المعارضة بالسنغال تشكل تحالفا جديدا ضد الحكومة.. ما القصة؟

منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

بأزيد من 70 حزبا وحركة سياسية مختلفة، أعلنت قوى المعارضة السنغالية تشكيل تحالف جديد يحمل اسم "جبهة الدفاع عن الديمقراطية والجمهورية".

ودشّن التحالف الجديد بهدف "كسر هيمنة الحكومة" التي يقودها حزب "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف اختصارا بـ"باستيف".

وجاء إعلان قوى المعارضة خلال مؤتمر صحفي في العاصمة دكار، في 9 فبراير/شباط 2025، بحضور شخصيات سياسية بارزة، وناشطين من المجتمع المدني، وممثلين عن الحركات الاجتماعية والنقابية.

مطالب أساسية 

التحالف الجديد للمعارضة أعرب في بيانه التأسيسي، عن قلقه من "تهديد القيم الديمقراطية والتعددية السياسية" في البلاد.

واتهم النظام الحاكم بتقويض الحريات العامة، وإسكات المعارضة، واعتقال الشخصيات السياسية والإعلامية المناهضة.

وأكّد التحالف أنه يسعى إلى "استعادة التوازن الديمقراطي عبر تحركات سياسية وشعبية منظمة"، مشيرا إلى أنه لا يقتصر على المعارضة التقليدية، بل يشمل طيفا واسعا من القوى المناهضة لسياسات الحكومة.

ويضم التحالف الجديد للمعارضة أكثر من 70 حزبا وحركة سياسية مختلفة، من بينها حزب "التحالف من أجل الجمهورية" بقيادة الرئيس السنغالي السابق ماكي صال، وحزب "تاخاوو السنغال" بقيادة خليفة صال.

وكذلك حزب "رومي Rewmi" لصاحبه الوزير الأول الأسبق، إدريسا سيك، إضافة إلى شخصيات بارزة مثل أنتا بابكر إنغوم المرشحة الرئاسية السابقة ورئيسة حركة "آرك".

كما يضم تحالف قوى شبابية وحركات احتجاجية تعارض سياسات الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، ورئيس وزرائه عثمان سونكو.

وفي المقابل لم ينضم لجبهة المعارضة الوزير الأول في عهد صال ومرشحه للرئاسيات الماضية أمادو باه.

وبين الأخير أن حركته السياسية "المسؤولية الجديدة" لن تنضم لجبهة المعارضة، كما غاب حزب "الديمقراطية السنغالية"، بقيادة كريم واد عن التحالف.

وأعلنت جبهة المعارضة عن مجموعة من المطالب التي تسعى إلى تحقيقها في المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها الإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي، وإنهاء القمع والتضييق على الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة.

ودعت إلى ضمان الحريات العامة وحق التظاهر وفقا لما يكفله الدستور السنغالي، إلى جانب إعادة النظر في القوانين الانتخابية، خصوصا فيما يتعلق بتنظيم الأحزاب وآليات الرقابة على الانتخابات.

وشدّدت الجبهة على ضرورة فتح حوار وطني شامل يضم مختلف القوى السياسية لمناقشة سبل تجاوز الأزمة السياسية الراهنة.

خطوة استباقية

ويأتي تشكيل الجبهة في ظل تصاعد التوترات السياسية في السنغال، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة التي غيرت المشهد السياسي.

ومن بين أهم متغيرات المشهد، فوز باسيرو ديوماي فاي في الانتخابات الرئاسية بدعم من حزب "باستيف" الذي كان يصطف في المعارضة في عهد نظام الرئيس السابق ماكي سال.

وفي 29 مارس/آذار 2024، أعلن المجلس الدستوري السنغالي فوز فاي بعد أن حصل على أكثر من 54 بالمئة من الأصوات، بينما حصل مرشح الائتلاف الحاكم سابقا أمادو با على 35 بالمئة.

كما أن البرلمان السنغالي الحالي يخضع لسيطرة حزب "باستيف"، مما أثار مخاوف المعارضة من غياب التوازن الديمقراطي داخل المؤسسات الحكومية.

وهو ما دفع الأحزاب المعارضة إلى توحيد صفوفها لمجابهة ما تعده سياسات استبدادية.

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حقق "باستيف" حزب الرئيس باسيرو ورئيس وزرائه عثمان سونكو، "انتصارا كبيرا" في الانتخابات التشريعية بحصوله على 130 مقعدا من أصل 165 في البرلمان.

وفي تعليقه على دوافع تشكيل المعارضة لجبهة موحدة ضد "باستيف"، قال الصحفي السنغالي المختص في الشؤون الإفريقية تشيرنو بشير: إن التحالف الجديد يأتي على خلفية التغييرات في المشهد السياسي بالسنغال بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وأضاف تشيرنو بشير، في مداخلة على قناة "ttv" الموريتانية، أنه بعد هذه التغييرات رأت المعارضة السنغالية أنه حان الوقت لتأسيس جبهة لمواجهة ما تسميه "الانتهاكات الصارخة لحقوقها"، خاصة في ظل متابعة وفتح تحقيقات مع عدة قيادات من النظام السابق.

وفي 14 فبراير 2025، قال وزير العدل السنغالي عثمان دياني: إن الحكومة قررت فتح تحقيقات قضائية في جرائم مالية وقعت في الفترة الممتدة بين 2019 و2024.

وهي نفس المدة التي تولى خلالها الرئيس السابق ماكي صال تسيير البلاد في ولايته الثانية والتي شهدت الكثير من الأحداث والتوترات.

ويرى تشيرنو بشير، أن المعارضة تحاول توحيد جهودها لمواجهة ما تسميه "انتهاكات السلطة الجديدة ممثلة في زعيم السنغال ورئيس وزرائه". 

وسجل اتجاه المعارضة لتشكيل إطار تحالف، ضمن إطار سعيها لتسهيل مهام فوزها على الأغلبية الحالية خلال الانتخابات المحلية المقبلة لانتخاب عمداء الأقاليم ورؤساء مجالس المقاطعات.

 وتابع أنه حتى الآن لم يجر تحديد موعد هذه الانتخابات المحلية، مستدركا: لكن المعارضة ترجح أن تلجأ الأغلبية إلى تقديم موعدها للفوز فيها على غرار ما وقع بالانتخابات البرلمانية.

وأكد تشيرنو بشير، أن هدف المعارضة يكمن في مواجهة السلطات الجديدة بقيادة حزب باستيف وخلق إطار قوي حتى تكون في مستوى الوقوف في وجهها.

من جهته، قال الباحث السنغالي والكاتب في الشؤون الإفريقية عبد الرحمن كان: إن إعلان المعارضة عن إنشاء جبهة للدفاع عن الديمقراطية والجمهورية، يأتي على خلفية ملاحقة القيادة الجديدة للعديد من المعارضين المتورطين في الفساد.

وأضاف كان، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذا الأمر جعل المعارضة تستبق الأحداث في استخدام آلة الضغط الإعلامي للتأثير على مجريات التحقيقات الأولية بشأن الفساد.

تكسير عظام

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه حتى الآن أي رد رسمي من الحكومة السنغالية بشأن تأسيس الجبهة، يتوقع مراقبون أن تسعى السلطة إلى احتواء هذا التحرك؛ إما عبر الحوار أو من خلال إجراءات قانونية تهدف إلى تقليص نفوذ التحالف الجديد.

عبد الرحمن كان، رأى أن القيادة الجديدة المتمثلة في الرئيس ورئيس الوزراء ستتعامل مع هذه الجبهة بشكل طبيعي، نظرا لكونها لا تمثل خطورة كبيرة في السياق السياسي الحالي حيث تساند الأغلبية المطلقة السلطة.

 ويرى كان، أن هذه "المناورات السياسية" للمعارضة قد تؤدي إلى إطلاق مبادرات حوار وطني للتشاور في الشؤون الداخلية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وهو ما يتطلب المزيد من الحلول العاجلة والممكنة لتحقيق الاستقرار بين السلطة والمعارضة.

غير أن الصحفي تشيرنو بشير، أكّد أن النظام الجديد بقيادة حزب "باستيف" بنى إستراتيجيته السياسية على المواجهة القوية، لذا يصعب القول بأنه سيلجأ إلى إطلاق حوار وطني.

ويستبعد اتجاه حزب باستيف لإطلاق حوارات ومصالحات ومحادثات دبلوماسية لحل الإشكالات مع المعارضة.

وتوقع أن يختار "باستيف" المواجهة ويضيق الخناق على كل من يمكنه أن يؤثر سلبا على مهام السلطات الجديدة.

ولفت بشير إلى أن السلطات القضائية شرعت في متابعة بعض القيادات السابقة في النظام السابق بتهمة سرقة أموال الدولة.

وقرأ ما يجرى على أنه "خطوات استباقية لتضييق الخناق على المعارضة، التي فهمت رسالة النظام واتجهت لخلق جبهة جديدة قوية". 

وأشار بشير إلى أنه إذا لم تنجح الحكومة في إقناع المعارضة بتنفيذ حوارات وطنية أو مصالحة، فستكون هناك مواجهة سياسية بين الطرفين.

وذكر أنه يمكن لجبهة المعارضة أن تمثل تهديدا إذا نجحت في خلق تحالف منسجم بإستراتيجية واضحة لمواجهة النظام الجديد، خاصة أن هذه الجبهة تضم شخصيات تتمتع بخبرات واسعة سبق أن تحملت مسؤوليات كبيرة في هياكل الدولة، وفق تقديره.