على خطى إيبولا وكورونا.. لهذا يثير "جدري القرود" قلق العالم

داود علي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 14 أغسطس/ آب 2024، شهدت أروقة منظمة الصحة العالمية ، اجتماعا طارئا، أعلنت عقبه فيروس جدري القرود “حالة طوارئ صحية عامة” على الصعيد الدولي للمرة الثانية خلال عامين.

وجاء إعلان الصحة العالمية بعد تفشي المرض في عدة دول إفريقية، منها بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، إثر ظهور سلالة جديدة منه في الكونغو الديمقراطية، في حين أفادت 13 دولة بوجود حالات إصابة لديها.

ويمثل هذا أعلى مستوى تحذير يمكن أن تطلقه المنظمة، وقد جاء في ظل عدم توفر اللقاحات للمساعدة في كبح تفشي الوباء في إفريقيا.

حيث سجلت الكونغو الديمقراطية تفشيا حادا في ظل إصابة أكثر من 14 ألفا، و524 حالة وفاة منذ بداية عام 2024.

ومثل هذا زيادة بنسبة 160 بالمئة في الإصابات وزيادة بنسبة 19 بالمئة في الوفيات مقارنة بنفس الفترة في عام 2023.

وزاد من حالة استنفار المنظمة العالمية أنه وصل إلى دول خارج القارة، تحديدا في باكستان والسويد.

وأثار هذا التحذير قلقا عالميا لأن "حالة طوارئ صحية عامة"، هي تصنيف استُخدم سابقا مع تفشي فيروسي الإيبولا وكوفيد-19 وارتفاع حالات جدري القردة في أوروبا سنة 2022.

جدري القرود 

جدري القردة المعروف باسم "مبوكس" هو نوع من الفيروسات الجدرية، ويوجد له فرعان حيويان مختلفان.

أما الأول فهو الفيروس “الوسط إفريقي” المعروف بـ"حوض الكونغو"، ويتسبب بأعراض أكثر شدة من النوع الآخر، وينتج عنه نسبة أعلى من الوفيات، كما أنه أسهل انتشارا.

والثاني هو الفيروس "غرب الإفريقي"، وهو ما ينتشر الإصابة فيه حاليا، والذي يسبب أعراضا أقل شدة من النوع الآخر، كما أن عملية انتقاله من شخص لآخر عن طريق التلامس محدودة، والمشترك بينهما أن كليهما قد يسبب الوفاة. 

وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، تتراوح حضانة فيروس جدري القرود عادة ما بين 6 إلى 13 يوما، إلا أنها يمكن أن تتراوح بين 5 إلى 21 يوما قبل بدء ظهور الأعراض.

وتتضمن الأعراض الشائعة للوباء، الطفح الجلدي وآفات مخاطية يمكن أن تستمر من أسبوعين إلى 4 أسابيع وتكون مصحوبة بالحمى والقشعريرة والصداع وآلام العضلات وآلام الظهر.

إضافة إلى الضعف العام وتورم الغدد الليمفاوية، والتعرق، والسعال، وألم الحلق، وانسداد الأنف، وصولا إلى مراحل الغثيان المستمر. 

أما السبب المباشر للإصابة بالفيروس وانتشاره، فهو مخالطة الأشخاص المصابين، عن طريق اللمس أو التقبيل أو الاتصال الجنسي.

وملامسة الحيوانات المصابة لدى صيدها أو سلخها أو طهيها، وكذلك ملامسة مواد مثل الملاءات أو الملابس أو الإبر الملوثة.

أيضا ملامسة الحوامل المصابات اللواتي قد ينقلن الفيروس إلى أجنتهن. 

ورغم أن التعرف على جدري القردة يعد أمرا عسيرا لأن العدوى والاعتلالات الأخرى قد تبدو متشابهة، خاصة مع مرض جدري الماء.

لكن يمكن تأكيد تشخيص الإصابة بالفيروس عن طريق فحص الحمض النووي، للمنطقة المتعرضة للجرح أو الطفح الجلدي.

كيف بدأ؟ 

ومع أن الشائع انتشار فيروس جدري القرود في إفريقيا، لكنه اكتشف تاريخيا لأول مرة في أوروبا، تحديدا الدانمارك عام 1958، لدى مجموعة قردة احتجزت لأغراض بحثية.

أما أول حالة إصابة بشرية بالفيروس أبلغ عنها لصبي يبلغ من العمر تسعة أشهر في الكونغو الديمقراطية عام 1970. 

كما شهدت الولايات المتحدة انتشارا للفيروس عام 2003، تحديدا في وسط غرب ولاية إلينوي وإنديانا وويسكونسن، مع رصد إصابة واحدة في ولاية نيو جيرسي.

حينها قام فريق من الباحثين بتتبع مصدر العدوى، ووجدوا أن الأمر بدأ من متجر لبيع الحيوانات الأليفة يقوم ببيع القوارض الغامبية المستوردة الحاملة للفيروس، ومنها انتقل إلى المواطنين. 

وفي 16 أغسطس 2024، تنبأ أحد كبار الباحثين في هذا المجال من أن العالم على وشك "تفشي عالمي جديد" لجدري القرود. وعزز ذلك اكتشاف أول إصابة بالفيروس خارج حدود إفريقيا في السويد.

وقال العالم الإنجليزي الدكتور بريان فيرجسون، الأستاذ المشارك في علم المناعة بجامعة كامبريدج: "إن ظهور حالة جدري القرود في السويد هو تطور مثير للقلق بوضوح.. لكنه ليس من المستغرب، بالنظر إلى شدة وانتشار تفشي المرض في إفريقيا". 

وأكد فيرجسون بوضوح أن سهولة السفر بين القارات، ستؤدي بلا شك إلى نقل هذه الحالة إلى أوروبا وجميع أنحاء العالم.

وأضاف: "من المرجّح أن يكون هناك المزيد من الحالات حيث لا توجد حاليا آليات قائمة لمنع حدوث الحالات المستوردة، وبالتالي فإننا قد نكون بصدد جائحة عالمية جديدة".

ومع ذلك فإن هناك لقاحات استخدمت لعلاج جدري القردة، تم استخلاصها من مضادات الفيروسات، مثل تيكوريفيمات، التي طُوّرت في الأصل لعلاج الجدري المائي. 

وفي 17 أغسطس 2024، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن هناك لقاحات ولكن هناك مشاكل في إيصالها لبقية أنحاء العالم، فإفريقيا وحدها بحاجة إلى 10 ملايين جرعة.

 لكن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن هناك 200 ألف جرعة فقط متاحة، ومن ثم فإن نقص العلاجات والتشخيصات يعيق الاستجابة.

أزمة 2022

ليست الأزمة الحالية هي الأولى من نوعها فيما يخص مخاوف تحول  "جدري القرود" إلى جائحة عالمية على غرار "كوفيد - 19". 

حيث تسببت سلالة من جدري القرود تسمى "كليد 2"، وتوجد في غرب إفريقيا، في تفشٍّ عالمي خلال عام 2022. وانتشر المرض إلى ما يقرب من 100 دولة، من بينها دول في أوروبا وآسيا.

منها على سبيل المثال كندا والولايات المتحدة والمكسيك، كذلك بريطانيا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، والسويد، إضافة إلى فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، واستراليا.

وقتها أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة، ونشرت برامج تتبع للمخالطين مع التطعيم الشامل، بعد إصابة نحو 90 ألف شخص.

لكن الملاحظ في هذه الأزمة أن خبراء ربطوا ما بين جدري القرود والشذوذ الجنسي، بعد أن انتشر المرض بشكل كبير بين الشواذ.

وتم رصد نسبة من الحالات في المملكة المتحدة وأوروبا في أوساط الرجال الشواذ، وثنائيي الجنس، وفقا لما أورد موقع "ديلي ميل" البريطاني في 22 مايو/ آيار 2022.

حتى إن بريطانيا اتخذت آنذاك إجراءات للحد من انتشار المرض، وذلك عبر إعطاء لقاح جدري القرود للشواذ بشكل خاص.

ووفقا لوكالة "رويترز" فقد كشفت السلطات الإسبانية أن معظم حالات الإصابة بجدري القرود كانت مرتبطة بحمام "ساونا" يرتاده الشواذ.

وفي 6 أغسطس 2022، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريرا عن ارتباط انتشار الفيروس بالشذوذ. 

وذكرت فيه أن هناك 27 ألف حالة مؤكدة للعدوى معظمها في أوساط الشواذ جنسيا من الرجال، في 88 بلدا.

ورغم أن الدراسة التي نشرت في دورية New England Journal of medicine، العلمية البريطانية، لم تصنف الفيروس على أنه مرض ينقل بسبب الشذوذ فقط.

لكنها قدرت أن 95 بالمئة من حالات جدري القرود انتقلت عن طريق جنسي، تحديدا بين الرجال الشواذ.

وهو ما أكدته سوزان هوبكنز، كبيرة المستشارين الطبيين في وكالة الأمن الصحي البريطانية، التي قالت في تصريحات نشرتها، صحيفة "دايلي ميل" في 21 مايو 2022، إنه "تم تسجيل نسبة ملحوظة من الحالات الحديثة لمرضى جدري القرود في المملكة المتحدة وأوروبا بين الشواذ من الذكور ومزدوجي الميول الجنسية".