بداية ساخنة في إيران.. هل يؤثر اغتيال هنية على تشكيلة حكومة بزشكيان؟
"كان ينظر لحكومة إيران الجديدة على أنها قد تسير بطريق التهدئة مع الغرب"
في وقت كان فيه الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان يتحضر لتشكيل حكومته واختيار شخصيات الحقائب الوزارية، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" إسماعيل هنية بعد ساعات من حضوره مراسم تنصيب بزشكيان.
وعلى الفور عد اغتيال هنية فجر 31 يوليو 2024 في مقر إقامته بالعاصمة طهران مسّا مباشرا بـ"السيادة الإيرانية" بعد اتهام طهران إسرائيل بتنفيذ الاغتيال رغم عدم إعلان تل أبيب رسميا عن وقوفها خلفه.
بداية ساخنة
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي، في بيان عزى فيه باغتيال هنية، إن إسرائيل باغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "مهدت لنفسها الأرضية لعقاب قاس"، ويرى أن من واجب بلاده "الثأر" لمقتله على أراضيها، وفق ما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية.
وكان هنية في طهران لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان وأنه كان من المقرر أن يعود إلى العاصمة القطرية الدوحة في يوم اغتياله.
وفاز المرشح الإيراني الإصلاحي النائب عن تبريز، وزير الصحة السابق، بزشكيان، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 5 يوليو 2024 بحصوله على 53.7 بالمئة من الأصوات.
وجاءت الانتخابات الرئاسية، عقب مصرع رئيس البلاد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما في حادث تحطم مروحية بمحافظة أذربيجان الشرقية في 19 مايو/ أيار 2024.
وخلال حملته الانتخابية، دعا بزشكيان إلى جعل إيران أكثر انفتاحا على العالم من أجل إخراجها من "العزلة" ووعد بإحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب لرفع العقوبات التي أثقلت كاهل البلاد.
وثبت أن اليوم الأول للرئيس الإيراني المنتخب حديثا بمنصبه في 31 يوليو 2024 كان يوما "مليئا بالأحداث" بالمعنى الأسوأ للكلمة.
واستيقظ بزشكيان على خبر اغتيال هنية، وبدأ أعماله الرسمية بحداد على القائد الفلسطيني لمدة ثلاثة أيام.
وقد كان أمام بزشكيان أسبوعان لتقديم حكومته إلى البرلمان الذي يهيمن عليه المتشددون والمتشددون المتطرفون الذين دعموا منافسيه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
حتى إن بزشكيان لم يتمكن من حضور أول اجتماع لمجلس وزرائه، والذي عقد بحضور وزراء الحكومة السابقة الذين ما زالوا في مناصبهم إلى أن تتولى حكومته زمام الأمور.
وترأس الاجتماع محمد رضا عارف، نائب بزشكيان، حيث تعرض عارف لانتقادات شديدة، خاصة وأنه بدأ الجلسة بخطاب محايد ونمطي، وفق وسائل إعلام محلية، متجنبا بحذر أي تصريحات قوية بخلاف تصريحات المسؤولين الإيرانيين الآخرين الذين "تعهدوا بالانتقام" من إسرائيل لاغتيال هنية.
ما يعني أن "اغتيال هنية" قد خلط أوراق الرئيس الجديد، ولا سيما أن حادثة الاغتيال "قوضت سمعة ونفوذ الاستخبارات الإيرانية" فضلا عن أنها أعادت طهران إلى واجهة التصعيد في المنطقة بعدما توعدت بالرد على إسرائيل دون تحديد طبيعته وتوقيته.
وأمام ذلك، سينشغل بزشكيان الذي تعهد بدعم "محور المقاومة" في كلمة تنصيبه أمام الوفود الأجنبية، بمهمة جديدة تتمثل في الرد على إسرائيل قبل تقديمه القائمة الوزارية للبرلمان للمصادقة عليها.
ورأى المراقبون أن الرئيس الجديد وطاقمه سيواجهون ضغوطا جديدة من المتشددين في ظل أجواء التوتر المتصاعد مع إسرائيل.
وبكل الأحوال إن كان رد إيران الذي تتوعد به على اغتيال هنية بعقر دارها، سيكون من قبلها أو عبر وكلائها في المنطقة ضد إسرائيل فإن ذلك وفق المراقبين سيتبعه بالمقابل تصعيد إسرائيلي ضد طهران.
وخاصة أن حكومة إيران الجديدة كان ينظر إليها على أنها قد تسير في طريق التهدئة مع الغرب وإعادة المفاوضات حول النووي المتوقفة منذ عام 2022 إلى الطاولة.
زيادة المتشددين
وفي 2 أغسطس/ آب 2024، عيّن بزشكيان رسميا وزير الخارجية الأسبق ومهندس الاتفاق النووي، محمد جواد ظريف، مساعده للشؤون الإستراتيجية، حسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".
وقال بزشكيان لظريف في كتاب تعيينه في منصبه الجديد "أنت مسؤول عن مراقبة أبرز التطورات الوطنية والدولية وكذلك مدى النجاح في تحقيق أهداف الدستور، وإبلاغي بذلك".
وظريف الذي تولّى حقيبة الخارجية بين العامين 2013 و2021 في عهد الرئيس الأسبق المعتدل حسن روحاني كان قريبا من الإصلاحيين لكن دون أن يكون منتميا لأي جناح.
وكان ظريف شخصية بارزة في الحملة الانتخابية لبزشكيان، وقد أدى دورا رئيسا في فوز الرئيس الجديد.
وضمن هذه الجزئية، فقد هاجمت صحيفة "جمله"، المقربة من الحرس الثوري في تقرير مطلع أغسطس، محمد جواد ظريف، وعدت دعوته الولايات المتحدة والغرب بالوقوف بوجه نتنياهو وإسرائيل أنها “تنم عن سذاجته”.
وقالت إن "هذا الحجم من السذاجة من شخص يدعي أنه عارف بلغة العالم السياسي أمر عجيب ويدعو للاستغراب".
وأكدت الصحيفة أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يقف بجانب إسرائيل بشكل قوي، مشيرة إلى مدى الدعم الذي حظي به نتنياهو في الكونغرس والتصفيق الحار لخطابه من قبل أعضاء الكونغرس.
وشددت على أن هذه المواقف كلها دليل على مساندة أميركا لإسرائيل، وبالتالي فإن دعوة ظريف إلى الوقوف بوجه إسرائيل دليل على غياب الرؤية في عالم السياسة، حسبما جاء في الصحيفة.
وظريف هو مهندس الاتّفاق النووي الذي أبرمته إيران عام 2015 مع المجتمع الدولي بهدف تخفيف العقوبات المفروضة عليها مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
لكن الاتفاق بدأ في الانهيار عام 2018، عندما انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات على إيران.
وحول مدى تأثير اغتيال هنية على تشكيلة الحكومة الإيرانية الجديدة المرتقب الإعلان عنها نهاية منتصف أغسطس 2024، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "الاغتيال ليس له تأثير داخلي على حكومة بزشكيان (والتي وصفها بأنها حكومة ميثاق وطني) والذي يعني أنها تنتمي إلى كل التيارات الإيرانية بما فيها المتشددون".
وأضاف جلو لـ"الاستقلال" قائلا: "ما يترتب على الرئيس الجديد هو اتخاذ خطوات إما براغماتية أو تقديم المقترحات في بعض القضايا إلى المرشد الإيراني وهي خطوة من بزشكيان لكسب دعم المرشد لمواجهة أي معارضة لحكومته التي يبدو عليها التيار الإصلاحي أو تضم شخصيات غير مقبولة من قبل البرلمان".
وأشار إلى أن "اغتيال هنية سيلقى بظلاله على زيادة معارضة المتشددين لفرض خيارات على الرئيس وخاصة فيما يتعلق بالمفاوضات النووية والتعامل مع الغرب والانفتاح عليه الذي كان ربما سيسير عليه بزشكيان الذي جرى برمجة الانتخابات وليس تزويرها لإخراجه كرئيس والتأكيد أن إيران رغم مشاكلها هي بحاجة إلى التواصل مع الغرب دون تقديم تنازلات تمس مصالحها الإستراتيجية من النووي وغيره".
"إفشال النهج"
ورأى جلو أن "وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب قد يجري إعادة النظر فيه بعد اغتيال هنية، لا سيما أن الخرق الأمني ليس جديدا وجرى مناقشته من قبل حتى رؤساء إيران السابقين".
وأردف قائلا: "الحكومة الجديدة ستسعى إلى انفتاح مع الغرب مع بقاء الخطوط والتواصل وتعزيز التحالفات مع الشرق وخاصة روسيا والصين وأن تواصل مسيرة المؤسسات الثورية بما فيها الحرس الثوري".
ولذلك فإن "التيار المتشدد قادر على تغيير مسار حكومة بزشكيان داخل مجلس الشورى"، وفق جلو.
ومع ذلك، فإن الصحف التي تتبع للإصلاحيين في إيران نظرت إلى اغتيال هنية على أنه محاولة لضرب الحكومة الجديدة.
ورأت صحيفة “هم ميهن”، أن اغتيال هنية في طهران بعد ساعات من أداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية، "حادثة مقصودة"، والمراد منها إفشال مسيرة الحكومة الجديدة الرامية إلى التفاهم مع العالم وتحسين علاقات إيران الدولية.
وقال كاتب الصحيفة أحمد زيد آبادي في مقال نشره مطلع أغسطس 2024 إن "حكومة بزشكيان كانت تنوي بناء توافق وطني في الداخل، وتنظيم علاقات خارجية بشكل متوازن، بهدف تخليص الاقتصاد من وطأة العقوبات القاسية، وهو ما عده التيار المتشدد في إسرائيل خطرا على أهدافه ومشاريعه في الداخل والمنطقة".
أما صحيفة “اعتماد” فرأت أن “أهداف اغتيال هنية في طهران قد تكون كثيرة، مثل إظهار ضعف الأمن في إيران، لكن أهم هدف هو إفشال نهج الحكومة الإصلاحية الجديدة، التي تسعى لبناء علاقات مسالمة مع العالم، وتحسين هذه العلاقات لصالح الاقتصاد”.
وأضافت الصحيفة، في مقال نشرته مطلع أغسطس، أن الهدف الأساسي هو إطلاق النار نحو مشروع "تطبيع علاقات إيران مع دول العالم".
ودعت الصحيفة النظام الإيراني إلى "اختيار التوقيت الجيد للرد على إسرائيل، لأن ما قامت به كان مخططا، وقد تكون راغبة في جر طهران إلى رد كبير، مما يعني توريط البلاد في حرب شاملة، لن تكون الولايات المتحدة بمنأى عنها".