احتلال وتقسيم.. هكذا فضحت خرائط إسرائيلية أحلام الصهيونية الاستعمارية

داود علي | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

في قلب الشرق الأوسط المشتعل بنيران حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، يسعى الكيان الصهيوني بصورة لافتة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة.

وفي هذا الإطار، تسعى إسرائيل للترويج لخرائط مزورة على منصات التواصل الاجتماعي بهدف إضفاء شرعية زائفة على احتلالها أراضي عربية أو مناطق تسعى لاحتلالها والسيطرة عليها مستقبلا. 

وهذه الخرائط لا تعبر فقط عن أحلام سياسية لحكومة الكيان اليمينية المتطرفة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل تعكس رؤية استعمارية إسرائيلية قديمة ومستمرة، تهدد عواصم العرب وهويتهم الوطنية.

مملكة إسرائيل 

ففي 6 يناير/ كانون الثاني 2025، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية خريطة عبر حسابها باللغة العربية على "إكس"، تضم أراضي عربية من الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا.

حيث أرفقت الخريطة مع نص مفاده: “هل تعلم أن مملكة إسرائيل كانت قائمة منذ 3000 سنة؟”

وسرعان ما أدانت الرئاسة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ودول عربية مثل الأردن والسعودية ومصر وقطر، نشر تل أبيب هذه الخريطة المزعومة، لما أسمته "إسرائيل التاريخية".

وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن نشر حسابات رسمية تابعة لحكومة الاحتلال خرائط للمنطقة تشمل الأراضي الفلسطينية والعربية، مرفقة بتصريحات عنصرية تدعو إلى ضم الضفة الغربية وإنشاء مستوطنات في قطاع غزة، هي دعوات مدانة ومرفوضة.

وأدانت المملكة الأردنية، بأشد العبارات، نشر الحسابات الإسرائيلية لتلك الخرائط.

فيما أكد الناطق الرسمي باسم الخارجية الأردنية سفيان القضاة أن مثل هذه المزاعم لن تنال من المملكة ولن تمس بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على حدود 67.

كما أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها، التنديد بالمزاعم الإسرائيلية حيال "مملكة إسرائيل التاريخية".

ووصف البيان السعودي نشر تلك الخرائط بـ "الادعاءات الباطلة"، وأنها مجرد مزاعم للمحتل.

وأيضا أصدرت دولة قطر بيانا يندد بالمنشور الإسرائيلي، وقالت إن ذلك يعد "انتهاكا سافرا لقرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي".

تقسيم سوريا 

ولم تكن الحادثة الأخيرة هي الوحيدة فيما يخص الأطروحات الاستعمارية والتوسعية داخل وسائل الإعلام والمواقع العبرية. 

ففي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2024، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مقالا للكاتب "رامي سيمني"، بشأن الدعوة لإقامة دولة كردية مستقلة، وتقسيم سوريا إلى مناطق ذات حكم ذاتي، مدعيا أن الهدف من ذلك إيقاف التوسع التركي بالشرق الأوسط وتعزيز المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

ومما قاله الكاتب الإسرائيلي، "إن سوريا دولة مصطنعة تفككت، ولم يكن لها يوما حق وجود حقيقي".

وادعى أن "سوريا ليست دولة عربية، وبالتأكيد ليست دولة قومية لأحد، فهي بالضبط ما قرره مؤتمر سان ريمو في عام 1920، الذي ناقش تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد انتصار القوى الكبرى". 

وتابع: "لا يوجد سبب لإنشاء دولة واحدة متواصلة في سوريا، ففي المنطقة المعنية كان من المخطط إنشاء خمسة كانتونات، مثل المجموعات العرقية والطائفية التي تسكن هناك، وهي الدروز، العلويون، الأكراد، واثنان للسنة".

وأوضح: "لكن، تحت ضغط فرنسا، تم إنشاء سوريا ككيان واحد مصطنع، كما تم إنشاء لبنان المجاور كدولة مصطنعة للمسيحيين". 

واستطرد: "في الوقت الحالي، فقد المسيحيون السيطرة على دولتهم المصطنعة

ولهذا أيضا فإن مصيرها معروف سلفا، ثانيا "أبو محمد جولاني (أحمد الشرع) مثل  يحيى السنوار، فالرجل يغير مظهره بلا توقف: من الملابس الجهادية إلى زي القتال التكتيكي، وأخيرا إلى بذلة أعمال أنيقة ومفصلة، وهي محاولات غير سلسة لتنويم الاستخبارات الإسرائيلية".

وأضاف: "هو الآن، يحتاج إلى الهدوء بشكل رئيس لتنويم شركائه في الثورة لذلك، تأتي تصريحاته الجيدة تجاه إسرائيل وبقية العالم". 

تركيا ببنك الأهداف 

ثم تحدث رامي سيمني بشكل واضح عما أسماه "خطة إسرائيل"، وقال: "هناك فرصة حقيقية لإسرائيل، تمكننا من تشكيل المنطقة المحيطة بنا للأجيال القادمة، وهناك حاجة لوضع إستراتيجية لإسقاط النظام الإيراني، لأن تدمير القدرة النووية لن يفيد، طالما أن هناك نظاما يسعى لتدميرنا".

وأكمل: "لكن التهديد الأكبر على إسرائيل بعد سقوط إيران، هو السلطان أردوغان، الذي في طريقه لإعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية، ويتحدث عن احتلال إسرائيل، لذا يدعم أردوغان سوريا موحدة؛ لأنه من أجل احتلال الشرق الأوسط يحتاج إلى الهدوء على حدوده".

وأتبع: "المصلحة الإسرائيلية هي عكس ذلك تماما، فيمكن لإسرائيل ويجب عليها أن تجعل سوريا تختفي، وبدلا من ذلك، ستكون هناك خمسة كانتونات، موجودة بالفعل، ويجب على إسرائيل أن تعمق سيطرتها داخل سوريا، تحديدا داخل الكانتون الدرزي الذي يسعى للاتصال بنا، وليس من خلال الضم، ولكن من خلال حكم ذاتي يتلقى الحماية من إسرائيل".

وقال سيمني: "دُرّة التاج هي الدعم العسكري والسياسي العلني للأقلية الكردية، تخيلوا دولة كردية مع عشرات الملايين من الناس، تجلس على رأس أردوغان، على طول حدوده الشرقية"

وشدد: "يجب على إسرائيل أن تتخلى عن سياسة إخفاء علاقاتها مع الأكراد، فالأكراد هم أصدقاء قدامى لإسرائيل، ولهم علاقات تاريخية عميقة معنا، وتشجيع إقامة كانتون أو حكم ذاتي أو دولة كردية على حدود تركيا، سيسبب مشاكل لأردوغان، الذي سيتعين عليه تفسير معارضته للعالم، وسيزعزع الدعم له داخل تركيا".

واختتم: "سيؤدي ذلك إلى إضعاف الاقتصاد التركي الهش، وربما ينتهي به الأمر إلى إنهاء حكمه في تركيا، ما سيجلب الراحة لجميع دول حلف الناتو، ومن قبلهم إسرائيل". 

حدود الدم 

وعند الحديث عن مخططات الصهيونية بشأن مستقبل الشرق الأوسط، يمكن استحضار خريطة نشرت في مجلة القوات الأميركية تحت عنوان "حدود الدم: كيف يمكن للشرق الأوسط أن يبدو بشكل أفضل؟"

ونشر الخريطة في يونيو/حزيران 2006 الكولونيل الأميركي رالف بيترز، وكان ما يميزها أنها تناولت تقسيم العالم العربي على أساس عرقي (أيديولوجي). 

وكشفت الخطة تفاصيل مفزعة عن تقسيم محتمل للدول ترسمه بعناية الدوائر العسكرية الأميركية.

العقيد (متقاعد) رالف بيترز، هو أحد منظري العسكرية الأميركية، وقد طرح في خريطته رسما دقيقا لحدود الشرق الأوسط على "أسس عرقية وطائفية وقبلية". 

وتحدث عن مجموعات كالأكراد، والبلوش، والعرب، والشيعة، ومسيحيي المنطقة، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبندية، وغيرهم. 

خريطة "بيترز"، هدفت إلى إنشاء 7 دول جديدة على أنقاض الدول الحالية، وهي دول: "كردستان الكبرى"، و"الشيعية العربية"، و"سوريا الكبرى"، و"لبنان الكبير"، و"الأردن الكبرى"، و"بلوشستان الحرة"، ودولة "قومية فارسية".

والدولة "الشيعية العربية" حسب "بيترز"، مركزها جنوب العراق، وتضم الأهواز أو عربستان وتجمع الشيعة العرب (جنوب غرب إيران)، كما تضم الجزء الشرقي من السعودية، حيث الأقلية الشيعية. 

دولتا "سوريا الكبرى"، و"لبنان الكبير"، تنتجان، عبر تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي بالشمال، وشيعي بالجنوب، وسني بالوسط.

وذلك على أن يلحق الجزء السني بسوريا، ومقابله يجرى اقتطاع جزء من سوريا لضمه إلى لبنان الكبير لإعادة إحياء "فينيقيا" التاريخية.

أما "الأردن الكبرى" فيقترح أن تضم جزءا من شمال غرب السعودية، لتكون دولة لفلسطينيي الشتات، مع بقاء إسرائيل كما ينصح "بيترز" داخل حدود ما قبل 1967.

ثم دعا لاقتطاع أجزاء من إيران لتشكيل دولة "كردستان الكبرى" والدولة "الشيعية العربية" ودولة "بلوشستان الحرة" بأفغانستان وباكستان.

وذلك مقابل منحها جزءا من أفغانستان لتأسيس دولة "قومية فارسية" محل الجمهورية الإيرانية.

إضافة إلى تقسيم السعودية 5 أقسام، الأول الشرقي الساحلي -الأقلية الشيعية- يتم إلحاقه بالدولة العربية الشيعية، والثاني شمال غرب وشرق المملكة، ويجرى إلحاقه بالأردن.

والثالث يضم مكة والمدينة لتشكيل دولة دينية يحكمها مجمع ديني لمختلف الطوائف والمذاهب يشبه الفاتيكان، والرابع جنوبي يضم جزءا من جنوب السعودية لليمن، وما تبقى تقام فيه دولة سياسية لا دينية يحكمها آل سعود.

ويبدو أنه بعد مرور أكثر من قرن على اتفاقية "سايكس- بيكو" التي وقعت عام 1916 بين القوى الاستعمارية، مازال الحديث يتردد عن تقسيم الدول العربية في الأروقة البحثية والعسكرية والمخابراتية الغربية، خاصة مع عمل العالم الغربي على حماية وجود إسرائيل أمنيا وجغرافيا.