بعد 7 أكتوبر.. لهذا تحرص إسرائيل على تطوير علاقاتها بدول البلقان

خالد كريزم | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد ظهر يوم 5 فبراير/شباط 2024، كان أحد مراقبي الطائرات يصور من حقل مجاور لمطار بلغراد عندما رصد ما وصفها بطائرة "نادرة" قادمة للهبوط.

نشر عاشق الطائرات مقطع فيديو على قناته في موقع يوتيوب، يظهر طائرة من طراز بوينغ 707-300، تحمل الرقم التسلسلي 272، تبين أنها تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. 

أثيرت بعدها تساؤلات عن سبب هبوط طائرات عسكرية إسرائيلية في صربيا، لكن الأمر تجاوز بلغراد بعدها بفترة وجيزة وتعاظم الجدل عن العلاقات التي تعمل تل أبيب على توثيقها مع دول غرب البلقان في خضم عدوانها على قطاع غزة.

استيراد أسلحة

وبالعودة إلى الطائرة المذكورة، فبعد بضع ساعات من الراحة، أقلعت في تمام الساعة 06.04 مساء، ومن غير المرجح أن تكون قد عادت فارغة. 

إذ خلص تحقيق مشترك أجرته صحيفة هآرتس العبرية وشبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان (بي آي آر إن) إلى أن رحلة 5 فبراير كانت واحدة من سبع رحلات تزامنت مع ارتفاع مبيعات الأسلحة الصربية لإسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهناك رحلة ثامنة أجرتها طائرة مملوكة للقطاع الخاص من النوع المعروف بنقل أنواع مختلفة من البضائع، بما في ذلك الأسلحة. 

وارتبطت ست من هذه الرحلات الثمانية بشكل مباشر بصادرات الأسلحة، بحسب التحقيق الذي نشر في 10 يونيو/حزيران 2024.

 وكشف التحقيق عن زيادة "هائلة" في مبيعات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل خلال فترة العدوان على غزة، حيث لم تكن ضخمة قبل هذا التاريخ.

وبين أن صربيا صدرت أسلحة إلى إسرائيل تبلغ قيمتها الإجمالية 16.3 مليون يورو منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل 15.7 مليون يورو خلال أشهر فبراير/شباط ومارس/آذار ومايو/أيار من العام 2024، ويضاف ذلك إلى صادرات بقيمة 540 ألف يورو في أكتوبر 2023.

وتجاهلت بلغراد النداءات واسعة النطاق بما في ذلك تلك التي أطلقها فريق من خبراء الأمم المتحدة في 23 فبراير، لوقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل نظرا لخطر استخدامها في انتهاك القانون الإنساني الدولي.

وأخيرا، في 26 مايو، وعلى الرغم من دعوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لوقف بيع ونقل الأسلحة إلى إسرائيل، هبطت ثلاث طائرات عسكرية إسرائيلية في مطار بلغراد، وأمضت عدة ساعات على المدرج ثم عادت عائدة نحو قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية في بئر السبع. 

وتزامنت هذه الرحلات مع تصدير أسلحة إلى إسرائيل في مايو بقيمة 1.17 مليون يورو. وأظهر التحقيق أن أغلبها نقل على متن طائرات عسكرية إسرائيلية.

وفي التفاصيل، نوه التحقيق إلى أن واحدة من الرحلات كانت في 5 فبراير، ورحلتين في 18 مارس، وثلاثا في 26 مايو.

وذكرت وزارة التجارة الصربية إسرائيل آخر مرة في تقريرها السنوي عن تصدير الأسلحة لعام 2020.

ووقتها صدرت صربيا أسلحة بقيمة 554 ألف يورو تقريبًا إلى إسرائيل وتشمل “قنابل وطوربيدات وصواريخ وقذائف وعبوات ناسفة أخرى".

وقالت هآرتس إن حكومة بلغراد لم تفصح عن محتويات الشحنات الجديدة، كما رفضت وزارة التجارة الصربية الطلب الذي قدمته شبكة التحقيقات -استنادا لقوانين حرية المعلومات- للكشف عن تاريخ إصدار تراخيص التصدير ونوع الأسلحة التي جرى تسليمها، وقالت إن المعلومات "سرية للغاية".

وبحسب التحقيق، جاءت هذه الرحلات الجوية بعد أن أمرت محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني 2024، إسرائيل بمنع قواتها من ارتكاب أعمال إبادة جماعية أو التحريض عليها ضد الفلسطينيين، ردا على قضية رفعتها جنوب إفريقيا.

وفي 26 فبراير، بعد ثلاثة أسابيع من تصوير مراقب الطائرات أول وصول لطائرة بوينغ 707-300 إلى بلغراد، تحدث الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش عبر الهاتف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال فوتشيتش، في منشور على إنستغرام بعد ذلك، إنهما ناقشا "مزيدا من التقدم في العلاقات الثنائية". 

وبدا نتنياهو أكثر حماسا عندما غرد على “إكس”، واصفا الرئيس الصربي بأنه “صديق حقيقي لإسرائيل”، معربا عن امتنانه له بالقول والفعل.

وإلى جانب ذلك، تتخذ إسرائيل موقفا حاسما من قضية سربرينيتشا البوسنية، حيث تمتنع عن وصف تلك الأحداث التي وقعت عام 1995 بـ"المذبحة" كما تصفها الأمم المتحدة ودول عديدة.

ففي أبريل/نيسان 2024، نُقل عن سفير إسرائيل لدى صربيا، ياهيل فيلان، قوله لوكالة سبوتنيك الروسية إن إسرائيل لم تقبل قط وصف “مذبحة” سربرينيتشا التي راح ضحيتها 8000 مسلم على يد الصرب.

سياحة متبادلة

وبعيدا عن السياسة والحاجة العسكرية وبالانتقال إلى جيران صربيا، اتخذت إسرائيل خلال العدوان خطوات انفتاحية على كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو وقبلها ألبانيا والجبل الأسود وجميعها تضم نسبا متفاوتة من المسلمين بين مواطنيها، مما أثار تساؤلات عن أسباب ذلك.

فعلى سبيل المثال، اتفقت إسرائيل والبوسنة التي لطالما خرج شعبها في مظاهرات ضد الإبادة الجماعية في غزة، على إجراء الخطوط الجوية الإسرائيلية أركيا رحلات مباشرة من تل أبيب إلى سراييفو بدءًا من 15 يونيو، وفق ما أعلن قبلها بـ 3 أيام.

وستجرى هذه الرحلات مرة واحدة في الأسبوع كل يوم سبت حتى 5 أكتوبر. وتوفر الطائرة إمبراير 195 التي ستحلق على هذا الخط 122 مقعدا.

وستخدم رحلات طيران أركيا السياح الإسرائيليين الذين يزورون البوسنة والهرسك، حسبما كتب موقع Klix.ba البوسني المحلي.

وإلى جانب البوسنة، كذلك وقع مسؤولو كوسوفو اتفاقية مشتركة مع مسؤولين إسرائيليين بشأن إلغاء نظام التأشيرات لمواطني الدولة الواقعة في غرب البلقان.

وجرى التوقيع على الاتفاقية في حفل رسمي في 18 يونيو، من قبل وزيرة الخارجية الكوسوفية دونيكا جيرفالا، ووزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربيل.

وقيّمت جيرفالا توقيع هذه الاتفاقية كدليل على العلاقات القوية بين كوسوفو وإسرائيل، الأمر الذي سيسهل زيارة مواطنيها إلى تل أبيب وإقامة علاقات ثقافية ومهنية.

وعبر تطوير العلاقات المشتركة مع دول البلقان، يريد الإسرائيليون الذهاب في إجازة إلى مكان يشعرون فيه بالأمان، دون أن يواجهوا فيه مظاهرات، أو يضطروا إلى إخفاء الرموز اليهودية، وفق ما قال موقع سراييفو تايمز في 12 يونيو.

وأضاف: “في كل صيف، تزيد شركات الطيران عدد رحلاتها إلى وجهات العطلات الشهيرة للإسرائيليين".

ولكن هذا العام، بسبب حرب غزة والهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل (في أبريل)، علقت شركات الطيران الدولية أو أوقفت رحلاتها بالكامل من وإلى تل أبيب، وليس من الواضح متى ستعود إلى جداولها المنتظمة، وفق الموقع البوسني.

 ومع ذلك، مع حلول فصل الصيف، بدأت شركات الطيران التي تسافر إلى إسرائيل في زيادة الرحلات الجوية أو إضافة مسارات جديدة إلى كل من الوجهات الشهيرة سابقًا وبعض الوجهات الأقل شهرة للإسرائيليين.

وفي الأشهر المقبلة، ستزيد شركات الطيران عدد رحلاتها إلى الجبل الأسود ورومانيا وبلغاريا وصربيا واليونان والبوسنة والهرسك، وفق رصد الموقع.

ونقل عن نائب رئيس شركة أوفير تورز الإسرائيلية، يوني واكسمان، قوله إن الحرب أثرت بشكل كبير على الطلب على الرحلات الجوية الدولية.

وأردف: “يمكنك ملاحظة انخفاض عدد الحجوزات ليس فقط في تركيا ولكن أيضًا لدول مثل أيرلندا وفرنسا وإسبانيا بسبب المظاهرات ضد إسرائيل”.

وتتفق نائبة رئيس شركة "إيشيت تورز" الإسرائيلية، شيرلي كوهين أوركابي، مع الرأي القائل بأن السلامة الشخصية هي أحد العوامل الرئيسة للإسرائيليين عند اختيار العطلة، ولكنها ليست العامل الوحيد. 

ووفقا لها، فإن قرب الوجهة وسعر رحلات الطيران يلعبان أيضا دورا مهما في اختيارها.

ونقل الموقع عنها قولها: "الإسرائيليون يحبون أوقات الرحلات القصيرة، ومسألة الأسعار أكثر أهمية أيضًا لأن لدينا عددًا محدودًا جدًا من الرحلات الجوية (مما يرفع السعر)، بشكل كبير مقارنة بما كنا نعرفه".

وتقول أوركابي: "أصبحت دول البلقان قوية جدا هذا العام. ومن الأمثلة على ذلك الجبل الأسود، التي شهدت ازدهارا سياحيا في السنوات الأخيرة وحركة سياحية ضخمة من أوروبا، وأميركا، والصين، وإسرائيل. 

والجبل الأسود على بعد ساعتين فقط بالطائرة من إسرائيل، حيث تنمو العاصمة بودغوريتشا باستمرار.

وتقول شركة "إيشيت تورز"، إنها أرسلت حوالي 10.000 إسرائيلي إلى هذه الوجهة كل عام خلال العامين الماضيين. 

فيما بدأت شركة Neos وCorendon Airlines أربع رحلات أسبوعية إلى الجبل الأسود خلال يونيو، بما في ذلك ثلاث رحلات أسبوعية إلى العاصمة ورحلة أسبوعية إلى مدينة تيفات الساحلية أيام الأربعاء. 

وستستمر الرحلات حتى نهاية شهر أكتوبر بعد العطلة، وتبدأ أسعار تذاكر العودة من 299 دولارًا، وفق ما قال موقع سراييفو تايمز.

فوائد البلقان

وإلى جانب الفوائد الإسرائيلية بتوسيع خياراتها في استيراد الأسلحة وإقامة علاقات مع دول خارج الحلفاء التقليديين، تتطلع دول غرب البلقان للحصول على مكاسب كذلك من تل أبيب.

بالنسبة لبلغراد، أوضح محلل السياسة الخارجية بوسكو جاكسيتش لموقع بلقان إنسايت في 10 يونيو أن صربيا لا تسعى إلى الحصول على المال فقط.

وقال إن "الرئيس ألكسندر فوتشيتش يستخدم صادرات البلاد من الأسلحة لتعزيز موقفه تجاه الغرب، في وقت يجب ألا يكون إمداد إسرائيل بها مدعاة للفخر كونها تحاكم بتهمة الإبادة الجماعية".

ويريد فوتشيتش أحد أبرز حلفاء روسيا، الموازنة بين علاقاته مع موسكو والغرب الذي ينظر بريبة إلى تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم حرب أوكرانيا.

كما أن الفوائد المترتبة على إقامة علاقات ثنائية أقوى مع إسرائيل بالنسبة لعواصم غرب البلقان كثيرة، وخاصة للبلدان الأكثر ضعفاً. 

ومن التعاون الأمني ​​إلى تبادل المعلومات الاستخبارية، إلى شبكات التجارة الأوسع وزيادة السياحة، فإن جميع الأطراف ستستفيد من تلك العلاقات، وفق ما قال موقع “justsecurity” الأميركي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويمكن هنا الإشارة إلى التعاون في مجال الأمن السيبراني بين إسرائيل وألبانيا التي قطعت علاقتها مع إيران وأمرت طاقم السفارة الإيرانية بمغادرة البلاد في سبتمبر/أيلول 2022.

ووقتها اتهمت ألبانيا سفارة إيران بتنسيق هجوم إلكتروني كبير يوم 15 يوليو/تموز من نفس العام أدى إلى إغلاق العديد من الخدمات الرقمية والمواقع الإلكترونية الحكومية الألبانية بشكل مؤقت. 

وقال رئيس الوزراء الألباني إيدي راما إن التحقيق خلص إلى أن الهجوم الإلكتروني لم ينفذ من قبل أفراد أو مجموعات مستقلة، واصفا إياه بأنه “عدوان دولة”.

والبلدان خصمان لدودان منذ سنوات، منذ بدأت الدولة البلقانية استضافة أعضاء من حركة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة، على أراضيها.

وبعد قطع العلاقات مع إيران بشهر، وصل راما إلى إسرائيل خلال أكتوبر 2022، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام وركزت على الأمن السيبراني.

وإضافة إلى ذلك، لا يمكن إهمال البعد التاريخي، فقد كانت الجالية اليهودية جزءًا لا يتجزأ من الحياة في غرب البلقان لعدة قرون، وفق موقع “justsecurity”.

وبين أن الاستثمار في العلاقات مع إسرائيل يمكن أن يساعد أيضا في تنشيط المجتمع اليهودي في البلقان، وهي عملية قد تؤدي بمرور الوقت إلى عكس اتجاه عقود من الدمار والانحدار الديمغرافي، وفق وصفه.

وتابع: “من الواضح أن إسرائيل مهتمة بوجود أكبر في غرب البلقان ويتعين على الأخيرة أن تنتبه إلى ذلك، وخاصة تلك التي تجد نفسها في مياه سياسية محفوفة بالمخاطر مثل البوسنة وكوسوفو، حيث تعمل الدول المجاورة على تقويض الجوانب الأساسية لأمنها وسيادتها وسلامتها الإقليمية”.

ورأى أنه “يجب على مثل هذه الدول أن تسعى بنشاط إلى إقامة علاقات مفيدة وحلفاء أينما وجدتهم. وهناك عدد قليل من الدول التي تتمتع بخبرة أكبر من إسرائيل في مجال الرفض المنهجي للتحديات التي تواجه سيادتها وبناء شبكات دعم دولية واسعة النطاق”، وفق تقديره.

كما يعتقد أن "على دول غرب البلقان العمل على توفير بديل لمشروع انضمامها المتعثر إلى الاتحاد الأوروبي، وعليها أن لا تهدر فرصة تعميق روابطها مع إسرائيل".

وأكد أن منطقة غرب البلقان بالكامل ـ ربما باستثناء صربيا ـ ملتزمة رسمياً على الأقل بالنظام السياسي والأمني ​​الأوروبي الأطلسي. 

وعلى هذا النحو، فإن مواجهة نفوذ إيران وروسيا والصين، من بين دول أخرى، أصبح بالفعل جزءا ضمنيًا من مواقف السياسة الخارجية لهذه الدول، بحسب تقدير الموقع.