حرب بحرية محتملة.. هل اقتربت الصين من التفوق على أميركا؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

على مدى السنوات القليلة الماضية، تصاعدت المخاوف بشأن البحرية الصينية وما قد تشكّله من تهديد للمصالح الأميركية.

فقبل عقدين، كانت البحرية الأميركية تمتلك 282 سفينة قتالية مقابل 220 لدى الصين، لكن هذا التفوق تلاشى بحلول منتصف العقد الماضي.

وتفوقت بكين على واشنطن في العدد؛ حيث تمتلك 400 سفينة مقارنة بـ295 فقط للبحرية الأميركية، وإذا استمر المعدل الحالي لبناء السفن في الولايات المتحدة دون تغيير، فستستمر ما تُعرف بـ"فجوة القوة البحرية" في الاتساع.

اختلال التوازن 

وتناول مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية ما إذا كانت الولايات المتحدة تواجه اختلالا في التوازن البحري لصالح الصين، مسلطا الضوء على ما وصفه بـ"التهديد الحقيقي" الذي يشكله النمو السريع للبحرية الصينية.

وشارك في كتابة المقال كل من أستاذ الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، ستيفن بيدل، وكبير المحللين المختصين بالقوات البحرية والأسلحة في مكتب الميزانية التابع للكونغرس، إريك لابس.

وأوضح المقال أنه "بالطبع، لا تعكس الأرقام المجردة جودة السفن الحربية أو قدراتها الفعلية، كما أنها لا تأخذ في الحسبان الإستراتيجيات العسكرية، أو القدرات البرية المكملة، أو العوامل الأخرى التي تؤثر في الحروب البحرية".

فالسفن الأميركية، على سبيل المثال، عادة ما تكون أكبر حجما من نظيرتها الصينية، كما أنها تتفوق من حيث أنظمة الاستشعار والإلكترونيات والأسلحة.

فبينما تعتمد غالبية الغواصات الصينية على الدفع التقليدي بالديزل، تمتلك البحرية الأميركية 49 غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية، ما يمنحها قدرة تشغيلية أعلى بكثير.

كذلك، تتميز البحرية الأميركية بعدد أكبر من حاملات الطائرات وسفن حربية أكبر حجما وأكثر قوة، مثل الطرادات والمدمرات. 

علاوة على ذلك، تتمتع طواقم السفن الأميركية بمستوى تدريب أفضل، ويعملون تحت قيادة ضباط أكثر خبرة.

وأضاف المقال أن "البحرية الأميركية برهنت على مهارات تكتيكية عالية خلال عملياتها الأخيرة ضد الحوثيين في الشرق الأوسط، وهي خبرة ميدانية تفتقر إليها البحرية الصينية".

واستدرك: "لكن القدرة الهائلة للصناعات البحرية الصينية، التي منحتها هذا التفوق العددي، توفر أيضا مزايا مهمة في حرب طويلة الأمد، وهي مزايا لا يمكن لجودة السفن أو مهارة الطواقم تعويضها بالكامل".

إذ تمتلك الصين أكبر صناعة لبناء السفن في العالم بفارق شاسع؛ حيث تطلق كل عام حمولات بحرية تفوق ما تنتجه بقية دول العالم مجتمعة.

ووفقا لمكتب الاستخبارات البحرية الأميركي، فإن القدرة الإنتاجية للصين في هذا القطاع تتجاوز نظيرتها الأميركية بأكثر من 200 ضعف.

ورغم أن معظم الإنتاج الصيني الحالي يتركز على السفن التجارية، وهي أقل تعقيدا من السفن الحربية الحديثة، فإن أحواض بناء السفن التجارية في الصين قد تكتسب القدرة على تصنيع السفن الحربية خلال حرب طويلة الأمد.

وبحسب المقال، فإن هذا الزخم الصناعي الضخم يمنح الصين قدرة على توسيع أسطولها بسرعة أو تعويض خسائره بمعدل لا تستطيع الولايات المتحدة مضاهاته.

وأشار إلى أن نمطا مشابها من نقاط القوة والضعف كان هو الذي ميّز الولايات المتحدة واليابان الإمبراطورية في مسرح العمليات بالمحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

ففي بداية ذلك الصراع، كان الأسطول الأميركي أقل مهارة وخبرة من نظيره الياباني، لكنه استفاد من قدرة صناعية هائلة مكّنته من بناء المزيد من السفن والتفوق على عدوه في حرب طويلة الأمد.

فعندما دخلت البحرية الأميركية الحرب العالمية الثانية، كان لديها 7 حاملات طائرات كبيرة وحاملة طائرات مرافقة واحدة، وبحلول نهاية الحرب، كان لديها 28 حاملة طائرات كبيرة و71 حاملة طائرات مرافقة.

وفي عام 1940، لم تكن الولايات المتحدة تمتلك أي سفن برمائية، وبحلول نهاية الحرب، كان لديها 2547 سفينة.

فقدان الكفاءة

وفي أغسطس/آب 1945، كان حجم الأسطول الأميركي أكبر من حجم الأسطول الياباني بأكثر من 20 ضعفا، وكانت غالبيته العظمى تتكون من سفن لم تكن موجودة عند بدء الحرب.

هذه البحرية الجديدة، التي بُنيت خلال الحرب "كانت هي التي سحقت اليابانيين"، وفق وصف المقال.

وتابع: "على غرار اليابان في الحرب العالمية الثانية، تبدو الولايات المتحدة اليوم مدفوعة بقناعة مفادها أن تفوقها في التسليح والتدريب سيعوض بطء وتيرة بناء سفنها، ما يمنح أسطولها الأصغر فرصة حسم أي مواجهة بحرية مع الصين بسرعة".

واستطرد: "في المقابل، يشبه الأسطول الصيني نظيره الأميركي قبيل هجوم بيرل هاربور عام 1941، إذ إنه أقل كفاءة من خصمه المحتمل، لكنه يتمتع بقدرة إنتاجية هائلة، تتيح له خلال الحرب تعويض خسائره الأولية بسرعة، والاستمرار في تعزيز قوته البحرية".

وذلك “حتى يتمكن بمرور الوقت من إنهاك خصم أكثر مهارة لكنه مقيد بإمكانات إنتاجية لا تواكب إيقاع المواجهة".

واليوم تعاني الولايات المتحدة من مشكلة متزايدة في بناء السفن، إذ أصبحت فترات الإنتاج أطول من أي وقت مضى، وفق المقال.

فالتصاميم الحديثة للسفن الحربية تستغرق وقتا أطول بكثير للبناء مقارنة بنظيراتها في الحرب العالمية الثانية، بينما فقدت الصناعة الأميركية كفاءتها.

واليوم، يستغرق بناء حاملة طائرات في الولايات المتحدة 11 عاما، بينما يتطلب تصنيع غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية أو مدمرة تسع سنوات.

وقد تزايدت هذه الفترات بشكل ملحوظ خلال الـ15 عاما الماضية؛ حيث تواجه أحواض بناء السفن الأميركية صعوبة في استقطاب العمالة الماهرة والاحتفاظ بها، مما يجعل من الصعب تلبية احتياجات البحرية المتزايدة.

في المقابل، كانت حاملات الطائرات في الحرب العالمية الثانية تُبنى في غضون عام واحد فقط، بينما استغرق بناء الغواصات حينها بضعة أشهر.

وإذا تعرضت البحرية الأميركية اليوم لخسائر فادحة في بداية أي حرب، فسيستغرق الأمر سنوات طويلة قبل أن تتمكن القاعدة الصناعية الدفاعية من تعويضها، ناهيك عن توسيع الأسطول، وفق تقييم الباحثَين، "بل إن خسارة حاملة طائرات في معركة اليوم قد تعني عدم تعويضها لعقود، أو ربما للأبد".

تفوق صيني

وأوضح المقال أن "هذه المشكلة تتفاقم مع التقدم المطرد الذي تحرزه الصين في تقليص الفجوة النوعية مع الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، تُعادل المدمرة الصينية من فئة (Type 055 Renhai) تقريبا الطرادات والمدمرات الأميركية الحالية من حيث القدرات".

وفي عام 2020، أبلغ مكتب الاستخبارات البحرية الكونغرس بأن السفن الحربية الصينية أصبحت "في كثير من الحالات مماثلة" لنظيراتها الأميركية، وأن بكين "تُقلص الفجوة بسرعة" في جودة التصاميم.

كما أن الصين تُنتج مزيدا من حاملات الطائرات والغواصات النووية، وفي نحو نصف المدة التي تستغرقها أحواض بناء السفن الأميركية لتصنيع السفن ذاتها.

ولا يقتصر التفوق الصناعي الصيني على السفن فقط، بل يمتد إلى إنتاج الذخائر أيضا، مما يُفاقم نقاط ضعف الولايات المتحدة في أي حرب طويلة الأمد.

ويقر الباحثان بأن "الحروب ليست كلها طويلة، فالكثير من سيناريوهات المحاكاة الحربية في مضيق تايوان تتوقع صراعات قصيرة تنتهي في غضون أسابيع".

وشهد التاريخ الحديث حروبا قصيرة بالفعل، مثل حرب الخليج 1990-1991 التي انتهت خلال أقل من سبعة أشهر، والحرب الروسية-الجورجية عام 2008 التي استغرقت 16 يوما، وحرب إقليم قره باغ الثانية عام 2020 التي دامت نحو شهر ونصف الشهر.

واستدركا: "لكن هناك أيضا أمثلة معاكسة، فبعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، لم يكن متوقعا أن تتمكن كييف من الصمود لأكثر من ثلاث سنوات في مواجهة عدو يتفوق عليها ماديا".

كما لم تكن اليابان الإمبراطورية تتوقع أن تخوض حربا استمرت ما يقرب من أربع سنوات ضد الولايات المتحدة بعد بيرل هاربور.

وبالتالي، فإن افتراض أن الحروب المستقبلية ستكون قصيرة يعرّض الأسطول الأميركي، وبالتالي مصالحها، لمخاطر إستراتيجية جسيمة، وفق المقال.

ولذلك أكد أن "على الولايات المتحدة أن تدرك تبعات تفوق الصين الصناعي بسرعة وأن تتحرك لمعالجة هذا الخلل، سواء بتوسيع عمليات بناء السفن، أو بتخزين المواد الأساسية اللازمة للتصنيع العسكري في وقت الحرب"

وشدد على أنه "يجب على الولايات المتحدة أن تتحرك الآن، قبل فوات الأوان".