اغتال "جزار البلوش".. لماذا صعد جيش العدل عملياته ضد نظام طهران؟
"جيش العدل صور نفسه كمدافع عن المجتمع البلوشي السني ضد القمع الشيعي"
تمكن "جيش العدل" وهو تنظيم يحارب النظام الإيراني منذ عقد من الزمن، من توجيه "ضربة موجعة" لأجهزة الأمن الإيرانية التي تواصل قمع البلوش السنة في هذا البلد ذي الغالبية الشيعية.
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا" في 23 أغسطس/آب 2024 بأن "نائب مدير الأمن- رئيس قسم التحقيق الجنائي في شرطة بلدة خاش حسين بيري اغتيل على يد مسلحين بالقرب من منزله" بعد صلاة الجمعة؛ حيث أعلن “جيش العدل” السني مسؤوليته عن هذه العملية.
وذكر ناشطون إيرانيون، أن مدير أمن الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني والمعروف بـ "جزار البلوش" حسين بيري اغتيل في مدينة خاش بمحافظة بلوشستان الإيرانية.
تزايد العمليات
ولفت موقع "إيران إنترناشونال" إلى أن مسلحين ينتمون إلى جماعة "جيش العدل" الإيرانية المعارضة أقدموا على قتله أمام منزله.
ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام تغطي أخبار محافظة بلوشستان الإيرانية، فإن بيري كان له دور كبير في اعتقال المواطنين البلوش وقمعهم خلال الأسابيع الماضية.
وأفاد موقع "حال واش"، المعني بحقوق الإنسان في بلوشستان إيران، في 29 يوليو/تموز 2024 بمقتل امرأة وإصابة ثلاثة مواطنين آخرين، بعد إطلاق النار من قِبل القوات العسكرية في قرية قادر آباد بمدينة خاش.
وذكر الموقع الإخباري الإيراني أن قوات الأمن وأفرادا عسكريين هاجموا قرية قادر آباد في مدينة خاش بغرض تفتيش منازل المواطنين.
وعندما احتج الأهالي على هذه الإجراءات بسبب عدم وجود إذن من المحكمة، بدأت القوات في إطلاق النار عليهم، ونتج عن ذلك مقتل امرأة وإصابة ثلاثة آخرين، بينهم مراهق.
وأعلنت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري، والتي نشرت خبر هجوم عناصر الأمن في خاش، أنه جرى إلقاء القبض على أربعة أشخاص لنقلهم متفجرات لجماعة جيش العدل في قرية قادر آباد.
وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان البلوشية، بما في ذلك مجموعة هاليش الإخبارية، تقول إنه في الأسابيع الماضية، اعتقل بيري المواطنين البلوش بعنف عدة مرات.
وفي 3 أغسطس 2024 ، اقتحم بيري منزلا سكنيا في حي ولي آباد في خاش، وفتح النار، وأهان واستخدم كلمات بذيئة، واعتقل بعنف مواطنين بلوش، حسبما ذكرت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.
وأعادت حادثة الاغتيال هذه تسليط الدور على مواصلة “جيش العدل” الرد على عنف النظام الإيراني ضد المواطنين البلوش.
لا سيما أن اضطهاد البلوش السنة بات إحدى القضايا التي يثيرها الناشطون والشخصيات المدنية والدينية في إيران.
إذ يتعرض المجتمع السني في إيران لاضطهاد ممنهج على يد السلطات الإيرانية، بداية من التضييق في حرية ممارسة الشعائر، مرورا بالاعتقالات التعسفية وحتى أحكام الإعدامات الجماعية.
ويبلغ عدد السنة في إيران ما بين 10 إلى 15 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 90 مليون نسمة.
ويتركز المواطنون الإيرانيون السنة في محافظات كردستان وخوزستان وسيستان وبلوشستان.
وقد تساءل خطيب أهل السنة في إيران مولوي عبد الحميد، خلال خطبة الجمعة في زاهدان 2 أغسطس 2024: “لماذا لا يتوقف الضابط الذي يطلق النار دون حسيب ولا رقيب؟”، في إشارة إلى حسين بيري قبل اغتياله.
وانتقد الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران في زاهدان إطلاق الضباط النار على المواطنين الأبرياء.
وقال: “أحيانا نسمع عن إطلاق النار على امرأة وقتلها، أو على فتاة أو العديد من الشباب وإصابتهم؛ لماذا لا يوجد حسيب ولا رقيب؟”
وتشكل "جيش العدل" عام 2012 في إقليم سيستان- بلوشستان وهي منطقة حدودية مع باكستان وأفغانستان.
وهي تعد واحدة من أكثر مناطق إيران فقرا، وينتمي غالبية سكانها إلى إثنية البلوش السنية فيما غالبية سكان البلاد من الشيعة.
وفي ذاك الإقليم ينشط "جيش العدل" وينفذ هجمات قاتلة ضد قوات الأمن والشرطة والحرس الثوري الإيراني.
وتعد الحكومة الإيرانية "جيش العدل" جماعة "إرهابية وتابعة لأجهزة المخابرات السعودية والأميركية"، وتطلق عليه اسم "جيش الظلام".
وكذلك تصنف الولايات المتحدة إلى جانب اليابان ونيوزيلندا، هذه المجموعة على أنها إرهابية.
"قمع ممنهج"
وتزايدت هجمات “جيش العدل” في إيران، ففي 16 أغسطس 2024 أعلن أن مجموعة من وحدة القناصة التابعة له هاجمت موقعا مركزيا لقوات الشرطة في قرية قلعة بيد بمدينة زاهدان، مشيرا إلى أن الهجوم أسفر عن سقوط عدد من القتلى في صفوف هذه القوات القمعية.
وقال “جيش العدل” في بيان على تلغرام: "نصيحتنا المتكررة والمستمرة لعملاء نظام الملالي القمعيين في الأجهزة العسكرية والأمنية هي الامتناع عن أن يصبحوا أداة قمع وذلك لحماية حياتهم وعائلاتهم وأقاربهم، والبحث عن وظيفة شريفة تضمن لهم حياة كريمة وآمنة".
وحينها أفادت وكالة فيلق القدس للأنباء، في 16 أغسطس 2024، بمقتل ضابط شرطة في هجوم شنه مسلحون على مركز شرطة قلعة بيد في زاهدان.
وسبق أن نفذ “جيش العدل” عمليات في 9 أبريل/نيسان 2024، عندما اشتبك مع قوات أمنية في مدينة سيب سوران بمحافظة سيستان، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص من أفراد الأمن الإيراني.
وينفذ "جيش العدل" الهجمات بهدف إنهاء التمييز ضد الأقليات السنية في إيران، ولا سيما أن جميع القوميات غير الفارسية وأبرزها الأذرية والكردية والكردية البلوش والعربية تعاني من السياسات التمييزية.
ويمنع النظام الإيراني المشاركة السياسية ويحظر الأحزاب، وينفذ إعدامات واعتقالات تعسفية وترحيلا ضد الناشطين والمعارضين سواء الأكراد أو العرب في الأحواز والبلوش في بلوشستان.
فيما يطالب هؤلاء بالحقوق والحريات الوطنية التي حرموا منها ويرفض النظام الإيراني الاعتراف بها بل ويسعى إلى طمس هويتهم وإنهائها بالقوة.
ويشكل البلوش نحو 5 بالمئة من سكان إيران، لكنهم يشكلون نحو 20 بالمئة من إجمالي عمليات الإعدام في البلاد التي تطال المعارضين المناهضين للنظام الإيراني.
وخلال الاحتجاجات المناهضة للنظام على مستوى البلاد في عام 2022، كانت سيستان وبلوشستان مسرحا لأعنف حملة قمع حكومية.
ففي 30 سبتمبر من ذلك العام، والذي يشار إليه باسم "الجمعة الدموية"، قُتل ما يقرب من 100 متظاهر بالرصاص عندما اندلعت احتجاجات على مقتل الشابة مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق”.
ولهذا فإن حالة الاضطهاد والفقر واليأس والمعاملة القاسية من جانب النظام الإيراني بحق البلوش، تدفع إلى مزيد من خلق الظروف الخصبة للتعاطف مع جيش العدل من قبل أبناء هذه الإثنية.
استقرار "البلوش"
وضمن هذا السياق، قال الباحث والمحلل في شؤون الإرهاب والجماعات المسلحة دانييل جاروفالو، "إن جيش العدل صور نفسه كمدافع عن المجتمع البلوشي السني ضد القمع الشيعي".
وأضاف جاروفالو في تصريح لإذاعة صوت أوروبا الحرة في أبريل 2024 ، أن "مزاعم طهران بأن جيش العدل مدعوم من دول أجنبية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق".
كما يشير إلى أن "جيش العدل يطلق مبادرة لجمع التبرعات في شكل عملة مشفرة على موقعه على الإنترنت وقناته على تلغرام".
ويقول إن الأسلحة التي خلفتها الولايات المتحدة بعد انسحابها من أفغانستان عام 2021 "وقعت في أيدي جماعات مسلحة مختلفة"، بما في ذلك جيش العدل، مضيفا أن الأخير حصل أيضا على أسلحة عبر السوق السوداء.
ولم تتمكن السلطات من الحد من العدد المتزايد من الهجمات في سيستان وبلوشستان، وهي منطقة شاسعة قاحلة.
وذهب جاروفالو للقول: "تكافح إيران لاحتواء هذه الجماعات لأنها تعمل في مناطق نائية للغاية حيث تحظى بقدر كبير من الدعم، ولا يتمتع الحرس الثوري الإسلامي إلا بقدر ضئيل من السيطرة".
ويرى بعض المراقبين أن "جيش العدل" يطمح لاستعادة دولة البلوش التاريخية التي كانت تعرف باسم "خانية كلات".
وظلت بمثابة دولة للبلوش حتى عام 1839 عندما أخضعت للسيطرة البريطانية، وجرى تقسيمها بين باكستان وإيران وأفغانستان.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تنامي المطالبات بالانفصال في أجزاء بلوشستان الثلاثة (في كل من إيران وباكستان وأفغانستان) لتأسيس الدولة البلوشية.
إلا إن النظام الإيراني يتعمد زعزع استقرار المواطنين البلوش للحفاظ على سيطرته الأمنية على هذه المنطقة.
لكن أدت سياسة القمع الممنهج بحق البلوش إلى انعدام الأمن مما أحدث العديد من التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وزاد من تفاقم الفقر والجوع والنزوح وانهيار الهياكل الاجتماعية في الإقليم.
حتى إن العديد من المناطق في بلوشستان تفتقر إلى إمكان الوصول حتى إلى الخطوط الأرضية الأساسية.
ففي زاهدان، عاصمة الاقليم، يضطر السكان في كثير من الأحيان إلى تسلق الجبال المحيطة للحصول على إشارة الهاتف المحمول.
ولهذا يؤكد "جيش العدل" على أنه "يقاتل من أجل حقوق متساوية للمسلمين السنة في إيران"، على الرغم من أنها تصنف كحركة عرقية قومية بامتياز.
وفي حوار مع صحيفة "الرياض" السعودية نشر في 15 أغسطس 2015، قال قائد "جيش العدل" صلاح الدين فاروقي: "إن الجيش هو منظمة دفاعية وعسكرية لصون الحقوق الوطنية والدينية للشعب البلوشي وأهل السنة في إيران".
وأردف: "عمدت طهران إلى عدم إشراك الشعب البلوشي في نظام حكم الدولة الإيرانية، وكانت أبرز المظالم والجرائم التي ترتكبها تتمثل باستهداف ديننا وأرضنا عبر التعامل الأمني اللاإنساني الذي أدى إلى تمزيق هويتنا والتضييق على ديننا".