وساطة تركيا بين الصومال وإثيوبيا.. هل ستجلب السلام إلى القرن الإفريقي؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

العلاقات الدبلوماسية القوية طويلة الأمد لتركيا مع الصومال وإثيوبيا، جعلت أنقرة تبرز كوسيط رئيس بين البلدين الإفريقيين وتكسب ثقتهما.

ودور الوساطة التركية في حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا هو مساهمة مهمة في تخفيف التوترات بين البلدين من خلال الوسائل الدبلوماسية. 

لاعب مهم

وقال الكاتب التركي، كان ديفيجي أوغلو، إن بلاده "أصبحت لاعبا مهما في القرن الإفريقي من خلال اتباع إستراتيجية نشطة ومتعددة الأبعاد في السياسة الخارجية في السنوات الأخيرة”. 

وأضاف في مقال نشره بوكالة “الأناضول” الرسمية التركية، إن “مبادرة الوساطة التركية للعلاقات المتوترة بين الصومال وإثيوبيا تبرز كأحد الأمثلة الملموسة على هذه الإستراتيجية”. 

وتكشف المبادرة، التي يمكن الإشارة إليها باسم "عملية أنقرة"، عن أجندة تركيا الإيجابية في المنطقة والتي تهدف إلى حل النزاعات بين البلدين من خلال الوسائل السلمية والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.

وأشار ديفيجي أوغلو إلى أنه "يمكن عد الجولة الثانية من المحادثات بين الممثلين الصوماليين والإثيوبيين التي عقدت في أنقرة يومي 12 و13 أغسطس/ آب 2024 انعكاسا ملموسا لجهود تركيا لبناء الثقة بين الطرفين". 

وشدد على أن “تركيا، بوصفها وسيطا محايدا وبنّاء في هذه العملية، قد وفّرت البيئة الدبلوماسية اللازمة لمواصلة المفاوضات والحل السلمي للصراع”. 

وتظهر الجولة الثالثة من المحادثات، التي من المقرر أن تستأنف في 17 أيلول/سبتمبر 2024، أن تركيا تحافظ بحزم على دورها كوسيط وستواصل جهودها لتعزيز الحوار بين الصومال وإثيوبيا. 

وفي هذا السياق، تبرز تركيا كلاعب دبلوماسي مهم يدعم الاستقرار الإقليمي من خلال تشجيع المفاوضات المباشرة بين الطرفين.

المراحل الأولى

وقال ديفيجي أوغلو إن "عملية أنقرة بدأت عندما طلب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي من تركيا لعب دور الوساطة". 

وكان الهدف من الطلب هو تخفيف التوترات الدبلوماسية التي نشأت مع رد فعل الصومال القاسي بعد توقيع مذكرة تفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال في يناير/ يناير 2024، والتي تتيح لإثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة في أرض الصومال. 

وعدت الصومال اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال "انتهاكا لسيادتها"، مما أدى إلى زيادة التوترات في المنطقة.

وبرزت تركيا كوسيط طبيعي للعملية، حيث إنّها تتمتع بعلاقات دبلوماسية قوية طويلة الأمد مع الصومال وإثيوبيا وقد استطاعت اكتساب ثقة الجانبين. 

في الجولة الأولى من المحادثات التي انطلقت بالعاصمة أنقرة في يوليو/ تموز 2024، كانت تهدف الدبلوماسية المكوكية بقيادة وزير خارجية تركيا هاكان فيدان إلى معالجة الخلافات بين الطرفين في بيئة ودية واستكشاف الحلول المحتملة. 

وكان دور تركيا في هذه العملية هو تشجيع السلام والاستقرار الإقليمي "كوسيط غير متحيز وبناء".

وفي الجولة الثانية من المحادثات التي عقدت يومي 12 و13 أغسطس 2024، وضع موقف تركيا المحايد والحازم حجر الأساس للمصالحة بين الصومال وإثيوبيا، والتزمت باستمرار بالبحث عن حل سلمي. 

وأشار الكاتب إلى أن "نجاح تركيا في هذه العملية يستند إلى علاقاتها العميقة مع كل من الصومال وإثيوبيا".

ورأى أن “هذه العلاقات تلعب دورا حاسما في بناء الثقة بين الأطراف، وهذه الخلفية تضع تركيا كلاعب رئيس في حل الأزمات الإقليمية”.

الجولة الثالثة

وقال ديفيجي أوغلو إن "الجولة الثالثة من محادثات عملية أنقرة، المقرر عقدها في 17 سبتمبر 2024، توفر فرصة حاسمة لحل التوترات بين الصومال وإثيوبيا بشكل دائم. 

وأشار إلى أنه "حتى الآن لم يحدث أي اجتماع بشكل مباشر بين الأطراف، ورغم ذلك، فإن التزام الأطراف بالاستمرار في العملية يجعل دور تركيا كوسيط أكثر أهمية". 

واستطرد: “يعني ذلك أن تركيا تلعب دورا حيويا في تسهيل التواصل والتفاوض بين الأطراف المختلفة، حتى في ظل غياب الاجتماعات الشخصية”. 

وتنعكس هذه الثقة في تركيا واستمرارها في العملية السلمية والحوارية على الأطراف، وبالتالي، فإن تركيا تحظى بمكانة مهمة كوسيط في هذا الصراع أو المفاوضات.

لذلك، تحاول تركيا الحفاظ على التوازن بين مخاوف الصومال السيادية وطلب إثيوبيا الوصول البحري من خلال إجراء دبلوماسية مكوكية بين الطرفين.

ويعد الجانب الصومالي اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال انتهاكا للسيادة ويطالب بسحب هذا الاتفاق، مشيرا إلى أنه يسعى إلى حلّ وفقا للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. 

وإزاء هذه الخلفية، من الواضح أن الصومال "تطلب احترام سيادتها عند البحث عن حل".

من ناحية أخرى، تطالب إثيوبيا بالوصول البحري من أجل التغلب على المساوئ الاقتصادية والإستراتيجية لحرمانها تاريخيا من الوصول إلى البحر. 

ولهذا السبب، تؤكد إثيوبيا أن مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال “أمر حيوي لتلبية احتياجات سكان البلاد البالغ عددهم 120 مليون نسمة”.

ويعتمد نجاح تركيا في هذه العملية على سيادة الصومال وقدرته على إيجاد أرضية مشتركة تستجيب لاحتياجات إثيوبيا الاقتصادية من حيث الحقوق البحرية، مع مراعاة مطالب الجانبين. 

وفي هذا السياق، تسهم تركيا في إيجاد أرضية مشتركة من خلال تقديم حلول بديلة لتوقعات الطرفين.

ورغم عدم إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين في الجولتين الأولى والثانية، إلا أن التصميم على مواصلة الجولة الثالثة من المحادثات أمر بالغ الأهمية لإحراز تقدم ملموس وإبراز مكانة تركيا الدبلوماسية. 

وفي هذا السياق، يمكن القول إن التوقع الرئيس للصومال وإثيوبيا هو أن تحافظ تركيا على موقفها البناء والمحايد وأن تقدم حلا يشجع المصالحة بين الطرفين. 

ومن ناحية أخرى، فإن الاختتام الناجح لهذه العملية لن يكفل الاستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي فحسب، بل سيكون أيضا بمثابة نقطة مرجعية لمشاكل مماثلة في أجزاء مختلفة من العالم.

تحديات كبيرة

ونتيجة لذلك، تُظهِرُ مبادرة الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا أن أنقرة عززت موقفها في الدبلوماسية الإقليمية والعالمية، وفق ديفيجي أوغلو.

ولا تقلل هذه المبادرة من التوترات بين البلدين فحسب، بل تظهر أيضا أن تركيا تتبع إستراتيجية طويلة الأجل وقائمة على التنمية المستدامة في القرن الإفريقي. 

وذكر الكاتب التركي أن “المواقف في الجولة الثالثة من عملية أنقرة أو في المراحل اللاحقة سيعزز دور تركيا في المساهمة في السلام الإقليمي والاعتراف بها كوسيط موثوق به في الساحة الدولية”.

وأضاف “لا ينبغي أن ننسى أن عملية أنقرة تواجه تحديات كبيرة، هذه التحديات هي مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال وعلاقات التقارب بين مقديشو والقاهرة التي تتعارض مع أديس أبابا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير”. 

واستدرك: “مع ذلك، فإن هذه التطورات تفتح أمام تركيا فرصا لتكون جهة فاعلة وسيطة، لكن في الوقت نفسه تواجه تحديات في هذا الشأن”. 

وقال ديفيجي أوغلو إن “تركيا تستطيع الاستفادة من الفرص المتاحة لها للعب دور فاعل في تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، ومع ذلك، فإنها أيضا تواجه تحديات تتطلب منها التعامل بحكمة ومرونة”.

وتابع: “بهذا المعنى، فإن تركيا لديها القدرة على استخدام هذه التطورات كرافعة يمكن أن تسرع العملية من أجل الجمع بين الأطراف على أرضية مشتركة”.