"اللعب على المكشوف".. هكذا أكدت "طوفان الأقصى" عمالة الإمارات لإسرائيل
عملية "طوفان الأقصى" العسكرية التي بدأتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غلاف قطاع "غزة" المحاصر يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مازالت تبعث بأصدائها وتكشف مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة، لا سيما الإمارات.
فسرعان ما ردت إسرائيل بعنف شديد، واستهدفت المدنيين في شمال القطاع وأسقطت عددا كبيرا من النساء والأطفال في قصفها العشوائي، الذي وصفته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية بـ"جريمة حرب".
وكان يتوقع من الدول العربية موقفا أكثر حسما، لكن ردود الفعل تنوعت بين الشجب والتنديد والإدانة، فقط دولة واحدة مثلت النشاز، وهي الإمارات التي تضامنت مع إسرائيل على أكثر من صعيد.
تضامن مع العدو
في 9 أكتوبر وبينما كان الطيران الإسرائيلي يدك الأحياء المدنية في غزة، قالت الخارجية الإماراتية، إن "الهجمات التي تشنها حركة حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، تشكل تصعيدا خطيرا وجسيما".
وأعربت الوزارة في بيان عن التعازي لأسر الضحايا، وأكدت على ضرورة أن ينعم المدنيون بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي، وضرورة ألا يكونوا هدفا للصراع.
كما أعلن يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق زعيم المعارضة الحالي، عن مكالمة هاتفية دارت بينه وبين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد.
وقال لابيد إن ابن زايد أعرب عن تضامنه الكامل مع إسرائيل ضد ما تعرضت له من اعتداء.
وتستمر مسيرة التقارب الإمارات الإسرائيلي على أكثر من صعيد في ظل الأحداث المتفاقمة.
ففي 10 أكتوبر رفض وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، فكرة أن يؤثر الهجوم الإسرائيلي على غزة في العلاقات التجارية بين أبوظبي والاحتلال.
وقال للصحفيين خلال مؤتمر في دبي: "نحن لا نخلط بين التجارة والسياسة".
ووقعت الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع إسرائيل، دخلت حيز التنفيذ في مارس/ آذار 2023، ليصبح أول اتفاق للتجارة الحرة بين إسرائيل ودولة عربية.
مواقف الإمارات الجدلية خلال العدوان الإسرائيلي، لم تنته فقط عند التقاطعات الدبلوماسية والسياسية، بل امتدت إلى الرياضة.
ففي 11 أكتوبر خاض منتخب مصر الدولي لكرة القدم، مباراة ودية مع نظيره الزامبي على استاد هزاع بن زايد بمدينة العين الإماراتية.
كان الجميع ينتظر من اللاعبين والجمهور رفع علم فلسطين، وإظهار مساندة أهل غزة وهم يتعرضون لأبشع أنواع القصف من العدو الإسرائيلي.
لكن فوجئ الجميع بغياب علم فلسطين تماما، فلم يستطع لاعب أن يرفع العلم، ولم يوجد أيضا بين الجماهير في المدرجات.
وهنا كشفت (هدى بهاء) زوجة لاعب المنتخب المصري أحمد السيد "زيزو"، أن أمن ملعب استاد هزاع، منع لاعبي وجماهير مصر من رفع علم فلسطين.
وذكرت في منشور عبر "إنستغرام"، أن لاعبي منتخب مصر كانوا ينوون دخول المباراة الودية أمام زامبيا رافعين أعلام فلسطين، إلا أن أمن الملعب منعهم من ذلك، كما منع الجماهير أيضا من إدخال العلم الفلسطيني.
وعلقت هدى زوجة اللاعب المصري على الوضع بالقول: "ده موقف دولة الإمارات العربية المسلمة!"، وذلك عقب المباراة التي انتهت بفوز مصر بهدف نظيف.
قاعدة الظفرة
وما أثار اللغط في ظل تلك الحالة الإماراتية البعيدة عن الإجماع العربي، هو الخبر الذي أعلنته صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" في 12 أكتوبر.
حيث أفادت نقلا عن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، عن وصول سرب من طائرات A-10 من قاعدة الظفرة بالإمارات لـ"دعم إسرائيل في حربها وردع أي هجمات عليها".
الأمر الذي أحرج النظام الإماراتي خاصة وأن الغضب العربي كان في المقدمة مع انتشار صور الخراب والدمار الذي حل بغزة جراء عدوان الاحتلال.
ما دفع وزارة الدفاع الإماراتية، لنفي ما أسمته "مزاعم" وصول سرب من الطائرات العسكرية الأميركية إلى قاعدة الظفرة لتقديم الدعم لـ "إسرائيل".
واكتفت الوزارة بالتأكيد عبر حسابها في موقع "إكس"، أن "وجود هذه الطائرات الأميركية في قاعدة الظفرة يجري وفق جداول زمنية محددة مسبقا منذ عدة شهور".
واستقبل المتابعون النفي الإماراتي بشيء من "الريبة" نظرا لأن الولايات المتحدة بدأت في تدشين جسر جوي لحماية إسرائيل، مع إعلان وصول حاملة طائرات أميركية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
وبالتزامن أعلنت الحكومة البريطانية بحسب صحيفة "التايمز" أن لندن سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية إلى المتوسط لدعم تل أبيب.
وهو ما يعضد أن استخدام قاعدة الظفرة الإماراتية يأتي ضمن تحركات غربية واسعة بإرسال معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط، تضامنا مع جيش الاحتلال في حربه التي يشنها على المدنيين في غزة المحاصرة.
تحذير سوريا
وتجاوز الدور الإماراتي إلى فكرة أن أصبح لاعبا يرتب الأوراق الإقليمية، لتعضيد مصالح إسرائيل، وإيقاف أي جبهات محتملة قد تعكر مخططها أو تكبح جماح عدوانها على غزة.
وفي 9 أكتوبر كشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الإمارات وجهت تحذيرا شديدا لنظام بشار الأسد، في سوريا من التدخل في الحرب بين حماس وإسرائيل.
وزادت في التحذير بأنه يجب عدم السماح بشن هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية.
وأوضح الموقع الأميركي أن الإماراتيين، الذين أعادوا علاقتهم مع نظام الأسد ودعوه لزيارة أبو ظبي، يتمتعون بنفوذ لدى الحكومة السورية أكبر من معظم الدول العربية في المنطقة.
وأنهم استغلوا تلك الورقة لصالح إسرائيل خلال الحرب المستمرة حاليا، التي تحشد فيها الدولة العبرية كامل طاقتها على مختلف الأصعدة.
وذكر الموقع أن المسؤولين الإماراتيين الذين وجهوا رسائلهم إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى بشأن عدم التعرض لإسرائيل، أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين، وأن ذلك الجانب لن يكون فيه قلاقل خلال تلك الفترة.
تاريخ أسود
ووقعت الإمارات في 20 سبتمبر/ أيلول 2020، اتفاقية سلام مع إسرائيل برعاية أميركية، لكن تعاونها الحميم مع الاحتلال يسبق ذلك بسنوات ووصل إلى مستويات استخباراتية متقدمة.
فلا يُنسى ما فعلته الإمارات خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في حرب عام 2014.
فعندما شن الاحتلال عدوانه على القطاع يوم 8 يوليو/ تموز 2014، في العملية التي أسمتها المقاومة "العصف المأكول"، كان للإمارات حضور مميز.
فمع بداية تساقط الضحايا المدنيين بالمئات، والقصف العشوائي على الأحياء المدنية، (كما يحدث الآن في طوفان الأقصى)، قامت الإمارات بإرسال وفد من الهلال الأحمر الإماراتي.
كان الوفد مكونا من 50 طبيبا، ودخل إلى غزة بهدف إقامة مستشفى ميداني لمساعدة الضحايا.
مكث الوفد الإماراتي أقل من يوم في غزة، ثم غادر على نحو مفاجئ من خلال معبر رفح المصري، وترك معداته كافة دون سابق إنذار.
وقتها أعلنت وسائل إعلام عربية مثل شبكة قنوات "الجزيرة" وصحيفة "القدس العربي" وغيرها عن الفضيحة التي تسببت في مغادرة وفد الإمارات.
وهي أن الجهاز الأمني التابع لحركة حماس اكتشف أن جميع أفراد الطاقم الإماراتي يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي.
وأن مهمتهم السرية التي جاؤوا من أجلها إلى قطاع غزة تنص على جمع معلومات استخبارية عن مواقع كتائب القسام ومنصات إطلاق الصواريخ.
وقتها اعتقلت حماس جميع أفراد الطاقم وأخضعتهم إلى تحقيق مطول، اعترفوا خلاله أن عددا من الوفد يعملون كضباط كبار في جهاز الأمن التابع لأبو ظبي.
حينها أجرت أبو ظبي اتصالات مكثفة مع قيادات حماس لاحتواء الفضيحة، عن طريق محمد دحلان (مستشار محمد بن زايد للشؤون الأمنية).
وتعليقا على المشهد، يقول الباحث الفلسطيني أنس القامشلي، إن الموقف الإماراتي مما يحدث في غزة "خيانة تتجاوز الخزي أو التقاعس والجبن".
وأضاف لـ"الاستقلال": "عندما تذكر الإمارات فنحن لا نتحدث عن دولة خذلت الشعب الفلسطيني، وإنما دولة تعادي فلسطين وتتآمر عليها، وتحاول بكل طاقة تصفية قضيتها، وصدق من أطلق عليهم (صهاينة العرب)".
وأتبع: "الإمارات في سنوات ماضية كانت تلعب تحت الطاولة فترسل الجواسيس وتمد الكيان بمعلومات استخباراتية دقيقة عن نشاط قادة المقاومة خاصة في العالم الخارجي وفي العواصم العربية".
وأوضح: "الآن نحن دخلنا في طور اللعب على المكشوف، فما فعله وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد من دعم للاحتلال وتنسيق الوضع الإقليمي له، لم يفعله وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين".
وشدد الباحث الفلسطيني: "يجب أن تحذر المقاومة والحكومة الفلسطينية من الدور الإماراتي خلال الفترة القادمة، الذي سيتلون كالثعبان وسيحاولون الدخول إلى غزة من باب المساعدات والإغاثة وإعادة الإعمار، وما هي إلا سبل لتوطيد نفوذها، وخدمة الاحتلال أولا وأخيرا".