خطوة أحادية.. ما دوافع الحوثيين من فتح طرقات بالمناطق المحاصرة؟
شعر كثيرون بإمكانية العودة إلى الوضع الطبيعي قبل الحرب
بطريقة دراماتيكية مفاجئة، بدأت مليشيا الحوثي باليمن تنفيذ فتح الطرقات في مأرب وصنعاء وتعز ما أثار تساؤلات عن الدوافع الحقيقية لهذه المبادرة.
هل يعود ذلك، إلى تفاهم واتفاق غير معلن جرى بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي؟ أم أنها استجابة متأخرة للضغوط الأممية في هذا الملف، أم هناك أسباب أخرى ساعدت في تسريع عملية فتح الطرق ورفع الحصار، خاصة عن مدينة تعز؟
وكان يوم 9 يونيو/حزيران 2024، مختلفا بالنسبة لليمنيين، وهم يشاهدون وفدا من محافظة البيضاء يصل إلى مدينة مأرب وهي من الطرق الرئيسة التي بقيت مغلقة خلال سنوات الحرب، بما يعني فتح أهم طريق يربط بين محافظتين.
انفراجة جزئية
وتابع اليمنيون هذا الحدث باهتمام شديد، وغطت وسائل الإعلام المختلفة تحركات الوفد الذي جاء باسم "أصحاب الرايات البيضاء".
وهنا شعر كثيرون بإمكانية العودة إلى الوضع الطبيعي قبل الحرب، بعد أن كانت الطرق البديلة الوعرة قد تمددت وضاعفت من معاناة الناس إلى مستويات قياسية.
وما جرى في مأرب ينتظره الناس في تعز والحديدة والضالع، فلا تزال الأنظار حاليا تتجه صوب جولة القصر الجمهوري شرق مدينة تعز، ينتظرون عبور السيارات وتجول المواطنين بين أجزاء المحافظة.
وهذه المحافظة مقسمة إلى شقين الأول ذات الكثافة السكانية تحت سيطرة الحكومة الشرعية، والثاني منطقة الحوبان (مركز تجمع مصانع مجموعة شركات هائل سعيد أنعم) الواقعة تحت نفوذ الحوثي.
وبالتالي فلا يزال من الصعب التنبؤ بمدى نجاح هذا التقدم بهذا الملف الإنساني بالمقام الأول، ومدى التزام الأطراف في عدم العودة إلى مربع الإغلاق من جديد، ونجاح هذا الانزياح في باقي المحافظات الأخرى مثل الحديدة والضالع ولحج وشبوة.
وتعرض العديد من الطرق الرئيسة والحيوية في اليمن إلى الإغلاق والتدمير الكامل جراء الصراع القائم منذ قرابة تسع سنوات.
وأدى ذلك لتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متنازعة بين عدد من الأطراف من الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق صالح ابن شقيق الرئيس الأسبق.
بدأ الحصار على مدينة تعز 2015 بقطع طريق الحوبان إلى الشرق وطرق رئيسة أخرى من الجنوب والغرب والشمال الشرقي.
وفشلت كل المناشدات والمبادرات الرامية لرفعه، ما دفع المواطنين إلى استحداث طرق إمداد بديلة تصل المدينة بعالمها الخارجي، لكنها بعيدة وشاقة.
وخلال ذلك، تعرضت المدينة لقصف ممنهج ومعارك بين كر وفر، ما أدى إلى مقتل وجرح الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية، في بعض المناطق يصل إلى 90 بالمئة.
ومن هذه الأحياء التي شهدت دمارا واسعا “الجحملية، كلابة، ثعبات، الروضة، الدعوة، الجمهوري”، كما تأثر عدد من المنافذ منها الشرقي والشمالي والشمالي الشرقي والغربي.
مبادرة مشبوهة
الكاتب المتخصص في علم الاجتماع السياسي "مصطفى ناجي" علق على مبادرات فتح الطرق في تعز بالقول إنها مشبوهة وفيها ثغرات.
وأوضح في منشور على فيسبوك أن "الذهاب إلى إجراءات أحادية يعني التملص من أي اتفاقات ملزمة لها صيغة قانونية وتبعات حول شرعية وأخلاق الطرف الملتزم.
وطرح تساؤلا: لماذا يصر الحوثي على تجنب الالتزام باتفاقات ويلجأ إلى وساطات محلية أخرى-مشكورة على جهدها الذي لا يمكن إنكاره-؟
ويوضح ناجي، أن الإجابة الأولية أنه سيتمكن من التملص من الالتزام في أي لحظة.
الأمر الثاني –حسب رأيه- هو الدافع الذي بموجبه سيتم فتح الطريق. قال الحوثي: إنها مكافأة لمدينة تعز على موقفها المشرف تجاه غزة.
وهنا ملاحظتان، الأولى: تهرب الفاعل من كل جرائمه لمدة عشر سنوات تجاه المدينة وهذا يعني هدر الحقوق وإهدار العدالة.
الثانية: هي التعالي الذي يبديه المجرم تجاه ضحاياه فهو يحدد شروط العقاب وإمكانات الثواب وفق دالته القيمية، وفق تعبير الجيزي.
كما يرى الصحفي والمحلل السياسي "فيصل سعيد الحذيفي"، أن موافقة الحوثيين على فتح الطرق ورفع الحصار عن مدينة تعز تحديدا وبهذه الطريقة لا يمكن أن يكون عفويا أو استجابة لمطالب شعبية أو حتى ضغوط دولية.
وأشار الحذيفي في تصريح لـ"الاستقلال"، إلى أن ملف رفع الحصار عن تعز خلال سنوات الحرب مر بمحطات كثيرة، وكان هناك قرارات أممية وضغوط دولية وكلها فشلت في إحداث أي أثر ولو محدود بسبب التعنت الكبير من قبل الحوثيين.
ويعتقد "الحذيفي" بأن قرارات الشرعية الأخيرة القاضية بنقل مقرات البنوك إلى العاصمة عدن قد أسهمت بشكل كبير في التسريع بفتح الطرق.
وذلك لأن “جماعة الحوثي استشعرت أنها في ورطة كبيرة وأنها بهذه القرارات ستصبح محاصرة فسارعت إلى فتح الطرق عن نفسها ورفع الحصار”.
وتصاعدت حدة الحرب الاقتصادية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ومليشيا الحوثيين، في خطوة تهدد بانهيار الهدنة العسكرية السارية وغير المعلنة بين الطرفين منذ أبريل/نيسان 2022، التي أعقبت 7 سنوات من القتال المحتدم.
ويشهد اليمن انقساما نقديا، إذ يوجد بنكان مركزيان أحدهما تديره الحكومة في مدينة عدن، جنوبي البلاد، ويتعامل بأوراق مالية حديثة، قيمة الدولار الأميركي فيها 1760 ريالا، والآخر في العاصمة صنعاء يديره الحوثيون، ويتعامل بأوراق مالية أقدم، قيمة الدولار الأميركي فيها 531 ريالا.
وكان محافظ البنك المركزي اليمني في عدن أحمد غالب المعبقي قد أصدر قرارا يقضي بـ”إلزام البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال فترة أقصاها ستون يوما”.
وتوعد بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية كافة بحق البنوك التي تتخلف عن تنفيذ القرار طبقا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، وهو ما نفذه لاحقا بحق بنوك تعمل في صنعاء.
ضغط وفائدة
الصحفي "أنس الحاج" أحد الأشخاص الذين نقلوا وتابعوا أيام الحصار على تعز خلال سنوات الحرب لحظة بلحظة، يقول إن “جماعة الحوثي منعت دخول المعونات الطبية والأدوية للمدينة منذ عام 2015، ومنعت دخول الخضراوات وغيره كمحاولة لتركيع الناس”.
ولفت في حديث لـ"الاستقلال" إلى أنها “تستجيب اليوم بسهولة بعد أن شعرت بخطر يتهدد اقتصادها، وأن المال هو المحرك الأساسي لدوافعها الشريرة”.
ويستذكر “الحاج” تفاصيل الحصار والمعاناة في المنافذ وخاصة بين عامي 2015 و2016، وكيف حولت المليشيا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، وبالتالي حسب رأيه، يستحيل اتخاذ هذه المبادرة دون ثمن.
ويخلص إلى أن قرارات البنك المركزي الأخيرة ضربت الحوثيين في مقتل، وأنهم إذا لم يسارعوا في رفع الحصار عن مأرب وتعز فإنهم الخاسر الأول وسوف يكونون هم المحاصرين فعليا.
فميناء الحديدة سيصبح بلا قيمة وقتها، وبالتالي فالجماعة هي المستفيد الأول من فتح الطرق، وفق قوله.
وفي نهاية مايو/أيار 2024، وجه البنك المركزي اليمني، بوقف التعامل مع 6 من أكبر بنوك البلاد، بسبب تعاملها مع الحوثيين، فيما عدت المليشيا القرار "عدوانا اقتصاديا وخطوة خطيرة".
وقال في تعميم نشره عبر موقعه: “على البنوك والمصارف وشركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات في الجمهورية (اليمنية) كافة وقف التعامل مع بنوك "التضامن، واليمن والكويت، والأمل للتمويل الأصغر، إضافة إلى مصرف اليمن والبحرين الشامل، وكذلك بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، واليمن الدولي".
وأشار البنك المركزي إلى أن قراره جاء بسبب "عدم التزام هذه البنوك بأحكام القانون، واستمرار تعاملها مع جماعة مصنفة إرهابية (في إشارة إلى جماعة الحوثي) وتنفيذ تعليماتها بالمخالفة لقواعد العمل المصرفي ".
ومن شأن تلك الإجراءات القاسية إضافة متاعب معيشية جديدة على المواطنين وارتفاع الأسعار بفعل تعطّل عمل البنوك التجارية وعدم القدرة على إجراء معاملات مثل تحويل الأموال لشراء واستيراد السلع من الخارج لبلد يستورد حوالي 90 بالمئة من احتياجات سكانه.
وبدوره، يذهب الناشط "عبدالرحمن الشوافي" من سكان مدينة تعز إلى أن فتح الحوثيين للطريق ورفع الحصار يأتي في سياق استغلال مباشر للمبادرة التي أعلن عنها سابقا محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، ويقلل من وجود أي ضغوط حكومية أو من المجتمع الدولي.
ويرى "الشوافي" في تصريح لـ "الاستقلال" أن الموضوع فيه جانب إعلامي؛ كون الحوثي تصدر الملف وأعلن أكثر من مبادرة في مأرب وتعز وغيرها لكن الطرق التي أعلن عن فتحها سابقا فرعية وليست رئيسة.
وبالتالي يظهر الحوثي في هذه الأثناء أنه متجاوب مع مبادرات فتح الطرق لكنه في الزاوية الأخرى لا يزال مثلا في تعز يغلق ثلاثة منافذ للمدينة.
ويعتقد "الشوافي" أن الحوثيين يستفيدون من فتح الطرق (فرعية وليست رئيسة) أكثر من إغلاقها، وذلك للتخفيف من الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.