واشنطن تفكر جديا في العملات الرقمية.. هل انتهى عصر هيمنة الدولار؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

يتنبأ موقع ألماني بتخلي الولايات المتحدة الأميركية قريبا عن الدولار في تعاملاتها المالية، حتى تستطيع علاج مشكلة الدين العام المتنامي لديها.

ويرصد موقع “تيليبوليس” دعوات أميركية لمسؤولين رفيعي المستوى، تدعو إلى اعتماد العملات الرقمية المشفرة التي تمتلك أصولا في التعاملات المالية الداخلية والخارجية.

وفي هذا السياق، يتناول تاريخ نشأة وتطور عملة البيتكوين، ويسلط الضوء كذلك على محاولات الصين ودول مجموعة بريكس، إنشاء عملة مالية جديدة ترتبط بالذهب أو البترول، في إطار سعيهم لإعادة تشكيل النظام الدولي.

كما يبرز الإيجابيات والسلبيات المتوقعة حال تعامل أميركا بالعملات المشفرة، مستعرضا في الوقت ذاته رحلة تدهور الدولار وفقدانه جزءا كبيرا من قيمته خلال نصف قرن.

أزمة متصاعدة  

وتتجه العديد من الدول النامية للبحث عن بدائل للدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية، بسبب اقتراب دين الولايات المتحدة من مستويات خطيرة.

ووصل الدين الأميركي المتنامي إلى حوالي 35 تريليون دولار، وهو ما يمكن عده 120 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا الأمر تداعيات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

وأشار الموقع إلى أن "مدفوعات الفائدة الأميركية باتت تمثل أكبر بند في الميزانية بالوقت الراهن، حيث إنها تتجاوز النفقات الدفاعية الهائلة في البلاد، وهو ما يشكل تحديا متزايدا لواشنطن".

وينقل اقتراح الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي، بول رايان، أوائل شهر يونيو/ حزيران 2024، الذي دعا "لقبول الحكومة الأميركية العملات المستقرة، وأيضا المشفرة المدعومة بأصول، كوسيلة دفع أوراق الخزانة الأميركية".

ودافع رايان عن فكرته لأن من شأنها -حسب وجهة نظره- أن "تزيد الطلب على الديون الأميركية، وتقلل من مخاطر التخلف عن السداد".

وتوالت الأصوات المنادية لإيجاد حلول لمشكلة الديون المتنامية في الولايات المتحدة، حيث ذكر الموقع الألماني أنه "بعد اقتراح رايان بأسبوعين فقط، قدم عضو الكونغرس مات غايتس مشروع قانون يسمح للمواطنين بدفع ضرائب دخلهم بالبيتكوين".

والبيتكوين، هي أول عملة مشفرة من نظير إلى آخر، أطلقت عام 2008 من قبل فرد أو مجموعة تحت الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو، لإنشاء نظام مالي جديد مستقل عن الحكومات.

جرت أول معاملة تجارية بها عام 2010، عندما تم تحويل 10000 بيتكوين مقابل قطعتي بيتزا، وهو الحدث الذي دخل التاريخ باسم "يوم بيتزا البيتكوين".

ومنذ ذلك الحين، ارتفعت قيمة بيتكوين من الصفر تقريبا في عام 2009 إلى مستوى مرتفع بلغ 75,830 دولارا في أوائل عام 2024.

ومن وجهة نظر الموقع، فإن ظهور العملات المشفرة المدعومة بالذهب يعد بمثابة “تطور مثير للسخرية”.

إذ إن “المشكلات المالية التي كان من المفترض أن تحلها عملة البيتكوين، قد نشأت جزئيا بسبب إلغاء الولايات المتحدة ربط الذهب بالدولار عام 1971”.

وأردف: "ربط نظام بريتون وودز للدولار الأميركي بالذهب، وفر في السابق انضباطا ماليا، لكن إلغاءه أدى إلى زيادة سريعة في ديون الولايات المتحدة".

وتابع: "نتيجة لهذا القرار، خسر الدولار نحو 90 بالمئة من قيمته على مدى الخمسين عاما الماضية، قياسا على الذهب والنفط".

وأوضح أنه "في عام 1971، عندما ألغت الولايات المتحدة ربط الدولار بأسعار الذهب، كانت تكلفة أونصة الذهب 35 دولارا، وفي بداية عام 2024 كان السعر 2450 دولارا، وكان سعر برميل النفط 3.60 دولارات في عام 1971، بينما تراوحت الأسعار في السنوات الأخيرة بين 80 و100 دولار للبرميل".

ويبرز الموقع إيجابيات قبول واشنطن التعامل بالعملات المشفرة، حيث "يمكن أن يسهم في الحد من اعتمادها على المنتجين الأجانب وإعادة التصنيع".

لكن من ناحية أخرى، يحذر من أن ذلك يمكن أن يشكل أيضا مخاطر مثل التهرب الضريبي، وتسهيل الأنشطة الإجرامية. وفي العموم، يرى الموقع أن “الولايات المتحدة أمام تحديات وفرص صعبة”.

وينقل عن خبير الاقتصاد الكلي لوك جرومين قوله: "إن الولايات المتحدة أمام ثلاثة خيارات مؤلمة؛ إما تخفيضات في ميزانية الدفاع والإنفاق الاجتماعي، أو التخلف الجزئي عن السداد، أو تضخم الديون".

مكانة مهددة

ويستنتج الموقع، وفقا لهذه المعطيات، أن “التخلص من الدولرة أمر لا مفر منه، وأنه يمكن أن يتأثر مستقبل النظام المالي الدولي بشكل كبير بالعملات الرقمية وعملة البريكس الجديدة”.

ولذلك "يتعين على الولايات المتحدة أن تستعد لهذه التغييرات، وأن تضع إستراتيجية للتخطيط وإعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية".

ويدلل على ذلك بقوله: “مع أن اتفاقية عام 1974 لبيع النفط بالدولار فقط عززت دور الأخير كعملة احتياطية عالمية، حيث أدى ذلك إلى زيادة الطلب بشكل مطرد عليها، إلا أن الحال بدأ يتغير”.

إذ تعمل دول البريكس وهو تكتل اقتصادي دولي، على تطوير نظام مالي جديد بعملة تجارية خاصة بها، يمكن دعمها جزئيا بالذهب والنفط والمواد الخام الأخرى.

وأردف الموقع: “ستكون العملة المدعومة بالذهب أو النفط هي التحدي الأكبر حتى الآن بالنسبة للدولار”.

ومع أن الذهب والنفط قد يبدوان بمثابة اقتران غريب، لكنهما كانا متساويين تقريبا لأكثر من قرن من الزمان، فأسعار كل منها تقع ضمن نطاق ضيق للغاية. 

وأكمل: "طورت الصين وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات بالفعل mBridge، وهو مشروع تعاون دولي يهدف إلى استكشاف استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية في تسهيل المدفوعات عبر الحدود".

وتابع: "وهو بديل رقمي لنظام الدفع SWIFT، حيث يعتمد نظام mBridge على نوع مختلف من تكنولوجيا blockchain -وهي تكنولوجيا لا مركزية تتكون من سلسلة من الكتل المشفرة تتمتع بشفافية عالية- وقد يكون هذا هو الأساس لنظام التسوية لدول البريكس، ويعني نهاية البترودولار".

ويرصد الموقع اهتمام الصحافة العالمية بهذا الشأن، ففي أغسطس/ آب 2023 وتزامنا مع انعقاد قمة البريكس، تحدثت صحيفة "شبيجل أونلاين" الألمانية عن الأمر.

وتساءلت: "هل يأتي النظام العالمي الجديد الآن؟ قمة الدول الناشئة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا (بريكس) التي انعقدت في جوهانسبرغ لمدة ثلاثة أيام، تستهدف الهيمنة الغربية".

ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة الأبحاث للعلوم والسياسة (SWP) ونشرها موقع "تيليبوليس" من قبل، فإن “الصين تنتهج إستراتيجية لإعادة تشكيل النظام الدولي".

ولتحقيق هذه الغاية، تريد بكين ضم الاقتصادات الناشئة القوية اقتصاديا مثل السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين إلى مجموعة بريكس بدلا من "بريكس +"، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بشكل كامل، حسب الموقع.

ويختم قائلا: "ومع ذلك، لا جدال بين الخبراء أن النظام العالمي يمر بمرحلة انتقالية، يتعرض فيها الدولار الأميركي والولايات المتحدة لضغوط هائلة".