حدادي أم أخرباش؟.. صراع مغربي جزائري على منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي
"هذه المواجهة تتجاوز كونها مجرد صراع بين امرأتين"
تدور منافسة شديدة بين الجزائر والمغرب على منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي، حيث تتواجه كل من الجزائرية سلمى مليكة حدادي والمغربية لطيفة أخرباش في هذه الانتخابات.
وتقول مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن هذا الصراع يتجاوز مجرد مواجهة بين شخصيتين نسائيتين، بل يعكس التنافس الجيوسياسي بين البلدين في القارة الإفريقية.
صراع محتدم
فعلى الرغم من المنافسة القوية على رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، إلا أن السباق على منصب نائب الرئيس لا يقل أهمية، على حد وصف المجلة الفرنسية.
إذ يتنافس ستة مرشحين من منطقة شمال إفريقيا، من بينهم جزائرية ومغربية، تعدان المرشحتين الأكثر حظا للفوز بالمنصب.
وكما ذكرت المجلة، فإن التنافس بين المغربية لطيفة أخرباش والجزائرية سلمى مليكة حدادي يجذب انتباه المراقبين.
وتلفت النظر إلى أنه وراء هاتين المرشحتين تكمن رهانات كبيرة لكل من المغرب والجزائر، اللذين انقطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ أغسطس/ آب 2021.
وتتوقع المجلة أن تعيد هذه الانتخابات تشكيل التوازنات داخل الاتحاد الإفريقي وتزيد من تأجيج التوترات بين هاتين القوتين الإقليميتين.
لطيفة أخرباش
وبالحديث عن المرشحة المغربية لطيفة أخرباش، توضح "جون أفريك" أنها تُعد شخصية معروفة على الساحة الدبلوماسية.
إذ كانت في السابق صحفية، ثم وزيرة منتدبة في وزارة الشؤون الخارجية، وهي حاليا رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "HACA".
وتبرز المجلة أن مسيرتها المهنية تميزت بمهام دولية، لا سيما مهمتها كسفيرة للمملكة المغربية في تونس. كما أنها تولت العديد من المسؤوليات التي تجعل منها مرشحة قوية للمنصب.
ومن ناحية أخرى، تعد هذه الانتخابات بالنسبة للمغرب، الذي عاد للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي في 2017 بعد غياب طويل، فرصة لتعزيز نفوذه داخل المنظمة وتأكيد دوره القيادي في القارة الإفريقية.
وبهذا الشأن، يقول دبلوماسي في الاتحاد الإفريقي من أديس أبابا: "إن أخرباش تجسد تماما الطموح المغربي في تعزيز موقعه داخل الهيئات الإفريقية".
ويصفها الدبلوماسي بأنها "مفاوضة براغماتية قادرة على توحيد الآخرين حولها، خاصة في الملفات المعقدة كما يحدث في مؤسسة "HACA" التي تديرها بنجاح منذ 2018".
بالإضافة إلى ذلك، أقامت أخرباش، منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، تحالفات إستراتيجية وسجلت نجاحات في عدة مجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وقضية الهجرة والتنمية الاقتصادية.
ومع ذلك، تشير المجلة الفرنسية إلى أن هذا الصعود لا يحظى بالإجماع. ويشرح الدبلوماسي ذلك قائلا إنه "لا يزال يُنظر إلى المغرب من قبل البعض على أنه يسعى لفرض نفوذه على القارة".
وأضاف أن "بعض التحالفات، خاصة في الدول الناطقة بالفرنسية، ترى في أخرباش رمزا لطموح مغربي قوي، بل ومفرط، داخل الاتحاد الإفريقي".
ويعتقد أنه "إذا كانت الرباط تأمل أن تشكل هذه الانتخابات اعترافا بعودتها القوية، فسيكون عليها إقناع الدول المترددة، خاصة تلك التي تدعو إلى الاستمرارية داخل المنظمة حيث لا تزال الجزائر تتمتع بدعم مؤثر، لا سيما من نيجيريا وأنغولا وجنوب إفريقيا".
سلمى حدادي
واصفا إياها بأنها "الورقة الرابحة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون"، تذكر "جون أفريك" أن "الشخصية الجزائرية المنافسة للمرشحة المغربية هي سلمى مليكة حدادي".
وذكرت أنها حاصلة على شهادة في القانون من جامعة "نانت" الفرنسية، وهي خبيرة قانونية ودبلوماسية محترفة.
ومقارنة بالمنافسة المغربية، تقول المجلة إن "حدادي تقدمت في وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بخطوات تتسم بالهدوء، وهو ما يميزها عن أخرباش".
وفي الوقت الحالي، تشغل حدادي منصب سفيرة في إثيوبيا منذ أغسطس/ آب 2024، كما أنها تمثل بلدها في الاتحاد الإفريقي وفي اللجنة الاقتصادية لإفريقيا.
علاوة على ذلك، يشمل مسارها المهني مهمات حساسة في السودان وكينيا والأمم المتحدة، وفق ما ورد عن المجلة.
ومع ذلك، على عكس منافستها المغربية، لم تترأس مرشحة الجزائر أي هياكل إدارية كبيرة.
وكما يشير الدبلوماسي من الاتحاد الإفريقي، فإن حدادي ليست معروفة لدى الجمهور العام.
والأكثر أهمية من ذلك أنها "تفتقر إلى الخبرة في قيادة منظمات كبيرة"، مشيرا إلى أن "نقطة الضعف هذه قد تضر بها في مسار سعيها للوصول إلى منصب يتطلب إدارة قضايا إدارية ضخمة".
ولكن من ناحية أخرى، تسلط المجلة الفرنسية الضوء على أن "حدادي تستفيد من دعم سياسي قوي داخل النظام الجزائري".
وكما يوضح أحد المراقبين، فهي قريبة من وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، وتحظى بدعم الرئيس تبون.
وبالإشارة إلى أنها "تمكنت من فرض نفسها في بيئة دبلوماسية جزائرية عادة ما تكون ذكورية جدا"، تنقل المجلة عن ما يُقال في أروقة القصر الرئاسي من أن "قوتها تجلت خلال الأزمة الأخيرة بين النيجر والجزائر".
حيث أقنعت الرئيس تبون بعدم التصعيد في الرد والاكتفاء باستدعاء السفير النيجري، بحسب المجلة.
ومن زاوية أخرى، تحذر المجلة من أن "إستراتيجية الجزائر تفتقر إلى الوضوح، وهو ما قد يخلط الرسالة التي تحملها دبلوماسيتها".
فبعد أسبوع من تقديم حدادي ترشحها في 31 يوليو/ تموز 2024، قدمت الجزائر، على عكس المعتاد، مرشحا ثانيا لنفس المنصب، وهو سلفها في منصب سفير الجزائر لدى الاتحاد الإفريقي، صلاح الهامدي.
وفي هذا الصدد، يعلق أحد المحللين السياسيين قائلا: “يترك هذا الترشيح الثاني تساؤلات حول النوايا الحقيقية للجزائر؛ هل هي رغبة في السيطرة على الساحة وكسب الانتخابات بأي ثمن؟ أم لخلط الأوراق وجعل الخيار أكثر صعوبة؟” لافتا إلى أن ذلك "قد يؤدي في النهاية إلى فوز شخصية كانت تعد في البداية بعيدة عن المنافسة".
قضايا تتجاوز المرشحين
وفي إطار ما ذُكر، تخلص "جون أفريك" إلى أن "هذه المواجهة تتجاوز كونها مجرد صراع بين امرأتين".
لافتة إلى أن "المواجهة تعكس الصراع الجيوسياسي بين قوتين إقليميتين تتمتعان بإستراتيجيات متعارضة تماما داخل الاتحاد الإفريقي".
وهنا، توضح المجلة أن "المغرب، منذ عودته إلى المنظمة، سعى إلى إعادة تعريف دوره في القارة، معتمدا سياسة التعاون جنوب-جنوب".
وأردفت: "وبفضل عودته الدبلوماسية، تمكنت الرباط من فرض نفسها كلاعب أساسي، بينما عملت تدريجيا على تقويض النفوذ التاريخي للجزائر في القارة".
وفي هذا الصدد، تنقل المجلة عن مصدر آخر داخل الاتحاد الإفريقي قوله إن "إحدى القضايا الرئيسة بالنسبة للمغرب هي إثبات قدرته على لعب دور رئيس في إدارة الاتحاد الإفريقي، بعيدا عن القضايا السياسية البسيطة".
ومن جانبها، لا تمثل المعركة بالنسبة للجزائر أهمية أقل، كما ورد عن المجلة.
"وبالنظر تاريخيا، كانت الجزائر مؤثرة داخل المنظمة، وعليها في الوقت الحالي أن تكافح للحفاظ على مكانتها في مواجهة المغرب الذي يزداد حضورا"، على حد قول المجلة.
وبحسب ما أضافه المصدر من الاتحاد الإفريقي، "يجب على الجزائر التكيف مع سياق جديد حيث تغيرت التوازنات".
وفيما يخص نتيجة الانتخابات، تظهر المجلة الفرنسية أنه من الصعب التنبؤ بنتيجتها، بالرغم من أن موعد الانتخابات سيكون بعد أقل من 4 أشهر.
فبالإضافة إلى المنافستين المغاربيتين، هناك شخصيات أخرى تتنافس لخلافة الرواندية مونيك نسانزاباغانوا، التي تشغل منصب نائبة رئيس الاتحاد الإفريقي حتى فبراير/ شباط 2025.
وفي غضون ذلك، بينما يبدو أن لطيفة أخرباش لديها ميزة طفيفة على سلمى مليكة حدادي بفضل شبكة حلفائها الناطقين بالفرنسية والإنجليزية، فإن المصرية حنان مرسي هي أيضا مرشحة قوية، بحسب ما تلفت إليه المجلة.
وهنا، تذكر "جون أفريك" أن مرسي كان لها دور بارز ومؤثر في اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، وقد تستفيد من المنافسة بين الرباط والجزائر.
وعلى العكس، توضح المجلة أن الليبية نجاة الحجاجي، رغم خبرتها كمديرة سابقة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في أوائل العقد 2000، تواجه عائقا بسبب ماضيها كسفيرة قريبة جدا من معمر القذافي.
وفي النهاية، تذهب المجلة إلى أن "انتخابات فبراير 2025 لنائب رئيس الاتحاد الإفريقي ستكون أكثر من مجرد مسألة دبلوماسية بسيطة".
وتختتم المجلة تقريرها بالقول إن "هذه الانتخابات ستمثل إعادة توزيع للأوراق في المنطقة، كما أنها ستحدد التبعات التي ستتجاوز حدود الاتحاد الإفريقي".
وهذا ما يشير إلى أن المفاوضات خلف الكواليس ستشتد في الأسابيع القادمة، وفق ما تراه المجلة.