في مواجهة ولد الغزواني.. ما حظوظ المعارضة في الانتخابات الموريتانية؟

بدأ العد التنازلي في موريتانيا لإجراء الانتخابات الرئاسية مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني والذي فاز بالمنصب عام 2019، بعد شغله لسنوات منصب وزير الدفاع في حكومة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وأعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في موريتانيا أن 22 مايو/أيار 2024 هو موعد الدور الأول للانتخابات الرئاسية، بعد أشهر قليلة من تنظيم الانتخابات التشريعية في البلاد والتي أثارت بدورها جدلا واسعا واحتجاجات من قبل المعارضة بعد التشكيك في نزاهتها.
مرشح الأغلبية
واستبقت الأحزاب الحاكمة في موريتانيا الإعلان الرسمي للجنة الانتخابات بأكثر من 3 أشهر، وذلك بعد عقد تجمع سياسي.
إذ أعلنت في بيان مشترك نشرته أحزاب الأغلبية الرئاسية، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عن ترشيح الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني لخوض الانتخابات الرئاسية.
ويطلق لقب "أحزاب الموالاة" على 9 أحزاب موالية للرئيس الغزواني وهي، الفضيلة، الرفاه، الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، الاتحاد والتغيير الموريتاني، الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد، البناء والتقدم، الوسط والعمل من أجل التقدم، الكتل الموريتانية، الوحدة والتنمية.
وأكدت الأحزاب، في سياق تبريرها لترشيح الغزواني أن "موريتانيا شهدت، خلال السنوات الأخيرة، تحولات كبيرة على جميع الأصعدة منذ تسلمه مقاليد السلطة فيها، تميزت بإحداث تغيير جذري وملموس في حياة المواطنين".
وذلك "من خلال العمل على عصرنة المجتمع وتعزيز الممارسة الديمقراطية ودولة المؤسسات والانفتاح على مختلف مكونات الطيف السياسي الوطني، في ظرف تاريخي ودولي تطبعه الصعوبة والاضطراب والتنافس الشديد على المصالح بين الدول والتكتلات الإقليمية"، وفق البيان.
ويرأس الرئيس الموريتاني حزب الإنصاف الحاكم خلفا للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وهذا الأخير أسس الحزب عام 2009 تحت اسم "الاتحاد من أجل الجمهورية"، ولكن جرت الإطاحة به من رئاسته مباشرة بعد مغادرته المنصف في 2019.
واندلع صراع بين الرجلين على قيادة الحزب الحاكم، انتهت بفوز الرئيس الحالي وملاحقة السابق بقضايا فساد استمرت المحاكمات فيها قرابة 4 سنوات.
وقرر القضاء في نواكشوط نهاية عام 2023 حبس ولد عبد العزيز 5 سنوات في قضية استغلال منصبه بهدف الإثراء غير المشروع.
وبدأت في يناير/كانون الثاني 2023 محاكمة ولد عبد العزيز (66 عاما) الذي حكم البلاد بين عامَي 2008 و2019 ومعه 10 شخصيات من بينهم رئيسان سابقان للحكومة ووزراء سابقون ورجال أعمال، بتهم "الإثراء غير المشروع" و"إساءة استخدام المناصب" و"استغلال النفوذ" و"غسل الأموال".
كما قررت المحكمة مصادرة أصول تحصّل عليها ولد عبد العزيز بطريقة غير مشروعة، فيما لم يبد الأخير ردة فعل على الحكم.
سيطرة مطلقة
ونجح حزب "الإنصاف" الحاكم في موريتانيا بحصد غالبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 13 مايو 2023 وفقا لنتائج رسمية نشرتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وفاز حزب الأغلبية الرئاسية (الإنصاف) بـ107 مقاعد في البرلمان، من أصل 176، بينما حصلت 10 أحزاب أعضاء في التحالف الرئاسي الحاكم على 42 مقعدا، في حين فازت المعارضة بـ27 فقط، منها 11 لحزبها الرئيسي "التواصل" ( الإسلامي).
ولم تستطع أحزاب المعارضة التقليدية مثل تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم والتحالف الشعبي التقدمي أن تحصل على من يمثلهم تحت قبة البرلمان.
ولم تمض ساعات على اعتماد نتائج الانتخابات حتى لجأت المعارضة إلى أسلوبها التقليدي في الاحتجاج.
ووقتها عقدت مؤتمرا صحفيا أعلنت خلاله الطعن في النتائج ولوَّحت بالنزول للشارع احتجاجا على ما عدته "تزوير إرادة الناخبين"، مطالبة بإعادة الانتخابات.
هذه الانتخابات مثلت تمكينا للسلطة القائمة في موريتانيا من مؤسسات الدولة، وإمساك خيوط اللعبة السياسية في البلاد، خاصّة بعد نجاح الرئيس بتطويق الأزمة وتجاوزها وتثبيت نتائج الانتخابات رغم حجم الانتقادات، ليتفرغ بعدها للإعداد الجيد للاستحقاقات المقبلة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية.
ورغم التشكيك فيها، مثّلت هذه النتائج واقعا جديدا لموازين القوى الشعبية لمختلف مكونات المشهد السياسي في البلاد في الحكم والمعارضة، ما يصعب من تغير المشهد خلال أشهر قليلة.
وفي حديث لـ"الاستقلال" رأى الصحفي الموريتاني عبد الله ولد سيديا أن "موريتانيا تتجه نحو انتخابات محسومة مسبقا ومصممة على مقاس الرئيس الحالي".
وأضاف "رغم الأداء الضعيف للرئيس وحكومته على مختلف الأصعدة فإنه لن تكون هناك منافسة حقيقية نظرا لنجاحه في تفكيك المعارضة التقليدية ممثلة في حزبي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم وكذلك دخول حزب تواصل ذي الخلفية الإسلامية تحت عباءة السلطة الحاكمة".
خيارات المعارضة
وأكّد أنه "لكي تتجاوز المعارضة الموريتانية هذا الواقع المزري فإنه ينبغي لها التوحد خلف مرشح واحد قادر على مجابهة السلطة الحاكمة والمتحكمة في دواليب العملية الانتخابية عبر شراء الذمم والولاءات والتعيينات ذات الخلفية القبلية والعشائرية".
واستدرك الصحفي الموريتاني قائلا: "للسلطة تاريخ حافل بتزوير عمليات الاقتراع في كثير من الأحيان رغم ما تدعيه من شفافية عبر توحيد الورقة الانتخابية واستدعاء المراقبين الدوليين".
وأضاف أنه "من أجل تجاوز ذلك يجب تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات تكون المعارضة ممثلة فيها وأن تزال وصاية وزارة الداخلية على العملية الانتخابية".
وفي السياق نفسه قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني حمادي ولد سيدي المختار، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة "ستنظم في ظل حالة غير مسبوقة من اهتزاز الثقة في المنظومة الانتخابية وبالذات في جهات الإشراف عليها بعد الانتخابات الأخيرة.
وأكد خلال كلمة له أمام مجلس شورى الحزب في 6 يناير 2024 أن الحزب شكل "لجنة لمتابعة التفكير والبحث في الخيارات المتاحة أمام الحزب في الانتخابات المقبلة ورفع مقترح بها إلى المكتب السياسي".
ولا يتوقع جلّ المراقبين تقديم "الإسلاميين" في موريتانيا مرشحا لهم للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما لمس من دعواتهم لفتح مشاورات واسعة مع بقية قوى المعارضة للاتفاق على مرشح موحد لمنافسة الرئيس الحالي.
وتسود حالة من الضبابية ساحة المعارضة في موريتانيا إذ لم تعلن بعد عن أي مرشح للمنافسة في انتخابات الرئاسة، وذلك رغم إعلان أحزاب الأغلبية الحاكمة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ترشيحها ولد الغزواني.
ولم تفرز التحركات موقفا موحدا لقوى المعارضة في البلاد، إذ تواجه حالة انقسام حاد بين الموقعين على وثيقة اقترحتها الداخلية تحمل اسم "الميثاق الجمهوري" وغير الموقعين.
وكانت سيدة الأعمال الموريتانية والخبيرة في شؤون القارة الإفريقية، بليندا فال، السباقة إلى إعلان ترشحها لخوض الاستحقاق القادم، وتطمح لتكون أول سيدة تقود البلاد، رغم ضعف شعبيتها وغياب أي مساندة حزبية لها.
وإلى جانب بليندا، رجحت وسائل إعلام محلية أن يجدد الناشط الحقوقي والبرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد خوض تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية، بعد أن حل في انتخابات عام 2019 ثانيا بعد الغزواني.
ولا يبدو أن هذه الترشحات جدية في منافسة رأس سلطة مستقرة يحظى بدعم أهم القوى السياسية في موريتانيا ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي لا تزال تلعب أدوارا مهمة رغم الغطاء المدني للحكم.