيين في لبنان. كل هذه الهيئات ستتأثر وليس لدينا أي معلومات عما إذا كانت أي هيئات مانحة ستتدخل للمساهمة".
"ابتزاز سياسي"
من جانبهم، يعتقد أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان أن قرار تعليق دفع المساعدات للوكالة ليس وليد اليوم.
وإنما يأتي في سياق ضغوط وابتزاز سياسي ومخططات تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة لمحاصرة "الأونروا" ماليا، بهدف إنهاء عملها وتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.
إذ ما يزال الفلسطينيون يتمسكون بقرار تفويض الوكالة رقم (302) ويؤكدون أن البديل عن الأونروا هو فقط تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم المحتلة.
وضمن هذا السياق رأى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي أن "قرار وقف تمويل الأونروا يعد بمثابة مهزلة ستكون لها عواقب مدمرة على حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو يعتبر انتهاكا للقانون الدولي وحقوق الإنسان".
وقال الخولي في بيان نشره مطلع فبراير 2024: "إن هذا الإعلان أثار مخاوف جدية لدى اللبنانيين الذين يخشون أن يكون بداية لعملية توطين الفلسطينيين في بلادهم".
وأشار إلى أن "هذا الحل غير مقبول للشعب اللبناني ولا للفلسطينيّين أنفسهم الذين ينتظرون تنفيذ القرار الدولي 194 الخاص بحق العودة الى بلدهم".
ورأى الخولي أن "توقف تمويل الأونروا سيعني فقدان الدعم الحيوي للعائلات الفلسطينية، بما في ذلك التغطية الطبية والتعليم والبنية التحتيّة. وسيكون لهذا تأثير كبير على حياة هؤلاء الأشخاص الضّعفاء بالفعل، ما يدفعُ العديد منهم إلى المزيد من الفقر واليأس والجريمة".
وتعد "الأونروا" الشاهد الوحيد على نكبة فلسطين، ولهذا فإن القرار المتسرع بوقف التمويل يعد موقفا سياسيا بامتياز، ويخدم إسرائيل في هذا التوقيت التي تتعرض فيه لضغوط كبيرة على رأسها اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق أهالي غزة.
ولهذا فإن كثيرا من المراقبين رأوا أن قرار وقف التمويل هو أسلوب يهدف إلى ممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني كي يقبل بما كان يرفضه سابقا في المفاوضات مع إسرائيل.
ونظّم اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات صور، وقفة احتجاجية أمام المكتب الرئيس لوكالة الأونروا في منطقة جل البحر في 2 فبراير 2024، استنكارا لإيقاف تمويل خدمات الوكالة.
وطالبوا الدول التي علقت تمويلها للوكالة "بالتراجع عن قراراتها والعدول عنها، لحين عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره حتى تنفيذ القرار الدولي 194".
وأكدوا أن "الشعب الفلسطيني في الشتات يتمسك بوكالة الأونروا ودورها واستمراريتها لسببين أساسيين، لأنّها الشاهد القانوني على نكبته وبسبب الحاجات الملحة لخدماتها الإغاثية والتعليمية والاستشفائية".
"حرب اقتصادية"
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول التركية قال اللاجئ الفلسطيني عباس محمد الذي يعيش في مخيم برج البراجنة في لبنان: "إن وقف تمويل الأونروا في لبنان يعني إنهاء الوجود الفلسطيني".
وأضاف: "إذا انتهت خدمات الأونروا للفلسطينيين في لبنان يعني لم يعد هناك شعب فلسطيني، بمعنى أن عمليات تهجير سوف تحصل من لبنان لهؤلاء اللاجئين أو أن تتم عمليات توطين للفلسطينيين وهذا ما نرفضه ونطالب فقط بالعودة إلى فلسطين".
وخلال اعتصام العشرات من اللاجئين الفلسطينيين نهاية يناير 2024 أمام مقر "أونروا" في بيروت، قالت اللاجئة الفلسطينية ديما داهوك (40 عاما) وهي أم تعيل أربعة أطفال لوكالة فرانس برس "نعتصم لأن الوضع صعب للغاية، ترك ابني المدرسة قبل عشرة أيام لمساعدتي والآن يريدون وقف عمل الأونروا؟".
كما نظمت الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية وأهالي مخيم برج البراجنة في 5 فبراير 2024 اعتصاما أمام مركز خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".
ورأى أحمد سخنيني في كلمة باسم الفصائل، أن "وقف تمويل أونروا بمثابة إعلان حرب اقتصادية على الشعب الفلسطيني".
ودعا سخنيني إلى العودة "عن هذا القرار الذي يعد بمثابة عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، ويهدد حياة مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعتمدون على الوكالة في الصحة والتعليم والخدمات".
ونوه سخنيني إلى أن "ما يحصل هو انحياز فج للاحتلال ومحاولة تصفية لوكالة الغوث".
وفي حوار أجراه موقع الأمم المتحدة مع دوروثي كلاوس، مديرة شؤون الأونروا في لبنان، أكدت فيه أن "هناك 200 ألف لاجئ فلسطيني يزورون مراكزنا الصحية سنويا، ويتم تزويدهم بالأدوية الأساسية".
وأضافت: "تعد تلك المراكز المستجيب الأول للأطفال الذين يحتاجون إلى التحصين، وللنساء الحوامل والمرضعات، وللعديد من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة وغير معدية، ويتم تزويدهم بالأدوية الحيوية.ليس لديهم مكان يذهبون إليه".
وأشارت كلاوس، إلى أن "القطاع العام ليس مفتوحا أمام اللاجئين الفلسطينيين. ونظرا لمعدلات الفقر المرتفعة جدا، فإن 80 بالمئة من لاجئي فلسطين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وهم غير قادرين على تحمل تكاليف خدمات القطاع الخاص. وهذا يؤثر بشكل أكبر على 50,000 لاجئ من فلسطين يعتمدون على تحويلات المستشفيات التي تقدمها الأونروا".
وبينت أن "الأونروا لديها اتفاقية لتقاسم التكاليف مع لاجئي فلسطين، حيث نقوم بدفع حوالي 50 إلى 60 بالمئة، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك من النفقات".
وراحت تقول: "ومرة أخرى، ونظرا لمعدلات الفقر المرتفعة جدا، فمن المرجح أن يتم تأجيل العلاج في المستشفيات من قِبل لاجئي فلسطين لأنهم غير قادرين على تغطية التكاليف. وهذا يشمل أيضا 600 مريض بالسرطان يعتمدون على التمويل المشترك للأونروا".
وأردفت بالقول: "شهدنا زيادة في معدل الوفيات بين مرضى السرطان غير القادرين على تحمل تكاليف الأدوية الحيوية. اتخذنا قرارا في العام الماضي بزيادة نسبة التمويل المشترك للأونروا في هذا الشأن. كل ذلك سوف يتداعى".
وقبل تعليق عمل الأونروا في لبنان، باشرت الوكالة عملية التحقق الرقمي هناك والتي استهدفت العائلات والأفراد الفلسطينيين المسجلين في برامج الوكالة للأمان الاجتماعي في لبنان.
ورفضت القوى الفلسطينية في لبنان عملية التحقق ورأت أنها تكشف عن معلومات شخصية وتنطوي على أخطار أمنية محتملة ومخاوف من تسرب البيانات إلى جهات دولية معادية للقضية الفلسطينية.
وتعني عملية التحقق الرقمي التأكد من هوية المستفيدين من برامج الوكالة عبر تطبيق إلكتروني يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، باستخدام صورة شخصية وصورة من بطاقة الهوية أو جواز السفر الأصلي للمستفيد، حيث تتم مقارنتها مع قاعدة بيانات التسجيل الخاصة بالوكالة لمطابقتها والتحقق من صحتها.
ومع ذلك، يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في ظروف صعبة ويترنحون تحت وطأة البؤس والفقر والحرمان، مع استمرار حرمانهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية والإنسانية رغم مرور 75 عاما على نكبة فلسطين عام 1948.