كيف فضح عدوان إسرائيل على لبنان خطتها المسبقة لمحو قرى الجنوب من الخريطة؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يشي تعمد جيش الكيان الإسرائيلي تفجير عشرات المنازل اللبنانية على الحدود ومحو بلدات من الخريطة بعد تلغيمها ونسفها، بوجود “مخطط معد مسبقا”، لتدمير منطقة جنوب لبنان.

وهذه الإستراتيجية التي طبقها الاحتلال في قطاع غزة، هي بخلاف الأهداف المعلنة التي تروج لها إسرائيل بأنها تهدف إلى "القضاء على حزب الله" في لبنان.

"إستراتيجية التدمير"

فمنذ فتح حزب الله جبهة ضد إسرائيل إسنادا لغزة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023 كان الاحتلال يستهدف عددا من المنازل المحدودة في بعض القرى بهدف تهجير سكانها.

إلا أنه عقب نزوح عشرات الآلاف من قرى جنوب لبنان وإفراغها بالكامل عبر تكثيف الغارات الإسرائيلية، انتقل الاحتلال إلى تنفيذ عمليات تدمير ممنهجة لقرى لبنانية منذ بدء العدوان على لبنان في 23 سبتمبر 2024.

وقد كان لافتا وجود فرق تتبع لسلاح الهندسة الإسرائيلي مهمتها تلغيم المنازل الحدودية وتفجيرها لدرجة نسف بلدات كاملة مؤلفة في الجنوب اللبناني.

وقد تضرر أو دُمر ما يقرب من ربع جميع المباني في 25 بلدة جنوب لبنان بالقرب من الحدود الفلسطينية، وفقا لتحليل موسع لبيانات الأقمار الصناعية الذي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" حتى 26 أكتوبر 2024.

وأكدت الصحيفة أن الاحتلال الإسرائيلي كان يستخدم الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية، إما من خلال الاستهداف المباشر بالضربات الجوية والمدفعية أو التفجير المتحكم فيه، ما يجعل أجزاء كبيرة من الجنوب غير صالحة للسكن.

ويزعم جيش الاحتلال قيامه بتلك التفجيرات بذريعة أن “نشاط حزب الله يجبره على ذلك”، لكن ما اتضح لاحقا هو وجود "خطة مسبقة" للاحتلال وفق تقارير صحفية لتدمير قرى جنوب لبنان.

إذ ‏يعمد الاحتلال عقب ذلك، إلى "إصدار تنبيه" رسمي يحذر فيه السكان من إعادة التوجه جنوبا، ويضمن تحذيره بالقول: "إن أي تحرك نحو الجنوب يشكل خطرا على حياتكم،‏ سنقوم بإبلاغكم متى يمكنكم العودة إلى منازلكم عند توفر الظروف الملائمة لذلك".

ودرج المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي على تكرار النشر على حسابه في إكس أسماء البلدات اللبنانية بلدة بلدة ويدعو سكانها للإخلاء بشكل فوري كونها ستتعرض للقصف.

وبالفعل يفر الاهالي من قراهم جنوب لبنان إلى مناطق تقع شمال نهر الأولي وإلى عمق الشمال اللبناني، ثم تباد القرية كاملة، ولا يُترك مكان يعود إليه المهجرون.

وأدى العدوان الإسرائيلي إلى إجبار نحو 1.2 مليون شخص على النزوح من منازلهم منذ 23 سبتمبر 2024، وفق الحكومة اللبنانية.

"منطقة عازلة"

وتزعم إسرائيل التي بدأت توغلا بريا من جنوب لبنان في مطلع أكتوبر 2024 أنه يهدف إلى تأمين عودة عشرات الآلاف من المستوطنين الذين فروا من شمال إسرائيل بسبب إطلاق حزب الله الصواريخ.

ومن خلال تحليل بيانات الأقمار الصناعية المقدمة من مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون، وجدت "واشنطن بوست" أن الهجمات الإسرائيلية تُدمر بشكل خطير مساحات المعيشة والبنية التحتية في لبنان.

وأظهر العديد من صور الأقمار الصناعية الحديثة لا سيما في بلدات رامية وعيتا الشعب وبليدا وحيبيب و7 قرى أخرى، أن القوات الإسرائيلية تسعى لفرض سيناريو شبيه لما حصل في قطاع غزة.

إذ بينت تلك الصور فضلا عن عدد من البيانات التي جمعها خبراء رسم الخرائط، اتساع نطاق الدمار في 11 قرية متاخمة للحدود بين لبنان وإسرائيل، وفق ما نقلت وكالة "أسوشيتد برس" في 3 نوفمبر 2024.

وفي جميع أنحاء المناطق الحدودية، تضرر أو دمر ما لا يقل عن 5868 مبنى، بما في ذلك ما يقرب من نصف المباني في المنطقتين الأكثر تضررا، عيتا الشعب وكفركلا. 

والغالبية العظمى من الأضرار – ما يقرب من 80 بالمئة، حدثت منذ 2 أكتوبر 2024 أي في اليوم التالي لشن إسرائيل غزوها البري على لبنان انطلاقا من الحدود الجنوبية.

كما أكد عدد من الخبراء أن إسرائيل ربما تهدف إلى "إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان، وهي إستراتيجية سبق أن نشرتها على طول حدودها مع غزة، وفق "أسوشيتد برس".

ففي قرية رامية الصغيرة الواقعة على قمة تلة على بعد مسافة قصيرة من الحدود الإسرائيلية، بدا الدمار كبيرا، إذ كادت تلك القرية أن تمحى من على الخريطة.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية في قرية مجاورة، مشهدا مشابها، إذ بعدما كانت التلة مغطاة بالمنازل، تحولت الآن إلى بقعة رمادية من الأنقاض، حسب "أسوشيتد برس".

كذلك بينت المشاهد من عيتا الشعب، مساحات تحولت إلى اللون الرمادي جراء الدمار في تلك البلدة الحدودية.

كما أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية في 3 نوفمبر بأن "وزارة الدفاع تشرع في بناء ملاجئ وتحصينات في البلدات القريبة من الحدود اللبنانية".

وأضافت القناة أن "تكلفة أعمال الإنشاء تبلغ نحو 130 مليون شيكل (34 مليون دولار) وتشمل بناء ملاجئ في مؤسسات أكاديمية في الجليل الأعلى".

وتشمل الأعمال وفق القناة "تحصين حوالي 150 مؤسسة عامة وتعليمية وأكثر من 200 ملجأ".

"حملة ممنهجة"

ويشير حجم الدمار عبر منطقة الحدود إلى حملة منهجية لتطهير المنطقة عرقيا على غرار ما يفعله الجيش الإسرائيلي في المناطقة الحدودية بغزة، لا سيما محافظة الشمالي.

اللافت أن الاحتلال يوثق تفجير هذه البلدات في لبنان بعشرات الأطنان من المتفجرات على غرار ما يفعله بغزة.

لدرجة أن الصحفي الإسرائيلي في القناة 12 الإسرائيلية "داني كوشمارو" رافق قوات الاحتلال الإسرائيلي وبث تفجير منزل جنوبي لبنان يطل على مستوطنتَي دوفيف وميرون في 26 أكتوبر 2024.

ويبدو أن قرى العشائر العربية الست في جنوب لبنان - القطاع الغربي، قضاء صور، المحاذية لحدود فلسطين (مروحين، الضهيرة، البستان، أم التوت، الزلوطية، يارين) كلها أزيلت عن الخارطة.

 وضمن هذا السياق، قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاجوبال، في تصريحات تلفزيونية لقناة الجزيرة في 24 أكتوبر إن "هدم المنازل وتفجيرها في غزة وجنوب لبنان هي إستراتيجية إسرائيلية لتوسيع الاستيطان".

وأضاف: “إسرائيل دمرت في جنوب لبنان منازل ومدارس ومساجد.. حيث إن نمط التدمير يبدأ من الخط الأزرق الذي يحدد الحدود الشمالية بين إسرائيل ولبنان وصولا إلى نهر الليطاني أي على بعد 18 كيلومترا”.

 وأشار راجاجوبال إلى أن "إسرائيل تصدر أوامر إخلاء بطريقة ممنهجة جنوب لبنان وتقوم بتدمير القرى حتى تلك الفارغة من سكانها".

وأردف: "وهذا يعني أن هناك خطة صهيونية لتوسيع حدود إسرائيل وضم مناطق من لبنان؛ خاصة أن مؤسسي حركة الصهيونية ذكروا أن أرضهم لا تقتصر على غزة بل حتى جنوب لبنان".

ويخشى بعض اللبنانيين من أن تحتل إسرائيل أجزاء من الجنوب، بعد 25 عاما على تحريره، وألا يتمكنوا من العودة قريبا إلى منازلهم وأرزاقهم وبساتينهم.

وقالت أورنا ميزراحي، الباحثة افي معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "إن الهدف المباشر لإسرائيل ليس إنشاء منطقة عازلة - ولكن هذا قد يتغير".

وأضافت لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية: "ربما لن يكون لدينا خيار آخر سوى البقاء هناك حتى نتوصل إلى اتفاق يضمن لنا عدم عودة حزب الله إلى المنطقة".