مؤشرات ميدانية.. إلى أي مدى يؤثر اغتيال "نصر الله" على المقاومة في غزة؟

12

طباعة

مشاركة

لم يدخل “حزب الله” الحرب مع إسرائيل في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا من باب إشغالها وإسناد غزة، حيث وقف الحزب وزعيمه حسن نصر الله مع المقاومة الفلسطينية، لذا يعد اغتيال الاحتلال له، خسارة كبيرة للمقاومة في غزة.

ويُرجح أن يؤثر رحيل حسن نصر الله في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، مع إضعاف “حزب الله” أيضا باغتيال الصفين الأول والثاني من قيادته، على قطاع غزة، رغم نفي نائب أمين الحزب نعيم قاسم ذلك.

سيناريو المنطقة

التوقعات تشير إلى سيناريوهين قد تشهدهما المنطقة بعد اغتيال نصر الله، سيكون لهما علاقة بارتباط جبهة لبنان بفلسطين (غزة والضفة).

الأول، أن يشتبك المحور الإيراني مع إسرائيل في حرب شاملة، كما هدد، وهو ما يتوقعه أيضا محللون سياسيون، ما سيصب في صالح غزة ودعم المقاومة وتخفيف العدوان الإسرائيلي على القطاع والضفة، حيث سينشغل جيش الاحتلال في الحرب الموسعة.

الثاني، أن يتجرع “حزب الله” السم ويضطر لوقف الحرب لترتيب أوضاعه، والحفاظ على ما تبقى من قوته وقيادته المهلهلة بعد سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية، ولكن بعد انتقام سريع من الاحتلال لقتله نصر الله، كنوع من حفظ ماء الوجه.

أو تجبر إيران الحزب على ذلك، لمنع اندلاع حرب شاملة تضر بمصالحها، وتهدد بانضمام الولايات المتحدة ودول غربية لإسرائيل، وتدمير برنامجها النووي.

وفي الحالتين، ستكون هذه “خسارة كبيرة” للمقاومة في غزة تجعلها تقف وحيدة بدون إسناد الطرف الأقوى في محور المقاومة ضد الاحتلال.

ولو حدث السيناريو الثاني، سيكون هذا حافزا للاحتلال للانفراد بغزة وتنفيذ خططه المعلنة، سواء باحتلال القطاع عسكريا، أو تجويعه وتسليم إدارة وتوزيع الغذاء لمستوطنين يتبعون وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، لحصار الشعب وتهجيره.

وتتوقع تقارير غربية أن تضطر القيادة الجديدة لحزب الله لتخفيف ارتباطها بغزة وتقبل خطط هدنة تتدرج لوقف شامل لإطلاق النار، حال تم تنفيذ السيناريو الثاني.

لكنّ مقاومين لبنانيين يؤكدون أن اغتيال نصر الله سيزيد -على العكس- من دعم حزب الله لغزة، وفق السيناريو الأول.

وأظهرت الكلمة التي ألقاها نائب نصر الله، نعيم قاسم، في 30 سبتمبر 2024 أن حزب الله لا يفكر في فك ارتباطه بغزة، وأنه سينتقل من مجرد "جبهة إسناد" لـ"جبهة حرب" مع الاحتلال بكل قوته دفاعا عن كيان الحزب ولبنان.

وقال قاسم إنه "رغم فقدان بعض القادة والاعتداءات على المدنيين لن نتزحزح قيد أنملة عن مواقفنا الصادقة والشريفة، وستواصل المقاومة مواجهة العدو الإسرائيلي مساندة لفلسطين ودفاعا عن لبنان".

وأوضح أن "منظومة القيادة والسيطرة ستتابع ما كنت تتابعه، ويتابع الإخوة عملهم ووفق الهيكلية المنظمة وفق الخطط البديلة للأفراد والقادة"، ما يعني أن عقيدة وخطط الحزب لن تتغير بشأن غزة.

عنصر جوهري

ولكن هل يؤثر غياب نصر الله وارتباك حزب الله الحالي على المقاومة في غزة؟ الصحفي الفلسطيني المقيم في غزة، عبد الغني الشامي، يؤكد أنه "يفترض ألا يؤثر، لأن هذه الضربات لا تؤثر كثيرا في التنظيمات العقائدية ذات الأيدلوجية الإسلامية".

واستدرك الشامي موضحا لـ"الاستقلال" أن "الضربة الإسرائيلية كانت لكل السلسلة القيادية للحزب، والحديث عن قتل الصف الأول والثاني، ومدى امتصاص الضربة يعطي مؤشرا على هذا الأمر، هل ينهار الحزب أم يستعيد قواه".

وقال إن "حزب الله هو رأس الحربة في محور المقاومة، ودعمه للمقاومة الفلسطينية ليس سرا، لا سيما في غزة سواء عبر الدعم المالي أو التسليح أو التدريب، ومن هنا يمكن رصد مدى تأثير ما يجري لحزب الله على الضفة وغزة".

مع هذا يؤكد الشامي أن "المقاومة في غزة والضفة لديها استقلالية تامة، ووقف دعم الحزب لها بأي طرق لن يوقفها، ولكن ربما يضعفها قليلا".

ويرى أن "الأمر مرتبط بإيران، لأنها هي الداعم الأساسي للفصائل، والحزب وسيط وهناك تكامل أدوار".

ولبيان أهمية اغتيال زعيم حزب الله بالنسبة لغزة، زعم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي في 28 سبتمبر 2024 أن "القضاء على نصر الله يشجع على عودة المحتجزين في غزة إلى منازلهم في الجنوب".

وقال نتنياهو: “كلما رأى (رئيس حركة حماس، يحيى) السنوار، أن حزب الله لن يقوم بإنقاذه، كلما زادت فرص استعادة المختطفين”، بحسب ادعائه.

لذا وصف اغتيال نصر الله بأنه "نقطة تحول تاريخية" في الصراع بين إسرائيل ومحور المقاومة، مقدرا أن "نجاح قتله يشكل خطوة حاسمة نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل، ومنها إعادة الرهائن، وسكان شمال إسرائيل إلى منازلهم".

من جانبها، قالت “القناة 12” العبرية إن "المسؤولين الإسرائيليين يرون أن اغتيال نصر الله، يعد خطوة تاريخية يمكن أن تؤدي إلى تغيير مجرى الصراع" مع فصائل المقاومة في المنطقة والمحور الإيراني.

ونقلت عن مسؤول سياسي إسرائيلي قوله في 28 سبتمبر، إن "تل أبيب ترى أن اغتيال نصر الله خلق فرصة لتحقيق تغيير إستراتيجي، ليس فقط في موازين القوى في لبنان، ولكن أيضا في إمكانية تشكيل تحالف إقليمي واسع ضد إيران".

وقال إنه "يمكن استغلال هذا الحدث لتشكيل محور ضد إيران، وأيضا لتطبيع العلاقات مع السعودية".

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 29 سبتمبر، عن الخبير الاستخباراتي في شركة "لي بيك" الدولية للاستشارات، مايكل هوروفيتز، قوله إن "إضعاف حزب الله قد يحدث تحولا جذريا في المنطقة".

وأكد هوروفيتز أن "الحزب ليس مجرد وكيل إيراني عادي، بل هو عنصر جوهري في إستراتيجية إيران الدفاعية وأداتها الرئيسة لردع إسرائيل".

خطة الجنرالات

تتمنى إسرائيل أن تساعد خطط العدوان العنيفة التي قامت بها ضد لبنان وقيادة حزب الله، عبر تفجيرات أجهزة الاتصالات "بايجر" واغتيال القادة، في إقناع الحزب وإيران بوقف الحرب وفصل مسار لبنان عن غزة، وإبرام اتفاق هدنة، حتى تتفرغ لغزة وتنفذ خططها للسيطرة عليها.

خطة نتنياهو وصقور الحرب كما شرحها رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بِن، في مقال نشره في 9 سبتمبر 2024 هي إخلاء شمال القطاع من الفلسطينيين وإقامة مستوطنات في غزة.

وقال إن خطة نتنياهو هي التخلي عن الأسرى الإسرائيليين في غزة وتحويلهم إلى "عبء" على الفلسطينيين لـ"تبرير استمرار الحرب والحصار والاحتلال".

وأضاف “والتركيز على السيطرة على شمال وجنوب غزة (حتى محور نتساريم من جهة إسرائيل ومحور فيلادلفيا من جهة مصر)”.

واستطرد: “وهذه المنطقة ستؤهل تدريجيا للاستيطان اليهودي وضم إسرائيلي، وفقا لحجم المعارضة الدولية التي ستكون في أعقاب خطوات كهذه”.

ومعنى ذلك أن تستمر حركة حماس، وفق خطة نتنياهو، في حكم المنطقة التي تقع بين محوري "نيتساريم" وفيلادلفيا، تحت حصار إسرائيل وسيطرتها على إمدادات الغذاء والدواء.

وفي حال تطبيق هذه الخطة، سيتم إبعاد السكان الفلسطينيين الذين بقوا في شمال غزة، مثلما يقترح الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، بتهديد الجوع.

ومن خلال هذه الخطة، يحلم نتنياهو بتوسيع مساحة “إسرائيل”، وهذا سيكون "الانتصار المطلق" و"الرد الصهيوني" على أحداث 7 أكتوبر، وفق "هآرتس".

وضمن هذا المخطط الذي يعده نتنياهو وأركان حربه من صقور تيار الصهيونية الدينية، تأتي "خطة الجنرالات الإسرائيليين"، التي أشارت لها صحف عبرية في 4 سبتمبر 2024 لتهجير سكان شمال قطاع غزة وتحويله إلى منطقة عسكرية مغلقة.

وهذه الخطة مؤلفة من مرحلتين، يتم خلالها تهجير السكان المتبقين في شمال القطاع والإعلان عنه "منطقة عسكرية مغلقة"، وتنفيذ الخطة لاحقا في أنحاء القطاع، بادعاء أنها "خطة لهزم حماس"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وقد نشرها ضباط إسرائيليون فيما يسمى بـ"منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط"، بعنوان: "خطة لهزم حماس".

وقال محللون إسرائيليون إن تنفيذ هذه الخطط في غزة تعرقله الحرب مع حزب الله في لبنان، وتدفع باتجاه "الالتفات لخطر الحزب والتخلص منه".

وضمن هذه الخطة أيضا، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 27 سبتمبر 2024 أن إسرائيل تدرس السيطرة على المساعدات الإنسانية لغزة تمهيدا لتسليمها لسيطرة مستوطنين.

وقالت إن "وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير، بعلم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يدفعان لإقامة حكم عسكري في قطاع غزة وأن تسيطر إسرائيل على توزيع المساعدات الإنسانية على السكان، والتمهيد بذلك لسيطرة مستوطنين في القطاع، وهو الأمر الذي بات يحدث على الأرض".

فصل الجبهتين

كان من الواضح والمعلن من جانب قادة الاحتلال أن استهداف نصر الله جاء بسبب ربطه جبهتي لبنان بغزة.

شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية أكدت 29 سبتمبر 2024 إن إسرائيل قررت اغتيال نصر الله “بسبب رفضه فصل المحادثات الدبلوماسية حول الهدنة في لبنان بين حزب الله وإسرائيل عن الحرب في غزة”.

ونقلت عن "مسؤول إسرائيلي" قوله إن قرار اغتيال زعيم حزب الله "اتخذ بسبب رفضه الجهود الدبلوماسية خلال الأشهر الـ11 الماضية لفصل الجبهة الشمالية في لبنان عن الحرب في غزة".

وقال إن "الأمر متروك لخليفة نصر الله للموافقة على حل دبلوماسي يسمح لإسرائيل بتحقيق الأهداف التي حددتها علنا، وهي العودة الآمنة لأكثر من 60 ألف إلى منازلهم في الشمال، وإما لدينا طرق أخرى لتحقيق هذا الهدف".

وكان لافتا أن مقترح هدنة الواحد والعشرين يوما الذي قدمته واشنطن لم يشمل قطاع غزة واقتصر على مناقشة هدنة في لبنان فقط، ورفضته إسرائيل قبل حزب الله.

ورغم أن نتنياهو نفش ريشه كالطاووس بعد الهجمات البربرية في لبنان واغتيال قادة حزب الله، فقد دعاه العديد من كُتاب الصحف الإسرائيلية لاستغلال الفرصة في فرض فصل بين جبهتي غزة ولبنان وتوقيع اتفاق هدنة مع لبنان.

الكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري كتب يدعو في صحيفة "معاريف" في 30 سبتمبر 2024، حكومة الاحتلال للاستفادة من هجومها القاسي على حزب الله وإضعافه نسبيا في "فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة".

رسم طريق ذلك "عبر عملية دبلوماسية بقيادة أميركية يمكنه أن يؤدي إلى استغلال ما تمخضت عنه الهجمات على حزب الله".

تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، ومجلة "فورين أفيرز"، دعت أيضا إدارة جو بايدن للتحرك وتحقيق هذا الفصل بين الجبهتين.

"نيويورك تايمز" أكدت أن تطور الحرب وربط لبنان بغزة واتساع الصراع، جاء بسبب تجنب الدول العظمى لعب دور في تجنب "الكارثة الكبرى" في الشرق الأوسط وترك إسرائيل تفاقم الصراع.

وقالت الصحيفة إن "عاما من القتال (في غزة ولبنان) لم يظهر سوى عجز القوى العالمية عن وقف النزاع أو حتى توجيه الأحداث، مما يعكس واقعا مضطربا تحكمه قوى متفرقة وعالم لا مركزي في سلطته". 

وعدت هذا مؤشرا على أن القوى الكبرى “لم تعد تمتلك السيطرة التي تخولها إيقاف دوامة العنف أو التأثير الحاسم في مسار الحروب”.

وفي تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز"، 29 سبتمبر 2024 سلط المحلل السياسي، أندرو ميلر، الضوء على هذه القضية محاولا تقديم حل منطقي لما يجري.

وقال ميلر إن المفاوضات بين إسرائيل وحماس في غزة تبدو في طريق مسدود، ورغم أن الرئيس الأميركي، وضع إطارا يتضمن وقف إطلاق النار وعودة الرهائن، يبدو أن مسؤولي إدارة بايدن باتوا يعترفون بأنه "لا اتفاق وشيكا" في غزة.

ودعا إلى أن تعيد واشنطن النظر في “نهجها الدبلوماسي، وتقوم بدبلوماسية مكوكية تهدف إلى إنهاء الحرب في الأسابيع القليلة المقبلة”. 

ورأى ميلر أن الولايات المتحدة "تحتاج إلى إستراتيجية جديدة لتجنب كارثة أكبر في الشرق الأوسط" وأفضل طريقة لذلك هي وقف العدوان على غزة.

وأوضح أنه “يتعين على وزير الخارجية أنتوني بلينكن إقناع نتنياهو بأن هناك ما يخسره، إذا رفض مطالب الولايات المتحدة باتفاق سلام، ويمكن أيضا لواشنطن استخدام سلاح معاقبة الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية”.

وأشار ميلر إلى أن إدارة بايدن قد تهدد علنا بوصف نتنياهو بأنه “خطر على الشراكة الأميركية الإسرائيلية”.