تراجع عبور السفن بنسبة 43 بالمئة.. هل انتهى عصر قناة السويس؟
“قناة السويس تراجعت إيراداتها بشكل كبير”
الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط كشفت هشاشة أحد أهم مسارات التجارة البحرية العالمية، قناة السويس المصرية.
وتعطلت حركة الملاحة البحرية في قناة السويس في 23 مارس/ آذار 2021 في كلا الاتجاهين لمدة أسبوع بسبب حادثة جنوح سفينة الحاويات "إيفرغيفن"، وقد تسبب الحادث في خسائر لحقت بالتجارة العالمية وخسائر كبيرة للقناة نفسها.
بدورها، تتسبب هجمات “الحوثيين” المتواصلة منذ أكثر من عام، انتقاما من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في تداعيات على حركة عبور السفن التجارية عبر مضيق باب المندب وبالتالي عبر قناة السويس التي تراجعت إيراداتها بشكل كبير.
أضرار جسيمة
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "ميرسك" الدنماركية العملاقة، فينسنت كليرك، للصحفيين إنه "لا توجد علامات على خفض التصعيد، وليس من الآمن لسفننا أو أفرادنا الذهاب إلى هناك... نتوقع في هذه المرحلة أن يستمر ذلك حتى عام 2025".
وكانت الشركة قد أعلنت في يناير/كانون الثاني 2024 أنها "ستحوّل جميع سفن الحاويات من طرق البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح في إفريقيا في المستقبل المنظور".
إلى ذلك، أوضح معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي أن الإيرادات المحققة باتت غير مشجعة بالنسبة للقناة، وبالتالي لمصر التي قامت بتأميمها عام 1956 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك.
وتشكل الإيرادات ما يقارب 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، إلا أن الربع الأول من عام 2024، شهد على سبيل المثال، تراجع عبور السفن بنسبة 43 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ولا تقتصر خسائر الناتج المحلي الإجمالي المصري على تراجع إيرادات القناة، وإنما تشمل أيضا ميناء بورسعيد المتضرر بدوره من تداعيات هجمات "الحوثي".
كما لاحظ المعهد البحثي الإيطالي أن وضع ميناءي جدة، ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبد الله غير البعيد، ليس بحال أفضل، وينطبق الحال نفسه أيضا على ميناء صلالة في عمان.
ويرى أن الإجابة على السؤال "إن كان البديل عن عبور قناة السويس الإبحار على طول السواحل الإفريقية عبر رأس الرجاء الصالح "، تعني بشكل أو بآخر الإجابة على سؤال ثان وهو من سيستفيد من هذا الوضع؟.
وبحسب زعمه، من المفارقة أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر “تصب في الحقيقة في مصلحة أعدائهم أي إسرائيل، لا سيما وأن البديل الأول والأكثر وضوحا والفوري لقناة السويس يتمثل في خليج العقبة الذي يطل عليه ميناء إيلات الإسرائيلي”.
وقال المعهد إنه "من الواضح أن الحوثيين، الذين يدركون هذا الاحتمال، هاجموا ميناء إيلات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لكن إسرائيل تمكنت حتى اللحظة من التصدي لهذه الهجمات".
إلا أن ذلك لم يمنع وقوع أضرار كانت جسيمة، خاصة وأن الهجمات كلفت المرفأ انخفاضا بنحو 85 بالمئة في نشاطه ليعلن في أكتوبر 2024 إفلاسه بسبب عدم النشاط.
ومع ذلك، لفت المعهد الإيطالي إلى أن "إسرائيل قد تفكر بجدية في تطوير هذا الميناء الصغير حاليا في المستقبل القريب".
وأضاف أن بإمكانها أن تزيد من أمنه ويمكنها شحن البضائع عبر تطوير خط السكك الحديدية من خلال ربط ميناء إيلات بميناءي أشدود وحيفا الأكبر.
بدائل أخرى
وأشار المعهد كذلك إلى أن “ميناء إيلات سيستفيد من فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، خصوصا أنه كان من بين المستثمرين المحتملين في المشروع الذي كان يهدف عام 2019 لجعل إيلات مركزا لوجستيا عالميا من خلال بناء مطار وتوسيع نطاق خط السكة الحديد”.
ويرجح احتمال ألا يفوت الاحتلال هذه الفرصة لسبب آخر وهو أن إيلات في الواقع مجرد واحد من بدائل أخرى متاحة لقناة السويس.
والبديل الآخر، بحسب المعهد البحثي، هو ذلك الذي يمثله "مشروع طريق التنمية" المقرر أن يبدأ تشغيله بحلول عام 2030-2031.
وهو مشروع عراقي لربط سككي وبري بين تركيا وأوروبا شمالا والخليج العربي جنوبا، لنقل البضائع بين الخليج وأوروبا.
ويشمل هذا المشروع العراق بالتحديد، وتشارك فيه قطر والإمارات وتركيا وسيمتد من البصرة العراقية إلى مرسين التركية ثم إلى أوروبا.
ووصف المعهد المشروع بالفرصة الكبيرة لبغداد وكذلك لإيران، لأنه سيجعل من الخليج العربي النقطة المركزية في حركة المرور بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عوض خليج العقبة.
إلا أنه لفت إلى أن "العراق يعد بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة رغم أنه يعيش مرحلة من الاستقرار النسبي".
وفي هذا السياق، تساءل المعهد إن كان لدى الولايات المتحدة وإسرائيل "مصلحة على المدى القصير والطويل في زعزعة استقرار بغداد لتجنب تحولها إلى مركز لوجستي على حساب إسرائيل".
ومن المنتظر، بحسب تحليله، أن تستفيد دول أخرى معنية من نجاح "مشروع طريق التنمية"، ما يعني تحقيق دول تركيا وقطر والإمارات التفوق على المستوى الإقليمي على حساب السعودية.
وقال إن الرياض ستتلقى ضربة مزدوجة، الأولى ستصيب مشروع مدينة "نيوم" المستقبلية الضخم والتي ستشهد انخفاضا حادا في أهميتها، فيما ستكون هناك أيضا أضرار اقتصادية واضحة على موانئها على البحر الأحمر.
وبالنظر إلى أن مشروع المدينة السعودية يعد الأبرز ضمن رؤية 2030، يتوقع المعهد أن "تكون الضربة التي ستتلقاها قيادة ولي العهد محمد بن سلمان شديدة للغاية".
كما أكد أن انتقال مركزية طرق التجارة البحرية بين آسيا وأوروبا من قناة السويس والمنافسة بين البديلين المحتملين، خليج العقبة والخليج العربي، يعد أحد المفاتيح التي يمكن من خلالها قراءة توازن العالم على المدى القصير والمتوسط وكذلك الطويل.
علاوة على ذلك، أشار المعهد إلى أن "هذه الديناميكية تتشابك مع الصراع التاريخي بين إسرائيل وإيران".