عودة مقلقة.. لماذا هاجم "تنظيم الدولة" سلطنة عمان بعد سنوات من انحساره؟

خالد كريزم | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

في تحرك نادر من نوعه، اختار "تنظيم الدولة" وللمرة الأولى، مهاجمة سلطنة عُمان، الدولة الخليجية الأكثر توازنا وهدوءا في علاقاتها السياسية بالشرق الأوسط والبعيدة عن الانقسامات الطائفية.

وفتح الهجوم باب التساؤلات واسعا عن مدى إمكانية عودة نشاط التنظيم في المنطقة وخاصة في دول الخليج التي تعد الأكثر استقرارا مقارنة بنظيراتها العربية.

تفاصيل الهجوم

وقع الهجوم مساء 15 يوليو/تموز 2024، بحدوث إطلاق نار في محيط مسجد للشيعة بمنطقة الوادي الكبير في مسقط.

وفي صباح اليوم التالي، أعلنت شرطة عُمان والأجهزة العسكرية والأمنية إنهاء إجراءات التعامل مع الحادثة التي أسفرت عن مقتل 5 أشخاص، وأحد رجال الشرطة ومقتل 3 جناة.

وذكرت الشرطة، في بيان لها أنه أصيب خلال الحادثة 28 شخصا من جنسيات مختلفة، بينهم 4 أشخاص من رجال الشرطة ومنتسبي هيئة الدفاع المدني والإسعاف، وذلك أثناء تأدية واجبهم الوطني.

وفي نفس اليوم، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية، مقتل 4 من مواطنيها وإصابة آخرين في الهجوم المسلح، ليسود اعتقاد بأن المهاجمين قد يكونون باكستانيين.

لكن عادت شرطة سلطنة عُمان، للتوضيح في 18 يوليو بالقول إن الثلاثة المتورطين في إطلاق النار هم إخوة من مواطنيها وقد تمّت تصفيتهم، كاشفة أن التحقيقات دلّت على تأثرهم بأفكار "ضالة".

ولم تقدم السلطات العمانية تفاصيل عن دوافع المهاجمين ولم تشر إلى الحادثة على أنها "هجوم إرهابي"، ولم تذكر أي روابط طائفية محتملة.

وفيما لم توضح المقصود بـ"الأفكار الضالة"، إلا أن "تنظيم الدولة" أعلن في 17 يوليو مسؤوليته عن الهجوم.

وقال التنظيم في بيانٍ على "تلغرام"، إن ثلاثة ممن وصفهم بـ"الانغماسيين من الدولة الإسلامية هاجموا تجمعا للشيعة أثناء ممارسة طقوسهم السنوية عند معبد لهم بمنطقة الوادي الكبير بالعاصمة".

واستهدف الهجوم مسجدا للطائفة الشيعية أثناء إحياء مراسم عاشوراء الموافق العاشر من شهر محرم بحسب التوقيت الهجري.

ويحيي الشيعة يوم عاشوراء الذي يستذكرون فيه مقتل الإمام الحسين في معركة كربلاء عام 680 على أيدي جنود الخليفة الأموي، يزيد بن معاوية، بمواكب وشعائر تقام في بلدان عدة حول العالم.

ويضم سكان عمان أعدادا كبيرة من المسلمين السنة والإباضيين، في حين يشكل الشيعة أقلية. 

وفي هذا البلد الخليجي، مجتمعات من الهندوس والبوذيين والمسيحيين وعدد كبير من المهاجرين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك باكستان ودول جنوب آسيا الأخرى.

وجاء إطلاق النار بمثابة صدمة في عمان، الدولة الهادئة والمتنوعة التي يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين نسمة وتقع في طرف شبه الجزيرة العربية. 

ولا يوجد فرع معروف لتنظيم الدولة في عمان، وهي الدولة التي تميل إلى البقاء بعيدا عن النزاعات الطائفية التي تعصف بالمنطقة الأوسع. 

لكن فروع تنظيمي الدولة والقاعدة، لديهم موطئ قدم في اليمن المجاور الذي مزقته الحرب.

وتتمتع عمان بمعدل جريمة منخفض، وتفتخر بسجل طويل من التعايش الديني في منطقة عانت فيها العديد من الدول الأخرى من العنف الطائفي.

وفي حين تفتقر عمان إلى الاحتياطيات النفطية الضخمة التي يتمتع بها جيرانها الأكثر ثراء، إلا أنها مهمة للسياسة الخارجية الأميركية بصفتها محاورا مهما ووسيطا بينها وبين إيران.

لماذا الآن؟

ولطالما أعلن "تنظيم الدولة" مسؤوليته عن هجمات مماثلة على تجمعات للشيعة في بلدان مختلفة، بما في ذلك مساجد شيعية في السعودية والكويت عام 2015، أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.

وآخر مرة ضرب فيها التنظيم منطقة الخليج كانت عام 2016 عندما حاول انتحاريون تنفيذ أربع هجمات متتالية في السعودية.

وجاء ذلك بعد أن سيطر التنظيم على مساحات شاسعة من العراق وسوريا قبل أن يعلن عام 2014 قيام ما سماه "الخلافة" فيها. 

لكن هجماته انحسرت بعد أن أعلن العراق عن هزيمته بالكامل عام 2017 بدعم من تحالف عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة.

كما خسر في عام 2019 آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا أمام قوات كردية مدعومة أيضا من واشنطن.

ويرى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية والجماعات الجهادية حسن أبو هنية أن “هجوم عمان يمثل علامة فارقة، فتاريخيا لم يتعرض هذا البلد لهجمات من قبل تنظيم الدولة أو غيره من التنظيمات الجهادية كونه مثالا للتعايش والتسامح والتفاهم”.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن التنظيم “لا يزال يتمتع بجاذبية وقدرة على تجنيد أشخاص جدد حتى في منطقة لم تكن متوقعة على الإطلاق من قبل الخبراء”.

وعن توقيت الهجوم، يربط أبو هنية عودة نشاط التنظيم بعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وما صاحبها من نشاط لمحور المقاومة التي تقوده إيران.

وقال في هذا السياق: “بعد العمية التي نفذت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هناك انبعاث مرة أخرى للجدل الطائفي، مرتبط بخشية أن يتعاظم نفوذ إيران في المناطق كافة”.

وبعد طوفان الأقصى، انخرطت الفصائل المحسوبة على محور المقاومة بقيادة إيران، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل أخرى بالعراق، في شن هجمات على إسرائيل التي تشن عدوانا مدمرا على قطاع غزة.

ومن هنا يعتقد أبو هنية أن التنظيم يعود اليوم لتجنيد أناس مستغلا الصراعات الطائفية والهوياتية، ليحاول خلط الأوراق مرة أخرى ويستثمر هذا النزاع من أجل التمدد.

ويتابع: “لكن من الواضح أن الهيمنة والنفوذ الإيراني يستدعي التنظيم لمحاولة الصعود مرة أخرى، وتقديم نفسه على أنه ممثل للهوية السنية على تقدير ان الأنظمة العربية السنية المعتدلة لا تنصر هذه الهوية على الإطلاق وتتبع لأميركا”.

بدوره، قال آرون زيلين، وهو زميل بارز في جامعة واشنطن: "إن ذلك يوضح أن تنظيم الدولة يفكر خارج الصندوق ويحاول القيام بأشياء يعتقد معظم الناس أنها غير ممكنة، مستفيدا من الإخفاقات الصغيرة داخل الهياكل الأمنية في مختلف البلدان". 

وأضاف لوكالة “أسوشيتد برس” الأميركية في 17 يوليو: “هذا جزء من إعادة تنظيمهم من كونهم مجموعة تقوم بمعظم أنشطتها في العراق وسوريا إلى استخدام مواردها في شبكة عالمية”.

ما القادم؟

يعتقد أبو هنية أن هذا الحدث يشير إلى العودة مرة أخرى لـ"مسار الراديكالية والعنف" في المنطقة، متوقعا أن يجر هجوم عمان حوادث أخرى من هذا النوع.

وتابع: “التنظيم نشأ بالأساس على خلفية صعود الهوية الطائفية الشيعية في العراق ثم بعد ذلك في سوريا ولبنان واليمن”.

ومنذ تنفيذ عملية “طوفان الأقصى” وما صاحبها من نشاط شيعي عسكري، أصبح التنظيم أكثر جرأة وقوة سواء في مركزه بالعراق وسوريا أو غيرها من الأماكن مثل إفريقيا، وكذلك أفغانستان وباكستان ممثلا بولاية خراسان.

واستدل أبو هنية على ذلك بالهجوم الذي نفذه التنظيم بالعاصمة الروسية موسكو في مارس/آذار 2024 وأسفر عن مقتل 144 شخصا.

وكذلك الانفجار المزدوج في محافظة كرمان جنوبي إيران في يناير/كانون الثاني من نفس العام، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح العشرات.

وبالتالي، يرى أبو هنية أن هناك “عودة كبيرة لعميات التنظيم في ظل انشغالات بالصراعات الجيوسياسية، حيث ينتقل لمرحلة أخرى وهجمات أكثر جرأة وفي مناطق غير متوقعة”.

وأردف في نفس السياق: “هناك نزعة راديكالية لدى تيار واسع مناهض لايران ونفوذها وهيمنتها ولذلك نحن امام مشهد جديد وقد نشهد عودة هجمات التنظيم”.

واستبعد أن يكون هجوم عُمان نفذ من خلية منفردة دون جهاز عمل خارجي ساعد في التنظيم والتمويل، “خاصة في ظل وجود نشوة شيعية لترسيخ النفوذ في المنطقة”.

ويتفق الباحث السعودي في شؤون التيارات الشيعية، حسن المصطفى، مع سابقه في أن "خطر تنظيم الدولة لا يزال قائما"، في جيوب صغيرة، من أفغانستان إلى دول الساحل الإفريقي.

وقال المصطفى لموقع "الحرة" الأميركي في 17 يوليو، إن “تنظيم الدولة ورغم الضربات الموجعة التي وجهت له في أكثر من دولة، فإنه مازال ينشط خلف الكواليس”.

ويرى أن التنظيم "يعمل على إعادة تنظيم قوته من خلال بعض الجيوب في المناطق المضطربة وغير المستقرة في أفغانستان وإفريقيا أو حتى بعض الجيوب الصغيرة في العراق وسوريا".

وأضاف أن "التنظيم مستمر في دعوته للفكر المتطرف وجذب المزيد من الأتباع من خلال استخدام التقنيات الحديثة".

ونقل موقع “بي بي سي” البريطاني عن أحد كبار المسؤولين في مقر الحكومة البريطانية في لندن قوله إن التنظيم “متضائل، لكنه لم ينته تماما”.

وقال المسؤول في 30 يونيو/حزيران 2024، إن قيادة التنظيم الأساسية المتضائلة مازالت موجودة في سوريا، لكنه كتنظيم، وسّع نطاق انتشاره خارجها عبر عدة قارات.

ويقع الجزء الأكبر من الهجمات التي تُنفذ باسم التنظيم حاليا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي أوروبا والشرق الأوسط، ويُعد فرعه في ولاية خراسان هو الأكثر خطورة، وفق تقديره.