أسوأ حلقة توتر منذ 7 أكتوبر.. إلى أين تتجه العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟

خالد كريزم | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية أسوأ حلقة من التوتر منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان معظم المراقبين ينتقدون ضعف الموقف التركي على مدى شهور من عمليات الإبادة الجماعية حتى اتخذت أنقرة أول خطوة عملية مطلع مايو/أيار 2024 بقطع جميع علاقاتها التجارية مع تل أبيب.

لكن تصاعد التوتر بشكل غير مسبوق بين الطرفين بعد اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في إيران 31 يوليو/تموز.

مؤشرات التصعيد

وكان من مؤشرات التضامن مع حماس وغزة، حجم المشاركة الرسمية والشعبية في تشييع هنية في قطر والتصريحات التي تبعت الاغتيال.

فقد شارك في جنازة هنية كل من نائب الرئيس التركي جودت يلماز ورئيس البرلمان نعمان كورتولموش ووزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين.

كما شارك عدد من رؤساء الأحزاب من بينهم رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو وزعيم حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان وكذلك رئيس حزب الاتحاد الكبير مصطفى دستجي.

وأكثر من ذلك، نكست السفارة التركية في تل أبيب وقنصليتها في القدس، العلم في الثاني من أغسطس/آب حدادا على اغتيال هنية، لتستدعي وزارة الخارجية الإسرائيلي نائب السفير التركي من أجل توبيخه.

في اليوم التالي، استخدم ناشط إسرائيلي، طائرة مسيرة رفع من خلالها العلم الإسرائيلي فوق السفارة التركية. ورغم قدوم الشرطة الإسرائيلية، إلا أنها لم تعتقل المنفذ.

كلاميا، ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 31 يوليو، بعملية الاغتيال “الغادرة والدنيئة”، مؤكدا أنها تستهدف القضية الفلسطينية والمقاومة في غزة وترمي لإحباط معنويات الفلسطينيين وترهيبهم.

كما صدرت تصريحات أخرى من معظم المسؤولين ورؤساء الأحزاب في تركيا تندد بعملية الاغتيال وتطالب بـ"إنهاء الإرهاب الإسرائيلي".

وبعد نشر المؤسسات التركية الرسمية بيانات إدانة لاغتيال هنية، حذفت منصة إنستغرام تلك المنشورات ما دفع تركيا لحجب التطبيق في البلاد.

وعلق بعدها وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على الأمر محاولا إحداث وقيعة بين أردوغان ورئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، لكنه لقي ردا قويا من الأخير.

وغرد كاتس مع إشارة إلى إمام أوغلو على إكس، قائلا: “خلافا لموقف العالم الحر برمته، أردوغان يحول بلاده إلى ديكتاتورية فقط من تدعم القتلة والمغتصبين من حركة حماس، ويحجب تطبيق إنستغرام، الذي يستخدمه 57 مليون مستخدم في تركيا”.

وتابع: “أردوغان يدمر دولة ذات قدرات علمية وثقافية وتكنولوجية واقتصادية، ويقضي على إرث (مؤسس الجمهورية الحديثة مصطفى كمال) أتاتورك الذي بنى تركيا تقدمية ومزدهرة”.

ورد عليه إمام أوغلو قائلا: “هذا التصريح يهين علم الجمهورية التركية ورئيسها، لن نتعلم الديمقراطية والقانون من شخص تلطخت يديه بدماء عشرات الآلاف من الأطفال، كل شيء سيكون على ما يرام عندما تتحرر فلسطين”.

كما رد هاكان فيدان على نظيره الإسرائيلي بالقول: "يسرائيل كاتس بدل أن يكون وزيرا للخارجية يجعل بلدنا ورئيسنا باستمرار موضوعا لأوهامه. هذا الشخص الذي يشكل وجوده في الحكومة هوسًا بالافتراء والكذب، هو نصب تذكاري لعجرفة ووقاحة حكومة (بنيامين) نتنياهو القاتلة".

وضمن التحركات التركية الرسمية المتتالية، زار فيدان معبر رفح من الجانب المصري في 4 أغسطس/آب، وأجرى جولة تفقدية هناك، مطالبا العالم الإسلامي بالتكاتف لأجل إنقاذ أهل غزة.

وكانت هذه أول زيارة لمسؤول رسمي حول العالم منذ أن سيطرت قوات الاحتلال على معبر رفح ومحور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة.

ومن هناك، شدد فيدان، على ضرورة زيادة الضغط على إسرائيل من أجل وقف الإبادة الجماعية التي تمارسها في قطاع غزة.

وقال: "يجب على الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة أن تكسر صمتها، وإلا فإنها ستستمر في كونها شريكة في هذه الإبادة الجماعية".

وفي اليوم التالي من زيارته، قال هاكان فيدان من مصر: "المنطقة لا تحتمل المزيد من الاستفزازات، على الذين يملكون إسرائيل أن يمسكوا برباطها" في تشبيه الكيان المحتل بـ"الكلاب" التي تحتاج إلى ربط.

وبدأ التوتر بين أنقرة وتل أبيب بالتصاعد إلى ما هو أبعد من الدولتين، ليصل إلى أروقة حلف شمال الأطلسي “ناتو” الذي يضم تركيا كعضو بارز فيه.

ففي 29 يوليو، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي الدول الغربية إلى طرد تركيا من الحلف، بعد تصريحات أردوغان حول قدرة أنقرة على غزو إسرائيل.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية: "في ضوء تهديدات أردوغان بغزو إسرائيل وخطابه الخطير، أصدر وزير الخارجية تعليماته للدبلوماسيين بالاتصال بشكل عاجل بجميع أعضاء الناتو، داعيا إلى إدانة تركيا والمطالبة بطردها من التحالف الغربي".

وفي 28 يوليو، قال أردوغان إن تركيا يمكنها "دخول إسرائيل" بنفس الطريقة التي دخلت بها من قبل إلى إقليم قره باغ (أذربيجان) وليبيا، مؤكدا أنه "لا يوجد شيء لا نستطيع فعله". وفي رأيه، فإن الأتراك "يحتاجون فقط إلى أن يكونوا أقوياء لاتخاذ مثل هذه الخطوات".

وردا على ذلك، هدد كاتس الرئيس التركي بأنه قد يكرر نفس مصير الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أطاح الغرب به وأعدمته الولايات المتحدة.

وقالت وزارة الخارجية التركية ردا على تصريحات كاتس إن "نهاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرتكب الإبادة في قطاع غزة، ستكون كنهاية النازي أدولف هتلر الذي ارتكب هو الآخر إبادة".

ووصف أردوغان نتنياهو في وقت سابق بأنه "مختل عقليا" و"مصاص دماء"، كما أعلنت تركيا أنها ستنضم إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

وفي موضوع حلف شمال الأطلسي، نقلت وكالة رويترز البريطانية عن مصادر مطلعة، في الأول من أغسطس، أن تركيا تمنع التعاون بين إسرائيل والناتو، منذ أكتوبر 2023، بسبب الحرب في قطاع غزة.

وخلال هذه الفترة تمسكت تركيا بموقفها القائل إن الحلف لا ينبغي أن يتعاون مع إسرائيل كشريك حتى تنتهي الحرب.

وتتمتع إسرائيل بوضع شريك لحلف شمال الأطلسي وتعزز علاقاتها الوثيقة مع التحالف العسكري وبعض أعضائه، لا سيما أكبر حليف لها، الولايات المتحدة.

وقالت المصادر إن تركيا اعترضت على كل تعاملات حلف شمال الأطلسي مع إسرائيل منذ أكتوبر، بما في ذلك الاجتماعات والتدريبات المشتركة، وترى أن ذبح إسرائيل للفلسطينيين في غزة يشكّل انتهاكا للمبادئ التأسيسية للناتو.

وتابعت أن تركيا ستستمر في تنفيذ هذا المنع، ولن تسمح لإسرائيل بمواصلة أو تعزيز تفاعلها مع حلف شمال الأطلسي حتى ينتهي الصراع، لأنها تعتقد أن تصرفات تل أبيب في غزة تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان العالمية.

تاريخ ومستقبل العلاقات

كانت تركيا من أوائل الدول في العالم وأول دولة في العالم الإسلامي تعترف بما يسمى استقلال إسرائيل بعد تأسيسها.

إذ اعترفت بها يوم 28 مارس/آذار 1949 بعد أقل من عام على تأسيسها في 14 مايو/أيار 1948. 

وبنت تركيا علاقاتها مع إسرائيل على أسس المصالح المشتركة واحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول.

وقد مكّن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وتوقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993 من تطوير التقارب بين أنقرة وتل أبيب. 

ففي فبراير/ شباط 1996، وصلت العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مع التوقيع على اتفاقية التدريب والتعاون العسكري (MTCA) التي نصت على التعاون بين جميع فروع القوات المسلحة التركية والإسرائيلية.

وجرى التوقيع على اتفاقية ثانية في مجال صناعة الدفاع والبحث والتطوير ونقل التكنولوجيا.

وتضمنت البنود تدابير للحوار الإستراتيجي، والزيارات المتبادلة، ونقل المعرفة العسكرية، والتعاون الاستخباراتي.

لكن الوضع تغير بعد العدوان على غزة عام 2008-2009، كما وصلت العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوياتها في أعقاب حادثة أسطول مافي مرمرة عام 2010، مما أدى إلى إنهاء الشراكة العسكرية.

وفي الوقت نفسه، تحسنت علاقات أنقرة بحركة حماس بشكل كبير، وبدأت تركيا في إيواء أعضاء من قيادتها.

وعاد التقارب منذ عام 2020 بسبب عزلة أنقرة الدبلوماسية الإقليمية والدولية المتزايدة وتدهور اقتصادها، وخاصة في خضم تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة ودول خليجية ومصر.

أصبحت هذه العملية رسمية لاحقًا بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا عام 2022، ووصلت إلى ذروتها مع لقاء بين نتنياهو وأردوغان على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023.

ومع ذلك، بعد مرور شهر، وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر تغير كل شيء. فقد رفض أردوغان إدانة حماس وقال إنها حركة تحرر وطني، وصعد هجومه على إسرائيل.

وبعد شهور من التصعيد الكلامي، أوقفت تركيا في مايو التجارة الثنائية بالكامل مع إسرائيل حتى إنهاء العدوان على غزة وتتدفق المساعدات دون عوائق إليها.

وجاءت هذه الخطوة مع أن التجارة الثنائية لم تتأثر بالعديد من العواصف الدبلوماسية على مدار السنوات السابقة، ووصلت قيمتها إلى مليارات الدولارات سنويا، ما يؤشر إلى مرحلة جديدة ومتقدمة من التدهور.

وعن مستقبل العلاقات، يقول مركز موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والإفريقية إنه “نظراً لسياسة أردوغان الخارجية المتقلبة والتي لا يمكن التنبؤ بها والمصالح المتباينة بين الجانبين، فمن غير المرجح أن يتكرر الوفاق العسكري المشترك على غرار ما جرى في التسعينيات”.

لكنه رأى أيضا خلال دراسة نشرت في 11 أبريل/نيسان 2024، أن “الانهيار الكامل للعلاقات غير واقعي بنفس القدر بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والتجارية، ولكن مع ذلك، لا ينبغي استبعاد مثل هذا الاحتمال تماما".

وبين أنه ونظراً لهذا المسار السلبي والتقلبات التاريخية التي يعيشها أردوغان، لا يمكن تصور أي تقارب دائم في المستقبل المنظور، ومن المرجح أن تتدهور العلاقات أكثر، وفق تقديره.

وبدوره، يرى الخبير بالشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط نمرود جورين، أن خطوة قطع العلاقات التجارية كانت بمثابة “تغيير لقواعد اللعبة”.

وبين في حديث مع إذاعة صوت أميركا - النسخة التركية في 10 مايو 2024، أن “إحدى الخصائص الفريدة للعلاقات بين الجانبين، هي أنه في كل مرة كان هناك توتر سياسي، تمكنت العلاقات الاقتصادية من الاستمرار، ولكن الآن نشهد تغييرا كبيرا".

وتشعر جاليا ليندنشتراوس، من معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، بالقلق من أن العلاقات الدبلوماسية قد تكون أيضًا في خطر.

وفي حديثها لنفس المصدر، شبهت المكون التجاري بـ "الأكسجين" للطرفين، مبينة أن “التجارة كانت بطريقة ما بمثابة بوليصة تأمين للعلاقات”.

فيما رأت مجلة جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون (إسرائيلية أميركية) أنه رغم التوتر فإن أردوغان يتبع سياسة خارجية تقوم على الصفقات بشكل عام، مبينة أنه “إذا أعيد ترتيب المصالح، فيمكنه مرة أخرى استعادة العلاقات القوية مع إسرائيل”.

وعلى عكس وجهات النظر السابقة، تعتقد في مقال لها خلال مايو 2024، أن هناك أسبابا للتفاؤل بشأن مستقبل العلاقة بين إسرائيل وتركيا. 

واستند في ذلك على أن “إسرائيل وتركيا تتقاسمان مصالحهما في منطقة القوقاز، حيث تدعمان نظام (إلهام) علييف في أذربيجان”.

وتابعت: “زودت إسرائيل ما لا يقل عن 60 بالمئة من أسلحة باكو حتى 2020، كما فعلت نفس الأمر عام 2023، مما ساعدها على استعادة إقليم قره باغ".

في المقابل، لم يقل أردوغان الكثير عن العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية ويصمت عن هذا الملف، مما يشير بحسب المجلة إلى أن “رجل تركيا القوي لا يستبعد إمكانية حدوث تحول آخر في علاقاته مع الدولة اليهودية، وفق تقديرها”.